شعار قسم ميدان

أبرزها مهاجمة إسرائيل.. أغرب 5 مواقف شهدها حفل الأوسكار

midan - oscar

بالرغم من هالات الكمال والعظمة التي دائما ما تحيط بحفل تسليم جوائز الأوسكار، إلا أن ذلك لم يمنع قط مسرحها من التحول إلى خشبة تجري فوقها أغرب الأحداث، فقد يخرج الفائزون عن النص تحت بؤرة الأضواء المسلطة على لحظة الفوز، ليقلبوها إلى منبر احتجاج أحيانا، أو إلى اندفاع عميق تنطلق فيه مشاعرهم بعيدا عن أُطر المتوقع أحيانا أخرى. ولم توقف ضرورة أن تصبح فنانا معروفا عند البعض من استغلال تلك اللحظة أيضا، فلم يعدموا وسيلة لاقتحام مجتمع المشاهير في حفله الأهم، ليحظوا بدورهم بلحظة يتسلط فيها الاهتمام عليهم ويصير لما يمثلونه صوتا.

      

في هذا التقرير، نعرض لخمس من أهم تلك اللحظات. وقد مر على معظمها سنوات طويلة، إلا أنها تبقى مواقف من الصعب أن تضيع من ذاكرة الحدث السينمائي الأهم في العالم، وإلى الآن نجدها محفوظة في أرشيف الأوسكار، وفي أذهان وقلوب الكثيرين من محبي الفن السابع.

      

مايكل موور ينتقد الحرب على العراق

    

لم يكن مارلون براندو الوحيد الذي استغل منصة الأوسكار للتعبير عن موقف سياسي، فقد فعل المخرج الأميركي والناشط السياسي مايكل موور الشيء نفسه عام 2003. فاز موور في ذلك العام بجائزة الأوسكار عن فيلمه الوثائقي "بوولينغ لكولمبين"؛ والذي تناول فيه المجزرة التي وقعت عام 1999 في مدرسة كولمبين الثانوية عندما قام الطالبين إريك هاريس ودايلان كليبولد بإطلاق النار بشكل عشوائي على زملائهم؛ ما أسفر عن مقتل 13 منهم وإصابة 22 بإصابات خطيرة، قبل أن يصوبوا الأسلحة على أنفسهم منتحرين.

     

أطلقت تلك الحادثة نقاشات محتدمة حول القانون الذي يسمح للمواطن الأميركي بحيازة السلاح، والذي يؤيده بشدة الحزب الجمهوري اليميني وممثله في الرئاسة آنذاك جورش بوش. وقف مايكل موور على الجانب المعارض لذلك القانون ولسياسات بوش بشكل عام، وحتى فرحة الفوز بالأوسكار لم تنسه موقفه السياسي، فعوضا عن استغلال الـ45 ثانية، وهي المدة المسموحة لإلقاء خطاب الفوز، في التعبير عن سعادته وشكر المقربين منه كالمعتاد، وجه موور نقدا لاذعا لبوش وحربه على العراق قائلا: "أنا وزملائي من صناع الأفلام الوثائقية نحب الواقع. نحب الواقع ونعيش في واقع خيالي. نعيش في واقع يفوز فيه بانتخابات خيالية رئيس خيالي يبعث بنا للحرب لأسباب خيالية. عار عليك يا سيد بوش، عار عليك".

      

لم تختف النبرة السياسية العالية من أفلام موور قط، ففي الأعوام التالية صنع فيلم "فهرنهايت 9\11" الذي عرض فيه الهجمة الإرهابية على مركز التجارة العالمي؛ وما أسفرت عنه من حرب العراق من منظور مغاير، وفيلم "سيكو" الذي انتقد فيه نظام الرعاية الصحية باهظ التكاليف في الولايات المتحدة. وقد حظي كلا الفيلمين بنجاح جماهيري ونقدي باهر، جعل فيلم "فهرنهايت 9\11" يتربع على عرش أكثر الأفلام الوثائقية تحقيقا للإيرادات على الإطلاق، كما احتل فيلم "سيكو" مكانا مرتفعا أيضا داخل تلك القائمة.

