شعار قسم ميدان

"سالفاتور موندي" بـ450 مليون دولار.. استثمار أم شهوة نفسية؟

ميدان - لوحة Salvator Mundi
مقدمة الترجمة

بيعت لوحة ليوناردو دافنشي "سالفاتور موندي" بـ450 مليون دولار، وقد أشارت عدد من الصحف الغربية كالوول ستريت جورنال لشراء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لهذه اللوحة عبر وسيط. في هذا المقال تحاول الكاتبة إخبار القارئ لماذا بيعت اللوحة بـ450 مليون دولار، وما القيمة الاقتصادية التي يمثلها الاستثمار في الأعمال الفنية.

نص التقرير

ما الذي قد يدفع شخصا ما إلى شراء لوحة ليوناردو دافنشي المسماة "سالفاتور موندي" مقابل 450 مليون دولار؟ قد تظن أنه استثمار، فقد بيعت هذه اللوحة سابقا مقابل 10 آلاف دولار في 2005!

 

من منظور اقتصادي بإمكان الأعمال الفنية أن تكون استثمارا، برغم أن الأبحاث تبين أن الاستثمار في الفن له نتائج مختلطة. للفن أيضا فوائد يسميها الاقتصاديون بالفوائد النفسية، هو شيء يمكن الاستمتاع والتباهي به، وقد تكون هذه الفوائد هي المفتاح لفهم السعر المرتفع الذي بيعت به لوحة "سالفاتور موندي".

  

الفن كاستثمار

يختلف الأداء الاستثماري للأعمال الفنية بشكل كبير اعتمادا على عدد من العوامل، على سبيل المثال فإن الأعمال الفنية المرتبطة بحركات تحظى بشعبية حالية ستتفوق على غيرها من أنواع الأعمال الفنية.

 

 الفنان والناشط الاجتماعي كيث هارينغ (1958-1990م) (مواقع التواصل)
 الفنان والناشط الاجتماعي كيث هارينغ (1958-1990م) (مواقع التواصل)

 

الفن المعاصر يتفوق اليوم على الفن الانطباعي على سبيل المثال. الطلب المتزايد على الفن المعاصر مقرونا بمحدودية المعروض أدى إلى إقبال الجامعين على أعمال فنانين تم تجاهلهم سابقا مثل كيث هارينغ. لكن عادة ما تحظى أعمال الفنانين الرواد بطلب مرتفع. 

 

أظهرت دراسات تحليلية صدرت مؤخرا أن 25 فنانا فقط، من بينهم جان ميشيل باسكيات وأندي وارهول وغيرهارد ريختر، حصدت أعمالهم 1.2 مليار دولار من الـ 2.7 مليار دولار التي حققها مزاد عالمي لبيع الأعمال الفنية المعاصرة هذا العام. امرأتان فقط هما أجنيس مارتين ويايوي كوساما دخلتا قائمة أفضل 25 فنانا حديثا. هذا مؤشر على القضايا التي تتمحور حول التمثيل الجندري في الفن والعملية التي تؤسس لمسيرة الفنان وسمعته.

 

الدراسات الأكاديمية التي تبحث في الفن باعتباره استثمارا توصلت إلى نتائج متباينة، على سبيل المثال فإن دراسة سوق الفن الكندي أظهرت أن عائداته أقل من الاستثمار في سوق الأسهم. لكن الدارسة تعترف بفوائد الحصول على أعمال فنية ضمن محفظتك الاستثمارية على سبيل المثال لأنها تجعلها أكثر تنوعا. لكن دراسة أخرى حول 35 ألف لوحة فنية لفنانين أستراليين أظهرت أن العوائد المالية تراوحت بين 4% إلى 15%. عوائد اللوحات الفنية لفنانين أستراليين رواد مثل بريت ويتلي وجيفري سمارت تجاوزت عوائد سوق الأسهم. وجدت الدراسة أيضا أن لوحات الزيت والألوان المائية وأيضا تلك اللوحات التي بيعت من قبل دور مزادات معينة بيعت بأسعار أعلى.

 

أما اللوحات الفنية المسماة بـ "التحف الفنية" مثل لوحات ليوناردو دافينشي تحظى في الحقيقة بأداء أسوأ من سوق الفن في مجمله من الناحية المالية. لكن لأن الفن يقدم فوائد أيضا من خلال الاستهلاك (المكانة الاجتماعية، والديكور… إلخ) فهو يختلف عن الأسهم والسندات. قد تكون العائدات أقل لكن ما زال الفن جاذبا للاستثمار.

 

يعكس سوق الأعمال الفنية الأسترالية ما حدث في سوق الفن المعاصر العالمي، على سبيل المثال فإن أغلى خمسة أعمال فنية أسترالية حققت ما يقرب من 10% من مجمل قيمة الأعمال الفنية المباعة. فبرغم أن لوحة "خلق الأرض" للفنانة إيملي كيم التي ترجع أصولها إلى سكان أستراليا الأصليين لم تجذب هذا الانتباه الذي جذبته لوحة ليوناردو فإن قيمتها البالغة 2.1 مليون دولار تعد ضعف القيمة التي بيعت بها قبل عقد من الزمان.

 

الفن لأجل الاستهلاك

المتعة الجمالية للفن وشعور التحدي أو الإلهام هو أمر ذاتي وصعب القياس، لكن لا يعني ذلك أن استهلاك الفن لا يزيد من قيمته.

 

لوحة الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي التي تمثل المسيح في وضعية
لوحة الفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي التي تمثل المسيح في وضعية "سالفاتور موندي"، والتي قد بيعت مؤخرا بما يقارب الـ450 مليون دولار (رويترز)

 

يستخدم الاقتصاديون مصطلح الفوائد النفسية أو العوائد النفسية لوصف الفوائد الناتجة من استهلاك الفن. وتنقسم هذه الفوائد إلى ثلاثة مجالات رئيسة:

 

أحد هذه المساحات هو الشعور بالرضا الناتج عن دعم الفن والفنانين. هذا الدافع مهم لأولئك الذين يتبرعون بمجموعاتهم للمتاحف أو يدعمون الفن بطرق أخرى، ورغم أن هذا الحافز مهم لكنه ليس مرتبطا ارتباطا مباشرا بأسعار المزادات. ثم هناك الفوائد النفسية الناتجة عن الاستخدامات الوظيفية أو التزيينة للأعمال الفنية المستخدمة لزخرفة المساحات المختلفة. هذا هو أقرب استخدام في ذهن الفنان عندما يبدع لوحته الفنية في المقام الأول. ثم هناك المكانة الاجتماعية التي تصاحب امتلاك الأعمال الفنية، خصوصا عندما تستخدم لإظهار الذوق الرفيع والثروة والسلطة. على سبيل المثال تظهر بعض مداخل المكاتب أو جوانبها لوحات كبيرة ومدهشة للفن المعاصر.

 

هذا ما يسميه الاقتصاديون "الاستهلاك الاستعراضي"، كلما أصبح الناس أغنى زاد طلبهم على الأعمال الفنية مرتفعة الثمن. بالفعل لدى الفن تاريخ طويل من استخدامه بمنزلة تعبير عن السلطة حتى من قِبل الكنيسة. ما يقود سوق الفن خصوصا في المستويات المرتفعة هو خليط مثير من الاستثمار والاستهلاك يغذيه ندرة المعروض.

 

أعمال الفنانين المشهورين تمثل إشارة إلى الجودة والضمان بالنسبة للسوق، لهذا تلقى هذه الأعمال رواجا لدى أصحاب الثروة والسلطة. فرادة وندرة هذه الأعمال لا تزيد من الطلب فقط بل وتقلل المعروض، مما يخلق دافعا قويا لارتفاع الأسعار. على الرغم من أن هذا لا يفسر بشكل كامل السعر المرتفع الذي دُفع في لوحة ليوناردو "سالفاتور موندي"، فإن تحليل عملية البيع يرجح أن حملة التسويق من قبل دار المزاد كانت ناجحة في تحقيق مثل هذا السعر المرتفع.

 

لكن إلى جانب قيمتها التجارية، فإن للأعمال الفنية قيمة ثقافية واجتماعية مهمة لا تُترجم بشكل مباشر إلى أسعار سوقية. ففي حين بيعت لوحة "سالفاتور موندي" لليوناردو دافنشي مقابل 450 مليون دولار فإن تحفة فنية غير قابلة للبيع مثل سقف كنيسة سيستين ليست عديمة القيمة بل هي "أغلى من أي ثمن".

======================================== 

 

هذا المقال مترجم عن: (ذا كونفرزيشن

المصدر : الجزيرة