شعار قسم ميدان

"دغدغة عمالقة".. نظرة أخرى على باسم يوسف

ميدان - باسم يوسف

من جديد، عاد اسم "باسم يوسف" يطفو على السطح، ومعه، كل ما يرافقه دائمًا من جدل وأسئله: هل كان باسم يوسف مُناضل ثوّري استطاع أن ينطق بلسان حال المعارضة ويساعد بسخريته اللاذعة على هدم مفاهيم قُدسية السلطة المُترسخة عند مُعظم فئات الشعب المصري؟ أم هل كان مُجرد شخص آخر استطاع عبر خفة ظله إستغلال مساحة حرية الرأي التي خلقتها الثورة ليختفي باختفائها؟ والاسوأ: هل كان، دون قصد منه، واحد من أكثر أسلحة المؤسسة العسكرية تأثيرًا؟

لم يرجع "باسم يوسف" وما يرافقه من جَدل إلى الأذهان هذه المرة بسبب عودته للسخرية السياسية، فمنذ سفره للولايات المتحدة الأميركية قبل بضعة أعوام وهو متوقف تمامًا عن إنتاج أي مُحتوى ساخر بخلفية مصرية أو عربية. السبب هذه المرة هو صدور الوثائقي الأميركي "دغدغة العمالقة"
(Tickling Giants)، والذي  يعرض قصة برنامجه، منذ أن كان محض فكرة في رأسه مرورًا بنجاحه المُدوي وإلى أن تم منعه في النهاية.

 

مُحطِّم لصنم السُلطة؟

ببداية الفيلم، يقول باسم يوسف: "ذهبت لميدان التحرير كطبيب لأعالج المُصابين، وعندها، رأيت واقعين مختلفيّن تمامًا، واحد رأيته بنفسي في الشارع، وآخر رسمته وسائل الإعلام على التلفاز." لم يكن ما لاحظه باسم يوسف من تزييف الإعلام للحقيقة والذي سيدفعه فيما بعد لصُنع برنامج "البرنامج" سوى امتداد لعقود طويلة من عقائد تقديس السلطة والحاكم.

كتب جون أونز بإحدى مقالاته بالغارديان يقول(1) : "بإمكان السخرية أن تكون مُدمِرة -بصفة خاصة لأولئك الجالسين بسدة الحُكم- كوّنها تُعرّي سخافات السلطة. فالسلطة دائمًا ما تُحاول تأكيد ذاتها عن طريق فرض غلاف من المَهابة والاحترام على صورتها، وعندما تُجَرد من هذا الغلاف، تجد نفسها مُعرضة لضياع شرعيتها وخضوع الآخرين لها".

نجد ما سبق مُتحقق بشكل كبير في المشهدين الفني والإعلامي قبل الثورة. فحتى تضفي السلطة غلاف المهابة والاحترام الذي أشار إليه أونز على الحاكم، دأبت على ترسيخ النظرة البطريركية (الأبوية) له عبر وسائل الإعلام، فلم تفوّت فرصة إلا وبثت للشعب فيها رسائل مفادها أن مُبارك هو"أب" للمصريين، وهم كـ "أبناء" له من الواجب عليهم "احترامه" و"طاعته".

جاءت الثورة بعدها لتعصف بالسلطة وأفكارها. لكن، حتى عندما بلغ تحطيم المعارضين لقُدسية الحاكم ذروتها بثورتهم عليه وكسر هيبته المُفتعلة بحمل لافتات تسخر منه بل ورفع الأحذية أمام الشاشات أثناء إلقاءه لخطاباته الثلاثة أثناء الثورة، بقي الوضع كما هو عليه بالنسبة للجالسين بمنازلهم أمام شاشات التلفاز.
  
نجحت الآلة الإعلامية بإحاطة فئات عريضة من الشعب بجدار من الأكاذيب المصريين، عزلتهم به عما يحدث حقًا في الميادين، وكثّفت من استخدام مجاز "الحاكم الأب"، حتى توطد غلاف الهيبة الذي زعزعهُ الثوار وحتى تسخف من فكرة الثورة وتحيلها لخروج بضعة أبناء عاقّين عن طاعة أبيهم.

