شعار قسم ميدان

الدراما المصرية برمضان.. تطبيل صاخب للدولة ضد خصومها

midan - مسلسلات رمضان

اعتاد صناع الدراما التلفزيونية المصرية في العقدين الأخيرين أن يحتشدوا بعدتهم الثقيلة لشهر رمضان، نادرا ما نرى مسلسلا يُعرض خارج الموسم الرمضاني، بل عادة ما كان يتم تأجيل المسلسلات التي لا تلحق بالموسم الدرامي الحالي إلى الموسم القادم، إذ يُفضل صناع العمل تأجيل عرضه لمدة عام كامل، على أن يحافظوا على فرص وجوده في الموسم الدرامي الأهم.

 

لكن منذ العام الماضي، وبسبب يعزوه الكثير من المتابعين إلى نجاح مسلسل "هذا المساء" على المستوى النقدي والجماهيري، وانتماء الدراما التي قدمها إلى الدراما الاجتماعية، ظهرت للمرة الأولى منذ سنين طويلة أعمال خارج الموسم الرمضاني، مسلسل "سابع جار" مثالا، وما أن حقق نجاحا مدويا لم يكن متوقعا حتى لصناعه، تبعه بعض الأعمال الأخرى التي غردت وحيدة خارج سرب الموسم الدرامي، مثل مسلسل "أبو العروسة"، ثم "الشارع اللي ورانا".

 

انتمت المسلسلات الثلاث بدرجات متفاوتة إلى الدراما الاجتماعية البسيطة، والتي تدور في فلك الأسرة المصرية العادية التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وحتى الأُسر التي انتمت إلى قمة الهرم البرجوازي لم يشعر المتابع لها بغرابة تذكر، فهي على الرغم من تفوقها الطبقي ما زالت تشبه المصريين بدرجة ما.

 

ما الذي قدمه رمضان حتى الآن؟

النجاح الذي حققه "هذا المساء" ومن ثم المسلسلات التي لحقته خارج الموسم، كان يوحي بأن تكثر تلك الأعمال في رمضان، لكن ما حدث كان العكس تماما، خلت أغلب الأعمال التلفزيونية هذا العام من الدراما الاجتماعية، باستثناءات قليلة في مسلسل "طايع" و"أيوب".

 

تدور أغلب المسلسلات الأخرى في إطار الجريمة والأكشن، فمسلسلات "كلبش 2″ و"رحيم" و"مليكة" و"لعنة كارما" كلها تتمحور حول الجريمة، وبالأخص محاربة الإرهاب، "ثيمة محاربة الإرهاب" جاءت في قلب الحلقات الأولى من مسلسل "كلبش 2" الذي يقوم فيه الضابط سليم الأنصاري بمطاردة مجموعة إرهابية وينجح في اعتقال قائدها. أما مسلسل "رحيم" فتدور الحلقة الأولى منه على خلفية الانفلات الأمني الذي جاء متزامنا مع الثورة، في "مليكة" انطلق المسلسل من واقعة اغتيال النائب العام التي وقعت في مصر قبل سنتين.


الأكشن والجريمة ومشاهد المطاردات المنفذة بعناية لم تكن السمة الوحيدة الغالبة على مسلسلات رمضان هذا العام، فأغلبها تدور في محيط الطبقات الراقية، مسلسلات "لعنة كارما" و"مليكة" و"اختفاء" مثلا تبدأ أحداثها في أوروبا، أي بعيدا عن الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالكامل، تلك الطبقات التي هي بالأساس أغلبية الشعب المصري الذي لا يجد أي تمثيل له في دراما هذا العام.

 

فهل من المتوقع أن يتابع الجمهور المصري الذي يعاني من ضغوط اقتصادية متزايدة في هذه الآونة بعد عملية رفع الأسعار المستمرة التي كان آخرها رفع أسعار تذاكر المترو، هل من المعقول أن تجلس هذه الطبقات الكادحة لتشاهد أعمالا ليس فقط لا تعبر عنهم أو تمثلهم، بل على النقيض تتحدث طوال الوقت عن مجموعة من الأثرياء الذين يعيشون وفق نمط حياة فاره لم يخطر حتى في أحلام هؤلاء؟ مع انتهاء رمضان واتضاح نسب المشاهدات سنعرف إلى أي مدى كان رهان صناع المسلسلات هذا العام في محله.

 

محاربة الإرهاب

في الحلقة الأولى من مسلسل "رحيم" يتحرك رحيم بين صفوف المتظاهرين في يوم تنحي مبارك، يتجاوز صفوفهم بلا عائق، وعندما يصل مكتبه نفهم من هو وماذا يفعل، رحيم هو أحد رجال الأعمال الفاسدين، يستغل الفوضى التي أحدثتها الثورة لتهريب أموال ضخمة إلى الخارج، مشهد عبور رحيم للمتظاهرين كان طويلا وبطيئا ويبدو مبالغا فيه، وغير مفهوم.

