شعار قسم ميدان

بعد فوزه بالأوسكار.. نظرة تحليلية لفيلم"ذا شيب أوف ووتر"

midan - ذا شيب أوف ووتر

في أحدث أفلامه "شكل الماء"، والذي فاز ب4 جوائز بمسابقة الأوسكار، وفاز بكمٍ هائل من الجوائز، أبرزها الأسد الذهبي في مهرجان فينسيا في سبتمبر الماضي، واعتبره النقاد أحد أهم أفلام العام، يؤكد المخرج المكسيكي" جييرمو ديل تورو، حبه وولعه بالعوالم الغرائبية، وبحكايات الأميرات، وقصص الحب المستحيلة، التي تتحدى قوانين الطبيعة، والوحوش أصدقاءه الدائمين، لكن لا يمكن تصنيف أفلامه كأفلام رعب، لأن وحوش ديل تورو أليفة، غير مرعبة.(1)

 

الفيلم الذي يدور بالإنجليزية، والروسية، يتناول قصة حب صامتة بين عاملة نظافة "سالي داوكينز"أو "إليزا"، وكائن خرافي، وحدها إليزا استطاعت ترويضه، أحبته، وعلمته لغة الإشارة "الستينية"، عرفت أنه يشعر، ويحب، ويمتلك القدرة على التواصل، ليخلقا سوياً لغتهما الخاصة.

  

  

في أميركا المتخيلة فترة الستينيات، تحديدا في معمل سري للأبحاث تابع للحكومة الأمريكية، تعمل "إليزا" عاملة النظافة، الوحيدة التي تحب البيض المسلوق، مهووسة بالجنس، وتواظب على الشرود من شبابيك القطار.(2)

 

تعيد إليزا للذاكرة بشكل ما شخصية "إيميلي" التي لعبت دورها "أودري تاتو"، ويبدو "الوَحش" بشكل واضح مستَلهما من فيلم "creature from black lagoon"، وتتقاطع القصة بعض الشيء مع "الجميلة والوحش".

  

هنا، لا بد من فهم شخصية سالي، فهي التي استخدمت في ما سبق لغة الإشارة في عرض مسرحي باسم   Constellations الذي كان يدور في عوالم موازية، وفي إحداها كانت البطلة صماء. إذ ساعدها ذلك على أداء شخصية إليزا (3) فشخصيتها الشابلينية (نسبة لتشارلي شابلن) صامتة، ساذجة، تمشي بخفة كأنها ترقص (4) لتضيف سالي في السياق ذاته، الذي يبرز ملامح شخصيتها، قولها "لطالما وددت اختزال كل الأشياء، لأننا يمكن أن نقول الكثير بكلمات قليلة".

  undefined

 
وبالعودة إلى الفيلم، يصل الوَحش إلى المعمل السري ليتولى مسئوليته "مايكل شانون"، وهو مسؤول حكومي، والعالِم "مايكل ستولبيرج". الوحش هنا كائن ينتصب كإنسان، ويعيش بالماء كالسمك، إلا أنه قادر على العيش لدقائق في الهواء. هذا الوحش كان الناس يتخذونه إلها حينما كان يعيش في نهر الأمازون.

 

إلا أنه الآن، يعيش بالمعمل داخل خزان مائي، يأكل البروتينات التي يزوده بها ستولبيرج، وهذا الأخير يرى أنه كائن بديع، يمكن الاستفادة منه علمياً، ليحاول بذلك إقناع شانون بعدم إيذائه. لكن ما يظهر جليا هنا أن الوحش يتمثل حقيقة في السلطة، التي تأبى أن ترى الجمال في هذا الكائن، أو أن تبحث عن الاستفادة منه بطرق نافعة، فالسلطة هنا لا تهتم به إلا لترفع كَفتها في معادلة توازنات القوى.

