شعار قسم ميدان

ويست وورلد.. لغز أبي الهول!

midan - westworld
لقد ركّز الموسم الأول من ويست وورلد على إساءة استخدام الحياة الاصطناعية إلى حد كبير، نظرًا إلى أن الهدف من المضيفين قد انحصر تقريبًا في الجنس والعنف والمعاناة. وكانت الحرية التي تناضل من أجلها دولوريس وأمثالها مجرد وعي بسيط، وحقًّا في ذكرياتهم وقرارهم الذاتي. 
 
في الحلقات الأربع الأولى فقط، حول الموسم الثاني من المسلسل هذا السعي الأساسي والبسيط إلى اتجاهات مذهلة أخرى، غير أن حلقة  "لغز أبي الهول" هي أول من تعامل مع أحد أكثر الأسئلة بداهة في الذكاء الاصطناعي، ألا وهو: هل الذكاء الاصطناعي مفتاح الخلود؟

         

فمن الواضح أن العمر لا يتقدَّم بمضيفي ويست وورلد. وإن كانوا يتعرضون لبعض العطب أو تفكك بعض الأجزاء، إلا ذلك يتم إصلاحه بسهولة باستخدام شيء من الطباعة ثلاثية الأبعاد. أما أدمغتهم فمحفوظةٌ في بيوض بلاستيكية تعوم في حساء قشرة مخيّة اصطناعيّ. تبديلهم سهل وتحديثُهم كذلك، في حال لزم الأمر. وعليه، ألن يكون وجودنا أزليًا، إن استطعنا تنزيل أدمغتنا على أحد تلك الأجساد؟ 

  

    

يتضح لنا، أن هذه هي المسألة الأعمق والأظلَم التي نتقصّاها في أحراش المتنزّه. نحن نعلم سلفًا أن الشركة الأم لـ ويست وورلد، ديلوس، قد ارتكبت كافة أشكال المراقبة السرية، من جمع للحمض النووي من الضيوف إلى تجميع معلومات حول سلوكيّاتٍ تستحق الابتزاز. إلا أن تجربتهم على  جيمس ديلوس (الذي قام بدوره بيتر مولان) تمثل مستوىً آخر من الرعب. 

 

لكن مأساة جيمس كانت أيضًا، دون شك، الجزء الأكثر سحرًا من حلقة عظيمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. إجمالا، فإنّ طموح المسلسل في سبر غور الأسس الفلسفية التي ينطلق منها المضيفون آسر جدا، لكن رؤية قفص جايمس ديلوس الباذخ قد شكّل متعةً من نوع خاص. لقد ألمحت الحلقات السابقة إلى معاناته من مرضٍ مستعصٍ، وقد أوحت هذه الجزئية بأن شقته الأنيقة كانت أشبه بمختبر، زنزانةً تحول بينه وبين العالم الخارجي، بينما الأطباء يبحثون له عن علاج. زائره الوحيد هو وليام، في الأوّل شاب يافع، ومن ثمَّ كهلًا، وأخيرًا، كبيرًا بما يكفي ليبدو مثل إِد هاريس. غير أن جيمس محروم من المغادرة، ولا يبدو أن أي شيء يسير معه على ما يرام.

      

undefined

   

فقد احتجزه ويليام في سجن مترف أسفل المتنزه. النقطة الأخرى هي أن جيمس ليس هو جيمس نفسه، وإنما نسخة مصطنعة مبرمجة بكل ذكريات جيمس. هو تجربة جارية لم تؤت ثمارها بعد، كما يُقرُّ ويليام لجيمس نهاية المطاف. ذلك أن النسخ لا تدوم أكثر من شهر قبل أن تتدهور وتطور مشكلات إدراكية جسيمة. إنها فكرة رائعة ومروّعة في الوقت نفسه، وهي ما يجعل ويليام يشعرُ كما لو أنه فرانكنشتاين: خليقًا به أن يكون ندًّا لروبرت فورد، رجلًا يعبث بمفاهيم الموت والحياة وإن كان لا يقبض على معناها تمامًا.

  

معظم مشاهد ويليام/جيمس في حلقة لغزِ أبي الهول، وقعت في الماضي السحيق، لكن في حاضر ويست وورلد الكالح ما يشير إلى أن ويليام قد أدرك حدود تجاربه الغريبة. مواجهة ويليام كبير السنّ مع كتيبة دولوريس وإنقاذه الجريء لصديقه القديم لورانس كانا بمثابة تلميح لخلاص ما، مجرد تلميح. لم نر أبداً شيئًا قام به وليام كبير السن من قبيل الإيثار، لكن ذلك لأن الحديقة فقدت كل ألقها بالنسبة له. الآن، ومع ارتفاع المخاطر وتصرف المضيفين كأشخاص حقيقيين، ربما يدرك ويليام أن تجارب فورد في الوعي هي الجزء الابتكاري حقا من بحثه.

