شعار قسم ميدان

"عم ضياء" طريقك الآمن للانتحار في خمسة مشاهد فقط

ضياء 1 - ميدان
يتردد سؤال لدى متابعي السينما والدراما، حول فكرة أحقية الدور، لماذا أسند المخرج ذلك الدور إلى ممثل بعينه بينما أسند دورًا آخر لممثل غيره؟ لكنّ ثمة سؤال أكثر أهمية وأقل ترديدا، والذي يجعله ملحًا وجود ممثل بحجم "محمد جمعة" -لن تعرفه غالبا- لكن إن استبدلت ذلك الاسم بآخر ك "فياض عجمية" أو "عم ضياء" سيتبادر إلى ذهنك ملامح الإنسان نفسه، لكن في صورتين شديدتي الاختلاف والتناقض.

بقاء اسم الشخصية في ذهن المشاهد أكثر حتى من اسم الممثل نفسه، يعني أن الممثل نجح في أداء الدور وأقنع جمهوره. بالتأكيد نسيت السؤال الذي تحدثنا عنه في البداية؛ ما الذي يقرر أن ذلك الممثل هو أحد نجوم الصف الأول، يتصدر اسمه تترات العمل، وصوره تملأ الأرجاء، بينما آخر لا يحظى من التتر إلا بالهامش؟ هل هي الموهبة أم صناعة النجم؟ محبة الجماهير أم حجم المبيعات؟ على الأرجح خليط من كل ذلك، باستثناء وحيد؛ حجم الموهبة لا علاقة له بالأمر، لأن "محمد جمعة" يفوق بموهبته كثيرا من نجوم الصف الأول، الذين تسبق أسماؤهم اسمه على تترات أي عمل.

 

محمد جمعة من الظل إلى النور

بدأ جمعة حياته كممثل مسرحي، حصل على تأسيس ملائم أعطاه قدرة ومرونة تسمح بتجسيد العديد من الأدوار بالحرفية ذاتها، وهو أمر سيستغله جمعة جيدا بعد انتقاله إلى الدراما التلفزيونية، أكثر من أربعين عملا هي حصيلته حتى الآن، رقم يبدو كبيرا ومفاجئا للجمهور الذي لن يتذكر منهم سوى عملين أو ثلاثة على الأكثر، والسبب لا يتعلق بعدم قدرة جمعة على ترك بصمته في أي من تلك الأدوار، بل لأن مجموع ظهوره في الأربعين عملا مجتمعين لن يصل لعدد مرات ظهور محمد رمضان أو أمير كرارة في حلقتين فقط من مسلسل أي منهما. (1)

 

لقي جمعة المعاناة ذاتها التي قد يعاني منها أي ممثل موهوب في مصر في بداية مشواره الفني، طالما لم يكن يملك ما يكفي من الوسامة بمعايير الصناعة، لكن ولحسن الحظ أن ذلك لم يثنه في أي لحظة عن إكمال مسيرته، حتى لو قطعها في ظل ممثلين آخرين أقل موهبة وأكثر شهرة. ثمانية عشر عامًا كانت المدة التي استغرقها جمعة في الظل، منذ مشاركته الأولى في مسلسل "أحلام مؤجلة" وحتى شهرته التي بدأ يحققها مع ظهور في "هذا المساء" السنة الماضية. (2) "الواحد لازم يعرف بردو هو معتمد على إيه في وصوله للمتفرج، إيه اللغات اللي بيجيدها عشان يصل إلى ذهن وعقل ووجدان المتفرج، وأنا معنديش لغة الوسامة اللي توصلني له" (3).

 

"إمبارح زي انهارده زي بكره والأيام كلها شبه بعضها، كل حي و ليه أوان"

ظلت أيام محمد جمعة "شبه بعضها" كما يقول حتى بدا أن أوان نجوميته قد حان بعد النجاح الكبير الذي حققه العام الماضي والذي تُرجم هذا العام من خلال مشاركته في ثلاثة أعمال مختلفة، أحدها أبو عمر المصري الذي يعتبره الكثير من النقاد الأفضل هذا الموسم، وهو يناقش قضية اجتماعية وسياسية. العمل الآخر الذي ذاع صيت جمعة بسببه هو شخصية عم ضياء في المسلسل الكوميدي الوصية، وعلى الرغم من صغر مساحة الدور المكلف به، وأنه يلعب الكوميديا للمرة الأولى على شاشة التلفاز، وأمام بطلين (أكرم حسني وأحمد أمين) باتا متمرسين في تقديم الكوميديا في السنوات الأخيرة، إلا أنه نجح من خلال عدة مشاهد في خطف الأضواء، ونالت شخصية عم ضياء ثناءًا كبيرًا من النقاد، على الرغم من قيام جمعة بالمشاركة في عملين دراميين آخرين هذا العام وبمساحة أكبر.

