شعار قسم ميدان

أوسكار 2017.. الأرقام والجوائز الأهم

midan - oscar

تكلّف حفل الأوسكار التاسع والثمانون ما يقارب 43 مليون دولار أميركي من أجل إتمامه، ومع ذلك فلن يكون هذا الرقم الوحيد المميز تلك الليلة، فالأرقام الكبيرة التي كان منها حصول فيلم لالا لاند على 6 جوائز بعد أن كان مرشحاً لأربعة عشر جائزة، جاورها حصول ما لا يقل عن 11 شخصاً لجائزة الأوسكار الأولى في تاريخهم.

 

كان من ضمن هؤلاء، الأربعة الفائزين بجوائز التمثيل، وهم: كايسي أفلك وإيما ستون عن فئة التمثيل الرئيسية وماهرشالا علي وفيولا ديفيس عن الأدوار المُساعدة. كما حصل المخرج داميان شازيل على أول أوسكار له عن فيلم "لالا لاند"، كذلك حصل المخرج كينيث لونيرغان على أول جائزة أيضاً ولكن عن فئة السيناريو الأصلي لفيلم "مانشستر على البحر"، فيما حظي باري جينكينز، مخرج فيلم "مونلايت"، على جائزته الأولى عن فئة أفضل سيناريو مقتبس.

 

ربّما لم يكن يتوقع منظموا حملة "أوسكار شديد البياض" أن يصعد هذا العدد من الملونين على مسرح الجائزة الفنية الأشهر بعد حملتهم، ربّما يمكن إطلاق "أوسكار شديد السواد" على حفل هذا العام، لم يكن هذا العدد من السود على المسرح يخص "مونلايت" فقط، لكنّ العديد من الحاصلين على الجائزة هم سود، ليحرز السود أرقامًا هي الأولى لهم في تاريخ الجائزة، "فيولا دايفيس" على سبيل المثال هي أول ممثلة سوداء تحصل على ثلاث ترشيحات أوسكار، وربّما أيضًا الممثلة صاحبة أحد أكثر الخطابات تأثيرًا، في ليلة ليست فيها "فيولا" كان يمكن للحظات سياسية أخرى أن تكون أكثر تأثيرًا، لكن خطابها المتميز عن الاحتفاء بالأشخاص العاديين وامتنانها للفنّ ومشاعرها الجياشة في لحظة استلامها للأوسكار الأولى في مسيرتها المهنية جعلت من تلك اللحظة مشهدًا لا ينسى.

 

كلمة الفوز لفيولا دايفيس:

 

الغياب في حفل هذا العام كان كاشفًا وهامًا بقدر الحضور، غاب المخرج الإيراني أصغر فرهادي عن لحظة استلام جائزة أفضل فيلم أجنبي، وغاب مصور فيلم الخوذ البيضاء بسبب إلغاء الحكومة السورية لجواز سفره، كان ظل السياسة ثقيلًا على الحفل إذن، لكن الحفل كان ثقيلًا عليها أيضًا، فهي الليلة التي شهدت حصول أكبر عدد من السود والملونين على جوائز في نفس العام، وكذلك حصول المسلم الأول على الجائزة، تمامًا في العام الذي وصل فيه ترامب إلى رئاسة أمريكا، بكل ما يحمله من تحيز ضد الملونين والمسلمين.

 

إعلان فيلم الخوذ البيضاء:


الجائزة الكبرى.. أفضل فيلم
جائزة الحفل الكبرى كانت من نصيب "moonlight"، على المرء أن يكون محظوظًا جدًا ليستلم جائزة بهذه القيمة بعد أن فقد الأمل فيها، وبعد أن رآها تضيع منه أمام عينيه، لأول مرة في تاريخ الأوسكار يتم إعلان الفائز بالخطأ، "لالا لاند"، يصعد فريق الفيلم على المسرح، ويبدؤون بإلقاء كلماتهم، يلقي اثنين منهم كلماته بالفعل، ثم يتضح الخطأ الفادح، منتج الفيلم "جوردن هوارتز" يُغالب إحباطه وغضبه، محاولًا استيعاب نهاية المجد الذي استغرق 45 ثانية فقط، ليسحب المغلف الذي يحمل بداخله اسم "مونلايت"، ويخبر الجميع بالفائز الحقيقي.
 

