شعار قسم ميدان

قصص الطفولة من الرسوم المتحركة إلى الـ"لايف أكشن"

ميدان - سينما
ما هو الفيلم الأكثر إيرادا في 2017 حتى الآن؟ المفاجأة أنه ليس أحد أفلام الأبطال الخارقين كما جرت العادة في السنواتِ الأخيرة، ليس (Wonder Woman) القادم من عالم (DC) ولا (Spider-Man: Homecoming) أو (Guardians of the Galaxy 2) الآتيان من "مارفيل". كما أنه ليس أحد أجزاء أفلام السلاسل ذائعة الصيت مثل (Despicable Me 3) أو (Fate of the Furious). فالفيلم الأكثر إيرادا (1) هذا العام هو (Beauty and the Beast)، في مفاجأة لم يتوقعها أبرز المتفائلين في شركته المنتجة "والت ديزني"، حيث حقق 504 مليون دولار في شباك التذاكر الأميركي، ومليار و262 مليونا حول العالم، ليصبح الفيلم العاشر في قائمة أكثر الأفلام إيرادا في التاريخ.

هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، وإن كان مفاجئا فقط في درجته، فقد سبقه الكثير من المقدمات والمشاريع والتصريحات ومحاولة التقاط بوصلة المزاج الجماهيري خلال الـ7 سنوات الماضية، والتي أوضحت أن "أفلام الرسوم المتحركة" الكلاسيكية والتي يتم تحويلها إلى "لايف أكشن" عن طريق ممثلين واستغلال تطور تقنيات الـ (CGI) لتجسيد الحيوانات والكائنات الخيالية- تحقق نجاحا وشهرة عريضة بالنسبة للجمهور، وبعضها يصل إلى أرقامٍ قياسية بالفعل. وأيضا فإن هذا النجاح العريض لـ "الجميلة والوحش" أكد لشركة "ديزني" أن الخط الذي تتخذه حاليا في جعل الأفلام الكرتونية تنتمي إلى حقل غير رسومي، أمر مضمون النجاح، وبالتالي فإن إعلانها عن خطة مستقبلية لإنتاج ما يزيد عن 10 أفلام رسوم كلاسيكية في نسخ "لايف أكشن" خلال السنوات القليلة المقبلة هي خطة مضمونة وليست مخاطرة. فكيف تحولت "لعبة التحويل" تلك إلى (Trend) سينمائي؟ وما هو شكل المشاريع المقبلة في تلك الفئة؟

آليس التي فتحت الباب

في عام 2010، كانت 4 أفلام فقط هي من استطاعت تحقيق أكثر من مليار دولار في "شباك التذاكر" حول العالم: فيلما جيمس كاميرون (Avatar (2009) و(Titanic (1997) -والأول كان قد تجاوز حينها الـ2 مليار دولار كأمر استثنائي تماما-، (LOTR: Return of the King (2003)، Pirates of the Caribbean: Dead Man’s Chest (2006)، وفي مارس 2010 كان الفيلم الخامس، (Alice in Wonderland) من إنتاج شركة "ديزني" وإخراج تيم بيرتون، وهو الاقتباس السينمائي الـ"لايف أكشن" لرواية لويس كارول الشهيرة، عن الفتاة "آليس" التي تسقط في جحر الأرنب لتجد نفسها في عالم غرائبي وخيالي يقوم فيه صراع بين ملكتين، وهو العمل الكلاسيكي الذي قُدِم في معالجات كرتونية مختلفة (أشهرها فيلم 1951)، قبل أن تضع "ديزني" عام 2010 ميزانية 200 مليون دولار، لاستقدام جوني ديب وآن هاثاوي وهيلينا بونهام كارتر وميا وإسكوسكا، لصنع تلك النسخة المغامرة.

 استطاع فيلم جيمس كاميرون (Avatar (2009 تحقيق أكثر من مليار دولار في
 استطاع فيلم جيمس كاميرون (Avatar (2009 تحقيق أكثر من مليار دولار في "شباك التذاكر" حول العالم (مواقع التواصل)

وعلى الرغم من الاستقبال النقدي الضعيف الذي ناله الفيلم (2) إلا أن النجاح الذي حققه كان استثنائيا، جانب من الأمر كان حماس الناس لاختراعِ الصورة ثلاثية الأبعاد، والتي وُلِدَت من جديد عام 2009 مع فيلم جيمس كاميرون "أفاتار"، ولكن الأهم كان "ذلك الفضول في مشاهدة العوالم الطفولية التي تربينا عليها وهي تتحول إلى حقيقة"(3). وفي تلك اللحظة أدركت "ديزني" ذلك الكنز الذي تملكه: مخزون أفلام الطفولة التي يمكن أن تجلب المليارات في شباك التذاكر إذا تحولت لـ"لايف أكشن".

