شعار قسم ميدان

غياب العرب عن الأوسكار.. فشل سينمائي أم إقصاء متعمد؟

midan - الأوسكار
ككنوز حكايا الجدات بعيدة المَنال، أخذت تُنسَج العديد من الأساطير حول تمثال الأوسكار الذهبي وعلاقتنا كعرب به في الخيال الشعبي، وقد كانت لمصر فيها النصيب الأكبر؛ فتذهب أحد القصص إلى أن فيلم "دعاء الكروان" أسال دموع أكاديمية الأوسكار وقت عرضه، وتقول أخرى إن "الناصر صلاح الدين" كاد يفوز بالجائزة لولا ظهور ساعة في يد أحد الكومبارس المُشارك فيه، والحقيقة أن كلا الفيلمين لم يتأهل حتى لقائمة الأوسكار الطويلة. قد يجد بعضهم في تلك القصص مصدرا للدُعابة، لكن نظرة أعمق تُحيلنا إلى ما تُدل عليه من رغبة دفينة في اعتلاء أحد العرب خشبة مسرح "دولبي" يوما ما وقد فاز بالجائزة التي تلوح في الأحلام.

   

تكمن الكثير من علامات الاستفهام الممزوجة بعلامات التعجب حول تلك الرغبة، فبالنظر منطقيا إلى جائزة الأوسكار سنجدها في الأساس جائزة محلية موجهة في جميع أقسامها عدا واحد إلى السينما الأميركية أو الناطقة بالإنجليزية على وجه العموم دون أن يكون هدفها أو الغرض منها الالتفات إلى إنتاج السينما في بقية أنحاء العالم. على الصعيد الآخر نجد اهتماما شعبيا شبه مُنعدم بمهرجانات السينما العالمية الأثقل وزنا ككان وبرلين مثلا، فما السبب وراء هذا؟

   

على الأرجح توجد الإجابة فيما يشعر به الجميع ولا يُفصح عنه أحد من رغبة في الحصول بالعرفان من البلد المُهيمنة سينمائيا واقتصاديا وسياسيا على العالم، وما سيُترجَم له هذا العرفان بشعور أننا صرنا أخيرا منطقة يلتفت الآخر إلى فنها وثقافتها. لكن يظل كل هذا محصورا في نطاق الأمنيات الملفوفة بالأساطير، فما السبب وراء عدم تحول الحلم إلى حقيقة حتى الآن؟(1)

    

undefined

     

العرب والأوسكار.. ستون عاما من الرفض

تعود قصة العرب مع الأوسكار إلى عام 1958، حين قدمت مصر فيلم يوسف شاهين "باب الحديد" ليكون أول عمل يمثلها عن جائزة "أفضل فيلم أجنبي" التي استحدثتها الأكاديمية قبلها بعامين، لكن عوضا عن هذا، مثّل هذا الفيلم في الحقيقة بداية رحلة من الرفض عُمرها الآن ستون عاما.(2)

     

فبين العامين 1958 و2018، رشّحت مصر نحو أربعة وثلاثين فيلما لم يصل واحد منها إلى القائمة الطويلة،(3) تلتها الجزائر بتسعة عشر فيلما فاز أولها "Z" بالأوسكار عام 1970 ووصل أربعة آخرون إلى القائمة القصيرة ثلاثة منهم للمخرج رشيد بوشارب.(4) وبعدها أتت لبنان بأربعة عشر فيلما وصل آخرها "القضية 23" لزياد دويري إلى القائمة القصيرة هذا العام،(5) وفلسطين بخمسة عشر فيلما وصل اثنان منها، "الجنة الآن" و"عمر" لهاني أبو أسعد، إلى القائمة القصيرة.(6) قد نجحت دولة قليلة الترشيحات كالأردن في الوصول إلى القائمة القصيرة عن ثاني ترشيح لها، "ذيب"، منذ عامين.(7)

    

undefined

  

علينا أولا ألا ننخدع بفوز الجزائر لأنها لم تكن تُمثل في الفيلم الذي حصلت عنه على الأوسكار سوى جهة مشاركة بالإنتاج، بينما وقعت أحداث الفيلم في اليونان وتوّزعت جنسيات المُشاركين فيه بين يوناني وفرنسي دون أن يقوم فنان عربي بأي دور من الأدوار الأساسية (8). ومن المُلاحظ أيضا كون كثير من المُخرجين العرب المُرشحين مُزدوجي الجنسية، فهاني أبو أسعد حصل على الجنسية الهولندية بعد هجرته إلى هناك في سن العشرين، بينما وُلد ناجي أبو نوار، مُخرج "ذيب"، أصلا في بريطانيا.

     

وبالنسبة للأفلام العربية التي نجحت بالفعل في الترشح، فكثير منها حمل قصصا مشحونة سياسيا أظهر بعضها القضية الفلسطينية بشكل سلبي، كفيلم "الجنة الآن" الذي حمل رسالة مُناوئة للعمليات الانتحارية، وفيلم "القضية 23" الذي جاء فيه الكثير من التحامُل على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ولهذا، ففي كثير من الأحيان، مثّل وصول فيلم عربي إلى القائمة القصيرة مساحة واسعة للتكهُنات حول إذا ما كان سبب الترشح فني في الأصل أم سياسي. والحقيقة أن تلك التكهنات ليست غير مُبرَرة، فترشيحات الأوسكار نادرا ما تأتي فنية تماما، بل تلعب فيها السياسة والأموال دورا لا يُستهان به.