الممثلين في فيلم
الممثلين في فيلم "مونلايت" (IMDB)

لم يكن فوز الفيلم مفاجئًا، فقد فاز بجائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم، بالإضافة إلى العديد من الجوائز الأخرى، لكنّ الأمر كان مفاجئًا تمامًا بالنسبة للمخرج "باري جنكيز"، إذ استقبل الجائزة قائلًا، "لم أكن أتوقع هذا حتى في أحلامي، لكن لتذهب الأحلام إلى الجحيم، فهذا واقع الآن"، ليمتلئ بعدها المسرح بفريق العمل الجديد، والذي يتكون عدد كبير منه من الملونين.

 

"مونلايت" هو قصة ثلاث فترات في حياة "تشيرون"، الفتى الأسود الذي يبدأ حياته طفلًا خجولًا يهرب من الحياة ويختبئ منها، إلى تاجر المخدرات الذي يُعامل الحياة بشكل مختلف تمامًا، الفيلم فاز أيضًا بجائزة أفضل ممثل مساعد عن أداء متميز لماهرشالا علي، وأفضل سيناريو مقتبس، من كتابة "باري جنكيز" و "تاريل مكراني".

 

خمسة وأربعون ثانية من المجد
كان الممثل وارن بيتي، البالغ من العمر 79 عاماً، هو المسؤول عن إعلان اسم الفائز، حاول تفسير ما حدث فقال "عندما فتحت المغلف قرأت اسم ايما ستون من لا لا لاند، واستغربت الأمر، لم أكن أحاول أن أكون ظريفًا".

 

بعد ساعات من هذه الحادثة اعتذرت شركة برايس وتر هاوس كوبرز، المسئولة عن الخدمات المهنية لحفل الاوسكار عن هذا الخطأ، في بيان مشترك مع أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة صدر على الموقع الرسمي للأكاديمية وجاء فيه "نعتذر من مونلايت و لا لا لاند ووارن بيتي ومتابعي الأوسكار عن هذا الخطأ (..) تم تسليم المغلف الخاطئ وعند اكتشاف ذلك تم تصحيح الأمر على الفور كما نُجري تحقيقاً حول ذلك في هذه اللحظات".

 

سيناريو مشابه لهذا حدث سابقاً في عام 1964، عندما أُعطي الفنان الأمريكي سامي ديفيس جونيو المغلّف الخاطئ، وكان من المفترض به الإعلان عن الفائز بأفضل موسيقى مقتبسة لينتهي به المطاف معلناً عن أفضل موسيقى أصلية. "هل أعطوني المغلف الخاطئ؟" سأل ديفيس بعد أن شعر بوجود أمر خاطئ، ليقوم أحد المسؤولين بتدارك الأمر وإعطاءه المغلف الصحيح.

 

بالنسبة للمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي كانت المسألة أكبر من مجرد خطأ استغرق تصحيحه 45 ثانية فقط. نزع البعض إلى اعتبار ما حدث زعزعة لمصداقيّة جوائز الأوسكار، فتفضيل فيلم مونلايت جاء على حساب الأفلام الأفضل من وجهة نظر آخرين مثل لالا لاند ومانشستر على البحر. ليصبح هذا "الخطأ" مدخلاً لمساءلة توجهات الأكاديمية تحديداً فيما يتعلّق بجائزة أفضل فيلم التي يراها متابعون بأنها تحوّلت لجائزة ترضية تُمنح لأفلام بالكاد يذكرها أحد بعد فوزها مثل آرجو وسبوتلايت وأفاتار و12 سنة عبودية.

 

أفضل فيلم أجنبي
"أصغر فرهادي" يجلب المزيد من المجد للسينما الإيرانية، متغلبًا على أفلام مثل توني إيردمان ورجل يدعى أوفيه، والذي كان الأوفر حظًا بجوار فيلم "فرهادي".

