شعار قسم ميدان

غولدن غلوب 2018.. ليلة نسوية بامتياز!

ميدان - حفل توزيع جوائز غولدن غلوب

لطالما كانت الملابس أحد مظاهر الاحتجاج بالنسبة للنشطاء والفاعلين، كما كان خلعها أيضاً نمطا من أنماط المعارضة مؤخراً! أمّا الليلة، فقد شهدت لوس أنجلوس أكبر تظاهرة احتجاجية من هذا النوع في تاريخها من قبل عدد كبير من الفنانين الأميركيين الذين جاؤوها لحضور الحفل الخامس والسبعين لتوزيع جوائز الغولدن غلوب.

 

بدأت كرة الجليد بالتدحرج في (أكتوبر/تشرين الأوّل) الماضي، وتحديداً بعد الفضيحة التي تلقاها أحد أبرز الأسماء في عالم الإنتاج في هوليوود "هارفي واينستين". بدأت بعدها حملة ضخمة تحت شعار "وأنا أيضاً" أخذت صدىً عالميا وتسببت في كشف المزيد من حالات التحرش (بالنساء والأطفال) في أروقة استديوهات هوليوود العريقة.

 

أدت تلك الفضائح إلى انهيار أسماء كبرى في عالم الإنتاج والتمثيل والإخراج، لربما كان من أبرزهم الممثل كيفين سبيسي الذي اضطر المخرج ريدلي سكوت إلى طرده من فيلمه الذي كان قد أنجزه بالفعل "كل المال الذي في العالم (All the Money in the World)" واستبداله بالكندي كريستوفر بلامر في غضون أسابيع(1).

  

  

أمّا الليلة، وفي تجمّع يعتبر هو الأكبر أمريكياً قبل حفل توزيع جوائز الأوسكار في الرابع من (مارس/آذار) القادم، فقد غلب اللون الأسود على ملابس الفنانات الأمريكيات اللاتي مشين على البساط الأحمر، فيما ارتدى الرجال بدلات سوداء أيضاً مع شعار "Time’s Up" على صدورهم، وهو شعار تحالف الفنانين المناهضين للتحرش الجنسي والمُطالبين بالمساواة بين الجنسين، والذي رددت شعاره الإعلامية أوبرا وينفري بعد حصولها على تكريم خاص أثناء الحفل.

 

يقف وراء هذه المبادرة أكثر من 300 امرأة في مجال صناعة الترفيه، وتهدف إلى "القضاء على سوء المعاملة والتحرش والتهميش ونقص نسبة التمثيل في مكان العمل"(2). وبعد التراجع عن قرار المقاطعة الكاملة للحفل، قرر المنتسبون لهذه المبادرة إعلاء المزيد من أصواتهم على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة عبر استخدام وسم "لماذا نرتدي الأسود؟ #WhyWeWearBlack".

 

لم تمر دقيقة على بدئه حتى بدأ مقدّم الحفل "سيث مايرز" بإطلاق الدعابات حول فضائح كل من واينستين وسبيسي: "حسناً، حان الوقت للإعلان بأن الفيل لم يعد في الغرفة" قال مايرز "هارفي واينستين ليس هنا اليوم؛ سمعت بأنه مجنون ومن الصعب العمل معه، لكن لا تقلقوا قد يعود خلال 20 سنة".

 

 

استمر مايرز بمفاجأة الجمهور أكثر عندما اقترح أن يتم استبدال كيفن سبيسي بكريستوفر بلامر أيضاً في مسلسل "بيت من ورق (House of Cards)" خصوصاً بعد إعلان نتفلكس إكمال المسلسل دون تواجد لكيفين سبيسي ضمن طواقمه(3). "أتمنى أن يستطيع إتقان اللكنة الجنوبية، لأن كيفين سبيسي بالتأكيد لم يُتقنها" قال مايرز الذي لم يتوقّف عند هذه الحدود، بل استمر بالسخرية من المخرج وودي آلن الذي تحيط به الاتهامات أيضاً ووصفه بـ"وحش بحري مقزز".

 

جوائز التلفزيون

منذ خسرت المرشحة الأميركية للرئاسة هيلاري كلينتون سباق الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الأمريكي الحالي المثير للجدل دونالد ترمب "بدا أن العام الحالي هو عام للمرأة في الولايات المتحدة"(4). وفي مسلسل "حكاية أًمة (The Handmaid’s Tale)" لا تكون "أوفريد" التي تؤدي دورها "إليزابيث موس" سوى مليكة لرجل في عالم ذكوري تتعرض فيه لأشد أنواع الإهانة، سيكون أهونها الاغتصاب.

 

كلما اقترب موسم الجوائز تبيّن أكثر أن  عالم الديستوبيا الذي تميز به هذا المسلسل ليس محدوداً بمكان ولا زمان معينين، ولكنه من الممكن جداً أن يكون مُحيطا بنا الآن. حصل المسلسل على جوائز الغولدن غلوب لأفضل مسلسل درامي وأفضل ممثلة، وعلى خشبة المسرح وقفت "موس" لتقول بأعلى صوت "لم نعد مجرّد فجوات بين القصص بل أصبحنا نحن القصص".

  

  

لم تكن "موس" الحاصلة أيضاً على جائزة الإيمي هي الوحيدة التي أدت شخصيّة نسائية معنّفة وتعاني من تمييز مجحف واستغلال جسدي مرعب من قبل الرجال، ولكن "نيكول كيدمان" التي أدت دورا شبيهاً في "Little Big Lies" حصلت هي أيضاً على جائزة أفضل ممثلة في مسلسل قصير، كما حصل المسلسل نفسه على جائزة الأفضل، إلى جانب تكريم الممثلة لورا ديرن بجائزة أفضل ممثلة بدور مساعد عن نفس الفئة، ليحصد المسلسل بذلك كافة الجوائز التي ترشح لها.

 

لم تكن هذه النتيجة بعيدة أيضاً عن المسلسل النسوي "The Marvelous Mrs. Maisel" الذي حصد جوائز أفضل مسلسل في فئة الكوميديا واستطاع ضمان جائزة أفضل ممثلة لبطلته رايتشل بروسنهان.

 

الممثلة الأميركية رايتشل بروسنهان (مواقع التواصل)
الممثلة الأميركية رايتشل بروسنهان (مواقع التواصل)

  

جوائز السينما

استمر الانحياز الواضح للأعمال التي تناولت قضايا المرأة عندما تُوّج فيلم ليدي بيرد (Lady Bird) بجائزة أفضل فيلم كوميدي، وهو فيلم يتناول أزمة المُرَاهقة عبر التوغل في حياة فتاة أمريكية تحاول اكتشاف ذاتها والبحث عن الحب في زمن تضيع فيه أحلام الجيل الجديد، فيما قارب الجيل القديم على الاستسلام، أدّت دورها الأيرلندية سيرشا رونان الحاصلة أيضاً على غولدن غلوب لأفضل ممثلة عن نفس الفئة.

 

في ميزوري، كانت تشعر الأمّ المفجوعة "ميلدريد" بالغضب إزاء البرودة والبطء الشديدين لسير التحقيقات في قضية اغتصاب ومقتل ابنتها المراهقة، فتجد نفسها مضطرة للقيام بحركة استفزازية لقسم الشرطة المحلي ما يتسبب في عداوة الجميع لها، ولكنها مع ذلك تستمر بمخططها رغم تعاظم الصعاب عليها.

 

حصل "ثلاث لوحات إعلانية خارج إيبينغ، ميسوري"Three Billboards Outside Ebbing"  Missouri" على جوائز أفضل فيلم درامي وأفضل ممثلة رئيسية للأمريكية فرانسيس مكدورماند في دور مميز قيل إنه الأفضل منذ دورها في فيلم فارغو (Fargo) كما تمكّن مخرج الفيلم وكاتبه مارتن ماكدونا من الحصول على جائزة أفضل سيناريو.

  

الممثلة الأميركية فرانسيس مكدورماند. (مواقع التواصل)
الممثلة الأميركية فرانسيس مكدورماند. (مواقع التواصل)

  

ذهبت غالبية التوقعات لحصول الإنجليزي "كريستوفر نولان" على جائزة أفضل مخرج(5)، ولكنها بقيت تكهنات ذرتها الرياح عندما نال "جييرمو ديل تورو" تفضيل لجنة التحكيم، وبدا عندما صعد لاستلام تكريمه وكأنه غير مصدّق، بكى ديل تورو واستغرق في الحديث، شكر وحوشه التي من دونها لما وصل إلى هنا، وعندما بدأت الموسيقى في العلو معلنة انتهاء مدته المخصصة للكلام توقف وقال "امهلني دقيقة لقد استغرق الأمر 25 سنة للوصول إلى هنا".

 

 لم تختلف حالة "غاري أولدمان" الذي كان في نفس الفئة التنافسيّة مع أسماء كبيرة، مثل توم هانكس ودانيال دي لويس ودنزل واشنطن، قبل أن يطيح بهم جميعاً لينال لقب أفضل ممثل عن أدائه لشخصيّة رئيس الوزراء البريطاني الراحل "وينستون تشرشل" في فيلم "(darkest HouR) أسوأ ساعة" من إخراج الإنجليزي "جو رايت"، الدور الذي رأى فيه بعض المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي أنه أفضل تجسيد لشخصية تشرشل على الشاشة.

 

انتهت الليلة بالعديد من المفاجآت على مستوى الجوائز، ولكن الأمر الوحيد الذي لم يُشكّل صدمة هو اعتبارها ليلة نسوية بامتياز. اكتسى الحضور بالرداء الأسود في القاعة في مشهد نادر الحدوث ولربما سيخلده التاريخ كأحد أبرز التظاهرات الفنيّة في القرن الواحد والعشرين. كانت ليلة حافلة، ولكنها بالتأكيد مجرّد إحماء سريع لليلة توزيع جوائز الأوسكار بعد أقل من شهرين من اليوم، والتي من المتوقع لها أن تكون الأكثر جدلاً منذ وقت طويل.

المصدر : الجزيرة