شعار قسم ميدان

"بريزون بريك".. تكرار الخطأ لن يصوبه

ميدان - بريزون بريك

في عام 2005 بدأت شبكة "فوكس" (Fox) في إذاعة مسلسل "بريزون بريك" (Prison Break) بعد أن سبق ورفضت إنتاجه في عام 2002 لتخوّف منتجي الشبكة من المسلسلات متعددة المواسم غير مضمونة النجاح، رغم تجاربها الناجحة السابقة مثل مسلسل "24" الذي بدأت عرضه في آواخر 2001. هكذا بدأ إنتاج المسلسل في عام 2004 لتخرج الحلقة الأولى منه للمشاهدين في أواخر (أغسطس/آب) 2005 وتحقق أعلى نسبة مشاهدة شهدتها القناة منذ سنوات. كانت البداية موفقة بشدة، فحبكة المسلسل التي تدور أحداثها حول الهروب من السجن هي حبكة محببة للكثير من المشاهدين وسبق وأن حققت النجاح في عدة تجارب سينمائية، ومع تحولها إلى دراما تليفزيونية طويلة يغلب عليها الإثارة والغموض ومثيرة للتوتر أغلب الوقت، كان النجاح حتميا.

  

"مسلسل "بريزون بريك" (Prison Break) من تلك المسلسلات التي تشتاق فيها لاستراحة إعلانية، لترتاح من الإنهاك الشديد، الشنيع، الذي سيصيبك بقدر استمتاعك"
(لوسي مانجان ناقدة موقع الجارديان)

  

العمل الجيد سينجح
القصة الشهيرة للمسلسل يمكن اختصارها في الشقيقين مايكل ولينكولن. يُتهم لينكولن بجريمة قتل شقيق نائبة الرئيس الأميركي ويُحكم عليه بالإعدام، فيبدأ مايكل المعماري العبقري في التخطيط لتهريبه من السجن بأن يزج بنفسه في ذات السجن معه، مع رسم تفاصيل خطة الهروب وخريطة السجن الذي شارك في تصميمه يوما ما في وشم عملاق على معظم جسده.
 
بعد الموسم الأول، ورغم انتهاء الحدث الرئيسي بالهروب من السجن فإن أبطال المسلسل أصبحوا مطاردين، وللوصول لنقطة الأمان الأخيرة عليهم مواجهة الكثير من الأحداث. فاستمرار الهروب هو ما ساعد على استمرار نجاح المسلسل والحفاظ على أعداد المشاهدين
بعد الموسم الأول، ورغم انتهاء الحدث الرئيسي بالهروب من السجن فإن أبطال المسلسل أصبحوا مطاردين، وللوصول لنقطة الأمان الأخيرة عليهم مواجهة الكثير من الأحداث. فاستمرار الهروب هو ما ساعد على استمرار نجاح المسلسل والحفاظ على أعداد المشاهدين
 

بخطوط درامية عديدة تتطور الأحداث في السجن وخارجه، حيث تتكشف في غموض المؤامرة التي يدفع ثمنها لينكولن، والشخصيات المهمة المتورطة في الأمر، وذلك الكيان الغامض الشرير الذي لن يُعلن عنه إلا لاحقا تحت اسم "الشركة"، وخطوات محاولة الهرب التي تفشل والخطط البديلة لها، والتفاصيل المغرقة في الذكاء وإثارة التوتر، استطاع المسلسل أن يحقق تقييما ممتازا بنهاية موسمه الأول، والذي كان مقررا له أن يتوقف عند ثلاث عشرة حلقة، لكن كتابه استطاعوا مده إلى اثنتين وعشرين مختتمين الموسم بهروب الشقيقين وكل من ساعدهما، أو ابتزهما للهرب معهما، فقط ليجد الجميع أنفسهم مطاردين من الشرطة بشكل مستمر.