  

وهكذا كما أشار باسم ببداية الفيلم، كنا بصدد واقعيّن مُنفصليّن: شباب يموتون بالميادين للتخلص من الحاكم (مبارك ثم المجلس العسكري)، وجماهير عريضة ترى ما يحدث مؤامرة أجنبية. بدا أنه لا سبيل لرتق الفجوة وإيصال صوت الثوّار لأولئك الجالسين ببيوتهم. وكان هذا الوضع هو ما شجع باسم على صنع ما سيصير "البرنامج".

في أحد الحوارات تحدث باسم يوسف عن دوافعه في بدء ما سيصير لاحقًا البرنامج وقال: "عند نزولي إلى ميدان التحرير ثم رجوعي بعدها إلى المنزل، كنت أُتابع الإعلام المصري وأُشاهد ما يبثه عن كون ما يحدث مؤامرة من عناصر مُندَسة تريد الخراب للبلد. بعد انتهاء الثورة، اتضح أن لم يكن هنالك قط نقود أو تمويل خارجي أو وجبات كنتاكي. تبادرت إلى أذهاننا حينها فكرة تجميع الرسالة الإعلامية الموجودة على مدى الثمانية عشر يومًا على هيئة فيديوهات وبثها عبر يوتيوب."(2)

 
هكذا أخذ باسم يوسف ما كان يُقال بين المُعارضين وأوصله لفئات أعرض من الشعب المصري. ويُعبر رسام الكاريكاتير "أنديل" عن هذا الرأي في الفيلم قائلًا: "أتذكر المرة الأولى التي شاهدت فيها باسم يوسف، وأتذكر كيف شعرت بأنه يُعبّر عني: كان يشجع الناس على أن يكونوا أكثر انتقادًا للسلطات، ويقول أشياء كتلك التي نقولها لبعضنا البعض، أشياء لا تُقال عادة على التلفاز.. شعرت أنه شخص منّا." وفي سياق متصل يقول أحمد خالد توفيق: "كان باسم من أجمل ما منحته لنا الثورة وصار صوتا يقول كل ما كنا نريد قوله ولا نعرف كيف، أو لا نجد الكلمات المناسبة"(3)


 

ولا تنبع الفرادة بتجربة باسم في كونه أول من انتقد السُلطة، فانتقاد السلطة ليس بجديد-كانت بعض صحف المُعارضة تقوم به على استحياء قبل الثورة- بل في كونه أول من سخر منها على الملأ.

انتشرت النكتة السياسية قبل الثورة، لكن على نطاق ضيق، ما قام به باسم هو أن أخذ النكتة السياسية لمستوى أعلى، جاعلًا منها الهيكل الأساسي لبرنامج تليفزيوني يقوم على تعرية عيوب الحُكام والآلة الإعلامية الموالية لهم باستخدام السخرية.

ولعمل هذا استعار باسم نموذج برامج الهجاء السياسي (Political Satire) من الإعلام الغربي -وبصفة خاصة الأميركي- ونقلها للواقع المصري بحرفيّة، مُستغلًا في هذا موهبته الطبيعية في الإضحاك وانتقاؤه لمادة قادرة في الوقت ذاته على بعث الضحكات وإثارة التساؤلات في ذهن المُشاهد.

 
في النصف الأول منه، يُسلط الفيلم الضوء على فترة ممارسة باسم يوسف للهجاء السياسي بحرية دون تضييق عليه، وتنجح الكاميرا في التقاط مشاعر الخفة والحرية التي شعر بها وكل فريقه أثناء هذه الفترة، والتي انعكست أيضًا على المُحتوى الذي قدموه والذي اتسم بالتحرر من كل التابوهات سياسية كانت أو اجتماعية.

 
ليست هناك تجربة ديموقراطية حقيقية بلا سُخرية، فعلى بساطتها، تقف النُكتة كحاجز بين الشعب وبين تقديس الحاكم، فلا أحد يستطيع أن يُقدس من يضحك عليه. ولهذا السبب، كان لبرنامج باسم يوسف مثل هذه الأهمية في هدم صنم السلطة المُقدس. أو هكذا ظننا حتى "30 يونيو"..