 

حتى اللحظة التي يتضح فيها السياق، في المشهد التالي يظهر رحيم في شركته يقوم بتهريب الأموال ويدمر الأدلة، وفي المشهد التالي مباشرة، يُعرض لقاء بين أحد ضباط أمن الدولة ورئيسه في العمل يخبره: "إحنا لازم نؤدي واجبنا حتى لو ده آخر يوم لينا على كراسينا"، ثم يكلف ذلك الضابط باعتقال "رحيم" بأي شكل، لأن مسؤوليتهم حماية الوطن في مثل هذا التوقيت.

 

ما أراده صناع العمل من خلال المشهد الأول غير المفهوم لاجتياز رحيم صفوف المتظاهرين، هو القول بوضوح إن تلك الفوضى التي سببتها الثورة، والانفلات الأمني الذي تسبب فيه المتظاهرون كان ظهيرا لذلك الفساد، لا التقاعس الأمني، لأن ضباط أمن الدولة ما زالوا يعملون لصالح مصر حتى في الوقت الذي سيطر فيه "المخربون" على الميادين، بل إنهم لا يغادرون مواقعهم حتى بعد إعلان رأس السلطة تنحيه، لأنهم في خدمة الوطن لا الرئيس.

 

الجدير بالذكر أنه بينما تعرض تلك الحلقة على الشاشة للمرة الأولى، كان قد صدر عفو رئاسي عن "صبري نخنوخ"، أشهر بلطجي منذ قيام الثورة وحتى الآن، الذي كان من المفترض أن يقضي عقوبة تصل إلى المؤبد، لكنّ المسؤولين في الحقيقة، لا في أروقة مسلسل "رحيم"، كان لهم رأي آخر في محاربة الفساد.

 

المزيد من محاربة الإرهاب

بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل "كلبش" والبطولة التلفزيونية المطلقة الأولى للنجم أمير كرارة، قرر صناع المسلسل استغلال ذلك النجاح من خلال تقديم جزء جديد، تبدأ أحداثه بعودة الضابط سليم الأنصاري إلى موقعه في وزارة الداخلية، بعد البراءة التي نجح في الحصول عليها مع نهاية أحداث الجزء الأول.

 

منذ اليوم الأول للعمل، ومع خروج سليم الأنصاري في أحد الأكمنة المعدة في محافظة "الفيوم" يتعرض الكمين لهجوم من قِبَل إرهابيين يسفر عن مصرع أغلب القوة الأمنية المرافقة، فيقرر سليم الانتقام من زعيم الإرهابيين، الذي ينجح في اعتقاله بالفعل، لاقى المسلسل سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد وقوعه في أكثر من خطأ فني أثناء تصوير مشاهد الحركة، لكن الخطأ الأهم، كان اللهجة البدوية التي يتحدث بها زعيم الإرهابيين، فهو يتحدث باللهجة البدوية رغم أن تلك الأحداث تدور في محافظة الفيوم، أي في صعيد مصر.

 

هذا الارتباك طال أغلب صناع العمل، فبعض الممثلين كان يتحدث اللهجة الصعيدية والبعض الآخر النوبية، وكأن المخرج لم يخبر ممثليه عن هويتهم بالضبط، ربما لم يلتفت المخرج بيتر ميمي لهذا من الأصل حتى الآن، فكل تركيزه كان على صناعة مشاهد حركة مشوقة ومسلية دون الاعتناء بباقي التفاصيل.

 

أما مسلسل "مليكة" افتتح أحداثه طوال ثلاث حلقات بحادث تفجير يقع في حفل زفاف ابنة النائب العام، مما يسفر عن وفاته ووفاة العديد من الشخصيات المهمة التي كانت تحضر الحفل، الجهة المسؤولة عن التفجيرات جماعة إرهابية هي خليط من المتطرفين ومجموعة أميركية غامضة.

 

قرر صناع العمل هنا الربط بين المفهوم الرسمي للإرهاب، أي الالتزام برؤية الدولة التي تعتبر مصدره التطرف الديني حصرا، لكنهم فضلوا أيضا إرضاء التصورات الشعبية من خلال ربط أميركا بتلك الجماعات المتطرفة.

 

لكن حبكة كهذه لم تنج من الارتباك، فالضابط الذي يتم الترويج له باعتباره أحد القلائل القادرين على فك لغز ذلك الحادث الإرهابي، الذي ينجح بالفعل في الإمساك بأول خيوطه، تلقى تدريبات عالية المستوى في أميركا، وهي الطريقة التي قرر صناع العمل إقناعنا بها كمشاهدين بأنه أكثر كفاءة من أي ضابط آخر، أي إن أميركا تصنع الإرهاب وتحاربه في الآن نفسه.

 

بالطبع لا يمكن الحكم على عمل درامي إلا بعد انتهائه، وصدور أول خمس حلقات غير كافية لتكوين رؤية عامة ونهائية حول العمل، لكن هذا لا يعني أيضا عدم القدرة على تقييم ما صدر بالفعل، فالحلقة التلفزيونية كما هي وحدة صغيرة في بناء المسلسل، فهي وحدة مكتملة البناء بذاتها، يجب أن يتوفر فيها كل العوامل الدرامية، من بناء للأحداث وتصاعدها ورسم جيد للشخصيات، الفارق أن حجم المعلومات يوزع على كل الحلقات، ربما تصبح الحلقات القادمة أكثر جودة وتشويقا، سنتابع ونرى.

المصدر : الجزيرة