 

ما يميز هذه الحلقة أيضا هو عودة إلسي. الشابة الغاضبة التي كانت تعمل مع بيرنارد، فبعد أن اختفت في ظروف غامضة في الموسم الأوَّل عادت الآن، وعلمت بوضع رئيسها الخاص كمضيف. معًا، يبحث الاثنان في جنبات المتنزه للعثور على مختبر الخلود السري الخاص بويليام. الذي أصبح جحيمًا أحمر، الحضيض المنتن لساحةِ لعب ديلوس. تكمن المفاجأة في أن إلسي لا تعلم أن بيرنارد ورفاقه دمروا المكان بأنفسهم منذ فترة. فهل كان ذلك بناء على أوامر فورد؟ أو لبعض الأسباب الخبيثة الأخرى؟ هل يمكن الوثوق ببرنارد على الإطلاق؟

    

undefined

  

إن الأمر الوحيد الذي نعرفه عن برنارد هو أن جيفري رايت الذي يلعب دور برنارد يؤدي دوره ببراعة فائقة. ففي لقطة النهاية بعدما هشم بيرنارد رأس العامل التقني في لوح معدني كان المشهد الذي يصور ملامح وجهه مرعبا، كما قام رايت بمهمة مزدوجة لا تشوبها شائبة وهي لعب دور برنارد وأرنولد معا. وهو الآن ينقل كل ذكريات برنارد القاتلة ببراعة لا تصدق.

 

كانت هذه الحلقة الأروع على الإطلاق لأنها نفذت كل شيء بأناقة. المشهد الافتتاحي عبارة عن رحلة مليئة بالعجز في عالم مختلف تمامًا، بأثاث عصري من طراز منتصف القرن، ومقتنيات غامضة ولكنها تحمل رمزية ما (كتاب جلدي، وساعة رملية)، بينما يلعب محرّك الاسطوانات أغنية رولينغ ستون الفعلية، عوض الآلي الذي يعزف البيانو في الموسم الأول، وأغنية "اللعب بالنار" هي استعارة مُثلى لما يقوم به ويليام في الخفاء. كان مثيرًا محاولة فهم الأحجية مما كان يتكشّف عبر الحلقات، وأن يكون لديك أسئلة وأجوبة في نفس الحلقة.

 

 الآن، لدينا أيضًا قطعة أخرى من أحجية أكبر في الموسم الثاني: ديلوس تعمل على محاولة تخليد الحياة البشرية. ويبدو أن ويليام قد توصل إلى الآثار الأخلاقية لمثل هذا المخطط عندما قال "لقد بدأت أعتقد أن هذا المشروع بأكمله كان خطأ جسيما؛ ليس من المفترض أن يعيش البشر إلى الأبد". ولكن كما قال برنارد لإلسي، كانت ديلوس تعمل على وحدة تحكم لشخص آخر، فمن هو ولماذا؟

    

  

ربما هو ويليام، رغم شكوكه. ربما هو فورد. والمفاجأة الكبرى ستكون إذا كان هذا الشخص مضيفًا زرعه فورد، في مكان ما في المتنزه. يكون الأمر مثيرا، وغريبا، في كل مرة يأتي فيها صوت فورد عبر أحد المضيفين لإهانة الرجل الذي يرتدي الأسود، لاسيما هذا الأسبوع، عندما تكلم عن طريق ابنة لورانس.

 

رأينا ويليام يفعل مثل هذه الأشياء المروعة في الموسم الأول لدرجة أننا لا نستطيع تصور أن عالم ويستوورلد سيحاول إصلاحه. ومع ذلك، يبدو أن خيالاته التي ظهرت عندما كانت زوجة لورانس تتعرض للتعذيب على يد الرائد كرادوك تشير إلى ذكريات موت زوجته؛ حيث كانت هناك صور لمياه جارية، وحوض استحمام وذراع تسقط منه. بعبارة أخرى، لم تكن الأنانية هي التي جعلته يتدخل، ولكنه التعاطف مع ما كانت تعاني منه عائلة لورنس. دعونا نأمل أن نكتشف المزيد من خلال اللقاء القادم بين ويليام وابنته. ونحن نتساءل لماذا هي هنا؟ ما هي نهاية اللعبة لها ؟

  

ما علاقة لغز أبو الهول بالحبكة؟

 في الأساطير الإغريقية، قام أبو الهول بحراسة مدينة طيبة بسؤال المسافرين أحد الأسئلة يقول فيه: ما الذي يمشي على أربعة أرجل في الصباح، ورجلين عند الظهر، وثلاثة في المساء، في حال لم يتمكنوا من الإجابة، كان أبو الهول يلتهمهم. هل وليام هو أبو الهول؟ هل يلمح اللغز إلى شيخوخة وموت البشرية الذي لا مفر منه، والتي تحاول ديلوس درأها؟ إن الإجابة على سؤال أبي الهول هي الإنسان، ولكن ويست وورلد الآن تفكر في ما يعنيه إعادة تعريف هذا المصطلح بحيث أنه لم يعد مناسبًا لمعايير أبي الهول، ولم يعد الإنسان هو الحل.

