شعار قسم ميدان

السر وراء أشهر اللوحات.. تكشف عنه محاضرات "تيد"

ميدان - أشهر اللوحات

يستشعر الكثير من الناس وجود هالة غامضة تحيط بالأعمال الفنية، خصوصا مع ظهور الفن الحديث الذي يصور أشياء لا تشبه ما نعرفه في الطبيعة. أصبح تأمل اللوحات الفنية أو محاولة فهمها عملية مربكة لأولئك الذين لا يتمتعون بخلفية أو دراسة فنية. كما أن الفنون التشكيلية اقتصرت على النخبة من الفنانين والنقاد الذين يرتادون المعارض والمتاحف؛ ولديهم ما يؤهلهم لتذوق اللوحات التي يشعر الجمهور حيالها بالغرابة والغموض.

  

لكن، هناك الكثير من الأعمال الفنية التي نالت شهرة وشعبية كبيرة لدى الجمهور لأسباب عديدة، منها: حوادث السرقة أو حكاية الفنان الذي رسمها، أو تصنيفها ضمن أغلى اللوحات الفنية، أو استخدامها في فيلم سينمائي أو كتابة رواية من وحي اللوحة. تمتعت هذه الأعمال على وجه الخصوص بتعدد تأويلاتها وتفسيراتها من قِبل نقاد الفن والجمهور، وهو ما ساعد على انتشارها وشعبيتها. نعرض في هذا التقرير مجموعة من محاضرات "تيد" القصيرة التي تكشف أسرار بعض أشهر الأعمال الفنية من وجهات نظر تختلف عما اعتاد الكثيرون سماعه.

          

undefined

    

الرياضيات وراء ليلة مرصعة بالنجوم

من الصعب أن تجد من لم يشاهد في حياته لوحة فنسنت فان جوخ الشهيرة "ليلة مرصعة بالنجوم" التي رسمها عام 1889. استُخدمت اللوحة عام 2011 في تصميم الإعلان الدعائي لفيلم "منتصف الليل في باريس" للمخرج وودي آلن، كما طُبعت على أغلفة عشرات الكتب والروايات والتي منها رواية "الليالي البيضاء" لدوستويفسكي في نسختها العربية الصادرة عن المركز الثقافي العربي، كذلك استُخدمت اللوحة في الكثير من الإعلانات الدعائية وكلمات الأغنيات والأشعار.

 

رسم فان جوخ هذه اللوحة من نافذة غرفته في مصحة "سان بول دو موزول"، وتُعدّ هذه اللوحة هي الأشهر من بين جميع لوحاته، والتي منها لوحات صوّرت الموضوع نفسه وحملت العنوان نفسه. من بين جميع أعماله تُعدّ هذه اللوحة نقلة مركزية في الطريقة التي سمح لخياله أن يعمل بها، لذلك ظهرت السماء بهذا الشكل السريالي الآسر. يقترح المقطع التالي أن النمط المضطرب الذي يحيط بالنجوم في هذه اللوحة مرتبط بالظاهرة الفيزيائية الغامضة المعروفة بـ "الجريان المضطرب"، وهو إحدى الظواهر التي تستعصي على الفهم الرياضي، لكن من الممكن أن نفهمها من خلال الفن.(1)

   

 

لماذا رسم فيرمير فتاة مجهولة؟ سر فتاة قرط اللؤلؤ

عندما أُعيد اكتشاف لوحة الهولندي يوهانس فيرمير "فتاة قرط اللؤلؤ" التي رسمها عام 1665، أُطلق عليها "موناليزا الشمال" إذ إنها تشترك مع الموناليزا في بساطتها وغموضها. تعتبر هذه اللوحة أشهر أعمال فيرمير، وهي تختلف عن أعماله الأخرى التي تصور مشاهد داخلية لأشخاص يمارسون أعمال بسيطة في هدوء. ساهمت في شهرة هذه اللوحة الأعمال الفنية التي استُلهمت منها، ففي عام 1999 صدرت رواية "تريسي شيفيلير" المستوحاة من اللوحة والتي تحمل اسمها نفسه، وكانت هذه الرواية مصدر إلهام لفيلم سينمائي ومسرحية يحملان الاسم نفسه، الفيلم من بطولة سكارليت جوهانسون التي قامت بدور الفتاة ذات القرط اللؤلؤي، ومن إنتاج 2003.

