شعار قسم ميدان

ممثلون سوريون في مصر.. ماذا حدث للدراما السورية؟

midan - الدراما السورية
قبيل الثورة السوريّة، وفي فترة قاربت عشر سنوات، بدت الدراما السوريّة كأنها صاحبة اليد العليا عربيا حين سيطرت الأعمال ذات الجودة العالية على إنتاجات المسلسلات التلفزيونية هناك مقابل خفوت في أداء نظيرتها المصريّة. كانت مؤسسات مثل "سورية الدولية" وعدد من المحطات التلفزيونية الخاصة قد استلموا زمام المبادرة وأعادوا تعريف الدراما السوريّة الجديدة بمزيج من الأعمال الاجتماعيّة والتاريخيّة الكبرى مثل "ربيع قرطبة" و"بقعة ضوء" و"التغريبة الفلسطينية" وغيرها من أعمال تولّى مهمة إخراجها أسماء كبيرة داخل سوريا مثل حاتم علي والمثنى صبح والليث حجو.(1)

 

كان الفرق واضحا آنذاك، سوريا تتفوق دراميا باعتراف عدد من الممثلين المصريين كان من ضمنهم محمد صبحي، ثم توالت التصريحات كان أحدها على لسان المخرج السوري ثائر موسى حين عزا التفوق السوري في الأساس إلى براعة السوريين في الأعمال التاريخية تحديدا التي لاقت تسويقا ممتازا على محطات التلفزة العربية بسبب قوة ما تتضمنه على مستوى النص والإخراج والإنتاج، وهو ما جعل عددا من الممثلين العرب يتجهون للعمل في سوريا مثل الممثلة الأردنية صبا مبارك.(2)

 

في يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن الممثل السوري سيف الدين السبيعي قراره اعتزال التمثيل والبحث عن مهنة أخرى، والسبب "تعبت!" كما قال. ثم خرجت تصريحات جديدة للفنان حسام تحسين بك قال فيها إن في سوريا أكثر من 240 شركة إنتاج الآن، وهو رقم لا تجده في هوليوود نفسها، ومع ذلك لا يوجد إنتاج! بالطبع فإن التدهور الذي أصاب الدراما السورية بعد الثورة لم يكن مرتبطا بها فحسب، ولكنه بدأ منذ نشأة موجة مقاطعة صغيرة للمؤسسات السورية الرسمية (منها جهات إنتاج وتوزيع) بعد خطاب استفزازي نحو العرب ألقاه بشار الأسد أثناء القمة العربية عام 2005.(3)

   

الممثل السوري سيف الدين السبيعي (مواقع التواصل)
الممثل السوري سيف الدين السبيعي (مواقع التواصل)

  

أدّى ذلك إلى صعود العديد من شركات الإنتاج الصغيرة التي أتت بممثلين وكُتّاب مغمورين من أجل ملء الساحة مجددا بأعمال تكلفتها الإنتاجية قليلة، وهي ضرورة في وقت لا تجد فيه تلك الأعمال سوقا واسعا للانتشار. مع ذلك فقد كان هناك موقف حرج جديد على وشك الوقوع بعد بدء الثورة السوريّة في مارس/آذار من عام 2011، قد لا يتحمل عدم استقرار الأوضاع وحده مسؤولية هذا التدهور (وبالتالي عودة الدراما المصرية بقوّة بنصوص وأعمال تفوقت على نفسها)، ولكن يتحمل الفنانون أنفسهم جزءا كبير من تلك المسؤولية.

   

كان من الطبيعي رؤية أيّ منهم في دور مناوئ للفساد والنظام في أعمال عدّة، ولكن ذلك لم يجعل منه مُعارضا للنظام بعد اندلاع الثورة، بل إن كثيرا منهم وقف إلى جانبه ودافع عنه منذ اللحظة الأولى، وهو ما سبب خيبة أمل للمتابعين السوريين، خصوصا أن قلّة قليلة من فنانيه انبرى للوقوف إلى جانب الشعب في ثورته. لم يعد منذ ذلك الحين مقبولا للمُشاهد السوري والعربي رؤية دريد لحام مثلا بدور "الرجل الشريف والغيور على مصلحة وطنه" كما قالت الكاتبة رؤى تاج في أحد مقالاتها.