 

يقول جمعة أنه بعد قراءته للدور، تخيل أن السيناريو وصله بالخطأ، ويضيف مازحًا "تصورت أن الدور كان لبيومي فؤاد ولما طلب فلوس كتير بعتولي" (4)

"كله رايح"


نجاح الشخصية الكبير يرجع ربما لأسباب عدة، أولها الفكرة، لأن العدمي المتشائم شخصية غريبة على الدراما التلفزيونية، عرض شخصية كتلك يحمل مخاطرة، فالجمهور لم يعتدها، بالاضافة إلى أن الجمهور في العادة ينتظر أعمالا بينها وبين واقعه مسافة، فهو يلجأ إلى التفاز كنوع من الهروب من الواقع وبحثًا عن التسلية، الأمر الذي ربما اختلف هذا العام بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة، وانتشار مزاج عام من التشاؤم حول المستقبل في الشارع المصري.

 

فكرة الشخصية وندرة تقديمها لم يكن العامل الوحيد، فالطريقة التي كتبت بها كانت مناسبة وجيدة للغاية، يعتبر العديد من كُتاب السيناريو أن أحد أهم أعمدة كتابة الشخصية الناجحة أو التي تعلق بسهوله مع الجمهور، هو نحت عدة لزمات ترتبط بالشخصية، وهو ما نجح فيه كتاب العمل بامتياز، يمكن اعتبار الكثير من الجمل الحوارية التي يلقيها عم ضياء في المسلسل لزمات خاصة بشخصيته نجحت في العبور للمشاهد، الأمر الذي يتضح من خلال استخدامها الكثيف على مواقع السوشيال ميديا في الفترة الماضية.

 

"انت متأكد إن لسه فيها بعدين، العمر بيخلص في لحظة، كله رايح، كله رايح"

 وصل الأمر حد إنشاء عدة صفحات ساخرة تحمل اسم "عم ضياء" بعد فترة وجيزة من ظهور الشخصية، وتم تداول اللزمات الخاصة بها بكثرة، "كله رايح" و"مترين في متر" و"انت متأكد إن فيها بعدين" هي بعض أشهرها، وهي ترتبط بالموت والمصير المظلم، نبرة تشاؤمية تعدت كونها ملائمة للشخصية، لكونها ملائمة للمزاج العام في الشارع المصري على إثر الضغوطات الاقتصادية.

 

يبقى في النهاية العامل الأهم هو الأداء الأكثر من جيد الذي قدمه "محمد جمعة"، لقد نجح في تقديم دور يمكن اعتباره سهلًا ممتنعًا، استحوذ به على قلوب جماهير كانت تلعنه منذ عام واحد، أو بشكل أكثر دقة تلعن "فياض" الشخصية التي قدمها في هذا المساء العام الماضي؛ أن تنجح في تقديم شخصيتين مختلفتين تماما، وفي عامين متتالين، دلالة على امتلاكك موهبة كبيرة، لم تحتج إلا بعض مشاهد قصيرة فقط للظهور، الأمر الذي احتفى به النقاد، يقول الناقد الفني محمود عبدالشكور على صفحته على فيس بوك:

 

"ومثلما كان مفاجأة رمضان الماضى بدوره المرعب (فياض) فى "هذا المساء" ، فإنه مفاجأة مدهشة فى رمضان 2018 بدور مختلف تماما في " الوصية"، من خلال الجدية الشديدة يضحكنا جمعة فى شخصية عم ضياء (اسمه عكس سلوكه) الذى ينشر الكآبة داخل كل شخصيات المسلسل، يحذرهم من الموت القريب، لأن "كله رايح"، بينما لا تكشف ملابسه المودرن ولا سيجارته عن أي نوع من الزهد المفترض، الشخصية بأداء جمعة ستصبح نموذجا دراميا تعبيرا عن كل شخصية كئيبة تنشر اليأس، ويساعد على ذلك أن عم ضياء له تنويعات فى كل مكان بما فى ذلك على الفيسبوك طبعا، ويذكرنى تحياتى ببعض المشايخ الذين يكرهون الناس فى الحياة بينما هم متعلقون بالدنيا. محمد جمعة مشخصاتى كبير راسخ قادم من المسرح، نجح فى إضحاكنا هذاا العام بعد أن افزع البلاد والعباد فى "هذا المساء". (5)

