شعار قسم ميدان

صمت سكورسيزي

ميدان - فيلم

فيلم مقتبس من كتاب للياباني الكاثوليكي "شوساكو إندو"، يحكي قصة اثنين من المبشرين اليسوعيين في اليابان خلال القرن السابع عشر، أخرجه رجل تعلم في إكليركية يسوعية حتى الرابعة عشر من عمره، وأهدي (الفيلم) إلى "المسيحيين اليابانيين وآبائهم". كما عرض بشكل رسمي للمرة الأولى في الفاتيكان. فلا يحتاج المرء بعد ذلك إلى كثير من الذكاء ليدرك أنه عمل دعائي فج للكنيسة الكاثوليكية، معقل الظلامية، وكراهية النساء، والتحرش الجنسي بالأطفال.
 

لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه فيلم سيء، وأفلام "تيرينس ماليك" و"روبرت بريسون" خير دليل على ذلك؛ بل إن فيلم "كوندون" الذي أخرجه "سكورسيزي" نفسه كان فيلمًا دينيًا عبقريًا. إلا أن الفيلم موضوع مقالتنا بشع حقًا. هو فيلم ممطوط بصورة مأساوية، شديد البهرجة، ومثير للضجر، زاده أداء "أندرو جارفيلد" المتبلد جمودًا.

 

يحكي الفيلم قصة يسوعيين برتغاليين يسافران إلى اليابان بحثًا عن مبشر آخر تأثر بالتدين الياباني وتخلى عن الكاثوليكية. إنها -في الجوهر- رواية "قلب الظلام" للبولندي الإنجليزي جوزيف كونراد (لو كان سكورسيزي يتحلى بروح فكاهة لأطلق عليه -بكل تأكيد- الردة الآن! محاكاة لعنوان فيلم "القيامة الآن" المستوحى من الرواية نفسها).
 

"رودريجيز" و"جاربي" في كاثوليكية "سكورسيزي" المتخيلة، هما اثنان من هيبيز القرن السابع عشر يقضيان عطلة دراسية؛ لكنهما في الحقيقة اثنان من المتعصبين اليسوعيين

كان يفترض قيام "دانيال دي لويس" بلعب دور الكاهن الرئيس، وهو ما كان ليمنح الفيلم بعض الثقل الذي يفتقد إليه بشدة. لكن رأي "سكورسيزي" استقر في النهاية على "جارفيلد" و"آدم درايفر"، ولعله قام بذلك لجذب عدد أكبر من الجمهور الأصغر سنًا. أدى "درايفر" دوره بإقناع، لكن الجمع بين الرجل العنكبوت و"دارث فيدر" الشاب في عمل واحد، جعله أقرب إلى فيلم الخيال العلمي الكوميدي "المغامرة الممتازة لبيل وتيد" إنتاج عام ١٩٨٩، أو قل "المغامرة الكاثوليكية الممتازة لبيل وتيد".
 

مع ذلك، لا يبلغ تضليل وزيف هذا الفيلم كماله إلا في القسم الأخير، حينما يقوم المفتش البوذي باستجواب الأب "رودريجيز". ويفترض بنا حينئذ الشعور بآلام "رودريجيز"، والتماهي مع أزمته الإيمانية، حينما يواجه المفتش الفاتن والشرير في الوقت نفسه، الذي يذيق بعض اليابانيين الكاثوليكيين من ذوي الوجوه السينمائية ألوان العذاب.
 

"رودريجيز" و"جاربي" في كاثوليكية "سكورسيزي" المتخيلة، هما اثنان من هيبيز القرن السابع عشر يقضيان عطلة دراسية؛ لكنهما في الحقيقة اثنان من المتعصبين اليسوعيين، وهؤلاء اليسوعيون كانوا الجزارين الذين قادوا محاكم التفتيش البابوية على امتداد أوروبا الكاثوليكية، بما تضمنته هذه المحاكم من احتجاز مئات الآلاف من "المهرطقين"، وتعذيبهم، وإعدامهم. حتى إن أسلوب التعذيب عبر تعليق الضحية من قدميه فوق حفرة، الذي أعاد "سكورسيزي" تقديمه في الفيلم، هو أحد أشكال السترابادو (Strappado)، طريقة التعذيب المفضلة لدى اليسوعيين وقتها.
 

اضطهاد المسيحية في اليابان لم ينجح في القضاء عليها مطلقا، فلقد استمرت المسيحية وانتشرت في ناجازاكي وما حولها. (imdp)
اضطهاد المسيحية في اليابان لم ينجح في القضاء عليها مطلقا، فلقد استمرت المسيحية وانتشرت في ناجازاكي وما حولها. (imdp)

 

كان قمع المسيحيين اليابانيين عملًا وحشيًا بلا شك، لكن الفرسان المقدسين اليسوعيين من أمثال "رودريجيز" و"جاربي" قد تلبسوا بمجازر أكثر وحشية. لقد لقي المسيحيون اليابانيون مصيرًا مروعًا، لكن مصير اليهود والمسلمين على يد اليسوعيين كان أكثر بشاعة. ومع ذلك لم يقرر "سكورسيزي" بعد -حسب معلوماتي- إخراج فيلم عن جرائم الكاثوليك ضد الإنسانية.
 

لكن هناك ما هو أدعى إلى الضحك، وهو أن اضطهاد المسيحية في اليابان لم ينجح في القضاء عليها مطلقا، فلقد استمرت المسيحية وانتشرت في ناجازاكي وما حولها.
 

لا شك أنك سمعت عن هذه المدينة اليابانية الغامضة، فقد فازت باستقبال القنبلة النووية الثانية في أغسطس ١٩٤٥، وذكرت كثير من التقارير استعانة مسقطي القنبلة ببرج الكاتدرائية المسيحية تحريًا لإحداث أكبر قدر ممكن من الدمار.
 

إذن، لم تنجح محاكم التفتيش البوذية في استئصال المسيحية في اليابان؛ بل تولت القوات الجوية الأمريكية هذه المهمة. لقد شعرت عقب مشاهدتي هذا الفيلم البشع أني أحد شهداء الهراء الكاثوليكي، وها أنا أدعو الله أن لا تضطروا لمشاهدته أبدًا.

___________________________________________________________
رابط المقال: http://socialistreview.
المصدر : الجزيرة