        

امرأة من الهنود الحمر تحضر بدل مارلون براندو

       

فتحت الممثلة ليف أولمان الظرف المكتوب داخله اسم الفائز بجائزة الأوسكار عن أفضل أداء لممثل في العام 1973، وعندما أعلنت فوز الممثل الأميركي مارلون براندو عن دوره في فيلم "Godfather"، لم يصعد الممثل الأيقوني خشبة المسرح كما هو معتاد، لأنه في الحقيقة، لم يحضر الحفل من الأساس. تفاجأ الجمهور بدلا عنه بامرأة من الهنود الحمر ترتقي السلالم، وترفض بلباقة أخذ الجائزة. وقفت المرأة أمام الميكروفون وأخذت تتلو ما كان من المفترض أن يكون خطاب الفوز؛ لكنه تمخض عن شيء مختلف تماما:

        

"مرحبا، اسمي ساشين ليتلفيذر، أنتمي لقبيلة الأباتشي وأشغل منصب رئاسة اللجنة القومية لتصحيح صورة السكان الأصليين لأميركا، أمثل هذه الليلة مارلون براندو، وقد طلب مني أن أبلغكم اعتذاره عن قبول جائزتكم الكريمة في خطاب طويل للغاية، لكن للأسف لن يسعفني الوقت حتى اقرأه عليكم الآن، وعوضا عن هذا، سأشارك الصحافة محتوياته بعد الحفل بكل سرور. وسبب رفضه للجائزة هو المعاملة التي يلقاها الهنود الحمر اليوم في صناعة السينما، وفي التلفاز وفي إعادات الأفلام، وما حدث في مجزرة ونديد ني، أتمنى ألا أكون قد تطفلت على الحفل، وأن تلاقي قلوبنا وتصوراتنا الحب والكرم. أشكركم باسم مارلون براندو."

           

امتزجت أصوات الامتعاض بتصفيق مشجع في منتصف خطابها، لكن عند النهاية، كانت الغلبة للتصفيق الذي ملأ القاعة احتفاء بذلك الخطاب الغير تقليدي على الإطلاق. نشرت صحيفة النيويورك تايمز خطاب براندو الذي طرح فيه سخطه الشديد على الصورة التي يظهر بها الهنود الحمر على الشاشة، و قد جاء فيه ما يلي:  "لمائتي عام، أخذنا نقول لشعب الهنود الحمر الذي أخذ يقاتل دفاعا عن أرضه، عن نفسه، عن عائلته، عن حقه في الحرية: "ألقوا بأسلحتكم بعيدا يا رفاق وعندها سنتحد سويا،  فقط عندما تلقوا بأسلحتكم بعيدا سنتمكن من الحديث عن السلام والوصول لاتفاق ستجدون فيه الخير لكم." وعندما ألقوا بأسلحتهم بعيدا، ذبحناهم، كذبنا عليهم، سلبناهم أرضهم….ربما تتساءلون الآن: ما علاقة كل هذا بحفل الأوسكار بحق الجحيم؟ لماذا تقف تلك المرأة أمامنا مفسدة علينا الليلة، مقحمة إيانا في أشياء لا تخصنا، مضيعة وقتنا وأموالنا ومتطفلة على بيوتنا؟

      
والإجابة على تلك الأسئلة -الغير منطوقة- هي أن مجتمع صناعة السينما مسئول تماما كغيره من المجتمعات على إذلال الهندي الأحمر، والاستهزاء من شخصيته، واصفة إياه على هيئة شخصية متوحشة وعدائية وشريرة. وعندما يشاهد أطفال الهنود الحمر التلفاز، عندما يشاهدون الأفلام، عندما يرون أنفسهم مرسومين بتلك الطريقة، تجرح عقولهم بطرق لا يمكننا حتى تخيلها." (1)

       

سالي فيلد تخرج عن النص

       

لم يكن الطريق الذي شقته سالي فيلد إلى قلب هوليوود بالسهل، فقد بدا لها في كثير من الأحيان أن نهايته المقدرة هي الفشل. ولهذا؛ لم تسمح لنفسها قط أن تتذوق بشغف لحظات نجاحها، فهي تعرف تماما أنها قد تطير بعيدا في أي لحظة وتتركها بلا سكينة وسط رياح الخيبة. هكذا استقبلت سالي جائزة الأوسكار الأولى لها، محاولة قدر الإمكان الهرب من الانغماس التام داخل ذاك الإنجاز.

