المؤتمر الوطني الأفريقي.. حزب أنهى سيطرة العرق الأبيض على جنوب أفريقيا

شعار حزب المؤتمر الوطني الافريقي – جنوب افريقيا

حزب سياسي في جنوب أفريقيا، تأسس عام 1912 لمعارضة سيطرة الأقلية البيضاء على السلطة والثروة، يحكم البلاد منذ إلغاء نظام الفصل العنصري عام 1994. اعتمد على أربعة ركائز وهي الحوار والاحتجاجات الشعبية السلمية ثم الكفاح المسلح والضغط الدولي. تعرض للحظر عام 1960 وزجت السلطات ببعض قادته في السجون فيما غادر آخرون إلى خارج البلاد. ثم رفع عنه الحظر بعد إلغاء نظام الفصل العنصري مطلع تسعينيات القرن العشرين، وأفرج عن قادته المسجونين وسمح للمنفيين بالعودة إلى البلاد.

النشأة والتأسيس

توغلت الجيوش البريطانية المزودة بالأسلحة الحديثة والخيول داخل أراضي جنوب أفريقيا في ستينيات القرن التاسع عشر، مما أدى إلى إضعاف قوة الممالك الأفريقية وكسر شوكتها.

هيمن المستوطنون البيض على السلطة والثروة، وعملوا على طرد السكان السود من مزارعهم والاستيلاء عليها، كما احتكروا ملكية المناجم واستخدموا السكان الأصليين في استخراج المعادن الثمينة.

استمرت مقاومة السود لاستغلال المستوطنين البيض لهم وسرقة ممتلكاتهم وأراضيهم طيلة القرن التاسع عشر، غير أن هذه المقاومة لم تحقق أي نجاح بسبب الانقسام العشائري والاثني، فظهرت محاولات لتوحيد السكان السود في بداية القرن العشرين.

هذه المحاولات اتخذت طابعا جديا مع ظهور ملامح نظام الفصل العنصري إثر إصدار البرلمان البريطاني عام 1910 قانونا يعلن تأسيس اتحاد جنوب أفريقيا بموجب تحالف بين المستوطنين الإنجليز والهولنديين مع تجاهل السكان الأصليين السود والملونين الهنود.

اجتمع رؤساء وممثلو المجتمعات الأفريقية ومثقفون وشخصيات بارزة في "بلومفونتين" يوم 8 يناير/كانون الثاني 1912، وأسسوا "المؤتمر الأفريقي للسكان الأصليين" وكان هدفه الرئيسي هو الحفاظ على حقوق الملونين والأفارقة السود.

في عام 1923 غيرت هذه الهيئة اسمها إلى حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي"، وسعى هذا الأخير إلى بث الوعي السياسي بين السكان بمختلف طبقاتهم وأعراقهم وتوحيد الأفارقة جميعا لمواجهة سيطرة الأقلية البيضاء على السلطة، والوقوف ضد حرمان الأغلبية الأفريقية من الفرص الاقتصادية والسلطة السياسية ضمن نظام يسمى الفصل العنصري.

التوجه الأيديولوجي

تبنى الحزب التوجه اليساري حيث شجع على إعادة توزيع الأراضي وزيادة الاستثمار الحكومي في الاقتصاد، كما ناهض السياسة العنصرية للنظام القائم. ويعرف نفسه في وثائقه بأنه "حركة تحرير ديمقراطية وغير عنصرية وغير متحيزة جنسيا".

ميثاق الحرية

أصدر الحزب وجمعيات وطنية أخرى ميثاقا سمي "ميثاق الحرية" في يونيو/حزيران 1955، وهو وثيقة تتضمن مبادئ مناهضة لنظام الفصل العنصري وأفكارا طموحة نحو الحرية والديمقراطية.

من المبادئ التي تضمنها الميثاق:

  • الدعوة إلى المشاركة المدنية لجميع الناس بغض النظر عن العرق أو اللون أو الجنس.
  • تمتع كل المجموعات القومية بحقوق متساوية.
  • تقاسم ثروات البلاد وتكافؤ الفرص.
  • إنهاء القيود المفروضة على ملكية الأراضي.
  • المساواة في تطبيق القانون والحق في المحاكمة العادلة.
  • توفير تعليم مجاني وإلزامي وشامل لجميع الأطفال.
  • ضمان حريات التعبير والتجمع والضمير والتنقل.

دونت مبادئ الميثاق خلال اجتماع جماهيري أطلق عليه اسم "مؤتمر الشعب"، حضرته شخصيات من أصل هندي وبعض البيض المناهضين للعنصرية إضافة للسود.

