شعار قسم ميدان

أفلام عربية كلاسيكية مقتبسة عن مسرحيات وروايات غربية

midan - faten hamama
في طريقها الطويل حتى تصبح فنًا مُعترفًا به في الأوساط الراقية، اعتمدت السينما بقوة على ما سبقها من فنون عريقة سبقتها للوجود بمئات السنين. فكثيرًا ما حاكت بعض كادراتها وتكويناتها البصرية إحدى اللوحات، وضم شريط الصوت فيها بعضا من أجمل مقطوعات الموسيقى الكلاسيكية. لكن بعيدًا عن الفن التشكيلي والموسيقى، وجدت السينما بطابعها الروائي أقوى سند لها في الفنون السردية من أدب ومسرح؛ فاقتبست السينما أعمالهما بكثافة، لتشكل بعض منها البناء القصصي للعديد من كلاسيكيات السينما وأجمل أفلامها على الإطلاق.

 

وفي عملية الاقتباس تلك، لم يحد أي بلدٍ بنفسه في الأعمال الأدبية التي تشاركه المنشأ أو اللغة؛ فاتخذت السينما من الأدب كله تراثا عالميا مشتركا لها، يأخذ كل مخرج من الأعمال ما يلهمه ويطوعه حتى يناسب ثقافة المتلقي في موطنه. هكذا فعل الكثير من المخرجين المصريين، حيث صنعوا أفلام عربية حاز البعض منها على شعبية كبيرة نُسي معها الأصل الروائي أو المسرحي للعمل. وفي هذا التقرير، سنستعرض بعض من أهم تلك الأفلام جنبًا إلى جنب مع الأعمال التي اُقتبست عنها.

    

آه من حوا | ترويض الشرسة – ويليام شكسبير

كعادته، يهوى شكسبير التلاعب بالأضداد والمتناقضات بوضع بعضها أمام بعضٍ، بحيث يصير عليها التفاعل معًا. يفعل هذا بالضبط في مسرحيته الكوميدية "ترويض الشرسة" (The Taming of The Shrew)، في هيئة الأختين كاترينا وبيانكا. فبينما امتازت بيانكا بطبعها الهادئ، عُرفت كاترينا بطبيعتها المتمردة النارية. ونتيجة لثوراتها العارمة واهانتها لكل من تسول له نفسه طلب يدها ، لم تتزوج كاتارينا بعد. لا يزعجها هذا كثيرًا، لكن الورطة الحقيقية هي التي وقعت فيها أختها بيانكا، فلكونها الأخت الأصغر لن يُسمح لها بالزواج حتى تتزوج كاترينا.

     

undefined

     

لحل هذه المشكلة، يفكر لوشينتو حبيب بيانكا في حيلة ذكية يجعل على إثرها صديقه بيتريشيو يتزوج من كاتارينا. لكن بيتريشيو لم يكن كأي من الرجال الذي صادفتهم كاتارينا من قبل، فهو لم يكن مهتم بالزواج منها فقط، بل بـ"ترويضها" أيضًا.

 

في نهاية المسرحية، ينجح بيتريشيو في مهمته، وعند الفصل الأخير ووسط ذهول الجميع، تتلو كاتارينا خطبة أمام غيرها من النساء تناولت فيها حقوق الزوج على الزوجة وقالت فيها: " زوجك سيدك ، حياتك، حارسك، رأسك، ومليكك. هو الذي يُعنى بأمرك، ومن ِ أجلك يحمل بدنه آلام الكدح في البر والبحر معا، يقضي الليل بين الزوابع والنهار في ِالزمهرير حني ترقدين في الدار مستدفئة آمنة، ولا يسألك على هذا الأمر أجرا إلا المحبة وحسن النظرة في اللقاء، وصدق الطاعة، قسط ضئيل لديْن ثقيل. للزوج على زوجته من الحقوق ما للأمير على أتباعه، فإذا ساء خلُقها ونَفَر لسانها، ولم تنزل بالطاعة على شريف إرادته؛ فهي الشريرة العاصية، والخارجة الثائرة، والخائنة المائنة لعهد زوجها المحب المخلص."(1)

      

undefined

      

في تناول تشابه مع الخطوط الأساسية للمسرحية، يعرض فيلم "آه من حوا" شخصية أميرة (لبنى عبد العزيز) المتمردة التي شاركت بيانكا طبيعتها النارية ورفضها للزواج، حتى يأتي "الدكتور حسن" (رشدي أباظة) الطبيب البيطري ويروضها في النهاية. نقل الفيلم عن المسرحية بعض من أكثر مشاهدها كوميدية، كمشهد العرس الذي كاد بيتريشيو\حسن يتخلف عنه، وكمحاولة بيتريشو\حسن منع كاترينا\أميرة عن النوم والطعام. الفيلم من إخراج فطين عبد الوهاب وإنتاج عام 1962.

  

فتى أحلامي | أهمية أن يكون اسمك "ارنست" – أوسكار وايلد

 

من أحد روائع المسرح الكوميدي اقتبس فيلم "فتى أحلامي" قصته. تدور المسرحية الأصلية التي كتبها الأديب الأيرليندي "أوسكار وايلد" حول "جاك ورثينغ"، الأرستقراطي الوصي على فتاة في السادسة عشر من عمرها توفي عنها أبيها اسمها "سيسيل". ورثت سيسيل عن والدها عزبة واسعة يدير جاك أمورها حتى تكبر أو تتزوج كما جاء في الوصية.  

 

أمام سيسيل وكل من في العزبة، يتظاهر جاك بكونه رجل محترم وملتزم وعلى خلق، لكن بعيدًا عنهم في لندن، يقود حياة عنوانها الملذات. وحتى يسهل على نفسه السفر إلى هناك كلما أراد، اخترع جاك شخصية وهمية لأخ أصغر له سماه "ارنست"، ورسم شخصيته على هيئة شاب منفلت يعيش في لندن ويقع دائمًا في المصائب، ما يجعل على جاك دائمًا الذهاب إليه لإنقاذه.

      

undefined

      

أما في لندن، يتخفى جاك في اسم "إرنست" مخبئًا هويته الحقيقية عن الجميع. وهناك، يقع في حب "جويندلون فايرفاكس"، الفتاة الثرية قريبة صديقه الحميم "ألجرنون مونكريف"، والمغرمة باسم "إرنست". يكتشف ألجرنون مصادفة هوية صديقه المزدوجة ويعرف بأمر وصيته الجميلة سيسيل. عندها، يقوده الفضول إلى عزبة جاك في غيابه مقدمًا نفسه للجميع هناك على أنه "إرنست" الأخ المشاغب لجاك. يتعرف بعدها على سيسيل التي تبوح له بغرامها به من قبل حتى أن تراه. يتعجب ألجرنون لهذا، فتطلعه سيسيل على وقوعها في حبه من حكايات جاك عنه، وأيضًا بسبب اسمه "إرنست" المغرمة هي أيضًا به بشدة.

 

عن طريق الهويات المزيفة والخلط بينها يبني وايلد التعقيد الكوميدي والتصاعد الدرامي للأحداث التي تنتهي نهاية سعيدة بحل خيوط أكاذيب جاك وألجرنون. يستعير الفيلم العربي نفس الخلط بين الهويات، لكنه يعدل فيها قليلًا لتصير على أساس الصوت لا الاسم. وقد كان هذا التعديل مفهومًا في إطار الفيلم العربي الذي يقوم ببطولته مطرب-في هذه الحالة عبد الحليم حافظ-والذي لا بد أن يحتوي على عدة أغاني لهذا المطرب في سياق الأحداث.  قام عبد الحليم بالفعل بأداء بعض من أغنياته التي نالت شهرة واسعة بعدها منها "بيع قلبك" و"بكره وبعده. الفيلم من إخراج حلمي رفلة وإنتاج عام 1957.

   

نهر الحب | آنا كارينينا – ليو تولستوي 

" كل العائلات السعيدة متشابهة؛ كل عائلة غير سعيدة تعيسة على طريقتها الخاصة"(2)

        

undefined 

     

بهذه الكلمات يبدأ ليو تولستوي "آنا كارينينا"، ممهدًا لنا روايته التي ستناقش في شطر كبير منها علاقات الحب والزواج وتكوين أسرة. لا يستهل تولستوي الحكي عند أي من شخصياته الرئيسية، بل يبدأ عند "أوبلنسكي" أخو آنا الذي تكتشف زوجته خيانته لها مع الخادمة. من عند أوبلنسكي يمد تولستوي خطًا يظهر على امتداده أبطال العمل، فتأتي آنا لتحل ما بينه وزوجته من خلاف، ويقام في فصل آخر بزيارة صديقه العزيز ليفن.

   

تسير رواية "آنا كارينينا" على خطين متوازيين ما بين شخصيتي ليفن وآنا. فيتجه ليفن للترقي الروحي الذي ينتهي به مؤمنًا بعد أن كان لا أدري -كانعكاس لرحلة تولستوي الخاصة، وتهبط آنا إلى الحضيض بحيث تتفسخ قيمها باقترافها آثام الخيانة الزوجية والحمل سفاحًا والزنا مع عشيقها "فرونسكي".

  

شهد الفيلم العربي "نهر الحب" المقتبس عن الرواية تغييرات كبيرة في الأحداث. أولها كان الاستئصال التام لكل الخطوط الأخرى عدا خط آنا، وهذا مفهوم بسبب حجم الرواية الكبير الذي يتعدى ال800 صفحة. لكن حتى خط آنا نفسه شهد تغييرات ضخمة قلبته رأسًا على عقب.

     

undefined

     

فرسم الفيلم في نسخته العربية بطلته "نوال" (فاتن حمامة) في ظلال ملائكية، تتزوج من شخص بارد المشاعر يكبرها في السن فقط لإنقاذ أخيها، ما كان سببًا في تعاطف الجمهور معها حتى عندما خانته مع آخر -"خالد" (عمر الشريف). صنع الفيلم أيضًا مبررًا مأساويًا آخر لانتحارها في النهاية باستشهاد خالد في حرب 1948، بينما استمرت العلاقة في القصة الأصلية بين آنا وفرونسكي وأثمرت عن طفلة وكان انتحارها في الأساس سببه اختلال علاقتهما ممزوجًا مع نقم المجتمع عليها ما أصابها بانهيار عصبي تام.

     

انحراف 1985 والرغبة 2002 | عربة اسمها اللذة – تينيسي ويليامز

بعد أن سُدت أمامها كل الطرق، لم تجد "بلانش ديبوا" سليلة الأسرة الثرية شيء لتفعله سوى اللجوء لأختها "ستيلا". كانت ستيلا قد تركت العائلة منذ أعوام طويلة لتتزوج بـ"ستان"، العامل المُنتمي لطبقة اجتماعية أدنى منها بكثير. وبالرغم من افلاس بلانش التام، فمنذ لحظة دخولها بيت ستيلا لم تتوقف عن انتقاد وضعها وزوجها المادي المزري، ما يثير حفيظة ستان منذ اللحظة الأولى، ويجعل كراهية عميقة تنشأ بينه وبينها.

      

undefined

     

وصلت تلك الكراهية ذروتها عندما أبدى "ميتش" صديق ستان المقرب اهتمام عاطفي ببلانش، ما أعزاه ستان لإغواء بلانش المتعمد له. مع تصاعد الأحداث وتزايد حدة الصراع بين بلانش وستان، يكتشف ستان أسرار مشينة حول ماضيها ويفضحها أمام ميتش وستيلا دون معرفة منها. قبيل النهاية وفي مشهد عصيب، تسقط بلانش هوة الجنون.