 

ما هو شكل الماء؟

ديل تورو، الذي يؤمن بالحب كما يؤمن بالأشباح، يقول:"صنعت شكل الماء كمضاد للفلسفة "الكلبية" (التي لا تؤمن بوجود الخير في الطبيعة البشرية أو الحب). التي تعتقد أننا عندما نحب نبدو سُذجاً أو حتى مزيفين. "الحب حُرّ كالماء، ليس له شكل، إلا إذا وضعناه في وعاء فيأخذ شكله، عيوننا عمياء، لكن أرواحنا ليست كذلك، تدركه في أي شكل". (5)

إليزا التي استرقت النظر إلى الكائن البديع أثناء تنظيفها للمعمل، الوحش الأمازوني الوحيد، إله الماء، أخذت تطعمه، وتسمعه الأغاني الكلاسيكية، وموسيقى الجاز، التي تتدفق كالماء في الخلفية، لتضفي لمحة كلاسيكية وأسطورية على الفيلم.

  

"في الأوقات الحالكة والمعقدة تخرج القصص الخيالية، عندما نفقد الأمل"

(ديل تورو)

  undefined

   

دون أن تعرف إيلزا، فإنها الآن، تتوسط حرباً، بين من يتصارعان لامتلاك الوَحش. هنا يبرز دور حزب الأقليات المنبوذة والذي يتمثل في فتاة بكماء وامرأة سوداء أمريكية من أصل إفريقي، "أوكتافيا سبنسر" أو زيلدا صديقة إليزا وزميلتها في العمل، ومترجمة لغة الإشارة أغلب الوقت، ورجل "مثلي" صديقها وجارها "ريتشارد جينكليز" أو جيليز، الثلاثة يحاولون إنقاذ الوحش المائي الشاعري من تصارع القوتين العظمتين في العالم عليه.

 

بالإشارة تخبر إليزا جارها جيلز "عندما ينظر إليّ، لا يُشعِرني بأنني غير كاملة"؛ هنا تكمن كل فلسفة ديل تورو في حب الوحوش، هو يرى أننا نتشابه في النقصان وعدم الاكتمال، وهو سبب كاف لكي نكوّن علاقات طيبة سوياً.

 

هذا الوحش، استغرق تصميمه ثلاث سنوات، ولعب "دوج جونز" دوره، استخدم ديل تورو الصور المصنوعة بالكمبيوتر أو(CGI) في جزء ضئيل من الفيلم لم يتعد العشرة بالمائة.

 

بصرياً يُعتبر شكل الماء أكثر أفلام ديل تورو تعقيداً، وجاذبية أيضاً، حيث استخدم ألوانا زاهية وظلالا توحي بأجواء ستينية، واستخدم تقنية قديمة لتوصيل الإحساس بالتصوير تحت الماء يسمى (dry for wet) وهي طريقة يُستخدم فيها دخان، وفلاتر ملونة، ومراوح، إلى جانب التصوير البطيء، ثم يتم تركيب فقاعات الماء على الصورة.(6)  

   undefined

    

وحوش ديل تورو الأليفة

علاقة ديل تورو بالوحوش قديمة جدا، إذ يرى ديل تورو أن الوحوش بها شيء من الهشاشة، والانعزالية، وهو ما يذكّره بطفولته. إذ يقول إنه نشأ وحيداً حينما كان طفلا، ليبدأ في رسم الوحوش، حتى ظن أبواه أنه يعاني من اضطراب نفسي، لكن يبدو أن حبه للوحوش جعله يمتلك قدرات استثنائية. بدأ تورو بقراءة روايات "ماري شيلي"، وإدجار آلان بو وأوسكار وايد في سن السابعة، ألف كتاباً عن هيتشكوك في سن الثالثة والعشرين، الذي يقول إنه يرتبط به برابطة قوية، بدأ حياته الفنية كـ "ماكير" لأفلام الرعب، أسس مدرسة سينما، ومهرجانا سينمائيا عمره الآن ثلاثون عاماً، ديل تورو يرسم، ويكتب ويمثل، ويقيم معارض فنية، عن الوحوش بالطبع، كما يقدم مسلسلات "أنيميشن" للأطفال (7).

 

وفي حفل تسلمه لجائزة أفضل مخرج عن فيلم "شكل الماء"، قال ديل تورو إنه طالما كان ممتناً للوحوش، لمدة 25 عاما حاكَ القصص الصغيرة من الأنوار والظلال، وإن هذه القصص الغريبة قد أنقذت حياته، ولولا وجود الأشباح ما كان ليصل إلى ما وصل إليه.(8)