 

لا ينبع الضحك في شخصية عم ضياء من إلقائه للنكات، أو محاولة استخدام أي شكل من أشكال الكوميديا في تقديم العمل، سواء حركات جسدية أو مواقف مضحكة، -فهو يلتزم طوال الوقت بوجه عابس، وكلمات حادة ومتشائمة-، لكن هذا التناقض الذي بدأ من الاسم "ضياء"، كان كفيلًا بإثارة ضحك المشاهدين، "لا تخافوا من السعادة لأنها غير موجودة"، لكن عم ضياء لا يكتفي بإعلامك بذلك بل يأخذ على عاتقه هم التبشير بالأكثر قسوة، السعادة ليست فقط غير موجودة، بل الموت يطاردك في كل لحظة: "كله رايح". نجح جمعة في العبور إلى قلوب المشاهدين بلا استئذان أو كما يقول هو في أحد المشاهد "عايزني استأذن ليه؟ ما الموت بيدخل من غير استئذان. (6)

 

من فياض إلى ضياء، "كلها مترين في متر"
  

" مستعجل علي قفل الباب ليه، ما بكرة تموت وتتدفن، و يتقفل عليك الباب اللي مبيتفتحش"

 

ظهر فياض العام الماضي في مسلسل "هذا المساء" ونجح في خطف الأضواء، قبل حتى أن يظهر بصورته، حيث سبق ظهوره عدة مكالمات تلفونية مع ضحى، لم يظهر فياض في الحلقات الأولى في أي مشهد سوى من خلال أدائه الصوتي، وبالرغم من ذلك نجح في جذب انتباه المشاهد واكتساب كراهيته.

 

تحكي الممثلة "أسماء أبو اليزيد" عن الطريقة التي أخبرها بها المخرج "تامر محسن" عمن سيلعب دور فياض، لقد أخبرها أن هذا الدور لن يقوم به أحد الممثلين، بل مجرم خرج من السجن للتو، وهو الأمر الذي أخافها حسب روايتها، فيما يكمل جمعة الحكاية، بأن تامر محسن طلب منه عدم التودد بأي شكل لأسماء أبو اليزيد أثناء التصوير، حتي يحافظ على ردود فعل حقيقية جدا، وقد نجح فيما أراد.

 

ردود فعل المشاهدين على دور فياض كان له تأثيره في قبول جمعة لدور عم ضياء بحسب تصريحاته،

"تمنيت أن أشارك بعمل كوميدي، ولم يكن في خيالي بعد دوري في مسلسل هذا المساء والذي عرض العام الماضي، أن أشارك بهذه السرعة في عمل كوميدي، خاصة أن العام الماضي كان هناك حالة من الرعب والخوف والكره للشخصية التي قدمتها، فالجمهور أحيانا (مش بيفصل) بين الشخصية في العمل الفني، وشخصية الفنان الحقيقية"، وأضاف "كنت عاوز أعمل حاجة تخلي الناس تفك مني شوية، وشخصية عم ضياء من كتر كآبتها بتضحك".

 undefined

التحدي لدى أي ممثل يتجاوز كراهية الجمهور لشخصية أداها، التحدي الأهم كان قدرة الممثل على مقاومة التنميط، أي عدم استنزافه في أداء نفس الشخصية بعد نجاحها، وهو ما التفت إليه محمد جمعة، ونجح في الخروج من دور الشرير سريعا، ليس ذلك فقط، بل موهبته كممثل جعلته يقدم على ما يمكن اعتباره مغامرة، وهي قبول عمل كوميدي بعد نجاحه بعام واحد من تأدية شخصية أخافت الجمهور؛ اجتاز جمعة التحدي بنجاح، فهو لم يتجاوز تلك الكراهية فقط، بل ونجح في إقناع الجمهور بأدائه، وانتزاع الضحكات، وربما خطف مكانة بين نجوم الصف الأول في العام المقبل.