أجمع المشاركون في هذا المؤتمر على أن "جنوب أفريقيا ملك لكل من يعيش فيها من السود والبيض، وأية حكومة لن تستطيع ممارسة السلطة دون الاستناد إلى إرادة الشعب كله".

فرقت القوات الحكومية الاجتماع بالقوة، واعتقلت أكثر من 150 شخصا ووجهت لهم تهمة الخيانة العظمى، استمرت محاكمة هذه المجموعة إلى عام 1961 دون أن تسفر عن أية أحكام إدانة.

الهيكل التنظيمي

يعتبر المؤتمر الوطني أعلى هيئة في الحزب، يعقد مرة واحدة كل خمس سنوات على الأقل، ومن صلاحياته تحديد سياسة وبرنامج ودستور الحزب وتلقي ومناقشة تقارير اللجنة الوطنية الانتخابية، وأيضا انتخاب الرئيس ونائبه، واللجنة التنفيذية الوطنية.

للحزب هيئات موازية مستقلة، لها قوانينها الداخلية وهياكلها ولوائحها الخاصة التي يشترط ألا تتعارض مع دستور وسياسات الحزب.

ومن هذه الهيئات الرابطة النسائية للحزب، وهي مفتوحة أمام النساء، ومن أهدافها الدفاع عن حقوق المرأة داخل وخارج الحزب ضد جميع أشكال التمييز الاجتماعي والجنسي.

ورابطة الشباب وهي هيئة مفتوحة أمام جميع الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و35 سنة، وتعمل على تعزيز حضور الشباب في الحزب وفي تدبير شؤون البلاد.

أما رابطة قدامى المحاربين فهي هيئة مفتوحة في وجه جميع أعضاء الحزب الذين يبلغون من العمر 60 عاما أو أكثر، والذين قدموا له خدمات على مدى فترة متواصلة مدتها 40 عاما، وتعمل على تعزيز دور المحاربين القدامى في الحزب وفي البلاد.

أهداف وغايات

وضع الحزب في النسخة الأخيرة لدستوره الصادرة عام 2017 أهدافا وغايات من بينها:

  • توحيد كل شعب جنوب أفريقيا، وبالأخص الأفارقة، من أجل التحرير الكامل للبلاد من جميع أشكال التمييز والاضطهاد القومي.
  • إنهاء الفصل العنصري بجميع أشكاله وتحويل جنوب أفريقيا في أسرع وقت ممكن إلى دولة ديمقراطية موحدة وغير عنصرية وغير متحيزة.
  • الدفاع عن المكاسب الديمقراطية للشعب والمضي نحو مجتمع يختار فيه الشعب الحكومة بحرية وفقا مبادئ الاقتراع العام.
  • النضال من أجل العدالة الاجتماعية والقضاء على التفاوتات الهائلة التي خلقها الفصل العنصري ثم تعزيز التنمية الاقتصادية لصالح الجميع.
  • دعم قضية تحرير المرأة.

شعار الحزب

يتكون علم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من أشرطة أفقية متساوية باللون الأسود والأخضر والأصفر.

يرمز اللون الأسود إلى شعب جنوب أفريقيا الذي ناضل لعقود من أجل الحرية، ويمثل اللون الأخضر الأرض التي ناضل السكان الأصليون لاستردادها بعدما أخرجتهم منها الحكومات الاستعمارية ونظام الفصل العنصري، أما الأصفر فيمثل الذهب أو الثروة المعدنية وغيرها من الثروات الطبيعية في جنوب أفريقيا.

يحتوي الشعار أيضا على رمح ودرع ويمثلان حروب المقاومة المبكرة للحكم الاستعماري، والكفاح المسلح الذي خاضه الجناح المسلح للحزب باعتباره جزءا من النضال ضد العنصرية والقمع، أما القبضة التي تحمل الرمح فتمثل قوة الشعب الموحدة من أجل نيل الحرية والمساواة، وتحيل العجلة إلى حملة "مؤتمر الشعب" الذي تبنى "ميثاق الحرية"، وتمثل النضال المشترك والموحد من أجل حرية جميع مجتمعات جنوب أفريقيا.

مراحل مهمة في تاريخ الحزب

  • الحوار

اعتمد الحزب في الفترة التي تلت تأسيسه ما بين 1912 و1948 أسلوب الحوار في التعامل مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا، ورأت قياداته أن هذا النهج من شأنه تحقيق تسوية عادلة تحفظ حقوق السود.

غير أن النظام الحاكم فضل الاستمرار في ممارساته العنصرية وفي نزع ملكيات السود وإقصائهم، ولم تنجح مختلف الإستراتيجيات والضغوط التي نفذها الحزب لدفع النظام للجلوس إلى طاولة المفاوضات.

