شعار قسم ميدان

كيف يتشابه استبداد ابن سلمان مع جده عبد العزيز آل سعود؟!

midan - main
اضغط للاستماع


"محمـد بن سلمان سيّد كل شيء"!

(صحيفة بلومبيرج، 21 أبريل/نيسان 2016م)

   

في 21 (يونيو/حزيران) من العام الماضي 2017، أصدر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود قراره بعزل ولي العهد محمـد بن نايف بن عبد العزيز وتعيين ابنه محمـد بن سلمان الذي كان منذ العام 2015 يشغل منصب ولي وليِّ العهد مكانه، ومنذ تلك اللحظة توارى الملك سلمان إلى الظل ليجمع ابنه الأثير محمـد صلاحيات لم يجمعها ولي عهد من قبله، فقد أصبح مطلق التصرف في العزل والتعيين، واستطاع عقب مدة قصيرة للغاية من ولاية العهد أن يجعل كلا من وزارة الدفاع والداخلية والحرس الوطني والاستخبارات وأمن الدولة خاضعة بصورة مطلقة لأوامره وتصرفه، الأمر الذي جعل صحيفة بلومبيرج الاقتصادية تصفه بأنه "سيد كل شيء"!

 

كذلك كان الجد المؤسس عبد العزيز آل سعود يجمع في يديه صلاحيات واسعة لحاكم مُطلق التصرف، وبين الحفيد والجد ثمة تشابهات مثيرة جعلتنا نغوص أكثر لمعرفة حقائقها وأسبابها، لنرى أن الرجلين اجتمعا على أمور بعينها كانت عاقبتها أليمة وفادحة على بعض جيران المملكة، فضلا عن العداء لبعض دول الإقليم، ثم لسياسة الرجلين في الداخل، فكيف كانت التشابهات؟ وكيف تعامل معها الرجلان؟!

   

الانقلاب على رجال الدين!

"لن نُضيع ثلاثين سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف نُدمّرهم اليوم وفورا".

(محمد بن سلمان، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017 م)

 

في أواسط العقد الثاني من القرن العشرين، وفي أثناء حروب عبد العزيز آل سعود بدعم من القوات البريطانية ضد آل رشيد ومن خلفهم الدولة العثمانية لطردها بصورة نهائية من الجزيرة العربية، رأى ابن سعود أن إحياء الفكرة الدينية من خلال تنظيم ديني مسلح كامل الولاء للأيديولوجية الوهابية سيكون عامل قوة وجذب له، وهي الفكرة التي أفاد منها أجداده في الدولة السعودية الأولى والثانية.

  

الملك عبد العزيز آل سعود  (مواقع التواصل)
الملك عبد العزيز آل سعود  (مواقع التواصل)

   

ومن اللافت أن العلامة ابن خلدون أشار إلى ذلك قبل سبعة قرون حين جعل عنوان الفصل السابع والعشرين من مقدمته "في أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة"[1]، فقد لاحظ ابن خلدون أن العربي والبدوي في الصحراء يكون طبعه أقرب للتوحش، وأصعب للانقياد بسبب الأنفة والمنافسة في الرئاسة، وقد رأى أن الفكرة الدينية تجمع العرب، وتؤلف كلمتهم على إظهار الحق، وحصول التغلّب.

 

وقد فهم عبد العزيز آل سعود هذه الحقيقة جيدا من خلال التجربة والمعارك المتواصلة في الصحراء، ورآها جديرة بالاهتمام والتطبيق، وحققها بالفعل عن طريق إقامة مجمعات سكانية ثابتة في أرجاء نجد لحركة "إخوان من أطاع الله"، التي كانت بمنزلة المدن الدينية المؤدلجة بصورة تامة، والتي كانت على استعداد دائم للقتال في "سبيل الله"، حتى أضحت هذه الحركة السبب الرئيسي في توحيد الجزيرة العربية لابن سعود، وإسقاط إمارة آل رشيد، ومملكة الشريف حسين في الحجاز، وإرهاب الكويت، فضلا عن العراق والأردن، وجنوب الجزيرة العربية.