 

بعد ثلاث سنوات من الثورة، وتحديدا في أبريل/نيسان من عام 2014، استطاع مسلحون من الجيش الحر السيطرة على قرية السمرا النائية في ريف اللاذقية الشمالي، التي يعرفها المشاهدون باسم "أم الطنافس الفوقا" القرية التي جرت فيها أحداث أحد أهم الأعمال الكوميدية السوريّة "ضيعة ضايعة" بجزئيه الأول والثاني، ولن تكون هناك رمزيّة أكبر من دخول مسلحي الغوطة إلى موقع تصوير مسلسل "باب الحارة" حين "نسفت جملة واحدة" قالها أحدهم كل الصور الأولى عن "القبضايات" ورجال الحارة والممثلين على حدّ سواء حين قال: "لم يعد في الغوطة سوى رجال الغوطة".(4)

  

   

"أعمال درامية ليس بإمكانها أن تُعبر سوى عن حالة من الفراغ والذعر" هو ما تُوصف به الدراما السورية ما بعد الثورة. أعمال تكثر فيها مصطلحات "ثورجية" دون أي أبعاد معتبرة مثل "الجيش الحر" و"ثورة" أو "أزمة" تظهر على لسان الشخوص مقطوعة من سياقها بالمطلق مع القليل من أصوات القذائف والهاونات في الخلفية، وهو التناول الأمثل للأحداث بوجهة نظر النظام السوري الذي أصدر قرارا بالإعفاء الجمركي والضريبي بنسبة 50% على الأعمال الفنية التي تتم في سورية سواء من القطاع الخاص أو العام، في الوقت نفسه الذي تعرض فيه 190 فنانا عام 2015 للفصل من نقابة الفنانين السوريين على خلفية مواقفهم المؤيدة للمعارضة السورية المسلحة كان من ضمنهم مكسيم خليل وجمال سليمان.(5، 6)

    

الهجرة نحو بلاد النيل

لا يمكن اعتبار الوجود الفني السوري في مصر حصيلة مباشرة للثورة السورية وما تلاها من أحداث، ولكنّ يُسجل غزو استباقي للدراما المصرية في أوج ضعفها من قِبَل عدد من المخرجين والفنانين يرصدها الكاتب محمد حمدي هاشم، أمثال هيثم حقي كأول مخرج سوري عمل في مصر في مسلسل "أحلام في البوابة" عام 2005، وهو من تأليف أسامة أنور عكاشة، ثم تلاه حاتم علي عام 2007 عندما كان أوّل مخرج تلفزيوني في مسلسل مصري يعتمد نظام التصوير بالكاميرا الواحدة في "الملك فاروق"، الذي أدى دور الملك فيه الممثل السوري أيضا "تيم حسن" صاحب دور البطولة في العديد من الأعمال المصرية بعد الثورة ويعتبر من أعلى الممثلين السوريين أجرا.(7)

 

لذا لم يكن مفاجأة أن يلعب "قصي خولي" دور الخديوي إسماعيل في مسلسل "سرايا عابدين" الذي أخرجه عمرو عرفة عام 2014 رغم المشكلة التي يخلقها فرق اللهجات. فعند الحديث عن الفنان جمال سليمان لا بد وأن يطرأ في أذهاننا دوره في مسلسل "أفراح القبّة" عندما اضطر صنّاعه لإعطاء سليمان شخصية بخلفية سوريّة فقط للتغطية على عجز سليمان لإتقان اللهجة المصرية كما هي.

   

المخرج السوري حاتم علي والممثل جمال سليمان (مواقع التواصل)
المخرج السوري حاتم علي والممثل جمال سليمان (مواقع التواصل)

 

بعد مشاركته في أكثر من ثمانية أعمال تلفزيونية منذ ذهب إلى مصر استطاع جمال سليمان أن يكوّن وجهة نظر حيال أوضاع الإنتاج هناك، فيقول إن ثورة حقيقية حدثت خلال السنوات السبع الماضية، ولكنها بقيت ثورة ناقصة عندما تنظر إلى أزمة الكتابة التي يصنعها سوء التقدير، فالضغط الذي يُوضع فيه الكاتب لإنجاز مسلسل قبل رمضان بفترة بسيطة يجعل منه عملا ناقصا كان من الممكن إنقاذه بالتفكير المبكر فيه.

  

تزخر الدراما المصرية بعدد من الأسماء السورية العاملة فيها الآن، مثل باسل خياط، وأيمن زيدان، وجهاد سعد، وكندة علوش، وسامر المصري الذي لعب دورا محوريا في فيلم "الخلية" صاحب أعلى الإيرادات في شباك التذاكر المصريّة العيد الماضي، ورغم تنوّع النتائج التي ترتبت على وجود كل منهم داخل الصناعة، فإن الأدوار التي حصلوا عليها لم تخدمهم لاستخراج أفضل ما لديهم كونها أحيانا تُفصّل على مقاسهم، مثل الخلفية السورية التي مُنحت لدور سامر المصري في "الخلية" حين أدى شخصيّة المطلوب الإرهابي الأوّل في مصر، وفي الوقت نفسه فإن عددا منهم يعتبرون من ضمن الأعلى أجرا مما يعني أنّهم يشكلون محطّ طلب متزايد على شركات الإنتاج، لذا سيعني هذا المزيد من الأعمال التي يؤدي فيها السوريون أدوارا محوريّة في رمضان الحالي قد يكون أكثرها لفتا هو تجربة عودة حاتم علي لإخراج مسلسل مصري من بطولة الفنانة روبي ومن كتابة عبد الرحيم كمال.