 

براغماتي استفاد من الثورة؟
ميدان - باسم يوسف (وكالة الأنباء الأوروبية)
ميدان – باسم يوسف (وكالة الأنباء الأوروبية)

يُعرِف قاموس كولنز البراغماتية على أنها: "أسلوب للتعامل مع المشاكل وحلّها بشكل عملي بمنأى عن النظريات والمبادئ المجردة."(4)يُمكننا اعتبار البراغماتية إذن مُحاولة لاختزال كل ما سبقها من أوجه مُتشعبة لحركات فكرية وفلسفية مُعقَدة وردّها إلى وجه واحد فقط، وهو مدى "عمليّة" هذه الأفكار أو الفلسفات. فبينما حاول المفكرون والفلاسفة الوصول لـ "حقيقة" ما مُطلقة طوال قرون، وبينما امتلأت رحلتهم لتلك الحقيقة المنشودة بالكثير من الميتافيزيقا، جاءت البراغماتية لتُغيّر كل هذا، وتُفاضل بين نسق فكري وآخر عن طريق مقياس واحد فقط وهو: أي منهما أكثر قابلية للتطبيق؟

ربما لا نستطيع أن نفهم البراغماتية حقًا بمعزل عن ظروف نشأتها. فالبراغماتية هي ابنة لأواخر القرن التاسع عشر، شهدت ازدهارها في القرن العشرين حين اتجهت كل تفاصيل الحياة أكثر وأكثر نحو التعقيد، وبات الناس في حاجة ماسة إلى مقياس واضح يساعدهم على الاختيار(5).

في ضوء البراغماتية، نستطيع أن نرى باسم يوسف وتجربته كلها بشكل مُختلف. فباسم لم يدع يومًا كونه مُناضل سياسي أو صاحب قضية (كما يظهر في بداية الفيلم الوثائقي)، كل ما أراد باسم يومًا أن يكونه هو كوميديان يمتلك برنامجًا يوجه فيه انتقاداته للسلطة عن طريق السخرية، وهو حق مكفول لأي مواطن بأي دولة ديموقراطية.

يظهر هذا بوضوح في بداية الوثائقي، حيث يقول باسم: "أعمل كجراح، مهنتي هي أن أفتح أجساد الناس لأرى ما بداخلها. أما السخرية، فأحبها لأنها تتيح لي اختراق المظاهر الزائفة للناس دون إراقة أي دماء. لو أُتيح لي اختيار مهنتي، لاخترت أن أمتلك برنامجي الكوميدي الخاص وأصبح مثل "جون ستيوارت"…حينها، كنت لأسخر من السياسة والرئيس. لكن هنالك مشكلة واحدة فقط: أنا أعيش بمصر".

بعد
بعد "30 يونيو"، عندما قامت السُلطة بالتضييق على الحريات والتخلص من تلك المساحة الآمنة بلا رجعة، أسدل باسم يوسف الستار على تجربة البرنامج وحزم أمتعته وسافر إلى أميركا
 

يقع المشهد السابق في ترتيب الأحداث قبل الثورة، ويليه مشاهد أُخرى توضح الأساليب القمعية التي نهجتها السُلطة مع معارضيها، كتوضيح لجُملة باسم "أنا أعيش بمصر" التي استخدمها كرد على لما لم يحقق حلمه في امتلاك برنامج سُخرية سياسية. وفي بداية الوثائقي يُصرح باسم أيضًا أن "25 يناير" كانت المرة الأولى في حياته التي يرى فيها مظاهرات. جاءت الفرصة لباسم أخيرًا ليحقق حلمه: سقطت السلطة وسقطت معها آلياتها القمعية. بدا للجميع أن البلد تدخل أول تجاربها الديمقراطية، ولم يعد التعذيب مصير لمن يُعارض السلطة.

وفي ذاك المناخ الذي كان أقرب ما عهدته مصر للديموقراطية، خلقت الثورة مساحة آمنة نسبيًا لمُختلف الأطياف لتُعبر فيها عن رأيها، وفي تلك المساحة الآمنة، استطاع باسم يوسف وبرنامجه أن يسطعا. أما بعد "30 يونيو"، عندما قامت السُلطة بالتضييق على الحريات والتخلص من تلك المساحة الآمنة بلا رجعة، أسدل باسم يوسف الستار على تجربة البرنامج وحزم أمتعته وسافر إلى أميركا. ينصب النقد الأساسي لباسم يوسف على هذا بالذات: المقاومة وقت كانت المقاومة بلا ثمن، والهرب عند أول اختبار حقيقي يضعه في صراع مع السلطة.