   

بسبب الصراعات الحامية بين الشخصيات في القصة، والرسم العميق الذي جاء لها على يد "تينيسي ويليامز"، بدت مسرحية "عربة اسمها اللذة" مغرية بشدة للاقتباس السينمائي؛ فلم تبني على أساسها السينما المصرية فيلم واحد بل فيلمين. الأول كان "انحراف" من اخراج تيسير عبود وبطولة مديحة كامل في شخصية بلانش ونور الشريف في شخصية ستان ونورا في شخصية ستيلا. أما الثاني فكان "الرغبة" إخراج على بدرخان وبطولة نادية الجندي وياسر جلال وإلهام شاهين الذين أدوا شخصيات المسرحية بترتيبها السابق.

       

undefined

     

وبالرغم من تعدد الاقتباسات المصرية، فأحدًا منها لم يكن على مستوى الاقتباس الهوليوودي الذي حمل نفس اسم المسرحية وأدت فيه فيفيان لي دور بلانش وقام الشاب الصاعد آنذاك مارلون براندو بدور ستان. فازت لي بثاني أوسكار أحسن ممثلة لها عن هذا الفيلم – أخذت الأوسكار الأول عن فيلم "ذهب مع الريح"- ومثّل دور ستان انطلاقة براندو الأولى لعالم الممثلين العظماء.

 

الإخوة الأعداء | الإخوة كرامازوف – دوستيوفسكي   

undefined

     

في ملحمة أدبية يعدها النقاد من أهم الروايات على الإطلاق، نسج الكاتب الروسي "فيودور دوستيوفسكي" خيوط قصته المتشابكة. في خطها الأساسي، تتناول الرواية حياة الإخوة الثلاث "ديميتري" و"آيفان" و"أليوشا"، والعلاقة المضطربة التي تجمع بينهم وبين والدهم "فيودر كرامازوف". في شخصيات الإخوة الثلاث يرمز دوستيوفسكي لمكونات النفس الإنسانية؛ ففي شهوانية ديمتري وتقديسه لحياة الملذات يوجد الجسد، وفي ذكاء آيفان وثقافته الواسعة ورقيه الفكري يكمن العقل، وفي صفاء أليوشا وترفعه عن هذه الحياة نجد الروح.  

  

يعاني ديميتري من وجود قاسي نتيجة لوقوعه في الكارثة تلو الأخرى بسبب إندفاعه الذي لا يكبحه عقل ولا تهدئه روح؛ بينما يتعذب آيفان وسط أسألته التي لا تنتهي حول الشر الموجود في حياة من المفترض أن حاكمها إله منزه عن كل سوء، ولا يجد عقله المتقد في الدين ملاذ. أما أليوشا، فيتخذ طريق الرهبنة ليقوده نور روحه دائمًا للطريق السليم.

       

undefined

  

بعيد عن الخطوط الأساسية للأبطال، تتفرع عشرات الخطوط الأخرى التي تعمق من الثقل الفلسفي للرواية، كقصة "المحقق العظيم" التي يؤلفها آيفان ويرويها كاملة في أحد الفصول. تتناول القصة عودة خيالية للمسيح في عصر محاكم التفتيش الإسبانية، وعندما يتعرف عليه الناس ويقدسونه بعد قيامه بالمعجزات، تلقي الشرطة القبض عليه وتأمر بإحراقه حيًا. في زنزانته الوحيدة، يمر عليه المفتش الأكبر ويخبره أن الكنيسة ستتخلص منه لأنها ما عادت تحتاجه بعد الآن. (3)

  

في عام 1974، اقتبس  المخرج حسام الدين مصطفى الرواية، لكنه احتفظ منها فقط بالسطح القصصي الخارجي ولم يتعمق كثيرًا في تناول تيماتها الفلسفية. أدّى حسين فهمي شخصية ديمتري ونور الشريف شخصية آيفان وسمير صبري شخصية أليوشا.