في مقال له عام 2015، فسَّر ستيفن جايدوس، المحرر التنفيذي لمجلة "فارايتي" السينمائية المتخصصة، هذا الحماس الذي انتاب "ديزني" لإعادة الأفلام في نسخٍ جديدة إلى ما أسماه "النفور من المخاطرة"، موضحا مقصده بأن "هوليوود دائما ما تكون مهووسة بالأفلام التي تُباع قبل أن تُنتج، تلك التي تم اختبارها مسبقا في السوق، ويعرف منتجيها أن لها شهية وقاعدة جماهيرية كبرى لاستقبالها". وفي تلك اللحظة كانت أفلام الـ"حكايات الخرافية (fairy tales) وقصص الطفولة الكلاسيكية هي "البضاعة" القابلة للبيع، مع إعادة التغليف بشكلٍ جديد.

بلدان العجائب الأخرى

في العامِ التالي مباشرةً لـ"آليس"، بدأت "ديزني" في التخطيط لبلدان العجائب الأخرى التي يمكن الذهاب إليها بالـ"لايف أكشن"؛ فأنتجت في 2014 فيلم (Maleficent)، وهو معالجة جديدة لقصة "الجمال النائم"من وجهة نظر الجانب الشرير (الذي تجسده هنا أنجلينا جولي)، ونال الفيلم هو الآخر تقييمات نقدية منخفضة، ولكنه حقق 758 مليون دولار حول العالم. قبل أن تتبع ذلك بقصة واحدة من أشهر أميرات "ديزني" على الإطلاق (Cinderella) (في 2015 أيضا)، والذي وقف وراءه المخرج البريطاني الكبير كينيث براناه، وشاركت في بطولته كيت بلانشيت، ورغم أنه كان الأفضل نقديا من بين الثلاثة أفلام الأولى، إلا أنه الأقل من ناحية العائدات، والتي ظلت -رغم ذلك- جيدة جدا، بـ543 مليون دولار حول العالم.

قبل أن يزداد ضجيج وتأكيد "تريند" الأفلام الرسومية التي تتحول إلى "لايف أكشن" مع ما حققه "الجميلة والوحش" هذا العام، متجاوزا حتى عائدات "آليس" عام 2010

يفسر "جادوس" النجاح الأقل لـ"سندريلا" رغم كونه الأفضل فنيا بأن "القصة نفسها تبدو واقعية وبشرية"، موضحا أن "تداخلات المؤثرات الخاصة التي تحول الرسوم إلى حقيقة محدودة في "سندريلا"، فالأمير والبطلة والشخصية الشريرة كلها تنتمي لعالمٍ واقعي، وبالتالي فالفضول نحوها أقل".

تلك النظرية تبدو صحيحة تماما بالنظر إلى النقلة الثانية الأهم في ذلك الـ"تريند"، وهو ما حققه (The Jungle Book) عام 2016، قصة فتى الأدغال الذي يعيش بين الحيوانات، وعالمه بالكامل هو خليط منهم: الدب الذي رباه، النمر الذي يتربص به، الثعبانة والقردة والذئاب، وغيرها من الكائنات التي مَثلت العمود الفقري في الفيلم، ونُفذت بشكل مبهر ومتجاوز لأي عمل آخر حاول الوصول لهذا المُنجز من قبل. لتكون النتيجة النهائية متكاملة: نجاح في شباك التذاكر (966 مليون دولار حول العالم) ونجاح من قِبل النقاد (اختاره الكثيرين منهم أفضل فيلم في صيف 2016) وصولا لتتويج ذلك بأوسكار مستحق جدا لأفضل مؤثرات بصرية.

قبل أن يزداد ضجيج وتأكيد "تريند" الأفلام الرسومية التي تتحول إلى "لايف أكشن" مع ما حققه "الجميلة والوحش" هذا العام، متجاوزا حتى عائدات "آليس" عام 2010. ويُرجع الناقد بيتر ترافيرز نجاح هذا الفيلم تحديدا إلى "شهرة الفيلم الرسومي الأسبق عام 1991″، والذي يعتبر من أشهر أفلام "ديزني"، والذي وصل من التقدير درجة ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم، وهي واقعة الترشيح الوحيدة لفيلم رسومي في تاريخ الجائزة حين كان عدد الأفلام المرشحة 5 فقط(4)، وبالتالي فحداثة الفيلم وشهرته جعلت من المثير جدا العودة لمشاهدته في نسخة "لايف أكشن"، حتى مع عدم وجود فوارق تذكر بين المعالجتين.

مستقبل صاخب بالأفلام
أعلنت
أعلنت "ديزني" عن وجود 5 أفلام أخرى مأخوذة عن أشهر أفلامها وشخصياتها الرسومية ستطرح في دور السينما خلال العامين المقبلين (مواقع التواصل)

"هل هو "سحر" الحكايات أم "سحر" التحويل نفسه لعوالم حقيقية؟ لا هذا ولا ذاك، فمفهوم السحر بالنسبة لهوليوود هو المفهوم نفسه بالنسبة لمحاسب بنكي: هامش الربح"
ستيفن جايدوس في "فارايتي" – 2015

سريعا، بعد نجاحي "كتاب الأدغال" و"الجميلة والوحش"، أعلنت "ديزني" عن وجود 5 أفلام أخرى مأخوذة عن أشهر أفلامها وشخصياتها الرسومية ستطرح في دور السينما خلال العامين المقبلين، أولها هو "بيتر بان"، "حدوتة" الفتى الذي لا يكبر ويذهب في رحلة إلى "نيفرلاند"، ورغم وجود نسخة "لايف أكشن" متوسطة النجاح من الفيلم عام 2003، إلا أن الأمر سيختلف في تلك اللحظة، سواء مع خطة "ديزني" الدعائية أو تعاملها المختلف مع الفيلم.

الفيلم الثاني هو "مولان"، المقتبس عن الكرتون المنتج عام 1998، حيث الأسطورة الصينية، عن الفتاة التي تقرر الذهاب للجيش الصيني بدلا من والدها العجوز، ويرافقها في رحلتها عدد من الكائنات الخيالية. أما الفيلم الثالث فهو (Dumbo)، المقتبس عن الكلاسيكية الكرتونية التي أنتجت عام 1941، عن الفيل "دامبو" ذو الأذنين العملاقتين اللتين يستخدمهما للطيران، وجانب من قيمة هذا الفيلم هو في وقوف المخرج تيم بيرتون وراء الكاميرا. ثم الفيلم الرابع "علاء الدين" المقتبس عن الفيلم الذي أنتج عام 1992 بنفس الاسم، ويمتلك هو الآخر طاقما قويا يمثله المخرج جاي ريتشي وراء الكاميرا، بالإضافة للممثل ويل سميث في دور "الجني".

أما الفيلم الأخير، والأهم بشكل أو بآخر، فهو (The Lion King)، الذي من المفترض طرحه في صيف 2019، والمقتبس عن واحد من أعظم أفلام "ديزني" طوال تاريخها، والذي أنتج عام 1994. ومن المبشر جدا وجود المخرج جون فافريو (مخرج "كتاب الأدغال") وراء هذا العمل، وهو اختيار منطقي جدا لفيلم حيوانات آخر، كما أنه من المثير أن يقوم الممثل جيمس إيرل جونز، واحد من أهم الأصوات في تاريخ السينما، بدور "موفاسا" الأسد الأب نفسه مرة ثانية، بعد ربع قرن كامل من أداء الدور نفسه في الفيلم الأول.

وإلى جانب تلك الأفلام فهناك أجزاء ثانية مقترحة لـ"كتاب الأدغال" و"الجمال النائم"، وشخصيات شهيرة للشركة مثل "بونوكيو" و"ويني ذا بو". مما يؤكد على أن السنوات المقبلة، وبقدر ما هو سنوات العوالم الممتدة والأبطال الخارقين(5) فهي أيضا سنوات الـ"لايف أكشن" المُحَوَّل من أفلام رسوم متحركة كلاسيكية.

المصدر : الجزيرة