شعار قسم ميدان

ذبحهم واستعبدهم.. الجانب الأسود لغزو "محمد علي" السودان

محمد علي باشا - ميدان
اضغط للاستماع


تطفو المشكلات السياسية بين مصر والسودان بين الحين والآخر، لا سيما وأن خطوط التماس بين الفريقين تبدو مشتعلة لأقل شرارة تُطلق من هنا أو هنالك، خاصة في ظل قضية حلايب وشلاتين، وفي أوج التقارب السوداني مع تركيا، حتى أعلن السودان منذ فترة النفير العام على الحدود مع أرتريا لوصول معلومات تفيد بوجود قوات مصرية تستعد لغزو السودان وهو ما نفته مصر لاحقا، فكيف كانت العلاقات بين مصر والسودان منذ القديم؟ وكيف رأى المصريون السودان في العصر الحديث؟

 

شمال السودان ولاية مصرية
كانت العلاقات بين مصر والسودان تقوم على التعاون التجاري وعلاقات حسن الجوار، تلك العلاقات التي رسخها المسلمون الفاتحون لمصر حين وقع الجانبان اتفاقية "البقط" في عهد عبد الله بن سعد بن أبي السرح سنة 31هـ/652م، إلى أن خضعت مصر للحكم المملوكي في منتصف القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، حينئذ أصبحت مصر قلب إمبراطورية إسلامية كبرى، حينها رأى السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس (658- 676هـ/1260- 1277م)، في أثناء الصراع الصليبي الإسلامي أن ضم بلاد النوبة والسودان إلى مصر يعتبر أمرا لا مفر منه، لاسيما وأن قوات النوبة المسيحية استغلوا انشغال الجيش المصري في تحرير الإمارات الصليبية في الشام، وهاجموا جنوب مصر، بل تمكنوا من دخول أسوان وقتل نائبها وسلب المدينة، ما اعتبره السلطان المملوكي بيبرس عملا عدوانيا يستلزم الرد[1].

 

خريطة مصر والسودان زمن الاحتلال البريطاني
خريطة مصر والسودان زمن الاحتلال البريطاني

تمكنت الإستراتيجية المملوكية التي لعبت على الصعيدين العسكري والسياسي على تفتيت الوحدة السياسة للنوبة، وضم فريق موالي للقاهرة، فضلا عن الهزيمة الثقيلة التي أنزلتها القوات المملوكية المصرية بالجيش النوبي، الأمر الذي ترتب معه ضم النوبة بصورة شبه رسمية ضمن السيادة المصرية حين أذعنت النوبة لشروط المماليك باقتسام ثروات البلاد حيث النصف للنوبة والنصف لمصر، وخضوع شمال السودان للإدراة المصرية المملوكية المباشرة[2].

 

استولى العثمانيون على الأقطار العربية بعد المماليك في القرن السادس عشر الميلادي، وخضعت سواحل البحر الأحمر السودانية للحكم العثماني لمدة أربعة قرون، دون تمكن منها في حكم المناطق الداخلية من السودان، حتى استطاع محمد علي في مستهل القرن التاسع عشر الميلادي الاستيلاء على حكم مصر بوضع استثنائي/شبه مستقل ضمن الدولة العثمانية، مكنه وأسرته من وراثة حكم مصر، وهو ما كان له أثره على السودان فيما بعد.

 

الوالي يحكم مصر
تمكن محمد علي من الاستيلاء على حكم مصر بخطة مدبرة تخلص فيها من المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة في 1811م، ثم القوى الدينية والاجتماعية التي كانت تمثل معارضة لحكمه المطلق أمثال نقيب الأشراف عمر مكرم وغيره، وحين تمكن محمد علي من الحكم في مصر التفت إلى الجيش وقد أراده جيشًا قويا على النمط الأوروبي الفرنسي الذي تأثر به كثيرا، يقول كلوت بك طبيب محمد علي الفرنسي، والمشرف على النظام الصحي الجديد حينذاك إن محمد علي "وضع يده على ما تركت فرنسا بمصر من التراث الثمين، فكان بجلائل فعاله خير تعزية لمجدنا العسكري، وأجمل سلوان لعلمائنا الفطاحل، ففي عصره نهضت مصر من كبوتها، وهبّت من سباتها"[3].