     

undefined

  

السياسة ورأس المال وراء الأوسكار

"كان فيلم "البائع" لأصغر فرهادي مُخيبا للآمال بعض الشيء مُقارنة بأعمال المُخرج الأخرى، رأيت ما كان يُحاول صُنعه، لكنه جاء مُفككا دون أن تترابط أجزاؤه حتى النهاية. ومع هذا، فقد فكرت في أن أُدلي بموقفي ضد قرارات ترمب بالتصويت لصالحه على أي حال".(9)

   

جاء هذا التصريح بشكل مجهول من قِبل أحد أعضاء الأكاديمية -الهيئة التي تُصوّت على الأفلام الفائزة- لجريدة "الهوليوود روبيرتر"، وقد استكمل العضو بيانه قائلا إنه سيعطي صوته لفيلم "توني إيردمان" كونه أفضل الأفلام الأجنبية المُرشّحة من الناحية الفنية. لكن يبدو أن باقي أعضاء الأكاديمية بقوا على الرأي الأول، فقد فاز فيلم "البائع" في النهاية بالأوسكار.

   

حدث هذا الفوز بعد حملة مُوسعة قادتها بعض المواقع تحت عُنوان: "صوت لأصغر فرهادي هو صوت ضد ترمب"، في إثر قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب منع مواطني بعض الدول الإسلامية التي جاءت على رأسها إيران من دخول الولايات المُتحدة، ما أعقبه بفترة قصيرة إعلان أصغر فرهادي أنه لن يحضر الأوسكار ذاك العام. (10)

    

  

وبالرغم من نُبل دوافع أعضاء الأكاديمية فإن الأمر برُمته يحمل شيئا من الإدانة للجائزة التي من المُفترض أن يُكافئ بها صُناع الأفلام لأسباب فنية بحتة، ما يترك مجال الشك في مصداقيتها واسعا، ويُبرر هواجس العرب من أنهم ربما لم يفوزوا بها لأسباب سياسية.

    

والنكهة السياسية للأوسكار في علاقتها مع العرب لا تتوقف هنا، ففي سنة 2014، بعد أعوام انفجرت فيها ثورات الربيع العربي مُطالبة بإسقاط الأنظمة المُستبدة والحصول على حقها في الحرية والديموقراطية، وبعد أن لاقت تلك الثورات صدى إيجابيا في الغرب المُؤيد علانية لتلك القيم، حصل العرب على ثلاثة ترشيحات أوسكار دفعة واحدة، ما يُعدّ أمرا غير مسبوق في تاريخهم معها. فقد ترشح وثائقي "الميدان" للمصرية الأميركية نادين نجيم لجائزة أفضل وثائقي، وترشح وثائقي "ليس للجدران كرامة" لليمنية الأسكتلندية سارة إسحاق لجائزة أفضل وثائقي قصير، وترشح "عمر" للفلسطيني الهولندي هاني أبو أسعد لجائزة أفضل فيلم أجنبي.

    

جاء تاريخ تلك الترشيحات وموضوعات أفلامها التي تطرّق اثنان منها لثورات الربيع العربي حاملا لدلالات كثيرة، فمن المعروف أن المُشاهد الغربي يُفضل مشاهدة شعوب دول العالم الثالث في أنماط مُعينة، وقد جاءت الأفلام المُرشَحة ذلك العام بمحتواها السياسي لتُرضي توقعاته. كما يُحيلنا هذا إلى كون تلك الترشيحات قد جاءت ترجمة لاهتمام سياسي في الأصل بالمنطقة العربية ولا يلعب فيه الفن سوى دور هامشي.(11)

     

"حتى نكون واقعيين، الأوسكار مُكلِّف جدا، والدخول إليه مغامرة كبيرة" المخرج يسري نصر الله
  

وبجانب السياسة، فرأس المال يلعب دورا ليس بالهين هو الآخر في الوصول إلى الجائزة. فعدد الدول التي تقوم بترشيح أفلام للأوسكار كل عام نحو ثمانين دولة، ويحتاج الأمر إلى حملة ترويجية ضخمة حتى يلفت أصحاب أي فيلم نظر أعضاء الأكاديمية لعملهم وسط هذا العدد الكبير من الأفلام.

    

وقد قال المُخرج المصري يسري نصر الله عن هذا: "حتى نكون واقعيين، الأوسكار مُكلِّف جدا، والدخول إليه مغامرة كبيرة ويتطلب ميزانية لا تقل عن 400 ألف دولار، لأنه يتعين على صاحب الفيلم خوض حملة ترويجية وسط أعضاء الأكاديمية، إلى جانب تحقيق شروط أخرى، حتى يتمكن من دخول سباق الترشيحات، وأنا أُفضّل استخدام هذه الأموال في صناعة فيلم جديد، بدلا من خوض مغامرة لا أعرف طبيعة نتائجها".(12)

  

وتلعب السياسة ورأس المال دورا، وإن كان أقل وضوحا لكنه لا يقل أهمية، من ناحية البلدان العربية نفسها. فالجهات التي تُرشّح الفيلم ليمثل بلدها في الأوسكار كلها جهات حكومية لن توافق بطبيعة الحال على ترشيح فيلم يحمل أي رسائل مُعارضة للسلطة أو غير مُتسقة بشكل عام مع آرائها، كما يقف غياب التمويل كعقبة عسيرة قامت بوأد رؤى كثير من صُناع الأفلام الموهوبين وساهمت في ترك الساحة خالية أمام الأفلام ذات الطبيعة التجارية البحتة والتي تخلو تماما من أي عناصر تَفوّق فني قد تجعلها جديرة يوما ما بالفوز بالأوسكار.(13)