محمد حسنين هيكل

Egyptian journalist Mohamed Hassanein Heikal seen during his TV show inside the Aljazeera channel's studio, in Cairo, Wednesday 04 April 2007. Heikal was for many years the editor-in-chief of the Cairo newspaper Al-Ahram and has been a respected commentator on Middle East affairs for more than 50 years. In 1983, he started working for Aljazeera Channel. Haikal generally discusses information he acquired during his years as a journalist, historian, and a player in the political arena in Egypt's modern history. EPA/KHALED EL-FIQI

محمد حسنين هيكل إعلامي مصري بارز ولد في عهد الملك فؤاد الأول وعاصر الملك فاروق آخر ملوك مصر، وتفاعل مع سبعة رؤساء في عهد الجمهورية. بدأ مساره المهني أيام الحرب العالمية الثانية، وسطع نجمه مع رفيق دربه الرئيس جمال عبد الناصر وكان ظله الذي لا يفارقه ومستشاره الشخصي ويده الإعلامية الضاربة، وقف ضد حكم الرئيس محمد مرسي، وأيد انقلاب عبد الفتاح السيسي، وهو ما جلب عليه نقمة معارضي الانقلاب.

المولد والنشأة
ولد الصحفي المصري البارز محمد حسنين هيكل يوم 23 سبتمبر/أيلول 1923 بحي الحسين في القاهرة، بينما تعود جذور أسرته إلى قرية باسوس في القليوبية. لديه ثلاثة أبناء أحدهم طبيب والآخران رجلا أعمال.

التجربة الإعلامية
دشن هيكل حياته الإعلامية مبكرا عام 1942 داخل صحيفة "إيجبشن غازيت" صحفيا تحت التمرين بقسم الحوادث.

بدأت مواهب هيكل في مجال الإعلام تظهر داخل الإيجبشن غازيت، واشتهر عنه إنجاز تحقيقات صحفية بارزة بينها تحقيق أجراه حول البغاء في مصر بعدما أصدر وزير الشؤون الاجتماعية وقتئذ عبد الحميد حقي قرارا بإلغاء البغاء الرسمي في البلاد باتفاق مع الإنجليز، وذلك بعد إصابة بعض من جنود الحلفاء بأمراض جنسية. وبما أن رأي الجنود كان معروفا، فإن الجريدة كلفت هيكل بإبرز وجهة نظر البغايا ونجح في ذلك، وقد حكى هيكل القصة في العدد رقم 546 من مجلة "آخر ساعة".

كما كلف هيكل بتغطية بعض معارك الحرب العالمية الثانية من خلال زاوية معالجة مصرية، فتوجه إلى منطقة العلمين ووصف المعارك التي دارت فيها بين قوات الحلفاء والمحور.

وتتالت التغطيات التي نشرها هيكل في الجريدة التي كان يعمل بها، مما جعل الإعلامي المصري الشهير محمد التابعي رئيس تحرير "آخر ساعة" وقتها يقترح عليه الانتقال للعمل معه فيها عام 1944، قبل أن يشتريها لاحقا مصطفى وعلي أمين مؤسسا "أخبار اليوم".

وداخل "آخر ساعة" أنجز هيكل عدة تحقيقات وكتب عدة مقالات حققت له شهرة واسعة، جعلته يفوز بجائزة الملك فاروق. فقد غطى أحداثا دولية بارزة بينها حرب فلسطين، وانقلابات سوريا وإيران، واغتيال الملك عبد الله في القدس، وكذلك رياض الصلح في عمان، وحرب كوريا وحرب الهند الصينية الأولى.

وبناء على مقترح من رئيس تحرير "آخر ساعة" علي أمين، ترأس هيكل المجلة عام 1952 وعمره لم يكد يتجاوز 29 عاما.

بعد حركة العسكر عام 1952 والتي عرفت لاحقا بثورة 23 يوليو التي أنهت الحكم الملكي في مصر بإسقاط الملك فاروق الأول، عرف مسار محمد حسنين هيكل انعطافة نوعية تحول بسببها من صحفي معروف إلى رجل دولة ويد يمنى للرئيس جمال عبد الناصر.

في تلك المرحلة، انتقل هيكل إلى جريدة "الأهرام" رئيسا لتحريرها ومسؤولا عنها حيث استمر في المنصب نفسه إلى حدود 1974، ونجح في نقلها من جريدة معروفة إلى إحدى أهم المطبوعات في الوطن العربي والعالم.

وبفضل دعم الرئاسة المصرية له، وخاصة بعد تأميم الصحف، أصبحت الأهرام إمبراطورية اقتصادية تصدر المطبوعات ولديها أنشطة اقتصادية مختلفة.

كما أنشأ هيكل داخل الأهرام مجموعة مراكز بحثية مثل مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.