 

المخرج أصغر فرهادي أثناء تصوير فيلم
المخرج أصغر فرهادي أثناء تصوير فيلم "البائع"  (IMDB)

أوسكار أفضل فيلم أجنبي للمرة الثانية، إنه مجد يستحق أن يفخر به فرهادي في مسيرته السينمائية التي تتكون من 7 أفلام فقط، هذه المرة حصل على الجائزة عن فيلمه "البائع" بعد أن كان قد حصل عليها عام 2011 عن فيلمه "انفصال"، غاب "فرهادي" عن الحفل، كان قد قاطع الحفل احتجاجًا على قانون أصدره "ترامب" مؤخرًا، يمنع مواطني بعض الدول من دخول الولايات المتحدة، لكنّ غيابه كان أكثر صدًى من حضوره، لتصبح لحظة قراءة "أنوشه أنصاري" لكلمة استلام الجائزة بدلًا عن "فرهادي"، إحدى أكثر اللحظات امتزاجًا بالسياسة في تاريخ الجائزة،

 

لم يكن اختيار "فرهادي" لها عبثًا، "أنوشه" هي أول سيدة مسلمة تصل إلى الفضاء، وهي رابع سائح فضاء على مستوى العالم، وكأن "فرهادي" أراد أن يختارها امرأة، وامرأة ناجحة لها اسمها، لتعكس صورة مختلفة عن ذهنية العالم عما يمكن أن يعنيه أن يكون المرء إيرانيًا، وهذا ما أراد تأكيده بكلمته، حيث تحدث عن عالم لا يجب أن نقسم فيه أنفسنا إلى "نحن" و"أعداؤنا"، عالم على الفنان فيه أن يسعى لجعل العالم مكانًا أكثر حرية.

 

فيلم "البائع" هو مثل كل أفلام فرهادي نظرة للحياة من زواياها المختلفة، يحاول "فرهادي" دائمًا أن يفسر الحدث ذاته من خلال رؤية العديد من الأشخاص، تتكامل القصة وتبني نفسها كلما اتضحت علاقة شخصية أخرى بالحادث، الفيلم يحكي قصة رجل يقتحم على زوجين منزلهما، يظن الزوج أن الرجل أراد الاعتدائ على زوجته، تظل المرأة تحاول استكشاف دوافعه منكرة حدوث اعتدائ جنسي، ونكتشف أن الرجل كان له دافع مختلف تمامًا.

 

كان الفيلم قد حصل على العديد من الجوائز قبل الأوسكار، في مهرجان "كان" حصل على أفضل سيناريو، وأفضل ممثل، كما كان مرشحًا لجائزة الغولدن غلوب عن أفضل فيلم أجنبي.

 

جوائز التمثيل
لم يُخيّب الأميركي كايسي أفلك، 41 عاماً، التقارير التي تنبّأت بفوزه بجائزة أفضل ممثل. رغم أن المنافسة كانت حامية الوطيس بينه وبين دنزل واشنطن المرشّح عن فيلم "فينسيز" إلا أن آفلك استطاع أن يسلب من دنزل واشنطن الأوسكار الثالثة في تاريخه، وأن يحصل لنفسه على أول جائزة أوسكار بعد أن ترشح لها سابقاً ولم يحظى بها عام 2008 عن دوره المُساعد في فيلم "اغتيال جيسي جيمس".
 
الممثل كايسي أفلك أثناء استلامه جائز أفضل ممثل عن دوره في فيلم
الممثل كايسي أفلك أثناء استلامه جائز أفضل ممثل عن دوره في فيلم " مانشستر على البحر" (مواقع التواصل الإجتماعي)

  

في مانشستر سيطر آفلك على قلوب المشاهدين عندما جسّد بقدرة مذهلة صورة الرجل المكلوم الذي يقرر الانسلاخ عن ماضيه ولكنه لا يستطيع فعل ذلك مهما حاول. رجل يسيطر عليه الألم بينما لا تنفك الحياة أن تخبره "لا وقت لألمك".

 

ما أشعل المنافسة بين آفلك ودنزل واشنطن هو حصول الأوّل على جائزتي البافتا وغولدن غلوب عن فيلم "مانشستر على البحر"، بينما حصل واشنطن على جائزة نقابة ممثلي الشاشة، وهي جائزة مهمة أميركياً نظراً لنتائجها المتشابهة مع نتائج الأوسكار وأعضائها الذين يمثل بعضهم نسبة من لجنة الأوسكار.

 

في بداية كلمة الفوز، وجه كايسي التحية لدنزل واشنطن قائلأ "أحد الأشخاص الذين علموني كيفية التمثيل هو دنزل واشنطن الذي التقيه الليلة للمرة الأولى في حياتي". وختم الكلمة بتحية أخرى للرجل الآخر الذي أثّر عليه في مسيرته المهنية، وهو شقيقه الأكبر بن أفلك، فتقترب الكاميرا بحركة بطيئة على وجه أخيه الجالس إلى جانب والدته بتأثر كبير.