عن هذا قال الكاتب معاذ عابدين : "باسم تمتع بمجانية الحرية التي عاش أجواءها، واختفى حين تحولت إلى معركة طاحنة، لم يحترم فيها حق الجمهور في الظهور والاستمرار مجددًا بعد توقف ما بعد مرسي والإخوان، ولا أمانة الكلمة ومسئولية المادة الساخرة كأداة من أدوات تشكيل الوعى الجماهيري، ولا أي شيء، فقط اختفى ولعب دور الضحية!"(6) وفي نفس السياق كتب محمد عبد المنعم: "باسم كان مناضلاً حين كان النضال رخيصًا وعواقبه تكاد لا تذكر وأرباحه تكاد لا تحصى، واعتزل النضال عندما أصبح ثمن النضال غاليًا وعواقبه مميتة ونهائية".(7)

فيما كان الكاتب عمرو سمير عاطف من أشهر من وجهوا الانتقادات لباسم، فكتب على صفحته الشخصية على الفيس بوك يقول: "مش فاهم هو باسم بيعمل ايه حاليًا.. ساكت ومستخبي ومختفي ليه؟ هو الموضوع بالنسبه لك لازم يبقي انتاج ضخم وبهرجه وتبقي في مستوي معين وخلاص.. مش انت كنت قائد رأي وملايين كانوا ماشيين وراك خلاص مع اول تهويشه نخيت، خساره والله لانك لما هاتبص للي حصل بعد سنين طويله هايبان انك كنت مجرد لعبه وانت ما كنتش كده"(8)

 

 
وقد قام باسم بالرد على اتهامات الأخير في رسالة خاصة وجهها له عبر الفيسبوك استأذنه عاطف في نشرها جاء فيها التالي : " طيب قوللي يا استاذ عمرو. ايه فايده اني اعمل فيديوهات دلوقتي؟ عشان انتقد الهبل اللي في الاعلام والتناقض اللي في البلد؟ طيب انا سيدي الفاضل فضحت نفاق الاعلام وخيبتنا في سد النهضه بعد تلاتين سته والتسريبات ونظريه المؤامره وعمهم كلهم جهاز الكفته.. قوللي يا استاذ عمرو: الناس عملت حاجه؟ حاجه اتغيرت؟ ولا انت عايزني استمر في عمل فيديوهات عشان الناس تتقلب علي قفاها من الضحك ودمتم.

 

ولما يحصل حاجه لحد من اهلي حينوبني مصمصه شفايف وكام تويته، انا مش حعرض اهلي للخطر عشان ناس سلبيه بتزايد علي ناس تانيه انهم مش بيدوهم الافيونه بتاعتهم.. انا اسف. تعبير قاسي بس سامحني.. حضرتك فيه واحده اسمها ايه حجازي محبوسه من سنه بتهم ارهاب و هي اصلا جايه من بره تساعد اطفال الشوارع، حد نفعها، وغيرها كتير، عشان اقولك بس انهم ما بيهمهمش حد والناس اخرها فعلا كام تويته."(9)

 

لن نستطيع أبدًا إنكار الدور الذي لعبه باسم يوسف وبرنامجه في تجربه مصر القصيرة مع الديمقراطية. لكن، هل كان هذا الدور إيجابي دائمًا؟

وفي سياق متصل، رفض باسم يوسف تلقيب المذيعة جزيل خوري له بالـ"المُناضل" أثناء تقديمها له ببرنامجها على البي بي سي قائلًا: "ده كتير أوي عليا يا فندم. أنا مش مُناصر ومش مُناضل، أنا مُجرد مواطن لقى طريقة مُعينة للتعبير واستغلها، ليا اخطائي، وليا الحاجات اللي عملتها صح أو عملتها غلط." (10)

 

أما إذا اخترنا تحليل باسم يوسف وتجربته بعيدًا عن أي نسق فكري في محاولة لإجابة لماذا انسحب بسهولة، فسنجد في الوثائقي إجابات شافية. يقوم الفيلم بإزالة هالات الشهرة والجدل من حوله ليُظِهر هشاشته الإنسانية. وفي المحطة الأخيرة لرحلته مع البرنامج، عند عودة البلاد مُجددًا للحُكم العسكري، تكالبت عليه أحاسيس الخوف من سُلطة يعرف تمام المعرفة أنها قادرة على البطش به، ومعها شعور أن لا معنى أو فائدة من وراء ما يقوم به، وحينها لم يكن منه إلا الانسحاب.