واشتهر هيكل في الأهرام بعموده الذي حمل عنوان "بصراحة"، وكان يلخص فيه مواقفه من القضايا المحلية والإقليمية والدولية، وأكد مرارا أنه لم يكن يحصل على أفكار مقالاته من جمال عبد الناصر رغم أنه كان يطلع على التقارير الأمنية والسياسية التي يبعث بها السفراء والمسؤولون، إلى جانب نقاشاته المستمرة والمفتوحة مع "الريّس".

وحاول "الريّس" عبد الناصر تتويج علاقته بصديقه بتنصيبه في منصب وزاري أربع مرات في 1956 و1958 وبعد الانفصال عن سوريا، وإثر هزيمة 1967، لكن هيكل أكد أنه ظل يرفض العرض مفضلا الاحتفاظ بمنصبه في الأهرام.

لكن وبعد طول رفض للمناصب الرسمية، عُين هيكل وزيرا للإرشاد عام 1970 بقرار من عبد الناصر دون استشارة هيكل، وأخبره لاحقا أن القرار جاء في ظرف دقيق يتميز بحرب استنزاف ضد إسرائيل، فكان بحاجة إلى دور واضح ودقيق يؤديه رفيقه هيكل.

وإلى جانب وزارة الإرشاد، أضيفت إلى هيكل مهام وزارة الخارجية لفترة قصيرة.

وبعد وفاة عبد الناصر وتدهور العلاقات بين السادات وهيكل، أصدر الرئيس المصري يوم 2 فبراير/شباط 1974 قرارا بنقل هيكل من الأهرام إلى العمل مستشارا للرئيس، لكن هيكل رفض القرار وانسحب، وشرع في كتابة مقالات وتحرير كتب خارج مصر.

مواقف ورؤساء
علاقة محمد حسنين هيكل مع جمال عبد الناصر كانت علاقة وطيدة، لدرجة أصبح فيها الصحفي اليد الإعلامية والاستشارية الضاربة للرئيس.

فمنذ لقائهما الأول في حرب فلسطين التي شارك فيها عبد الناصر، لم تكد لقاءاتهما تنقطع قبل الإطاحة بالملك فاروق، واستمرت وتوطدت بعد الإطاحة به، ثم أصبحت في مستوى ذابت فيه الفوارق بعد سيطرة عبد الناصر على الحكم ووضعه محمد نجيب -أول رئيس لمصر- رهن الإقامة الجبرية عام 1954.

فقد ظل هيكل يرافق الرئيس كظله أينما حل وارتحل داخل مصر وخارجها، واستطاع من خلال ذلك تكوين شبكة علاقات واسعة مع رؤساء ووزراء ومسؤولين في دول العالم المختلفة.

وخلال تلك الفترة جعل "الأهرام" في خدمة التوجه العام للنظام الحاكم، وإن كان هيكل سبق أن أكد في حوارات صحفية أنه كتب ونشر مواد صحفية ومقالات وكتبا له ولغيره تنتقد دور المخابرات في عهد عبد الناصر، وتكشف الخروقات الحقوقية المرتكبة في حق المواطنين.

وقد لخص الكاتب الراحل أنيس منصور طبيعة العلاقة بين الرجلين في حوار مع الفضائية المصرية "أون تي.في" يوم 21 أغسطس/آب 2011، قال فيه إن "هيكل كان مفكّر عبد الناصر، وصاغ الفكر السياسي للزعيم في هذه الفترة، ولم يحصل أي شخص على هذا الدور، وأكاد أقول إن عبد الناصر من اختراع هيكل".

وبعد وفاة "الريّس" عبد الناصر عام 1970، وعلى الرغم من أنه كان واضحا للجميع أن العلاقة بين السادات وهيكل لن تكون حتى قريبة من المستوى الذي عرفته أيام "ناصر"، فإن هيكل دعم السادات بقوة، خاصة خلال السنوات الثلاث الأولى من حكمه، وكتب سلسلة مقالات يشيد فيها بالرئيس الجديد واختياراته السياسية "التي ستجعل من أنور السادات -بإذن الله- قائدا تاريخيا لشعبه وأمته".

كما أيد هيكل السادات في حربه ضد مراكز القوى المتمثلة في الرجال الأقوياء الذين حكموا أيام عبد الناصر وكانوا يعارضون سياسة السادات، حيث انتهت المعركة بين الطرفين بفوز ساحق للسادات.

غير أن العلاقات بين "الرّيس" الجديد وهيكل ساءت بشكل واضح بعد انتهاء حرب 1973، وبلغت درجة إصدار قرار رئاسي يوم 2 فبراير/شباط 1974 بنقل هيكل من الأهرام إلى الرئاسة مستشارا، وهو ما اعتذر عنه.

وفي العام 1978 سحب منه جواز سفره ومنع من مغادرة مصر، وحوّل إلى التحقيق بناء على لائحة قدمها وزير الداخلية آنئذ النبوي إسماعيل، وبدأ معه التحقيق بتهمة نشر مقالات تسيء إلى مصر.