  

وحين توحدت الجزيرة العربية تحت رئاسة ابن سعود، انتهت حركة "إخوان من أطاع الله" من مهمتها، وقد أدت الغرض الذي أنشأها عبد العزيز من أجله، وكان عدد مجاهديها قد بلغ 400 ألف مقاتل، حاول ابن سعود تقليص نفوذهم بدعم من بريطانيا، والحد من فكرة "الجهاد" التي زرعها في عقولهم، وآمنوا بها إيمانا عميقا، فكانت النتيجة دخوله في صراع مع أبرز قادتها زعيم قبيلة مطير فيصل الدويش، وزعيم قبيلة العجمان سلطان بن بجاد وآخرين، بدعم من التسليح والمعدات البريطانية، فضلا عن سلاح الجو البريطاني الذي كان كلمة الفصل في معركة "السبلة"[2] بين منطقتي الأرطاوية والزلفى بنجد، والتي انتهت إلى أسر ذراع ابن عبد العزيز اليمنى الأمير فيصل الدويش، ومقتله في السجن بعد ذلك بعامين سنة 1931م جراء مرضه العضال، وهو يشكو إلى الله من ظلم ابن سعود، وانقلابه على "إخوانه"[3].

  

بل إن هناك رواية أخرى تؤكد أن فيصل الدويش قُتل نتيجة التعذيب في سجن المصمك بالرياض، وكانوا يعلقونه من رجليه ويديه ويتركون أحد العبيد يضغط بيديه على حلقه حتى يُغمى عليه، وكانوا لا يقدمون لهم طعاما ولا ماء إلا مرة واحدة، فمات الدويش جراء تقيؤ الدم من أثر التعذيب، والإهمال المتعمّد من ابن سعود في علاجه[4]!

   

 
 "فيصل الدويش" أمير قبائل مُطير، والرجل الأقوى في حركة "إخوان من أطاع الله"  (مواقع التواصل)

 

والأمر ذاته لا يخلو من مفارقة مع الحفيد محـمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ذلك الشاب الذي يتطلع إلى مُلك العربية السعودية، فقد اتخذ عدة إجراءات كانت إعلانا صريحا بالانقلاب على مبادئ الدولة السعودية حين أعلن عن إنشاء "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف" المعروف باسم "اعتدال" في 21 مايو/أيار 2017م في قمة الرياض التي حضرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهي الذريعة التي بسببها فتحت السعودية الباب على اعتقال كبار العلماء والدعاة بتهم الإفساد في الأرض، والإرهاب وغيرها[5]، وفيهم من لم يُعرف عنه التشدد طوال حياته مثل سلمان العودة وعبد العزيز الطريفي والعُمري وغيرهم.

  

بل إن ابن سلمان قرر تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هؤلاء "المطاوعة" الذين كانوا على الدوام عماد الدولة السعودية في كافة أطوارها ومراحلها التاريخية منذ بزوغ فجر العربية السعودية في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي[6]، وفي الأشهر الأخيرة كانت ثمة مناقشات حول إلغاء الهيئة بالكلية، بالتوازي مع إنشاء "الهيئة العامة للترفيه" والتي أُنشئت في إطار رؤية ابن سلمان للسعودية وخطة تطويرها المعروفة بخطة "2030"، ولأول مرة تُقام حفلات غنائية ومسرحية مختلطة في المملكة السعودية التي عُرفت على الدوام بالحفاظ على الآداب العامة والأخلاق.

  

(رأي عدد من السعوديين في هيئة الترفيه السعودية)

  

وأكثر من ذلك، فإن ابن سلمان يسعى بالتحالف وإبرام اتفاقية مع الأميركان إلى تغيير المناهج السعودية والتوجه بها نحو اللبرلة الكاملة، ففي معرض استجواب وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون في الكونغرس حول ما الذي تقوم به الولايات المتحدة ووزارة الخارجية على الخصوص تجاه مراقبة وتغيير المناهج السلفية الوهابية، وحقيقة "الادعاءات" السعودية في هذا الجانب، فإن الوزير أجاب:

  

"إحدى نتائج قمة الرئيس بالرياض كانت إنشاء مركز لمكافحة الخطاب الإسلامي المتطرف بالسعودية، والمركز له عدد من العناصر لمهاجمة التطرف حول العالم، وأحد العناصر التي تفقدناها معهم وقد أخذوا (أي السعوديين) خطوات بشأنها؛ هي أن ينشروا كتبا دراسية جديدة تُدرّس في المدارس الموجودة في المساجد حول العالم، هذه الكتب ستحل محل الكتب الدراسية الموجودة هناك اليوم، والتي تروّج للفكر الوهابي المتطرف، والذي يبرر العنف، وقد طالبناهم ليس فقط بنشر الكتب المدرسية الجديدة، ولكن بسحب الكتب القديمة حتى نستعيدها، وكذلك كيفية تدريب الأئمة الشباب بمراكز التعليم الإسلامية، ونحن نعمل معهم اليوم مع تأسيس هذا المركز الجديد، بما في ذلك المعايير التي سنحاسب عليها، وهذه إحدى المهام التي تعمل فيها وزارة الخارجية الأميركية مع السعودية".

  

  

حصار الجار.. من شيم السعودية!

"مشكلة قطر صغيرة جدا جدا جدا"

(محمـد بن سلمان، في 25 يناير/كانون الثاني 2017م)

    

في 5 يونيو/حزيران 2017م وبصورة مفاجئة أعلنت السعودية والبحرين والإمارات ومصر مقاطعة ومحاصرة قطر بإغلاق المنافذ البحرية والأرضية والجوية، بحجة ارتباط قطر بأفراد وكيانات إرهابية، فضلا عن الاختراق الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية، وبث أخبار كاذبة على لسان أمير دولة قطر، اعتُبرت معادية لدول الحصار[7].

  

واضطرت قطر من ناحيتها إزاء هذا الهجوم المبيت له إعلاميا، والذي ربما كان سيتطور إلى التدخل العسكري، إلى تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك مع تركيا، وإرسال جنود أتراك مع معداتهم العسكرية إلى القاعدة التركية في البلاد، وعلى مدار أشهر طويلة لا تزال تمارس الدول الثلاث وعلى رأسها العربية السعودية حصارا جويا وبريا وبحريا أدى إلى التضييق الشديد على السكان والمدنيين المقيمين في الدولة القطرية.

  

وبحسب بعض المحللين فإن مطالب دول الحصار كانت مسّا بسيادة قطر، وأكثرها تعجيزي، وصاحبها لغة التهديد والوعيد والاحتقار والنبذ، فقد كتب وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي -في تغريدة له على تويتر- بأن "الشقيق (قطر) كان من الأعقل أن يتعامل مع مطالب ومشاغل جيرانه بجدية، دون ذلك فالطلاق واقع".

  

(تصريح أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي)

  

وبحسب مجلة "ذا ناشونال إنترست"[8] الأميركية فإن اتهام السعودية بقيادة ابن سلمان لقطر بدعم الإرهاب إنما يعكس شعوره بالقلق والخوف من منافسة الدوحة إقليميا، ومن اللافت أن ابن سلمان اعتبر في مقابلة له مع وكالة رويترز في 26 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2017م أن "مشكلة قطر صغيرة جدا جدا جدا"[9] في تقليل وتحقير للجار الذي طالما ارتبطت بينهما العلاقات برباط الجغرافيا والتاريخ وعلاقات النسب والدين وغيرها، وللعام الثاني على التوالي تستمر السعودية في إغلاق المنفذ البري الوحيد بين البلدين.

  

واللافت أن هذه المشكلة نراها بعينها في عصر جد ابن سلمان، الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود حينما حاصر دولة الكويت لمدة عشر سنوات كاملة، واقتطع ثلثي أراضي الكويت نتيجة الغارات السعودية في عشرينيات القرن العشرين، وضمها إلى الأراضي السعودية، بل سفكت قوات السعوديين دماء الكويتيين في معركة الجهراء سنة 1920م، وكادت أن تصل إلى العاصمة الكويت، لولا مرابطة الشيخ سالم المبارك آل صباح في القصر الأحمر بالجهراء رغم الهزيمة الثقيلة لقواته، ولولا التدخل البريطاني طبقا لمعاهدة الحماية بين الطرفين لاحتل السعوديون الكويت، وضموها بكاملها إلى أراضيهم، وقد ترتب على هذه المعركة عقد اتفاقية العقير سنة 1922م لتعيين الحدود بين البلدين برعاية بريطانية[10].

  

الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت ما بين (1917- 1921م) (مواقع التواصل)
الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت ما بين (1917- 1921م) (مواقع التواصل)

  

وبرغم المشاروات التي كانت تُعقد بين الطرفين لإبرام اتفاقية سلام بين الكويت وآل سعود، فإن عبد العزيز طالما رأى الكويت مركزا مزدهرا وقويا للتجارة في الخليج العربي، وبفضل هذه التجارة الرائجة أصبح لدولة الكويت اقتصاد قوي تسبب في حسد السعوديين على هذه المكانة التي وصلت إليها الكويت، وطمعا منهم في الحصول على بعض من هذه الأرباح.

 

ونتيجة لذلك أرسل ابن سعود إلى شيخ الكويت الجديد أحمد الجابر الصباح يخبره بعزمه على منع رعاياه من التجارة مع الكويت إلا إذا رضخ الكويتيون لمطالبه الثلاثة وهي: إقامة موظفين سعوديين بالكويت لجبارية الرسوم الجمركية على البضائع الخارجة منها إلى نجد، ودفع شيخ الكويت ما يقابل قيمة الرسوم التي تُفرض على التجارة، وتعيين موظفين من قبل شيخ الكويت لتحصيل الرسوم وتسليمها لابن سعود[11].

 

وبالطبع رأى الشيخ أحمد الجابر هذه الشروط تعجيزا وإهانة شديدة للكويت، ومسا لسيادتها، وضربا لاقتصادها، وبالرغم من اتفاقية العقير بين الجانبين سنة 1922م، والتي اعتُبرت بمنزلة اتفاق سلام بين الجانبين، فإن عبد العزيز آل سعود بدأ شن حرب اقتصادية استمرت 14 عاما منذ 1923 إلى 1937م[12]، وفي غضون ذلك الحصار لم تكن الغارات السعودية تتوقف على الكويت برغم معاهدة السلام المبرمة في العقير بين الجانبين سنة 1922، حتى سنة 1930م حين انقلب ابن سعود على حركة "إخوان من أطاع الله" بدعم من بريطانيا.

  

من الوثائق البريطانية للخليج العربي بشأن حصار السعودية للكويت زمن الملك عبد العزيز (مواقع التواصل)
من الوثائق البريطانية للخليج العربي بشأن حصار السعودية للكويت زمن الملك عبد العزيز (مواقع التواصل)

      

وبحسب المؤرخ راشد الفرحان فإن الحصار كان وبالا على الكويت، يقول: "أما الكويت فقد لحقت بها أضرار اقتصادية وتجارية من جراء هذا العمل الذي علّله ابن السعود من عدم حصوله على الضريبة الجمركية من رعاياه في الكويت، وهو عذر لا ينفع لإحداث مثل هذه المشكلة، وإلحاق الضرر بالكويت وأهلها مع علمه به، وتحت سمعه وبصره"[13].

 

العداء مع تركيا

"العثمانيون وإيران والجماعات الإرهابية هم ثالوث الشر".

(محـمد بن سلمان، 6 مارس/آذار 2018م)

  

في السادس من مارس/آذار هذا العام 2018م أعلن محمد بن سلمان في لقاء جمعه بعدد من الصحفيين المصريين خلال زيارته لمصر، عن الأعداء المشتركين لكل من السعودية ومصر، قائلا: "العثمانيون وإيران والجماعات الإرهابية هم ثالوث الشر"[14]، وبهذا أعلن ابن سلمان عن أن تركيا دولة تسبق في عدائها للعربية السعودية من حيث الترتيب إيران، وبسبب هذا التصريح الخطير خرجت السفارة السعودية في أنقرة بنفي رسمي له، على الرغم من تأكيده من قبل وسائل الإعلام والصحفيين المقربين من النظام المصري.

  

لم يكن من المستغرب أن يخرج هذا الإعلان من ابن سلمان بعدما قوّضت تركيا مساعي دول الحصار على قطر، وعلى رأسهم السعودية الشريك الأكبر في هذا الحصار، وأفشلت مساعيهم بالحماية العسكرية، والدعم الاقتصادي الفوري من خلال جسر جوي بين البلدين في الأيام الأولى من الحصار، لكن من اللافت أن العداء السعودي لتركيا متأصل في تاريخ نشأة السعودية الحديثة التي تآمرت مع البريطانيين على إراقة دم الأتراك العثمانيين وحلفائهم من آل رشيد[15] في الجزيرة العربية وهزيمتهم في الأحساء.

  

لذا؛ طالما أعلن عبد العزيز آل سعود عن نقمته وكراهيته واحتقاره للأتراك في العديد من رسائله مع حلفائه الإنجليز، وأن أكثر ما كان يُدخل على قلبه السرور والبهجة والفرح الغامر أن يسمع هزيمة الأتراك وسقوطهم وتراجعهم في الجزيرة العربية والعراق وغيرها.

  

أردوغان والسلطان عبد الحميد (مواقع التواصل)
أردوغان والسلطان عبد الحميد (مواقع التواصل)

    

وبحسب رسالة مؤرخة بالأول من سبتمبر/أيلول 1916م أرسل عبد العزيز آل سعود رسالة إلى المقيم السياسي البريطاني في البحرين الكابتن ترنشارد كرافن فاول، يشكره فيها لأنه أرسل إليه أخبار الحرب العالمية الأولى عن انتصارات البريطانيين في الجبهة، وهو مسرور لأن الجيش البريطاني قد أذل العثمانيين، يقول: "أحسنتم الإفادة بمعلومات الحرب والتلغرافات الواردة إليكم عن روتر (رويترز) كثير سرتني لموجب إذلال أعداء الجميع (العثمانيين)، ولا شك إن شاء الله أن صديقتنا الدولة البهية (البريطانية) وحلفاءها المنصورين على الأعداء، ودائما إن شاء الله توافونا بالأخبار الـمُسرّة، وانتصاراتكم الدائمة"[16].

  

وحينما كان موقف الأتراك يبدو قويا قُبيل الحرب العالمية الأولى، فإن مراسلات الإنجليز لعبد العزيز كانت تنصحه بالرضوخ للأتراك وإبداء بعض المرونة لهم بسبب ضغوط المرحلة، ففي رسالة مؤرخة بالأول من أبريل/نيسان 1914م أرسل عبد العزيز شاكرا المقيم السياسي البريطاني في البحرين الكابتن تريفور على نصائحه لابن سعود في كيفية تعامله مع العثمانيين، وأنه قَبِل هذه النصائح وسيعمل بها، ولن يُعلن استقلاله في الجزيرة العربية في تلك المرحلة[17].