في النهاية، لن نستطيع أبدًا إنكار الدور الذي لعبه باسم يوسف وبرنامجه في تجربه مصر القصيرة مع الديمقراطية. لكن، هل كان هذا الدور إيجابي دائمًا؟

 

أداة في يد السلطة؟

"دورك انتهى يا باسم"
  

نظر النظام وآلاته الإعلامية طوال الوقت لباسم يوسف وبرنامجه كأداة للتخلص من حكم الإخوان، وعندما تم لهم ما أرادوا، رأوا ضرورة التخلص منه  (وكالة الأنباء الأوروبية)
نظر النظام وآلاته الإعلامية طوال الوقت لباسم يوسف وبرنامجه كأداة للتخلص من حكم الإخوان، وعندما تم لهم ما أرادوا، رأوا ضرورة التخلص منه  (وكالة الأنباء الأوروبية)


ترددت هذه العبارة الموّجهة لباسم يوسف عبر كافة البرامج الإعلامية فوّر إزاحة الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم بعد "30 يونيو"، وعلى الرغم من بساطتها، فهي تحمل دلالات خطيرة. أول هذه الدلالات هو تجاهل الإعلاميين لماهية برامج الهجاء السياسي (Political Satire)، فهذه البرامج تتخذ من السخرية من كافة رموز السُلطة السياسية مادتها الأساسية، بغض النظر عن هوّية من في السُلطة. ففي الولايات المُتحدة الأميركية مثلًا، برنامج كبرنامج جون ستيوارت استمر سبعة عشر عام سخر فيها ستيوارت بنفس القوة من كلينتون وبوش وأوباما على التوالي بالرغم من الاختلاف الشاسع في سياسات كل منهم.

 

وثاني هذه الدلالات -وأهمها- هو نظر النظام وآلاته الإعلامية طوال الوقت لباسم يوسف وبرنامجه كأداة للتخلص من حكم الإخوان، وعندما تم لهم ما أرادوا، رأوا ضرورة التخلص منه. ويُعبر الكاتب أسامة الرشيدي عن هذا المعنى في بحثه عن باسم يوسف (4)قائلًا: "نفى باسم في حوار مع وكالة الأناضول للأنباء أن يكون قد تم استخدامه كأداة للإطاحة بمرسي ثم الاستغناء عنه بعد ذلك، لكن هذا النفي لا يعدو كونه وسيلة من وسائل الإنكار، فالحقيقة أن باسم حتى وإن كان قد استمر لمدة عام بعد الإطاحة بمرسي، إلا أنه لم يتناول عبد الفتاح السيسي خلال هذا العام بأي نقد، وعندما بدأ يُخطط لذلك تم وقف البرنامج فورا. وهو ما يدل على أن البرنامج كان يتحرك طوال الوقت ضمن مساحة مسموح بها مؤقتا وسيتم غلقها بعد ذلك."

في النصف الثاني منه، يُسلط الفيلم الضوء على باسم يوسف و"البرنامج" بعد "30 يونيو"، وتجيء أجواء الفيلم في هذا الجزء كنقيض تام لأجوائه في النصف الأول. ففي الوقت الذي سيطر على الساعة الأولى روح التحدي للسلطة والثورة عليها بخفة وتمرد، أثقلت مشاعر الترقُب والخوف الساعة الثانية، وبينما انتهت صدامات باسم مع السُلطة بانتصاره في البداية، وضعت السلطة بقمعها النهاية لا للبرنامج فقط، بل لتجربة مصر القصيرة جدًا مع الديمقراطية.

المصدر : الجزيرة