غير أن الأزمة بلغت أوجها في سبتمبر/أيلول 1981 عندما صدر قرار من السادات باعتقال هيكل ووضعه في السجن، ضمن حملة شملت كتابا ومثقفين وناشطين سياسيين، قبل أن يفرج عنه إثر مقتل السادات في حادث الاغتيال الشهير يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه.

وبعد تربعه على عرش مصر، التقى الرئيس الجديد محمد حسني مبارك بهيكل لنحو ست ساعات كما حكى هيكل نفسه في كتاب "من المنصة إلى الميدان.. مبارك وزمانه"، حيث حاول مبارك الاستفادة من خبرة هيكل، الصحفي ورجل الدولة ذي الخبرة الواسعة والعلاقات المتشابكة محليا ودوليا، غير أن المياه لم تجد لها مجاري بينهما، ليحصل نوع من "التنافر" بين الطرفين.

ومما زاد الطين بلة بينهما سلسلة الكتب والمقالات والمحاضرات التي كان ينشرها هيكل وينتقد فيها النظام الجديد، خاصة ما تعلق منها بالسعي نحو التوريث. 

يعتبر هيكل نفسه ممن لعبوا دورا ما خلال ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بدعوته المجلس العسكري ليحسم الموقف بغرض تهدئة الشارع، بينما يتهمه خصومه بأنه "اختفى" طيلة أيام الاحتجاجات ضد حكم مبارك، ليعود بعد نجاح الثورة للحديث عنها في حلقات تلفزيونية بمحطة فضائية مصرية.

وعندما انتخب الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر عام 2012، التقى بهيكل في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وناقش معه الأوضاع الداخلية والخارجية، حيث اقترح عليه هيكل -حسب ما نشر في الإعلام وقتها- إجراء حوار وطني مفتوح مع القوى السياسية المختلفة دون استبعاد أحد.

غير أن خصوم هيكل يتهمونه بتحريض الإعلام والعسكر ضد حكم مرسي، كما يتهمونه بدعم حركة تمرد من خلال تقديم نصائح مباشرة لها عبر الفضائيات.

وعندما خرج الغاضبون على حكم الرئيس المنتخب في مظاهرات يوم 30 يونيو/حزيران 2013، اعتبر هيكل ذلك استفتاء لصالح السيسي، وأعلن عبر التلفزيون أن تلك المظاهرات ليست انقلابا وأن الجيش يحمي العملية الديمقراطية دون التدخل فيها.

ويتهمه الخصوم بدعم السيسي الذي سارع إلى تنفيذ الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب يوم 3 يوليو/تموز 2013، والشروع في حملة واسعة لاعتقال عشرات الآلاف من معارضي الانقلاب العسكري سواء أكانوا إخوانا أم مستقلين. سبق ذلك وأعقبه وقوع مجازر في حق المعتصمين أمام الحرس الجمهوري وميداني رابعة والنهضة.

وعندما نُفذ الانقلاب ونُصّب عدلي منصور رئيسا مؤقتا، التقاه هيكل يوم 7 يوليو/تموز 2013 وناقش معه الأوضاع الداخلية التي تمر بها البلاد. 

وقد عبر هيكل في أكثر من مناسبة عن إعجابه الكبير بالسيسي، كما لم يتوان عن الخروج في مهام لصالح نظامه، بينها زيارة شهيرة إلى دولة الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.

ووجهت انتقادات لاذعة لهيكل بسبب دعمه الكامل لعبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع ورئيسا لمصر.

المؤلفات
أصدر هيكل أول كتاب له عام 1951 وحمل عنوان "إيران فوق بركان"، ثم ما لبثت أن تتالت مؤلفاته التي حظيت بمتابعة واسعة داخل الوطن العربي وخارجه، وترجمت إلى لغات مختلفة، وأثار بعضها انتقادات واسعة.

ومن بين تلك الكتب "السلاح والسياسة"، و"خريف الغضب"، و"مدافع آية الله.. قصة إيران والثورة"، و"من المنصة إلى الميدان.. مبارك وزمانه"، و"لمصر لا لعبد الناصر"، و"زيارة جديدة للتاريخ"، و"الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية.. المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل"، و"ملفات السويس"، و"سنوات الغليان"، و"حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر"، و"عبد الناصر والمثقفون والثقافة".

كما صدر له أيضا "كلام في السياسة"، و"الإمبراطورية الأميركية والإغارة على العراق"، و"الزمن الأميركي من نيويورك إلى كابل"، و"العروش والجيوش.. كذلك انفجر الصراع في فلسطين 1948-1998: قراءة في يوميات الحرب"، و"قصه السويس.. آخر المعارك في عصر العمالقة"، و"أزمة العرب ومستقبلهم".

الوفاة
توفي محمد حسنين هيكل يوم الأربعاء 17 فبراير/شباط 2016 عن عمر ناهز 93 عاما بعد صراع مع المرض.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية