شعار قسم ميدان

من العقاد لشوبنهاور.. حكايا في الصداقة بين الأدباء وكلابهم

ميدان - اليزابيث

كان لدى عباس محمود العقاد كلب يدعى "بيجو"، حل ضيفا عليه عندما طلب صديق له مساعدته في إبعاد الكلب عن طفله "فيفي" صاحب الكلب، بسبب مرض فيفي؛ كتب العقاد عن الكلب في مجلة الرسالة مقالا بعنوان "كلبي بيجو" يشيد فيه بذكره وكان يخشى أن يسطو عليه "من فرط ما يستفيد منه ويأنس إليه"، يقول عنه العقاد: "ما انقضت فترة وجيزة حتى أصبح بيجو شخصية من شخصيات البيت المعدودة، وحتى فرض على نفسه واجبات وأعمالا لم يفرضها عليه أحد، لكنه يغضب ويتذمر إذا قاطعته فيها أو عوقته عنها، كأنك تحسبه مخلوقا عاطلا لا يصلح لعمل ولا يؤتمن على واجب".(1)

فرّق الطبيب بين بيجو وفيفي لأن بيجو رغم مرض صاحبه إلا أنه كان يقفز إلى السرير ليعرض خدماته التي لا يتوانى عنها، وهي المواثبة والملاعبة واصطناع العض، وعندما يأتي الطبيب لرؤية فيفي الذي لم يكن تجاوز السنتين كان فيفي يصرخ مثل جميع الأطفال خوفا من الطبيب، وعندما سمع بيجو صراخ صاحبه "فما هي إلا لمحة كأسرع ما يكون لمح البصر وإذا بأنياب بيجو توشك أن تنغرس في ساق الطبيب الذي يعتدي على مولاه بما يبكيه؛ لهذا عوقب بيجو على إفراط صداقته بالنفي من جوار مولاه في أثناء توعكه".(2)

انتقل بيجو لرفقة العقاد وبدأ في بناء صداقة معه يكتب: "في كل مكان في البيت يراني مستعدا لملاعبته واستجابة نظراته والتفرج على فنونه وألاعيبه وقفزاته، أو يراني مستعدا للإشارة إليه، واستدعائه، فإذا هو واثب وثبة واحدة إلى حيث يستوي على مكانه بجانبي، ويغريني بملاطفته ومجاملته أن أبذل له الملاطفة والمجاملة وأجيبه بعبارات التودد". وكان العقاد يعتقد أن لدى بيجو قدرة على فهم الود والحب بعيدا عن الطعام، يقول: "ألأجل الطعام يهش لي بيجو هذه الهشاشة ويرعاني هذع الرعاية؟ أنا أود من الباحثين في طبائع الحيوان أن يراجعوا ملاحظاتهم وأحكامهم في الألف والمودة بين الإنسان والحيوان".(3)

عندما فارق بيجو الحياة كتب العقاد رثاء يفيض حزنا وألما على فراقه بالرغم من أن علاقته به لم تمتد طويلا
عندما فارق بيجو الحياة كتب العقاد رثاء يفيض حزنا وألما على فراقه بالرغم من أن علاقته به لم تمتد طويلا

لا ينكر العقاد أن الطعام سبب من أسباب وفاء الكلب وتعلقه بأصحابه، لكنه يعتقد "أن الكلاب تفهم للمودة أسبابا غير الإطعام وتدرك معنى من معاني الصلة النفسية ليس مما يربط بالمنافع، وأوضح دليل على ذلك أن بيجو يعتبر نفسه تابعا لمولاه "فيفي" ولا يعتبر نفسه تابعا لأبيه ولا لخادم أبيه، وكلاهما يطعمه ويلاطفه ويسقيه، أما فيفي فلا يطعمه ولا يسقيه ولا يتورع من خطف طعامه إذا ساغ في مذاقه، وقد يتبرم به فيضربه أو يقبض على لسانه أو يضع أصبعه في عينه وبيجو في كل ذلك لا يقابل الأذى بمثله ولا يفتأ متعلقا بالطفل أشد من تعلقه بآله وذويه".(4)

عندما فارق بيجو الحياة كتب العقاد رثاء يفيض حزنا وألما على فراقه بالرغم من أن علاقته ببيجو لم تمتد طويلا؛ لكن بيجو أسر قلب العقاد يقول:

حزنا على بيجو تفيض الدموعْ

حزنا على بيجو تثور الضلوعْ

حزنا عليه جهدَ ما أستطيعْ

وإنّ حزنا بعد ذاك الوَلوع

والله -يا بيجو- لحزن وجيعْ

نسيت؟ لا بل ليتني قد نسيت

أحسبني ذاكره ما حييت

لو جاءني نسيانه ما رضيت

بيجو معزيّ إذا ما أسيت

بيجو مناجي الأمين الوديع

أبكيك. أبكيك وقل الجزاء

يا واهب الود بمحض السخاء

يكذب من قال: طعام وماء

لو صح هذا ما محضت الوفاء

لغائب عنك وطفل رضيع.

                    

شوبنهاور وكلاب البودل
undefined

كان شوبنهاور يحب كلاب البودل كثيرا، وعندما يأس من فكرة الزواج تماما، اشترى كلبة بودل أسماها (أتما) وهو الاسم الذي يطلق على روح العالم عند البراهميين، وأصبح لديه علاقة مقربة مع كلاب البودل، وكان يشعر أن لديها من الطيبة والعطف والحنان ما لا يوجد لدى الإنسان، يقول: "رؤية أي حيوان تمنحني السعادة مباشرة وتطرب قلبي"، كان يدعو الكلاب (سيدي) ويغدق عليها الكثير من المشاعر والطيبة والرعاية؛ عندما ماتت أتما، اشترى شوبنهاور كلب بودل بنيا أسماه (بتس)، وأصبح بتس كلبه المفضل، كان يضع له كرسيا قرب النافذة كلما مرت فرقة موسيقية تحت منزله، ليجعله يشاهدها، وكان أطفال الحي يطلقون على بتس "شوبنهاور الصغير".

 قبل وفاته أوصى شوبنهار بجزء من ثروته لكلبته وكان يقول: "الكلب شديد الذكاء، صديق الإنسان الحقيقي والأشد إخلاصا، يربط بسلسلة بجانبه! لم يسبق لي أن رأيت كلبا إلا وشعرت نحوه بأعلى درجات التعاطف، ونحو سيده باحتقار عميق. أستذكر برضى حالة كتبت عنها التايمز منذ عدة سنوات، حين كان اللورد X يربط كلبه بسلسلة، في أحد الأيام حين كان ينزهه في الفناء، مد يده إلى رأس الكلب ليربت عليه، فمزق الكلب ذراعه من أعلاها إلى أسفلها، وكان محقا تماما! ما عناه بهذا كان: أنت لست سيدي، بل شيطاني الذي يحيل حياتي القصيرة جحيما، آمل أن يحدث هذا مع كل من يقيد الكلاب بسلاسل".(5)


آن باتشيتوروز: كيف تحب كلبا
undefined

كتبت الروائية آن باتشيت الكثير عن كلبتها روز ونشرت صورها معها ربما أكثر من صورها بمفردها، كانت آن تفضل الكتابة وروز بجانبها تقول: "الأسبوع المنصرم فقط، كتبت قطعة لكتالوج يبيع "أدوات للكتاب"، يعملون على كتاب صغير لبيعه في الكتالوج حول الكتّاب وتعاويذهم. سألوني كتابة 800 كلمة سيمنحونني عليها قسيمة شراء بقيمة 200 دولار. فكّرت بأن رفضها سيستهلك طاقة أكثر من كتابتها وعليه كتبت قطعة حول تفضيلي لوجود كلبي بالقرب مني أثناء الكتابة".(6)

تقول آن إنها كان لديها الرغبة دائما في تربية كلب، لكنها كانت خائفة من الالتزامات والواجبات التي سوف تفرض عليها مع وجود كلب هي المسئولة عنه، كانت قلقة بسبب الرحلات التي كان من الممكن أن لا تذهب إليها، واللقاءات والسهرات الطويلة مع الأصدقاء، والجولات خارج المدينة التي من الممكن أن تفقدها، وفواتير الطبيب البيطري؛ كانت تشعر أنها غير مستعدة لهذه المسؤولية في هذا الوقت المبكر من حياتها؛ لكن في الحقيقة يبدو أن لحظة الاستعداد لا تأتي بهذه الطريقة، ففي أحد الأيام أثناء سيرها في الحديقة وكانت هناك عاصفة ثلجية وجدت كلبا على الرصيف، وعندما رأته عرفت أن هذا كلبها هكذا بدون الكثير من التفكير، شعرت أن كل مبرراتها انهارت في هذه اللحظة وأصبحت واهية، ووقعت آن في الحب.(7)

وبالطبع ليسوا هؤلاء فقط، فالكثير من الكتاب والفنانين كان لديهم صديق كلب، منهم الشاعر بابلو نيرودا ومارك توين وسارتر وجورج أوريل وديكينز وإليزابيث براونينغ وغيرهم؛ قد يكون الكلب بالنسبة للكاتب صديقا مثاليا للشخص الذي يفضل البقاء وحده لفترات طويلة فهو ليس مزعجا لدرجة ألا تستطيع العمل إلى جواره، يمكنك أن تقرأ أو تعمل بتركيز مع كلب في الغرفة، قد تكون متطلباتهم أكثر من القطط لكنها بالطبع أقل من الأطفال.

الشاعرة إليزابيث براونينغ مع كلبها في لوحة لجيمس إي مكونيل
الشاعرة إليزابيث براونينغ مع كلبها في لوحة لجيمس إي مكونيل

تمنحنا الكلاب فرصة للحب والشعور بالمسؤولية تجاه أحدهم، ولا تطلب سوى الحب والبقاء في الجوار، وفي مقابل هذا تمنح الود والبهجة والوفاء والإخلاص بلا حدود؛ قد يكون الاحتياج إلى تربية كلب هو الاحتياج إلى علاقة عادلة، كائن ما سوف تحسن إليه وترعاه وأنت مطمئن بأن إحسانك سيقابل بالمحبة والوفاء وبأن مشاعرك ستحل محل تقدير.(8)

المصدر : الجزيرة