شعار قسم ميدان

الشهب.. هكذا نظرت إليها الحضارات القديمة وفسرتها

midan - 158-4-main

لقد فتنت الشهب والمذنبات البشر منذ أن شوهدت في سماء الليل؛ ولكن من دون استكشاف العلوم والفضاء للمساعدة في فهم ماهية قطع الصخور والجليد هذه، غالباً ما لجأت الثقافات القديمة إلى الأساطير والخرافات لتفسيرها.

 

اعتقد الإغريق والرومان أن ظهور الشهب وزخّاتها والمذنبات كان إما بشرى أو نذير شؤم. كانت إشارات على أن أمراً جيداً أو سيئاً قد حدث أو أنه كان على وشك الحدوث. قد يكون وصول الشهاب مبشراً بولادة شخصية عظيمة، وقد جادل بعض الناس حتى بأن النجم الذي اتبعه المجوسي الفارسي إلى بيت لحم لرؤية يسوع كان في الواقع شهاباً.

 

في ربيع العام الرابع والأربعين قبل الميلاد، تم تفسير المذنب الذي ظهر كإشارة على تقديس وتأليه يوليوس قيصر بعد مقتله. أما بالنسبة لابن القيصر المتبنى أوكتافيان -الذي سرعان ما أصبح الإمبراطور أغسطس- فقد جعل من المذنب الذي أضاء في السماء خلال المباريات الجنائزية التي أقيمت لوداع القيصر أمراً عالي الشأن. تم الاحتفاء بهذا الحدث البديع في المصادر القديمة؛ فتجد فيرجيل يصف في قصيدته الملحمية "الإنياذة" كيف "ظهر نجم في النهار، وأقنع الإمبراطور أغسطس الناس أن يؤمنوا بأن هذا النجم هو يوليوس قيصر".

   

undefined   

احتفى أغسطس بالشهاب وتأليه والده عبر صك ذلك على عملات معدنية مما ساعده على أن يكون "ابن إله" عند محاولته حكم الإمبراطورية الرومانية، والعديد من الأمثلة لا زالت موجودة حتى اليوم.

  

زخات الشهب

أشار المؤرخ الروماني كاسيوس ديو إلى "نجوم المذنبات" التي ظهرت في آب/أغسطس من العام الثلاثين قبل الميلاد. والتي تم ذكرها بين الأعاجيب التي حدثت بعد وفاة كليوباترا. لا زال الخبراء غير واثقين تماماً بما قصد كاسيوس ديو باستخدامه لصيغة الجمع "نجوم المذنبات" ولكن ربط البعض هذا الحدث بشهب البرشاويات التي تحدث سنوياً في ذاك الوقت من السنة.

  

على الرغم من أنه احتفاظ هذه الشهب باسم يوناني قديم، إلا أننا بتنا نعلم الآن أن وصول شهب البرشاويات كل شهر آب/أغسطس في الواقع ناتجة عن مرور مدار الأرض عبر حطام المذنب "سويفت-تتل" (Swift-Tuttle).

   

سميت زخات الشهب بالبرشاويات تيمناً بأبناء البطل اليوناني القديم فرساوس أو برشاوس. كان على اسم فرساوس أو برشاوس شخصية أسطورية ذا نسب رفيع فهو الابن الأسطوري ل زيوس والأميرة داناي (من المطر الذهبي). حصل برشاوس على كوكبة بعد عدد من المغامرات الملحمية عبر البحر المتوسط والشرق الأدنى والتي شملت القتل -المصوّر كثيراً- لميدوسا إحدى أخوات الغرغون المرعبات.

 

من ضمن أعمال برشاوس البطولية كان إنقاذ الأميرة أندروميدا التي تخلى عنها والداها لتهدئة وحش البحر، وعثر عليها برشاوس على صخرة من المحيط، تزوجها وأنجبت سبعة أبناء وابنتين. يعتقد مراقبو السماء أن كوكبة برشاوس -الواقعة بجوار أندروميدا في سماء الليل- هي أصل الشهب التي يمكن أن يروها كل صيف، وهكذا سميت بالبرشاويات.

 

دموع وأعراف أخرى

في التقاليد المسيحية، كانت زخات شهب البرشاويات مرتبطة منذ فترة طويلة باستشهاد القديس لورانس. كان لورانس شماساً في الكنيسة الأولى في روما القديمة، استشهد في عام 258م أثناء اضطهاد الإمبراطور فاليريان. يفترض أن الشهادة وقعت في العاشر من آب/أغسطس عندما كانت شهب البرشاويات في أوجها، ولذا تم موازاة دموع القديس بشهب البرشاويات.

  

 undefined 

 

يمكن الاطلاع على سجلات مفصلة للأحداث الفلكية ومشاهدة السماء في النصوص التاريخية من الشرق الأقصى أيضاً. فقد تم العثور على سجلات من العصور القديمة والوسطى من الصين وكوريا واليابان تحتوي على حسابات مفصلة من زخات الشهب. في بعض الأحيان يمكن ربط هذه المصادر المختلفة مما سمح لعلماء الفلك بتعقب أثر المذنب هالي في المجتمعات القديمة شرقاً وغرباً على سبيل المثال. وقد استخدمت هذه المصادر أيضاً للعثور على أول ملاحظة مسجلة من شهب البرشاويات كحدث محدد، في السجلات الصينية لشعب الهان للعام السادس والثلاثين بعد الميلاد.

 

على الرغم من أن الأساطير والخرافات قد تجعل المرء يظن أن الحضارات القديمة لم يكن لديها إلا القليل من الفهم العلمي لما يمكن أن تكون عليه الشهب والمذنبات والكويكبات، فإن هذا لا يمكن أن يكون أقرب للحقيقة من هذا. كان علماء الفلك الأوائل في الشرق الأدنى -أولئك الذين ابتكروا التقويمات البابلية والمصرية والبيانات الفلكية- هم الأكثر تقدماً في العصور القديمة. وقد أثبتت دراسة حديثة للنصوص المسمارية القديمة أن قدرة البابليين على تتبع المذنبات والحركات الكوكبية وظواهر السماء منذ الألفية الأولى قبل الميلاد تتضمن هندسة أكثر تعقيداً مما كان يعتقد سابقاً.

—————————————————–

ترجمة (آلاء أبو رميلة)

(الرابط الأصلي)