  

وتبدو تلك الحالة من الانحناء الوقتي للعثمانيين آنذاك من عبد العزيز آل سعود، تبدو بتمامها هذه الأيام بين ابن سلمان الذي تحوم حوله الشبهات فيما يتعلق بمقتل الصحفي جمال خاشقجي وبين تركيا، فقد تراجع ابن سلمان عن وصف تركيا بأنها من دول "محور الشر"، وأعلن أن العلاقات بين البلدين لن يصيبها الضرر أو "الشرخ" طالما كان هناك ملك في السعودية اسمه سلمان بن عبد العزيز وولي عهد اسمه محمد بن سلمان، ورئيس لتركيا اسمه أردوغان، بحسب تصريحاته[18]. وهكذا ظلت تركيا في ضمير ابن سعود وابن سلمان دولة تكن لها السياسة السعودية التآمر والحقد الدفين، لا تتقارب وجهات النظر إلا في مراحل عابرة ولأجل المصالح، لكن آل سعود ظلوا يرون في تركيا ذات التوجه العثماني والإسلامي عدوا يجب استئصاله.

 

حرب اليمن.. الاستقواء على الضعيف!

"الحرب في اليمن كانت حتمية"

(محمـد بن سلمان، 3 مايو/أيار 2017م)

  

في أبريل/نيسان 2016م خرج السفير السعودي في واشنطن عبد الله بن فيصل آل سعود بتصريح أثار موجة من الغضب الشديد، ففي سؤال وجّهه أحد الصحفيين حول "هل ستتخلى السعودية عن قصف اليمن بالقنابل العنقودية؟"، رد السفير السعودي مؤكدا أن هذا السؤال شبيه بسؤال: "هل ستتوقف عن ضرب زوجتك؟"[19].

   

أثارت تصريحات السفير عاصفة من الانتقادات الشعبية اليمنية للسعوديين الذين شبّهوهم بالزوجة الناشز التي تستحق الضرب من زوجها كل حين، لكن من وراء المشهد يبدو التصريح معبرا بدقة عن الإستراتيجية والنظرة السعودية لليمن عبر تاريخ العلاقات بين الجانبين. وهي الإستراتيجية التي حدت بابن سلمان إلى اتخاذ قراره بإعلان الحرب على جماعة الحوثي تحت ما سُمي بـ"عاصفة الحزم" والتي تدخل عامها الثالث واليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية واقتصادية في تاريخه الحديث، فبحسب تصريحات وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك قبل أيام في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018، فإن 14 مليون يمني مهدّدون بقرب حدوث مجاعة كبرى في بلادهم، وهو ما يعني نصف سكان اليمن، وأن هذه المجاعة غير المسبوقة "أكبر من أي مجاعة تعامل معها المحترفون العاملون في هذا المجال على مدى سنوات عملهم"[20]، بحسب تصريح لوكوك.

  

أوضاع مرعبة لأطفال اليمن (مواقع التواصل )
أوضاع مرعبة لأطفال اليمن (مواقع التواصل )

    

وتحت ذريعة حرب الحوثي في اليمن، تمتد اليد السعودية لتبطش بتفوقها التسليحي الجوي بمدنيين عزّل، بما فيهم أطفال أبرياء أعلنت مرارا عن أسفها لسقوطهم بصورة غير متعمدة[21]، فضلا عن محاولاتها استغلال السيولة الأمنية والسياسية في البلاد لاستغلال أراضي اليمن لتحقيق المصالح السعودية، وآخرها محاولات السعودية مد أنبوب نفطي سعودي مارا بمحافظة المهرة اليمنية لتكون وجهته النهائية بحر العرب، الأمر الذي عارضه أبناء محافظة المهرة، وخرجوا في مظاهرات شعبية[22] احتجاجا على الاستهانة السعودية لسيادة بلادهم.