       

وتقول سالي عن هذا: "فوزي بالأوسكار كان يمثل لي شيئا ضخما. ولأنجو منه، فعلت كما كنت أفعل وأنا صغيرة، دخلت فقاعتي، أحطت نفسي بالضباب، منعت نفسي من الاندماج. لم أشعر بشيء حينها، لم أسمح لنفسي بالشعور بشيء." لكن عندما تكرر الإنجاز وفازت سالي بالأوسكار الثانية، تغير الوضع.

           

لم يكن النجاح حينها مجرد شيء عابر منحه إياها القدر سهوا، بل وتدا حقيقيا دقته موهبتها وجهدها في أرض هوليوود الصخرية. وما عادت لحظة الظفر وضعا مؤقتا سريع الزوال، بل حاضرا ومستقبلا مختلفا تماما عن ذاك الوضع المظلم الذي رسمته مخاوفها. للمرة الأولى، شعرت بحقها في الانغماس في تلك اللحظة، تروي أنها قالت لنفسها حينها: "سأشعر بهذا، سأشعر به مهما كان". وعندما تحقق هذا، وسمعت اسمها فائزا بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "أماكن في القلب" عام 1985، خرجت بها السعادة التي غمرت قلبها للمرة الأولى عن النص. (7)

       

قالت سالي المضطربة بالفرح والغير مصدقة لما يحدث حولها: "لم أتمنى شيئا قط قدر أن أحظى باحترامكم. في المرة الأولى لم أشعر بشيء، لكن هذه المرة أحسه. ما عاد في وسعي إنكار أنكم تحبوني، الآن أنتم حقا تحبوني". بقي خطابها إلى الآن واحدا من أغرب خطابات الأوسكار، وقد نال نصيبا لا بأس به من السخرية، لكنه يبقى شاهدا على ما جال حقا في قلب إنسانة ظلت طوال حياتها مهددة بالفشل في اللحظة التي اكتشفت فيها أنها صارت الآن تجلس فوق عرش هوليوود.

          

رجل عاري يقتحم المسرح

           

شهد احتفال الأوسكار واحدة من أغرب الحوادثه على الإطلاق، في عام 1974؛ وبينما وقف الممثل دافيد نيفن يقدم جائزة الأوسكار لأفضل فيلم لذاك العام، فوجئ الجميع برجل عار تماما يجري فوق خشبة المسرح ملوحا بعلامة السلام. لم تلتقط كاميرا التلفاز الرجل سوى للحظة، وبقي تركيزها على نيفن، لكن صور الصحافة ما لبثت أن تدفقت بعد الحفل مخلدة ذلك الحادث الغريب بشكل فاق كل تخيل للأبد. ظل نيفن محتفظا بابتسامته الواثقة التي لم تضطرب رغم ما حدث، وقد حول الأمر كله لنكتة مضحكة بسرعة بديهة يحسد عليها عندما قال: "أليس من المذهل كون الضحكة الوحيدة التي سيحصل عليها ذاك الرجل في حياته جاءت بعدما خلع ملابسه مستعرضا نقطة ضعفه؟"

                 

لكن إليزابيث تايلور التي جاءت بعد نيفن لتعرض أسماء المرشحين لم تكن بمثل تماسكه، وقد برز توترها الشديد في تعابير وجهها المندهشة مما حدث وتلعثمها أثناء التكلم، وقد حاولت أن تزيل عنها توترها مازحة الجمهور عندما قالت : "أنا متوترة، ذلك أثار حفيظتي حقا…أعتقد أني أحسده". لتضج القاعة بعدها بالضحك. (2)

            

أما عن الرجل الغامض، فلم يستمر غموضه طويلا، فسرعان ما اكتشفت الصحافة اسمه "روبرت أوبل"، ونشاطه كمصور وفنان مفاهيمي وناشط يدافع عن حقوق المثليين. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي اخترق فيها أوبل أحد الفعاليات عاريا، فقد فعل الشيء نفسه -سابقا- عندما حضر اجتماعات البلدية الخاصة بلوس أنجلوس كما ولدته أمه. وقد فعل هذا اعتراضا منه على منع العري من شواطئ المدينة. أنشأ أوبل عدة معارض للفن الحديث في بقية حياته؛ والتي لم تستمر طويلا، فقد قتل في حادث سرقة بعد واقعة الأوسكار بخمس سنوات، ولم يكن يبلغ من العمر حينها سوى أربعين عاما.  (3)

             

فينيسا ريدروجرز تهجو الكيان الصهيوني

             

أعلن الفنان الصاعد آنذاك، جون ترافولتا، فوز الممثلة المسرحية والسينمائية المرموقة والناشطة السياسية فينيسا ريدروجرز بجائزة أفضل ممثلة في دور مساعد عن فيلمها "جوليا" عام 1978. صعدت فينيسا خشبة المسرح لتتلقى جائزتها، ومع كل خطوة ترتقيها، أخذ فوزها الذي كان يبدو مستحيلا يتكثف ليصبح حقيقة واقعة. لم يكن الطريق إلى التمثال الذهبي صعبا لضعف في موهبتها الطاغية؛ بل بسبب القوة التي حملتها آراؤها السياسية المؤيدة لفلسطين، الأمر الذي لم يعجب المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة، فحاربت طويلا وكثيرا لتحول بينها وبين الجائزة.

          

وتعود قصة ذلك إلى وثائقي "الفلسطيني" الذي أنتجته فينيسا قبلها بعام واحد، والذي يحمل وجهة نظر تدعم منظمة التحرير الفلسطينية وتدين الممارسات الإجرامية التي مارستها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. ما أصاب الجماعات الصهيونية بصدمة بعدها؛ هو اختيار ريدجراف لتمثل دور امرأة ألمانية تقف ضد الممارسات الفاشية التي مارستها النازية ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية وتحاول مساعدتهم في فيلم "جوليا". وعندما أعلنت الأكاديمية ترشيحها لنيل جائزة أفضل ممثلة عن هذا الدور، لم تكن "منظمة الدفاع اليهودية" المتطرفة لتقف مكتوفة الأيدي.

           

قادت منظمة الدفاع اليهودية حملة عنيفة ضد فوز ريدجراف بالأوسكار في ذاك العام، وقد وصل الأمر إلى حرقهم لدمى على هيئتها، ولم يتوقف عند محاولتهم تفجير إحدى السينمات حيث كان يعرض الفيلم. جاءت اللحظة الحاسمة أخيرا ونطق جون ترافولتا اسم فينيسا ريدجراف لتصبح الفائزة الفعلية للجائزة. وعندما وقفت فوق خشبة المسرح لتلقي خطابها، اختارت فينيسا المواجهة، ملقية خطابها الذي فتح عليها أبواب الجحيم. (4)

          

في جزء من كلمتها، وجهت فينيسا كلامها للأكاديمية قائلة: "أتقدم إليكم بالتحية والثناء. لابد أن تكونوا فخورين بشدة على صمودكم ورفضكم أن ترهبوا من قبل تهديدات حفنة من الصهاينة السفاحين. ضجت القاعة بصيحات الامتعاض في إثر ما قالت، وقد كان السيناريست بادي تشايفسكي أبلغ من عبر على سخطه في وقت تقديمه للفائز بجائزة أفصل سيناريو قائلا: "لقد سئمت من استغلال البعض فوزهم بالجائزة في الدعاية لآرائهم السياسية…. كان تقديم الشكر ببساطة سيفي بالغرض". (5)

              

بقت فيسنيسا على دعمها للقضية الفلسطينية حتى الآن، وقد تقدمت في 2009 بالتحية لأهل فلسطين لصمودهم في وجه العدوان الإسرائيلي إثر شنه حربا عدوانية عرفت بعملية "الرصاص المصبوب" على غزة. (6)

المصدر : الجزيرة