      

undefined

  

عوض السير على الأقدام الثلاثة في المساء، فإننا قد نزرع أنفسنا في نسخة متجددة أزليًا بقدمين اثنتين – بمساعدة من الآلات الغامضة في المختبر [الأقدام الثلاثة في المساء كناية عن الشيخوخة، والقدمين كناية عن الشباب] أم أن ذلك يعني فقدان آدميتنا برمتّها؟

 

من المثير أن يطرق المسلسل أبواب التأمل الفلسفي والخيال البدائي للخلود، والذي رغم أقدميته، إلا أنه يعتبر بُعدًا فريدًا في القصة. طيلة الموسم، قيل لنا أن نمتلك الطموح: "ثمة جواب هنا لسؤال لم يحلم أحد بطرحه من قبل"، جملة قالها ويليام قبل بضعة أسابيع. والآن نحصل على لمحة عما قد يعنيه ذلك، ومن المحتمل أن يكون أعظم من مجرد جعل "أحمق ما يعيش إلى الأبد" ، كما قالت إلسي. ربما كانت شركة ديلوس تجمع بيانات المستخدمين ولكن ليس لابتزاز الأغنياء، بل لبناء نسخ آلية منهم، ثم بيع زوار المنتزه هذه النسخة الخالدة.

 

عندما أخرج كريستوفر نولان شقيق منتج ويست وورلد، فيلم "Inception"، أشار النقاد إلى أن شخصية إلين بيج كانت تخدم، بكل بساطة، في استجواب الشخصيات الأخرى حول ما يجري في كل مشهد. لقد اعتمد ويست وورلد طوال الوقت على هذا النوع من رواية القصص، ولكنه وصل إلى مرحلة جديدة من الضيق حيث أخضعت إلسي بيرنارد لأسئلة كثيرة للغاية حول رحلتها وذاكرتها والمختبر الخفي ومشروع النسخ المتماثل بين الإنسان والمضيف. حتى أنها تساءلت على الأقل ست مرات بادئة سؤالها بـ"ماذا بحق الجحيم …؟"

   

جوناثان نولان منتج ويست وورلد
جوناثان نولان منتج ويست وورلد
    

وأحد عبيد التأويل هو لورانس أيضا. ففي هذه الحلقة، على الأقل، قام ويليام كبير السن برد الدين لمستمعهِ المخلص بإنقاذه وأقاربه من الرائد كرادوك، وهذا يضفي شعوراً بأن وليام قد يمتلك روحا بعد كل شيء. لكنه يصر على أنه أنقذه لا من منطلق الإيثار، بل للعب لعبة فورد – وهذا التمييز قد يساعد في تفسير سبب إخبار تابعي فورد وليام بأنه لا يزال غير قادر على الفهم. لأنه في الحقيقة لم تعد ويست وورلد لعبة. يمتلك المضيفون الآن مشاعر حقيقية ورغبات حقيقية وحياة حقيقية؛ وهكذا كانت هناك ضرورة أخلاقية حقيقية لإنقاذ عائلة لورانس.

 

يبدو الأمر كما لو أن ويليام كان يتلقى درسًا طويلًا عن البشرية، بشرية المضيفين وبشرية أفراد عائلته المهملين. قتلت زوجته نفسها، وعانى حماه بشكل أساسي من عقود من العذاب على يديه وقد ترغب ابنته في هذه الحلقة في قتله. وسنكتشف قريباً مدى سوءه في دور الأب الآن وقد أتت غريس لتقابله وجها لوجه.  كما سنكتشف أيضًا ما إذا كانت تتمرد على والدها من خلال تفتيت ملكيته غير الأخلاقية هذه (ويست وورلد)، أم أنها حذت حذوه في المسعى الحميم للعبة.

 

عندما أخبر ويليام حماه أنه سيحاول تكرار محادثته ثم يعطيه قطعة مذهلة من الورق، لم يكن من الصعب التكهن بمصير جيمس. فعلى مدار أكثر من ساعة، مع مشاهد متعددة للعنف الخالي من الحواس والحوار العميق، بدت حلقة هذا الأسبوع وكأنها مثال ساطع على التناقض في ويست وورلد: يظهر المسلسل باردًا كالجليد، لكن الحقيقة أنه "يلعب بالنار".

   

——————————–

ترجمة (الزهراء جمعة)

الرابط الأصلي