  • الاضراب والمقاطعة

مع وصول الحزب الوطني إلى الحكم عام 1948، أصبح التمييز العنصري سياسة رسمية للدولة، إذ سن قوانين للفصل بين البيض وباقي سكان البلاد في التعليم والصحة والتنقل والمطاعم والشواطئ، كما منع الزواج المختلط بين الأعراق ومنع تدريس اللغة الأفريقانية وفرض التهجير القسري لأكثر من 3 ملايين من السود.
أمام هذه السياسة، تعالت أصوات رابطة شباب حزب المؤتمر لمطالبته بتغيير إستراتيجيته، ووضعت برنامجا دعت فيه إلى الإضراب والمقاطعة، وهو البرنامج الذي تبناه الحزب في مؤتمره عام 1949.

  • احتجاجات ومظاهرات

تصاعد نشاط الحزب في الخمسينيات من القرن العشرين، إذ شهدت البلاد مظاهرات جماهيرية سلمية وحملات لتحدي إجراءات الفصل العنصري وقوبلت مطالب الجماهير بدعم وتضامن دولي، ما أثار حفيظة حكومة الحزب الوطني فضيقت على أنشطة الحزب وقياداته.

في مارس/آذار 1960 اندلعت احتجاجات ومظاهرات ضد قانون يجبر السكان السود على حمل تصاريح مرور من أجل التنقل داخل البلاد، حيث اجتمع المئات أمام مراكز الشرطة بدون تصاريح تحديا لهذا القانون.

وقابلت السلطات الاحتجاجات بالقوة المفرطة وأطلقت الشرطة النار على الحشود، ما أسفر عن مقتل 69 شخصا وجرح العشرات، وهو ما عرف بمجزرة شاربفيل.

بعد هذا الحدث الدامي، قررت السلطات حظر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وتعرض قادته للمطاردة والسجن، مما جعله ينهي أسلوب الاحتجاج السلمي الذي تبناه لعقود ويعلن عن تأسيس الجناح المسلح باسم "رمح الأمة" تحت قيادة "نيسلون مانديلا" لمهاجمة رموز الاضطهاد والمقرات العسكرية.

إنهاء نظام الفصل العنصري

حشد الحزب الرأي العام الدولي بالموازاة مع العمل المسلح، فأرسل وفودا وممثلين عنه إلى دول العالم للتعريف بقضيته ودعوة المجتمع الدولي لمقاطعة نظام جنوب أفريقيا وعزله وفرض العقوبات عليه.

وهي الضغوط التي نجحت في تحقيق أهدافها مع إعلان الرئيس فريدريك دو كليرك مطلع تسعينيات القرن العشرين عن إنهاء نظام الفصل العنصري، ورفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والسماح لعدد كبير من أعضائه في الخارج بالعودة إلى البلاد والإفراج عن النشطاء المعتقلين في السجون ومن بينهم مانديلا، الذي قضى حوالي 27 سنة في السجن تحول خلالها إلى رمز عالمي للكفاح ضد العنصرية.

أول انتخابات ديمقراطية

انتخب مانديلا رئيسا للحزب وقاد المفاوضات مع النظام للانتقال إلى حكومة منتخبة بالاقتراع العام، وفي عام 1994 شهدت البلاد أول انتخابات ديمقراطية حصل فيها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على 60 % من الأصوات في الجمعية الوطنية (البرلمان) وانتخب مانديلا رئيسا لجنوب أفريقيا وكان أول رئيس أسود للبلاد.

شكل مانديلا حكومة من البيض والسود ووضع برامج لاسترداد الأراضي المنهوبة والمستغلة من المستوطنين البيض وإعادة توزيعها بما يحقق العدالة لذوي الحقوق، وتم تعويض فاقدي ملكياتهم بمبالغ مادية أو بأراض بديلة، أو عبر منحهم الأولوية في المشاريع التنموية واستصلاح الأراضي.

تنحى مانديلا عن رئاسة الحزب عام 1997، وفي يونيو/حزيران 1999 أصبح خليفته ثابو مبيكي ثاني رئيس أسود لجنوب أفريقيا.

ظل الحزب يحكم البلاد منذ انتهاء حقبة الفصل العنصري، إلا أن شعبيته بدأت تتآكل شيئا فشيئا، وتراجعت مقاعده في البرلمان منذ انتخابات 2009 بسبب عدم رضا الناخبين عن أداء الحكومات المتتالية في معالجة مشكلات رئيسية مثل الفقر والبطالة والجريمة، فضلا عن الإحباط المستشري بسبب استمرار الفساد والفضائح المرتبطة ببعض قياداته والانقسامات الداخلية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية