شعار قسم ميدان

المرأة في سينما 2016.. حضور قوي وأدوار معقدة

ميدان - المرأة في سنما 2016

في عالم سينما المرأة، لم تكن المخرجة الأمريكية "كاثرين بيغلو" -65 عاماً- بداية الحكاية(1) أو نهايتها، فعلى الرغم من كونها توّجتْ مرحلة هامة من تاريخ سينما المرأة؛ باعتبارها أول امرأة تحصل على جائزة الإخراج في حفل توزيع جوائز الأوسكار؛ لكن ما زال لمسيرة سينما المرأة الكثير لتحقق التقدم المنشود.

في دراسة(2) أجرتها جامعة جنوب كاليفورنيا، يظهر أن مقابل كل امرأة تتحدث في الأفلام؛ يوجد ثلاثة ذكور يتحدثون على الجهة المقابلة. وأن مشاهد المجاميع /الحشود الكبيرة تُظهر أن 17% منهم من الإناث فقط، وهو المعدّل الذي لم يتغيّر منذ سنة 1946.
 

مع كل امرأة تعمل وراء الكاميرا يوجد خمسة رجال يتحكّمون بمجريات الأمور
مع كل امرأة تعمل وراء الكاميرا يوجد خمسة رجال يتحكّمون بمجريات الأمور

تقول "جينا ديفيس"، -الممثلة الأمريكية الحاصلة على الأوسكار، والتي أنشأت معهداً للمساواة بين الجنسين في وسائل الإعلام حمل اسمها- إن الحل لهذه الأزمة يكمن في خطوتين؛ الأولى تبدأ بقيام الكاتب بتغيير عدد من الأسماء الرئيسة في أعماله التي يُشرف عليها إلى أسماء نساء، والخطوة الثانية تهتم باللحظة التي يقرر فيها الكاتب وضع مشهد المجاميع البشرية؛ بأن يكتب في لحظتها "مجاميع يكون نصفهم من النساء".

قد تُعتبر هذه الحلول غريبة نوعاً ما؛ ولكنها -في الوقت ذاته- تعطي انطباعاً بأنّ الرغبة في زيادة نسبة النساء المؤثرات في مجال الصورة لن تتحرك من مكانها إذا لم يدفعها الرجال المؤثرون في مواقعهم إلى طريق التفعيل؛ فمع كل امرأة تعمل وراء الكاميرا يوجد خمسة رجال يتحكّمون بمجريات الأمور.
 

لم يخسر أحد

يُمكن اعتبار سنة 2016 سنة جيّدة بالنسبة لمستوى حضور النساء في الأفلام، سواء أمام الكاميرا أم وراءها؛ حيث لم يقف الأمر على شخصيات نسوية قويّة أو قيادية أو ذات تأثير في قضيّة الفيلم فحسب؛ بل كانت سينما بشخصيات نسوية تمادت في توسيع الحلقة المحكمة حول قيمتها السينمائيّة، وأخذ حدودها إلى أبعد ما يمكن تخيّله من خلال شخصيات معقدة بشكل أكبر من أي وقت مضى.

استحقت الأمريكية "إيما ستون" جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم "لا لا لاند" (La La Land)؛ حيث أدت ببراعة دور فتاة تسعى لتحقيق مجدها الشخصي كممثلة في هوليوود في الوقت الذي تعصف فيه حياتها الشخصيّة عندما تتعرف على شاب آخر لا يقل طموحاً عنها. تحصل "إيما" على مرادها في الفيلم، كما حصلت عليه في واقعها قبل سنوات وعندما بدأت -هي ذاتها- خطواتها الأولى داخل استديوهات التصوير التي رفضتها أكثر من مرة.

رغم الأداء الجميل للإثيوبية
رغم الأداء الجميل للإثيوبية "روث نيجا" في فيلم (Loving) لكنها لم تحقق الأوسكار الأولى في حياتها، ربما لأنها أدت دوراً عادياً لا يحمل الكثير من التحديات (رويترز)

لكن إذا تحدّثنا عن الرابحين فهذا يعني أن هناك من خسروا أمامهم، ولأن الخسارة في جائزة تنافسيّة لا يعني ضعفاً أو قلّة حيلة فهناك عدد من الأداءات التي تستحق الإشادة مثل ما قدمته المرشّحة السابقة لجائزتي أوسكار، الأمريكية "جيسيكا شاستاين"، في دور امرأة لا يهمها شيء في هذا العالم سوى الفوز وذلك في فيلم "آنسة سلون" (Miss Sloane)، وباعتبار هذه الحقيقة الأهم عن شخصيتها في الفيلم؛ فيمكن القول بأن كل ما فيه سيكون في مجمله حول رسم ملامح تلك الشخصية النسوية العنيدة.

رغم الأداء الجميل للإثيوبية "روث نيجا" في فيلم "الحب" (Loving) لكنها لم تحقق الأوسكار الأولى في حياتها، ربما لأنها أدت دوراً عادياً لا يحمل الكثير من التحديات على غرار تلك التي ظهرت في فيلم "أشياء مخفية" (Hidden Figures) والذي ضمن لإحدى بطلاته، الأمريكية "أوكتافيا سبينسر"، ترشيحاً أوسكارياً آخر. أمّا الفرنسيّة "إيزابيل أوبير"، والتي لعبت دورين في غاية الجمال في فيلمي (Elle) و"أشياء مقبلة" (Things to Come) استحقت عن الأوّل ترشيحاً مستحقاً وقوياً لأول أوسكار في سجلّها الفني الطويل.

وفي فيلم "أسوار" (Fences) استطاعت "فيولا ديفيس" أن تثبت نفسها على شاشة السينما في دور صعب أدته ببراعة كما اعتادت على ذلك حينما لعبت نفس الدور في المسرحية التي اقتُبس عنها الفيلم. فيما لم تكن حظوظ "ناتالي بورتمان" كافية لاختطاف جائزة أفضل ممثلة عن دورها الصعب في فيلم "جاكي" (Jackie) والذي جسدت فيه شخصيّة زوجة الرئيس الأمريكي الراحل "جون كينيدي" بعد وفاته مباشرة، والمعاناة النفسية التي مرت بها المرأة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية.


أمومة وعلاقات شائكة
في فيلم (Krisha) تؤدي
في فيلم (Krisha) تؤدي "كريشا فايرشيلد" دور العمّة التي يربك ظهورها كافة أفراد العائلة في فترة عيد الميلاد (مواقع التواصل)

رغم التركيز الكبير على الأدوار النسائية غير النمطيّة؛ لم تستطع سينما 2016 الإفلات من الأدوار المتوقعة للنساء. فكان للأمومة حظ وافر من الأدوار الرئيسة؛ حيث تؤدي -مثلاً- الأمريكية "آنيت فرانسيس بنينغ" دور الأم القلقة التي تحاول معاجلة أمومتها المتوترة بكثير من اللامبالاة في "امرأة القرن العشرين" (20th Century Women) وعلى نفس المنوال نجد "جريتا جيروج" في فيلم "خطة ماجي" (Maggie’s Plan)، وفي فيلم "كريشا" (Krisha) تؤدي "كريشا فايرشيلد" دور العمّة التي يربك ظهورها كافة أفراد العائلة في فترة عيد الميلاد.

بعض التوتر أيضاً ينشب بين "سونيا براغا" وابنتها في فيلم "برج الدلو" (Aquarius) البرازيلي بعد تقدّم الأولى في العمر، وبدء ظهور الاختلافات التي يتمتع فيها كلا الجيلين. علاقة الأم بابنتها موضوع متأصّل في أفلام 2016 كما هو ظاهر في أحد الأفلام التي رُشحت لأوسكار أفضل فيلم "الوافد" (Arrival) حيث يبدع المخرج الكندي "دنيس فيلينوف" في تلخيص علاقة "إيمي آدامز" مع ابنتها؛ من خلال ومضات من ذاكرتها رغم ما حظيت به من مواصفات ريادية لشخصيّة نسويّة يعتمد الفيلم كلياً عليها.


مُخرجات لرسم ملامح العالم الجديد

حصلت المخرجة الإنجليزية "أندريا أرنولد" على ثالث جائزة مكررة في تاريخها وهي جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان الفرنسي؛ وذلك عن فيلمها (American Honey) الذي تركز من خلاله على قوّة شخصياتها النسائية والحرية والطلاقة التي تتمتع بها فتيات صغيرات بطريقة سوف تذكّرنا دوماً بأن "أندريا أرنولد" لم تنس بعد معنى أن تكون في سن الشباب.

أما المخرجة الأمريكية "كيلي ريتشارد" -53 عاماً- فقد أنجزت فيلمها الطويل السابع بعنوان "بعض النساء" (Certain Women)، والذي أشرفت فيه على عدد من النجوم مثل "ميشيل وليامز" و"كريستين ستيوارت" و"لورا ديرن"، وهن ثلاث نساء يسعين لأن تحقق كل منهن مسارها الذي تحلم به في خضم المواجهة المفتوحة مع الحياة في سهول شمال غرب الولايات المتحدة، تكون الشخصيات الرئيسة الثلاث موزعة بين محامية وأُم وطالبة قانون، مع قصص تتقاطع مع بعضها البعض في إطار التمييز على أساس الجنس. يخلص الفيلم إلى أن قوة المرأة هي المحدد في عمليّة رسم ملامح هويتها وفهمها لذاتها.
 

 
 "ميا هانسن-لاف" استطاعت أن تنال الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي للأفلام عن فيلم (Things to Come) (مواقع التواصل )

سعت المخرجة الألمانية الأكثر شهرة العام الماضي "مارين آدي"، مع فيلمها "توني إيردمان" (Toni Erdman) الحاصل على تكريم في مهرجان كان الفرنسي، للوصول إلى درجات بالغة التعقيد في وصفها علاقة فتاة بوالدها في خضم انشغالها عنه على طريق سعيها لتحقيق طموحاتها. تلك الطموحات التي لا تحقق لها شخصيتها بالقدر الذي يقوم به والدها واحتكاكه بها في فترة قصيرة لا تتجاوز الأيّام.

وعن الصداقة، أخرجت الأمريكية "صوفيا تاكال" فيلماً بعنوان "دائما تشرق" (Always Shine) وهو فيلم عن التمثيل الذي يهدم العلاقة بين فتاتين قبل أن تسعيان إلى إعادة إحياء ما أفسدته المنافسة والغيرة. وفي محور مشابه يأتي فيلم"شيطان النيون" (The Neon Demon) الذي يحكي قصصا لعارضات أزياء في مسار قصّة واحدة كبرى، وهي سعي الجميع للنيل من واحدة منهن. كما أتى على نفس الموضوع فيلم " الحب والصداقة" (Love & Friendship) مقتبساً عن رواية للإنجليزية "جاين أوستن".

ضَمن عام 2016 دخول كاميرات نسائيّة جديدة إلى عالم السينما مثل الإيرانيّة ناهد حسن التي قدّمت فيلماً بعنوان "وقت آخر" "Another Time"، والفيلم الطويل الأوّل للتونسية ليلى بوزيد بعنوان "على حلة عيني" الحاصل على تكريم في مهرجان البندقيّة السينمائي واعدة بتمثيل وحضور قوي للمرأة العربية على منصات التتويج العالميّة.

أمّا "ميا هانسن-لاف" -المعروفة بتقديم أفلام عميقة وحميمية في آن واحد- فقد استطاعت أن تنال الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي للأفلام عن فيلم "أشياء مقبلة" (Things to Come)، الذي تركز فيه على شخصيّة "نتالي" بروفيسورة علم النفس البارعة جداً في عملها مع الطلاب؛ لكن إعجابنا بطريقة حياتها لا يستمر طويلاً عندما تجد نفسها محاصرة بين انهيار زواجها، وتعقّد علاقتها مع أمّها.


صورة للمستقبل

undefined

وجد تقرير جديد(3) أن 20% من مجموع المخرجين والكتّاب والمنتجين والمحررين والمصورين السينمائيين الذين عملوا في أفلام عُرضت في صالات السينما عام 2014 هم من النساء، فيما تزيد حظوظ النساء في العمل من وراء الكاميرا إذا كان المخرج أنثى. 

لا يحاول الإنتاج السينمائي الفريد لعام 2016 أن يفرض نظرية خاصة فيما يتعلّق بسينما المرأة بقدر ما يعطي مؤشراً جاداً على كميّة الإبداع الذي يضيفه وجود النساء في هذه الصناعة التي تعتمد بشكل كبير على النظرة الإبداعيّة والدقيقة لأولئك الذين يأخذون على عاتقهم تغيير الواقع؛ ليس فقط عبر أفلام تتحدث عن المرأة؛ بل أيضاً عبر أفلام تصنعها المرأة بيديها. 

المصدر : الجزيرة