شعار قسم ميدان

أدولف هتلر.. من رسام طموح لسفاح نازي

ميدان - أدولف هتلر 1933

"إنّ أسلوبه المُختَلف في رسم أشكال البشر ينم عن لا مبالاة عميقة بالناس."[1]

(فريدريك سبوتس، مِن كتاب: هتلر وقوة الجماليّات، 2002)

 

بعد التسرُّب مِن المدرسة الثانوية في سنِ السادسة عشر، قضى هتلر (20 (نيسان/أبريل) 1889 – 30 (نيسان/أبريل) 1945) سنواته اللاحقة مُنكبًا على الرّسمِ وزيارة المتاحف. ففي عام 1905، سافر لأول مرّة لفيينّا لحضور الأوبرا ودراسة موسيقى ريتشارد فاغنر الذي كان مولعًا به للغاية.[2]

 
لكن عوضًا عن الموسيقى، استعبدت العمارة المدنية هتلر، فقد ولع بالرسوم المعمارية وأبدى اهتماما شديدًا بها، حتى أنه كان يرسم مبانٍ كاملة لو رآها مرة واحدة، لقد تجلّت موهبته كرسّام، والتي لاحظها مُعلّموه مِن الطفولة، واضحة في فيينا. مِن تلك اللحظة أراد هتلر أن يُصبح رسّامًا، "رسّامًا مرموقًا".[3]

 

undefined

 

تقدم هتلر، عام 1907، لأكاديميّة الفنون في فيينّا واثقًا مِن القبول. لكن أتت النتيجة بالرفض، نزل الرفض كالصاعقة عليه. وقد وضّحت الأكاديميّة فيما بعد أنها رأت فيهِ معماريّا موهوبًا وأنّ لوحاته التي تقدّم بها تُبرِز موهبته كمعماري لا رسّام. وعلى الرغم مِن أنَّ رد الأكاديميّة بدا مُقنعًا، إلا أنَّ هتلر لم يتجه للعمارة كما أوصت الأكاديمية.[4]

 
مرفوضٌ مِن أكاديميّة الفنون، فاشلٌ في دراسة موسيقى فاغنر، انتهى الأمر بهتلر في بيت للمشردين جائعًا فقيرًا بائسًا. وقد استمر على ذاك الحال ثلاث سنوات. يأكل من بقايا المطاعم ويتسول قوت يومه ولا يجد لنفسه ما يسد رمقه.

"الجوع، الجوع كان حارسًا وفيًّا."[5]

(هتلر)

 

الرسمة أدناه، رسمها هتلر، عام 1910، في فيينا. شخص وحيد يجلس على حافة جسر. الجسر نفسه مرسوم من أحجار متراصة ربما ينفلت إحداها فينهار الجسر في أي وقت. في الصورة، إحساس بالوحدة والعزلة لا يخطئه الرائي.

 

undefined

 
بعد عودته من فيينا عام 1913، توفيت والدته بسرطان الثدي. في تلك الفترة، كان هتلر حرفيًّا لا شيء لديه. فتطوع في الجيش الألماني، بالحرب العالمية الأولى، ليبدأ بعدها رحلته كسياسي ويتحول لاحقًا لسفّاح نازي.[6]

 
ففي عام 1914، كان هتلر مجندًا في الحرب العالمية الأولى. يحمل معه لوحاته أينما ذهب ويقضي وقت استراحته في الرسم. وحتى ذلك الحين، كانت بقايا الفنان المُحب للرسم والموسيقى تُسيطر عليه، فرسم رسومات حول المناظر الطبيعية الريفية لكن ظل هناك استخفاف مُتعمد برسم أشكال وأحجام الناس.[7]
 

بعد انتهاء الحرب، ظل هتلر في الجيش وعاد إلى ميونيخ، وفى عام 1919، عُيّنَ في منصب جاسوس وكان يتبع قيادة الاستخبارات لاختراق حزب العمال الألماني. وأثناء استكشافه للحزب، تأثر هتلر بأفكار مؤسس الحزب آنتون دريكسلر المعادية للسامية ليتحول بعد ذلك من رسام لسفاح نازي.[8]

 

الرسّام Vs السفاح النازي

بالرغم من تاريخه السياسي المثير للجدل كطاغية نازي قتل آلاف البشر؛ إلا أن هتلر استمر في اعتبار نفسه رسام لآخر حياته. حتى أنّه ظل يرسم بعض الرسومات بالألوان المائية وهو فوهرر (قائد). ففي الفترة من يوليو إلى نوفمبر عام 1937، أقام الحزب النازي معرض فني في ألمانيا وأطلقوا عليه "معرض الفن المتحرر"[9] (Degenerate Art Exhibition).

 

ألتر هوف في ميونخ رسمها تلر عام 1914 (مواقع التواصل)
ألتر هوف في ميونخ رسمها تلر عام 1914 (مواقع التواصل)

 
المعرض، والذي ضم مائة واثني عشر رسّامًا، لم يضُم غير ستة رسّامين يهود فقط! وقد قام أكثر مِن مليون شخص بزيارة المعرض في أول ستة أسابيع من افتتاحه. وقد كان الهدف من المعرض بالطبع سياسيًّا في المقام الأول.[10]
 

فهتلر، والذي اعتبر مدارس الفن الحديث (مثل: التكعيبية والسريالية والتعبيرية والدادئية) حركات حداثية لا معنى لها ولا قيمة ولا فلسفة، ألقى اللوم على اليهود والبلاشفة واعتبرهم مسؤولين عن ظهور تلك الفنون، بل ومن الواجب القضاء على تلك المدارس كافة.[11]
 

فالفن "النقي" هو الفن النازي الذي يُعبر عن "عرق نقي". في تلك الفترة، بدت النزعة الطهرانية واضحة عند الفوهرر الذي لا ينفك يستخدم الفن كأداة سياسية ناسيًّا ومتجاوزًا تمامًا عن أحلام المراهقة حول الموسيقى والرسم.
 

فقد كان شرط المشاركة في معرض "الفن المتحرر" هو أن يلتزم الرسّام بالمعايير الكلاسيكية في الرسم؛ وألا تحمل الأعمال أي عداء أو نقد للنازية أو ألمانيا؛ كما وجب ألا تحتوي على أي مِن أساليب المدارس الحداثية في الرسم والتي كانت تضرب بجذورها في الأرض منذ مطلع القرن العشرين.[12]
 

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف تحول هتلر المُحب للرسم والموسيقى للسفاح ذي نزعة طهرانية قضت على أكثر من 19 مليون شخص مدني وأسير. هذا غير الحتمية التاريخية التي أكد عليها المؤرخ سيباستيان هافنر "أنّ من دون هتلر وتشريد اليهود ما كانت إسرائيل لتظهر للوجود." فلو أنّ هتلر قُبل في أكاديميّة فيينّا للفنون، ألم يكن قبوله ذاك ليُغيّر وجه التاريخ؟!

المصدر : الجزيرة