 undefined

كانت سيطرة الباشا على مصر، ومحاولاته المتكررة لتكوين جيش نظامي فيها قد شد إليه انتباه الدولة العثمانية التي رأت فيه قوة صاعدة، لذا طلبت منه أن يقضي على الدولة السعودية الوليدة في نجد، هذه الدولة التي قامت على أفكار الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مما اعتبره العثمانيون نوعا من الخروج عليها، وكثيرا ما وصفتهم في فراماناتها بالخوارج، الأمر الذي امتثله محمد علي، واستطاع بالفعل أن يهزم الدولة السعودية الأولى، ويسيطر ابنه إبراهيم باشا على عاصمتهم الدرعية سنة 1819م، بل ويأسر بعض أفراد تلك الأسرة الذين جاءوا في أغلالهم إلى القاهرة أسرى[4].

 

القوة أساس المُلك
كان محمد علي يدرك دائمًا أن وضعه كوالٍ لمصر يعتمد على قوته أكثر مما يعتمد على اعتراف السلطان ورضاه عنه، وعلى ذلك كانت إمكانية قيام السلطان بطرده من منصبه بالقوة إمكانية واردة تمامًا، ويرجع هذا التحسب وانعدام الثقة المتبادلان بين الباشا والسلطان محمود الثاني إلى السنوات المبكرة للغاية من ولاية محمد علي، فالسلطان السابق سليم الثالث لم ينس أن محمد علي كان قد تولى باشوية مصر ضد إرادته العليا، فقد أثبت محمد علي خلال الصراع على السلطة بين عامي 1803 و 1805م أنه أقدر القواد ذكاءًا وقوة في ولاية شديدة الأهمية وثرية مثل مصر، وكان على السلطان أن يقبل كرهًا واقع سيطرة محمد علي بالفعل على الأمور في القاهرة سواء أعجبه هذا أم لا[5].

 

أمام العلاقات غير الودية بين محمد علي وسلاطين العثمانيين رأى أن تكوين جيش قوي قادر على حماية مصر، بريا وبحريا، بل وعلى تحقيق أحلام الباشا التوسعية في السودان وسورية، أمرًا لا يجب التأخير فيه بحال، لذا بدأ في إنشاء نواة الجيش الأولى، وعهد بذلك إلى أحد أهم جنرالات الإمبراطورية الفرنسية المتقاعدين الكولونيل سيف، الذي أسلم فيما بعد وسمى نفسه سليمان باشا الفرنساوي[6].

 

قدم محمد علي إلى سليمان باشا 500 من مماليكه و500 آخرين قدمها له كبار رجال دولته، ليتفننوا على أساليب القتال الحديثة في المدرسة الحربية الجديدة بأسوان، وكانت مهمة الكولونيل الفرنسي شاقة وشبه مستحيلة لأن هؤلاء التلاميذ لم يألفوا أساليب التدريب الحديثة، بل إنهم تآمروا على قتله مرارًا، ولكنه بعد معاناة وصبر استمر في تدريبهم وجعلهم ضباطًا في خلال ثلاث سنوات، كانوا هم الأعمدة الأساسية والمفصلية للجيش المزمع إنشاؤه[7].

 

رأى محمد علي أن الأتراك والأرناؤوط لن يصلحوا كي يكون نواة لجيشه الذي يحلم به؛ فقد كانوا دائمي التمرد والقلاقل، ورأى أن أفضل السبل للتخلص منهم ولتحقيق هدفه أن يكونوا ضمن الحملة العسكرية المصرية إلى السودان.

 

بداية الغزو المصري ومجازر الشايقية
يجمع المؤرخون على أن حملة محمد علي باشا إلى السودان سنة 1820م كانت ذات أهداف متعددة، منها استغلال مناجم الذهب التي أشيع أنها متوافرة هناك، والاستعانة بالسودانيين في تكوين جيشه الجديد بعد تمرد الأتراك والأرناؤوط وأيضًا رغبة الباشا في القبض على من تبقى من أمراء المماليك الذين لجأوا إلى الصعيد ثم إلى السودان.