 

بعد الموسم الأول، ورغم انتهاء الحدث الرئيس بالهروب من السجن فإن أبطال المسلسل أصبحوا مطاردين، وللوصول لنقطة الأمان الأخيرة عليهم مواجهة الكثير من الأحداث. إذن فالهروب مستمر، وهو ما ساعد على استمرار نجاح المسلسل والحفاظ على أعداد المشاهدين، ومع ظهور شخصيات أكثر حيوية وذكاء -مثل عميل المباحث الفيدرالية أليكس ماهون، ووجود خط رومانسي باهت بين طبيبة السجن سارة التي تقع في غرام مايكل وتساعده على الهرب- حقق الموسم الثاني من المسلسل نجاحا يقارب نجاح الموسم الأول.

  

لكن التكرار لا يضمن النجاح!
في نهاية الموسم الثاني ومع آخر دقائقه كان يمكن أن ينتهي المسلسل نهاية ممتازة: فبراءة لينكولن ظهرت ولم يعد هناك حاجة للهرب، والشقيقان لديهما مبلغ مناسب من المال لبدء حياتيهما من جديد في بنما كما كانت خطة مايكل من البداية. لكن كتاب المسلسل وصناعه كانت لديهم خطة منذ بدأوه لصدور أربعة مواسم منه، لذا وبمفاجأة لا ضرورة لها ينتهي الموسم الثاني بدخول مايكل إلى سجنٍ جديد، ليعود الموسم الثالث للحبكة الأصلية للمسلسل ومحاولات الهروب من السجن، ليس وحده فحسب، لكن الكيان الغامض الذي يدعى "الشركة" يساعده لتهريب أحد السجناء معه في حبكة ملفقة ورديئة، إذا أخذنا بالاعتبار أن هذه "الشركة" لديها من الإمكانيات والعلاقات ما يجعل تهريب أي شخص من أي سجن مهمة سهلة لهم بالرشوة أو بالقوة. لكن كتاب المسلسل يعودون لاستنزافه وعصر كل الأفكار الممكنة لينجح موسمه الثالث، لتثبت لهم الأرقام أن الجمهور لم يعد متحمسا لتكرار التجربة، ولن يشتري منهم الخدع المتكررة التي تقبلها في الموسم الأول، فقل متابعو المسلسل ليصل الأمر إلى قمة انحداره مع الموسم الرابع.
 

مشاهدات مسلسل
مشاهدات مسلسل "بريزون بريك" (الجزيرة)

 
مفاجأة الموسم الرابع كانت في عودة الأم التي ظن الشقيقان منذ صغرهما أنها ماتت، ليس هذا فحسب، لكنها تعمل لحساب "الشركة"، وكانت شريكا في كل ما أصابهما منذ البداية. وفي الوقت الذي يجنّد فيه أحد عملاء الأمن القومي الأخوين وفريقهما لسرقة جهاز يحتوي بيانات تتعلق بهذه الشركة وهدمها، يجد الشقيقان نفسيهما واقعين بين فريقين ممن يحاولون استغلالهما للحصول على الجهاز لبيعه بأعلى سعر لمن يشتريه، لاحتوائه على بيانات مختلفة عن مصدر جديد للطاقة لا أسرار الشركة أو هدمها.

شهد الموسم الرابع سقوطا مدويا على مستوى أرقام المشاهدات والتقييمات، لكن هذا لم يمنع من الانتهاء منه بشكل كامل، بل وفصل حلقتي النهاية ليعرضا كفيلم تليفزيوني قائم بذاته ينتهي بإنقاذ مايكل لحبيبته سارة وموته ليسدل الستار بشكلٍ نهائي على المسلسل.