  

وحين نعود إلى زمن الملك عبد العزيز آل سعود، نرى النظرة الدونية السعودية ذاتها لليمن وأهله، فقد كانت منطقة عسير وأجزاء من تهامة تخضع لحكم أسرة الأدارسة بزعامة محمد الإدريسي، وكانت اتفاقية 1920م بين السعوديين والأدارسة تعترف باستقلالهم، وأثناء تمدد ابن سعود في الحجاز استغلت قوات الإمام يحيى اليمني هذا الأمر فاستولت على مراكز عسير الأساسية وهي جيزان وصبيا وأبو عريش، وكان إمام اليمن يرغب في ضم عسير كلها إلى حيث اعتبر المنطقة جزءا لا يتجزأ من اليمن.

  

وبسبب هذا الأمر اضطر أمير عسير الجديد الحسن الإدريسي إلى عقد معاهدة الحماية السعودية لإمارته في 21 أكتوبر/تشرين الأول 1926م، وقد استغل عبد العزيز آل سعود هذه المعاهدة لصالحه، في المقابل كان اليمنيون يرون أن الأدارسة مجموعة طارئة استولت على عسير التي طالما خضعت للحكم اليمني، وكان الخلاف بين الجانبين يتصاعد من عام لآخر، لذا أُجبر ابن سعود أمير عسير الحسين الإدريسي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1930م على عقد معاهدة جديدة حولت سلطة الأمير إلى مسألة شكلية، بل ونصّت المعاهدة على أن السلطة بكاملها ستُنقل كلية إلى آل سعود بعد وفاة الحسن الإدريسي، الأمر الذي اضطر هذا الأخير إلى اللجوء إلى الإمام يحيى في اليمن[23].

   

الإمام يحيى حميد الله حكم اليمن ما بين 1904 إلى 1948م. (مواقع التواصل)
الإمام يحيى حميد الله حكم اليمن ما بين 1904 إلى 1948م. (مواقع التواصل)

      

اشتعلت الأوضاع في عسير، وقامت انتفاضة ضد آل سعود في عامي 1931، 1932م، فتدخل السعوديون بقواتهم المسلحة حيث احتلت فرقة بقيادة خالد بن لؤي آل سعود وعبد العزيز بن مساعد آل سعود عسير بأكملها، وفشلت قوات الأدارسة أمام القوة السعودية، فانسحبت إلى اليمن، وفي أبريل/نيسان 1933م أثناء قمع انتفاضة القبائل المناوئة للإمام اليمني استولى ابنه أحمد على نجران لأن قبيلة يام التي تسيطر على المنطقة تُعتبر فخذا من قبيلة همدان اليمنية[24].

 

بعد فشل المفاوضات السلمية بين الطرفين، أقسم ابن سعود على إذلال اليمنيين، وبفضل الدعم البريطاني التسليحي، والقرض الذي كان قد تحصّل عليه من شركة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا" التي كانت تأخذ امتياز النفط السعودي آنذاك، تمكنت قوة بقيادة سعود بن عبد العزيز من الاستيلاء على نجران والمناطق المحيطة بها، وفرقة بقيادة فيصل بن عبد العزيز من الاستيلاء على تهامة وميناء الحديدة، وكان السعوديون على مقربة من الوصول إلى صنعاء ذاتها، وإزاء هذا التوغل السعودي في اليمن اضطر الإمام يحيى إلى التنازل عن عسير في مقابل انسحاب السعوديين من الأراضي التي استولوا عليها[25]، وبهذا استولى عبد العزيز آل سعود على أرض يمنية جديدة بقوة السلاح، وبالدعم البريطاني السخي!

  

هذه بعض أوجه الشبه بين محمـد بن سلمان وبين جده الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، إستراتيجية الرجلين في العداء تؤكد أن ابن سلمان لم يختلف عن جده في شيء؛ اللهم إلا في التسرّع والعجلة وعدم التحوط والسرية التي عُرف بها عبد العزيز آل سعود، وفي ابن سلمان يصدقُ المثل القائل: "مَن شابه أباه فما ظلم"!

المصدر : الجزيرة