 

يروي مؤرخو السودان أن قبائل الشايقية في منطقة الشمال السوداني سمحوا للمماليك الفارين من مصر باحتلال الضفة الغربية من النيل، وتكوين مركز سياسي وتجاري لهم، حتى انقلب المماليك عليهم، وغدروا بكل الشايقية المقيمين في منطقة أرقو ثم أصبحوا يقومون مقامهم في الوصاية على منطقة دنقلا، واضطر الشايقية إلى الاعتراف بالأمر الواقع، وأصبحت المنقطة الواقعة في الضفة الغربية للنيل من الخندق إلى حنّك دولة جديدة للمماليك الهاربين من محمد علي، وسرعان ما زادت وازدهرت المدينة الجديدة التي سميت بدنقلا الجديد أو الأوردي "المعسكر"، وأدخلوا تحسينات اقتصادية كان لها أثرها على الزرعة بزيادة الانتاج وتشجيع زراعة القمح، وقام من كان معهم من مهرة الصنّاع بصنع مراكب شراعية جديدة وأصبح لدنقلا الجديدة مركز تجاري وسياسي وربما عسكري ممتاز[8].

 

لا شك أن وجود كيان سياسي معادي لمحمد علي في الجنوب على الحدود مع مصر كان سببا مهما وقويا في سحق هؤلاء المماليك الذين شكلوا منذ مذبحة القلعة وما قبلها عدوًا قويا يحد من طموحاته في الاستقلال والتوسع والاحتكار الاقتصادي.

 

محاربون من قبائل الشايقية - القرن التاسع عشر
محاربون من قبائل الشايقية – القرن التاسع عشر

حين انطلقت الحملة العسكرية المصرية بقيادة إسماعيل باشا ابن محمد علي وزوج ابنته محمد بك الدفتردار، كان هدفها جعل السودان من شماله إلى جنوبه ضمن السيادة المصرية، ولأجل تحقيق هذا الهدف كان تسليم السودانيين عربهم وحبشهم السلاح والخيول للقوة المصرية أمر لا مفر منه، وفي سبيل ذلك ارتكب اسماعيل باشا حماقات أودت في نهاية المطاف بحياته.

 

أعلنت قبائل الشايقية اعترافها بالحكم المصري في السودان، وبدفع الضريبة المقررة عليهم، لكنهم رفضوا تسليم سلاحهم، وقد ارتبطت هذه القبائل في السياسة المصرية آنذاك بأنهم حلفاء المماليك أعداء محمد علي؛ لذا ارتكب إسماعيل باشا في حقهم مجازر مروعة في البداية كانت بالرصاص، ثم استخدم المدافع وصار يدك قلاعهم، ولم يجد الشايقية بدا سوى التسليم لإسماعيل باشا، بل "وانخرطوا في سلك جيشه، وبدأت تلك المعاونة بينهم وبين الحكم الجديد معاونة استمرت كل أيام الحكم التركي – المصري حتى نشوب الثورة المهدية"[9].

 

قُتل إسماعيل باشا في السودان بسبب إهانته لملك شندي الذي استدرجه إلى وليمة أعدها على شرفه، وأعلن ظاهريا خضوعه له، لكنه أحرقه حيا ليثأر منه، وأخذ محمد الدفتردار منصب رئاسة الحملة بعد مقتل إسماعيل، ويتضح من الخطابات التي أرسلها محمد علي للدفتردار تلهفه لإرسال "العبيد"، يقول في إحدى هذه الخطابات: "ونأمل أن تبذلوا جوهر همتكم للحصول على العبيد بكثرة". وفي خطاب آخر يقول: "إن الأهم والألزم لنا هو الحصول على العبيد قبل كل شيء سواء من كردفان أو موردفان فقد وافيناكم بهذا الإشعار تكرارًا لأجل التأكيد"[10].