  

على اليمين سكارليت جوهانسون في الفيلم وعلى اليسار غلاف الرواية المستوحاة من اللوحة (مواقع التواصل)
على اليمين سكارليت جوهانسون في الفيلم وعلى اليسار غلاف الرواية المستوحاة من اللوحة (مواقع التواصل)

   

في كتابه "قبعة فيرمير: القرن السابع عشر وفجر العولمة" الذي ينطوي تحت طائلة النقد الثقافي، يتناول تيموثي بروك أعمال فيرمير ولوحاته بكل تفاصيلها لكي يجعلنا نشاهد من خلالها التغيرات التي طرأت على المجتمع الهولندي في ذلك الوقت. وهذا ما يقترحه المقطع التالي عند الإجابة عن سؤال من تكون هذه الفتاة الغامضة؟ هل هي خادمة منزل فيرمير؟ أم عشيقته؟ أم أنها مجرد موديل استخدمها لإنجاز لوحته؟ فما كان شائعا في ذلك الوقت هو رسم البورتريهات للملوك والأمراء والأشخاص ذوي المكانة المرتفعة. لذلك، أثارت هذه اللوحة فضول نقاد الفن، وأشعلت خيال الروائيين، إذ إن ثمة قصة أو سرا تحمله هذه الفتاة التي تنظر إلينا وتجعلنا حائرين، هل تسير نحونا أم بعيدا عنا؟(2)

  

  

هل يمكن لقطّتك أن ترسم لوحة تجريدية؟

تُثير اللوحات التجريدية التساؤلات لدى الكثير من الناس، فنجد أن واحدة من أكثر التعليقات الشائعة حولها هي: "قطتي تستطيع أن ترسم لوحة مشابهة". حاولت أنجلينا هاولي، الأستاذة بكلية بوسطن في ماساشوستس، الإجابة عن هذا السؤال عندما صممت تجربتها التي اعتمدت فيها على التلاعب بتوقعات المتطوعين حول اللوحات التجريدية التي عُرضت أمامهم. كان المطلوب منهم مشاهدة مجموعة من اللوحات، منها لوحات لفنانين تجريدين، وأخرى رسومات عبثية لبعض القردة والأطفال، وعليهم أن يختاروا من بينها اللوحات التي يفضلونها. تعتمد التجربة على خلط اللوحات التعريف الخاص بكل لوحة، فتحت لوحات الشمبانزي نجد اسم فنان والعكس.

   

(مشهد من فيلم "Mona Lisa Smile" عن لوحة ضباب الخزامى لجاكسون بولوك)

  
كانت النتيجة أن "جميع المجموعات التي أُجريت عليها التجارب أظهرت تفضيل المتطوعين بوجه عام عمل الفنانين البشر، حتى عندما كانوا يعتقدون أن من رسمها طفل أو شمبانزي. إن ما يعرضه المقطع التالي يؤكد أن العقل البشري بطريقة ما يمكنه إدراك رؤية الفنان بالمقارنة مع الخطوط العبثية التي يرسمها الأطفال والحيوانات. خصوصا لوحات الفنان الأميركي جاكسون بولوك الذي ينتمي إلى الحركة التجريدية التعبيرية أو ما يُطلق عليه مدرسة نيويورك. يمكن للمشاهد بسهولة تمييز لوحات بولوك بخطوطها المتشابكة بسهولة. كان بولوك يرسم بطريقة سكب ألوان مختلفة من الطلاء على رقعة ضخمة من القماش الملقى على الأرض، سُمّيت هذه الطريقة بالرسم الحركي. ربما يفكر البعض بأن أي شخص يمكنه فعل ذلك، لكن هذا المقطع يثبت عكس هذه الفكرة.(3)

   

  

الأقنعة الأفريقية تلهم الفن الحديث

ربما علينا ألا نخشى القول بأن نقطة التحول في الفن الحديث بدأت من قبيلة دان في ساحل العاج بأفريقيا، من ذلك المكان الذي أحضر منه ماتيس بعض الأقنعة الأفريقية البدائية التي كان حريصا على تجميعها. عرض ماتيس أحد هذه الأقنعة على صديقه بيكاسو، فأثارت فضوله ودفعته إلى زيارة متحف تروكاديرو الإثنوغرافي في باريس عام 1907 الذي كان يحتفظ بغنائم الغزو الاستعماري لأفريقيا، يعرض المتحف الكثير من مقتنيات الفن الأفريقي التي شاهدها بيكاسو فكانت هذه الزيارة مصدر إلهام له. لقد خرجت التكعيبية من جعبة الأقنعة الأفريقية، فكانت أوجه الشخصيات التي يرسمها بيكاسو تشبه تماما تلك الأقنعة التي رآها في المتحف. يمكنك النظر إلى وجه الفتيات في لوحة "آنسات أفينون" التي اعتُبرت التحفة الأولى للقرن العشرين لترى الأقنعة في وجوههن.

     

على اليمين واليسار لوحات لبيكاسو وفي المنتصف صورة لقناع أفريقي (مواقع التواصل)
على اليمين واليسار لوحات لبيكاسو وفي المنتصف صورة لقناع أفريقي (مواقع التواصل)

 

اقتفى الكثير من الفنانين بعد ذلك أثر بيكاسو، فكان تأثير الفن الأفريقي واضحا تماما في الفن الحديث، بل يمكننا من خلاله فهم وتفسير الفن الحديث. وهذا ما يعرضه المقطع التالي الذي يعرض هذا الأثر في فن مجموعة من أشهر فناني العصر الحديث، أولئك الذين أحدثوا ثورة في طرق الرسم متمردين على كل ما هو تقليدي. كذلك لم يتوقف الاستلهام من الحضارات القديمة على الأقنعة الأفريقية فحسب، بل إن بول غوغان ترك فرنسا وذهب للعيش مع القبائل البدائية في القارات القديمة، والتي استوحى منها أعماله الفنية الشهيرة. لذلك يعتقد البعض أن ليس ثروات أفريقيا فقط التي نُهبت لكن حضارتها وثقافتها المميزة كذلك سُرقت لتخدم حركات الفن الغربي والأوروبي الحديثة.

   

   

بالرغم من التفسيرات الفنية والاجتماعية وأحيانا العلمية الكامنة وراء الكثير من اللوحات، فإن كل عمل فني يمنح للناظر المتأمل شيئا خاصا. يقول ناقد الفن "بوغوميل راينوف": "أفضل سؤال عن جواب كيف ننظر إلى اللوحة؟ هو (كما تشاؤون). كما تشاؤون لأن التعامل مع الفن أمر مشيئي، كل عنصر من عناصر الطبيعة قد يحطم عفوية التلقي، أما القواعد فهي شكل من أشكال الطبيعة الذهنية. كما تشاؤون لأن بأسلوب (النظر) يتحقق دائما شيء متفرد لا ينبغي أبدا أن يفسر. والمهم في النهاية ليس كيف ننظر، بل ماذا نرى؟ كما تشاؤون لأن ميكانيكية الإدراك البصري يعرفها سابقا الفنان الخبير، ويكون قد طابق الخيال سابقا مع خواص بصرنا، كي تكون اللوحة مرئية جيدا ومفهومة فهما صحيحا".(5)

المصدر : الجزيرة