 

أمّا ماهرشالا علي، 42 عاماً، المرشح عن فيلم "مونلايت" في فئة أفضل ممثل مساعد، دوره كتاجر مخدرات كان يقع في تلك المنطقة الصعبة بين انعدام الأخلاق فيما يقوم به مقابل مسؤوليته الأخلاقيّة أمام طفل صغير يعاني من الخوف ويحتاج العون للحصول على إجابات تخص ميوله الجنسية.

 

ماهر شالا علي الفائز بجائزة أفضل ممثل مساعد (رويترز)
ماهر شالا علي الفائز بجائزة أفضل ممثل مساعد (رويترز)

كانت الفرحة لدى "علي" مضاعفة ليلة أمس، فزوجته كانت قد أنجبت طفلة قبل أربعة أيام فقط من استلامه للجائزة الكبرى. يُعتبر ماهرشالا علي أوّل ممثل مسلم يحصل على جائزة الأوسكار، حيث تحوّل من المسيحية إلى الاسلام عام 1999 ويقول "عند التحوّل إلى الديانة الاسلاميّة بعد عقود من كونك أسود البشرة داخل الولايات المتحدة فإن التمييز الذي ستواجهه لن يكون صادماً" في إشارة إلى العنصرية التي يتعرض لها كأمريكي من أصل أفريقي.

 

يعتبر ماهرشالا واحد من الممثلين المجتهدين في هوليوود والذين شقوا طريقهم بمثابرة كبيرة نحو القمّة. بدأ الجميع بملاحظته في مسلسل House of Cards عن دوره المميز فيه، ومنذ ذلك الحين بدأ بالظهور في أعمال كثيرة.

 

أمّا إيما ستون التي واجهت في فئتها أسماء كبيرة مثل إيزابيل اوبير وميرل ستريب وناتالي بورتمان، استحقت الفوز عن أدائها المتقن في "لالا لاند" كممثلة بدور رئيسي. في كلمتها لم تنس ستون أن تعبر عن تقديرها الشخصي لكافة النساء اللواتي نافسنها ليلة أمس، فقالت: "أنا معجبة بكم بطريقة يعجز لساني عن التعبير عنها"، لكنها لم تنس رفيقها في الفيلم، رايان غوسلينغ، الذي خسر أمام كايسي جائزته الأولى، فمدحته واعتبرته مثالاً للمثابرة الحقيقية.

إيما ستون أثناء استلامها جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة عن دورها في فيلم
إيما ستون أثناء استلامها جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة عن دورها في فيلم "لالا لاند"
 

لعبت ستون، البالغة من العمر 28 سنة، دور "ميا" في "لالا لاند" وهي فتاة تبحث عن مجدها في عالم التمثيل، تفشل مراراً قبل أن تنجح أخيراً فتصبح واحدة من أهم الأسماء في هوليوود، وهي قصّة تشبه إلى حد بعيد تجربة إيما ستون الشخصيّة لتصبح جائزتها الذهبية الأولى هذه بمثابة تقدير حقيقي من قبل هوليوود لها ولكل الفنانين الشباب الذين يشقون طريقهم بصعوبة وسط عمالقة الفن هناك.

 

لم تكتف فيولا ديفيس، 51 عاماً، بحصولها على جوائز البافتا وغولدن غلوب ونقابة ممثلي الشاشة، فاختطفت من أوكتيفيا سبنسر ونيكول كيدمان وناعومي هاريس وميشيل ويليامز، جائزة أفضل ممثلة بدور مساعد عن فيلم "فينسيز" الذي لعبت فيه دور "روز" زوجة دنزل واشنطن. كان حصولها على الجائزة متوقعاً بالنسبة لعدد من المواقع الالكترونية للمجلات الفنيّة، تماماً كما هي معظم نتائج الليلة الماضية.

 

فيلم فينسز الذي أخرجه دنزل واشنطن أُقتبس عن مسرحية حملت نفس الاسم قام الإثنان بأدائها معاً، فحصلت على عدد كبير من الجوائز لم تحصل عليه أي مسرحية أُخرى في التاريخ.

المصدر : الجزيرة