 

لسوء حظ محمد علي "فشا الموت في السودانيين فهلك الألوف منهم لعدم ملاءمة البيئة لهم من جهة، وضعفهم عن تحمل مشاق الخدمة العسكرية من جهة أخرى"[11]، حينذاك اتخذ الوالي خطوته التالية بقرار تجنيد المصريين.

 

لُعاب الوالي
كانت السودان قبل الغزو المصري في 1820م دويلات متفرقة متصارعة، اشتهرت بمناجم الذهب، وبتجارة الرقيق والتوابل في الوسط والجنوب، وكانت مناطق شمال السودان تخضع لحكم القبائل العربية المتصارعة، كما كانت القوافل المتجهة إلى مصر مضطرة إلى المرور بأرض العربان البدو الذين كانوا يهاجمون هذه القوافل وسلب تجارتها، "ففي السودان الشرقي كانت قبائل العبابدة والحلانفة وبني عامر تهاجم القوافل بين شاطئ البحر الأحمر والنيل، وفي الغرب تعرضت قوافل الكردفان ودارفور لسطو قبائل البقارة والكبابيش والبديات وغيرها، بينما كان الشايقية مصدر رعب وفزع للجلابين في الشمال"[12].

 

يصف محمد فؤاد شكري في كتابه المهم "الحكم المصري في السودان 1820- 1885م" فترة ما قبل الحملة المصرية سنة 1820م أوضاع السودان حينذاك بالمأساوية والتشرذم والاحتراب الأهلي، يقول: "كان لهذه الفوضى التي ضربت بجرانها في أنحاء السودان آثار عدة فقد شغل أصحاب الأمر في سنار والمشيخات والدويلات الأخرى بالتطاحن والتناحر فيما بينهم وأشركوا الأهلين في حروبهم إذ كانوا ينتزعون الرجال عنوة من القرى والدساكر والحقول لملء صفوف الجيوش، وبذلك أُهملت الزراعة، وكثرت المجاعات التي أودت بحياة مئات الألوف في سنار وكردفان خاصة"[13].

undefined

بيد أن التدخل المصري في السودان بأمر من محمد علي لم يكن لضبط الأمن فيها، وإنما لأغراض عدة منها تأمين التجارة مع مصر، فقد "كان من أثر اختلال الأمن في ربوع السودان، وما كان يلاقيه التجار من مخاطر في أثناء اجتيازهم طرق القوافل الذاهبة من النوبة وسنار وكردفان ودارفور أن صار الجلابون تجار القوافل يؤثرون الخروج بمتاجرهم صوب البحر الأحمر فرارًا من أعمال النهب والسلب التي كان يقوم بها الشايقية والعبابدة والحلانفة وبنو عامر والبقارة والكبابيش والبديات وغيرهم من القبائل المنتشرة في أنحاء السودان، وهكذا تحولت التجارة عن مصر فحرمت أرباحًا طائلة"[14].

 

ويؤكد عبد الرحمن الرافعي وهو من الممجدين للأسرة العلوية أن "ضمان سلامة مصر وتأليف وحدتها السياسية والاطمئنان على منابع النيل كانت من أهم البواعث التي حفزت محمد علي إلى فتح السودان، فإن ما اشتُهر به ذلك الرجل العبقري من بُعد النظر وصدق العزيمة لابد قد جعله يُقدّر أهمية السودان لمصر، ويُدرك أن الاستقلال (المصري عن الدولة العثمانية) لا يتحقق إلا إذا تملّكت مصر مجرى النيل من منبعه إلى مصبه"[15].

 

وهكذا كان للعامل الاقتصادي دوره في الغزو المصري للسودان، واللافت والمثير أن هناك آراءً أخرى رأت في التدخل المصري في السودان خدمة للقضية الإسلامية ووحدة الأمة في إطار الدولة العثمانية، يقول محمد شفيق غربال، وهو واحد من كبار المؤرخين المصريين في النصف الأول من القرن العشرين أن "الحكم المحمدي العلوي في السودان خلق من إمارات وقبائل متفرقة وطنًا إسلاميًا جديدًا، وهيأ لهذا الوطن مستقبلاً ووجودًا بين مناطق الأحباش والقبائل البدائية ومناطق الزحف الأوروبي الذي كان قد أخذ في الاقتراب نحو الأطراف الساحلية، ثم ربط هذا الوطن الجديد بالعالم العثماني الأكبر وحياة الإنسانية الحاضرة"[16].

 


الانفصال عن العثمانيين حلم الباشا

كان الدافع الاقتصادي، وتجنيد السودانيين في جيش محمد علي الجديد هدفه الأساسي تقوية مركزه في مصر في مواجهة العثمانيين، وعلى الرغم من أن محمد علي كان متمتعا بأفضل الامتيازات السياسية ضمن إطار الدولة العثمانية، وفي المقابل إذعانه لفرامانات الباب العالي بالتدخل لحرب السعوديين في نجد ثم للقضاء على ثورة اليونان في حرب المورة، فإن حلم الاستقلال ظل يراوده، وللحق فإن كل حاكم مستقل كان له فائض من القوة في التاريخ كان يسعى لتحقيق أهدافه وعلى رأسها التوسع على حساب جيرانه الضعفاء كما فعل محمد علي في حملتيه على السودان ثم سورية فيما بعد.

 

يرى بعض المؤرخين أن القوى الكبرى لم تكن بعيدة عن الصراع بين محمد علي والدولة العثمانية، فهدفهم في ذلك إضعاف العثمانيين ودعم الحركات الاستقلالية المحلية في الأقطار العربية، ولم تكن هذه القوى بعيدة عن توسعه في السودان وسورية، فبريطانيا على وجه الخصوص لم تكن بريئة من المشاركة بإسداء النصح لمحمد علي – إن لم تكن هي مصدر الإيحاء الرئيسي – حيث لم يكن من قبيل الصدفة أن يسافر قنصلها في مصر هنري سالت "Henry Salt" إلى لندن في نفس أو قُبيل بدء الغزو المصري للسودان، لإجراء مشاورات لا يمكن كتابتها على أوراق البرقيات، وقد أبلغ سالت "salt" محمد علي أن توسعه لفتح الحبشة غير مرغوب فيه من قبل إنجلترا، فأجابه الباشا: "رغم أن هذه المنطقة مليئة بالذهب والمجوهرات، وإن فتحها مؤكد فإنها يختار التخلي عنها محافظة على علاقته ببريطانيا العظمي". ويُعقّب "salt" على ذلك بقوله: "لم أعهده مُطلقًا يُعطي كلمة لنا وهو لا يعتزم الوفاء بها"[17].

 

لم يكن من المستغرب في ظل الصراع بين محمد علي والدولة العثمانية، وفي السنة التي استولى فيها محمد علي على سورية سنة 1831م، أن تتمكن فرنسا من إسقاط إحدى أهم ولايات الدولة العثمانية في الغرب "الجزائر"، وهكذا نجح التخطيط الغربي في الوقيعة بين محمد علي والسلطان العثماني في تحقيق مآربهم بإضعاف جسد هذه الدولة، وقطع ولاياتها، كان الاستقلال بمصر يراود خيال محمد علي، وقد حققه فعليا بصورة شبه واقعية بالامتياز الذي حصل عليه بعد غزوه الأناضول وهزيمته من قوات الحلفاء وعلى رأسها بريطانيا التي وقفت مع العثمانيين لتحقيق التوازن الإستراتيجي، فظل مدينا للدولة العثمانية اسميا، وبقيت مصر وراثة لابنائه وأحفاده من بعده، حتى سقطت تحت الاحتلال الانجليزي سنة 1882م، ثم أعلنت رسميا مصر تحت الانتداب البريطاني في بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، وخلع الخديو عباس حلمي الثاني الذي والى العثمانيين ودان لهم بالطاعة، وهكذا كان الاحتلال والقوى الغربية دائما هي المستفيد الأكبر في الخلاف المصري التركي، وفي الخلافات المصرية السودانية!