 
بالمقارنة بمسلسلات عديدة لا يمكن اعتبار مسلسل "بريزون بريك" (Prison Break) مسلسلا طويلا، أو مسلسلا سيئا وصولا لموسمه الرابع، فالكثير من المسلسلات ما زالت مستمرة في إصدار مواسم جديدة رغم تكرار فكرتها، ولنا مثال قوي في سلسلة تحقيقات مواقع الجريمة "CSI" بنسختها الأصلية الخاصة بلوس أنجلوس، ونسختين مكررتين عنها في ميامي ونيويورك. فسلسلة كهذه قائمة على جريمة أو اثنتين في كل حلقة مع خطوط درامية تحاول أن تخلق حياة خاصة للأبطال الدائمين للمسلسل، ورغم ذلك استطاعت النسخة الأصلية الاستمرار وصولا للموسم الخامس عشر الذي انتهى منذ عامين، بعد أن تعاقب عليها الكثير من النجوم في أدوار رئيسة أو كضيوف شرف.

 

في وقت ظهور الموسم الأول من المسلسل لم تكن المسلسلات البوليسية محكمة الصنع متوفرة، خاصة مع هذا القدر من التفاصيل، وامتلاك القدرة على إبقاء المشاهد مشدودا ومتابعا بكل تركيزه، حتى إن بعض المشاهدين أكد على أنه انتهى من الموسم الأول له في مشاهدة شبه متتالية على مدار يوم أو يومين. هذا المشاهد المخلص للمسلسل قد يتقبل موسمه الثاني رغم الخروج من السجن، لكنه لن ينخدع ثانية بهروب جديد، ولن ينخدع بموسم رابع يراه منتقدوه طويلا ومملا ومليئا بما ظنه المؤلفون مفاجآت خارقة كانت للمشاهد أقرب لمحاولات استجداء مشاهدته.

  

لأن القضايا الأكثر شهرة وجذبا للمشاهدة الآن هي الإرهاب والأوضاع المشتعلة بالشرق الأوسط فقد وضع صناع المسلسل بطله مايكل في سجنٍ في اليمن تحت هوية أخرى (آي إم دي بي)
لأن القضايا الأكثر شهرة وجذبا للمشاهدة الآن هي الإرهاب والأوضاع المشتعلة بالشرق الأوسط فقد وضع صناع المسلسل بطله مايكل في سجنٍ في اليمن تحت هوية أخرى (آي إم دي بي)

 

كان يمكن تجاهل ذلك إن كان لدينا شخصيات متطورة أو علاقات معقدة تجذب المشاهدين، لكن على العكس من ذلك اعتمد صناع المسلسل منذ البداية على الأحداث المتسارعة كمحور الجذب دون تدعميها بالأشخاص ذواتهم، فمايكل العبقري تبدو شخصيته أحادية تماما، غامض أغلب الوقت، مستعد للتضحية بنجاحه وبحياته نفسها لأجل شقيقه، ثم لاحقا لأجل حبيبته التي لم يمنحنا المسلسل ما يجعل من القصة الرومانسية بينهما عاملا لنجاحه، في الوقت الذي استهلك فيه أغلب الوقت في المطاردات والتعقيدات. وشخصية لينكولن الشقيق الأكبر كانت شخصية جامدة أغلب الوقت، كأن مايكل يمثل العقل، ولينكولن يمثل العضلات، دون تواجد مميز إلا في أقل القليل من المشاهد.

 

إعادة البعث، والفشل
"إذا كنت قد استنزفت كل خطوط الحكاية مع عصابتك الأصلية، فلم لا تبدأ من جديد؟ لم لا تعيد إنتاج المسلسل بفريق جديد، وشخصيات جديدة، وحكايات جديدة؟ حيث لن تحتاج للقلق حول ملء الثغرات الواسعة في خط الأحداث الملتف والمعقد"

(جون أوبراين ناقد صحيفة مترو الإنجليزية)

 
حتى هذا كان يمكن تجاهله لو انتهى المسلسل عند موسمه الرابع، ولاعتبره الكثيرون تجربة جيدة ومرت، بمتعة موسمها الأول، وبإخفاقات الأخير، لكن في عودة شديدة الغرابة أحيت شبكة "فوكس" ((Fox المسلسل من جديد في موسم خامس مفاجئ بعد قرابة سبعة أعوام من انتهائه، وبعد مقتل بطله الرئيس نفسه. لكن ولأننا لم نشهد مقتله بتفاصيله، تمكن كتاب المسلسل من بعثه من جديد. البعث لم يكن لمايكل وحده، بل للمسلسل كله الذي حمل عنوان "Prison Break: Resurrection" وهذه المرة بعودة إلى الحبكة القديمة والهروب من سجن جديد.

 

ما زالت شبكة
ما زالت شبكة "فوكس" تفتش في جعبتها القديمة عن أعمال تليفزيونية تستطيع بها منافسة القرينات القويات "إتش بي أو" (HBO) و"نيتفلكس" (Netflix) و"شو تايم" (Showtime)

 
ولأن القضايا الأكثر شهرة وجذبا للمشاهدة الآن هي الإرهاب والأوضاع المشتعلة بالشرق الأوسط فقد وضع صناع المسلسل بطله مايكل في سجنٍ في اليمن تحت هوية أخرى، ليدخل في الصورة المخابرات الأميركية إلى جانب داعش، والكثير من التعقيدات المصطنعة لخلق أحداث مثيرة وجديدة لجمهور المسلسل. لكن مجددا الأرقام لا تكذب، فالمسلسل القصير الذي بلغت حلقاته تسع حلقات فقط لم يحقق مشاهدات أو تقييمات تبلغ حتى نصف ما حصل عليه موسمه الأول، ليؤكد المشاهدون مجددا أنهم ملّوا، وأنه رغم الازدهار الذي صار إليه حال التليفزيون، وإعادات الإنتاج المستمرة لعروض قديمة أو لأفلام ناجحة يتم تحويلها لمسلسلات فإن هذه التجربة أثبتت فشلها، ربما لسوء استغلال الحكاية مرة تلو أخرى، وربما لمستوى أداء أبطال المسلسل، لكن رغم ذلك، فالشائعات انتشرت على لسان ممثل المسلسل الأول وينتوورث ميلر الذي يؤدي دور مايكل بأنه ربما أمكن صدور موسم سادس للمسلسل!

 

الأمر ليس مستبعدا، فشبكة "فوكس" ما زالت تفتش في جعبتها القديمة عن أعمال تليفزيونية تستطيع بها منافسة القرينات القويات "إتش بي أو" (HBO) و"نيتفلكس" (Netflix) و"شو تايم" (Showtime)، وذلك رغم نجاح إنتاجات "إف إكس" (FX) المملوكة لـ "فوكس"، والتي ما زال يعرض لها مسلسلات مثل "فارغو" (Fargo) و "ذا أميركانز" (The Americans). ولا ننسى أن "فوكس" (Fox) قد أحيت منذ عام مسلسل الغموض الشهير "إكس-فايلز" (X-Files) في موسم عاشر بعد مرور خمسة عشر عاما على انتهاء موسمه التاسع! وهذا ما أكده الناقد تيم جودمان بقوله: "بالنسبة لـ "فوكس"، حسنا، من الصعب لوم أية شبكة تليفزيونية هذه الأيام على استجداء الماضي بحثا عما نجح يوما، أو على الأقل عن اسم مألوف، فالحصول على مشاهدين أمر شديد الصعوبة بين الشبكات هذه الأيام"

ربما يحق لبعض المشاهدين -استمرارا لبرامج إعادة تأهيل المسلسلات القديمة المنتهية- التساؤل عن إمكانية إعادة جريجوري هاوس، الطبيب المفضل للكثيرين عبر موسم جديد من مسلسل "هاوس" (House)، فربما كانت عودته أكثر منطقية من عودة "بريزون بريك" (Prison Break) وغيره.

المصدر : الجزيرة