شعار قسم ميدان

بعد فشل الثورات.. هل يجد الشباب عزاءهم في الفلسفة؟

midan - الثورات
بعد ربيع عربي من الحلم والأماني، انتهى بخريف انقلابات على جُلّ مكتسبات الثورات العربية؛ أُحبط غالبية الشباب، وتعددت مسارات العلاج الشخصية بين الاهتمام بالفن أو كرة القدم مرة أخرى، أو التفوق المهني والدراسي، أو الارتباط والزواج، أو السفر والهجرة.

  

في كتابه "عزاءات الفلسفة: كيف تساعدنا الفلسفة في الحياة" يعرض آلان دو بُتون الفلسفة بوصفها علاجاً نفسياً؛ فماذا عرض بشأن العلاج من الإحباط؟!
 

"سنقلع عن الغضب حالما نقلع عن كوننا مفعمين بآمال كبيرة"
 

تحذير سينيكا بشأن الغضب
حسب رؤية الفيلسوف الرواقي سينيكا، فإن الغضب هو نتاج خطأ بسيط في التفكير، و"إن ما يدفعنا للغضب أفكار تفاؤلية على نحوٍ خطير بشأن ماهية العالم والناس الآخرين".
 

كان لسينيكا صديق ثري قرر أن يرمي خادمه في حوض للأسماك المفترسة؛ لمجرد أنه أوقع صينية من زجاج الكريستال في إحدي الحفلات، بالنسبة لسينيكا؛ فإن غضب صديقه ليس صعباً على الفهم، لقد غضب الرجل الثري لأنه ببساطة كان يؤمن بعالم لا ينكسر فيه زجاج الكريستال في الحفلات!
 

مثلنا تماماً عندما نغضب من طفل، إذ نغضب عندما نؤمن بعالم يتصرف فيه الأطفال بكل رشد! في سياق الثورات العربية لم نتوقع نجاح ثورات مضادة وعندما حدث ذلك غضبنا لأننا آمنّا بعالم أفضل للشعوب العربية.

"الدولة العميقة" شكلت لنا صدمات لأننا لم نتوقعردة فعلها، أو لم يكن للربيع العربي خطط بديلة للمناورة.
  
تَوقّع اللا اكتمال
يوضح سينيكا المعالجة لهذا الغضب من خلال تطويع مقياس توقعاتنا مع اللا اكتمالية المتلازمة مع الوجود، فحينما نطوع توقعاتنا مع اللا اكاتمالية فلن نتفاجأ من الشر أو الظلم!
 

يرى سينيكا أنه علينا دائما أن نتوقع كل الاحتمالات؛ لأننا دائما نتأذى من الأخطار التي لا نتوقعها. فيما يقول آلان دو بوتون: "لا ينبغي علينا أن نقوم برحلة في السيارة أو توديع صديق من دون وعي بالاحتماليات القاتلة"!
 

إذا توقعنا دائما الاحتمالات القاتلة لن نصاب بالصدمة منها! الدولة العميقة في مصر أو المخرن كما يطلق عليها في المغرب أو رجال بن علي في تونس -حسب سينيكا- شكلت لنا صدمات لأننا لم نتوقع ردة فعلها أو لم يكن للربيع العربي خطط بديلة للمناورة.
 

لماذا نتوقع الأسوأ؟ 

 "لم يكن ثمة وعد لك بشأن هذه الليلة، لم يكن حتى ثمة وعد بشأن هذه الساعة"

حجم التنكيل من الثورات المضادة الذي أصاب الثائرين من الشعوب العربية طرح سؤالاً ملحاً، إذا كان فاعل الخير يثاب وفاعل الشر يعاقب.

"

تعجب سينيكا من سكان مقاطعة "كامبانيا" الذين غادروها على إثر وقوع زلزالٍ بها؛ وقال: "مَن وعدهم بأساسات أقوى في هذه البقعة من الأرض أو تلك؟ تتسم جميع البقاع بالصفات نفسها، ولو لم يصبها الزلزال اليوم سيصيبها فيما بعد لا محالة".
 

على الناس إذاً أن يواجهوا مصائرهم بثبات، غير متفاجئين بالسّيئ إذا حلّ "فالطبيعة لم تخلق مكاناً يتسم بهذا الثبات"، ومثل الطبيعة؛ فإن التاريخ لم يذكر ثورةً اتسمت بنجاحٍ سلس، فلم يكن ثمة وعد لنا بالنجاح؛ وإنما فقط احتمال النجاح بالتساوي مع احتمال الإخفاق.
 

وهنا يجدر السؤال: لماذا تحدث الأمور السيئة من الأساس؟ بالطبع لم يوصِ سينيكا بألا نحلم، هو فقط نبّهنا بألا نحلم وننسى الاحتمالات القاتلة، لكن إذا حدثت هذه الاحتمالات القاتلة أو المتصادمة مع أمانينا؛ فهل يعني ذلك أننا سيِّئون بالضرورة؟!
 

"فاعلية الفرد لا تشكل إلا عاملاً واحداً من العوامل السببية التي تحدد مسار الأحداث في حياته" 
 

إذا مات ولد لك -حسب سينيكا- فإن هذا لا يعني بالضرورة أن القدر يعاقبك على أنك سيئ، أنت جزء من مسار أحداث معقّد لا يمكن أن يتحدد بناءً عليك أنت فقط.
 

وبشأن فقد الأحبة والرفاق يذكرنا سينيكا قائلاً: "إننا نعيش في قلب الأشياء المقدر لها جميعها أن تموت، لقد ولدتم فانين وستنجبون فانين، ترقّب كل شيء وتوقّع كل شيء".
 

حجم التنكيل من الثورات المضادة الذي أصاب الثائرين من الشعوب العربية طرح سؤالاً ملحاً، إذا كان فاعل الخير يثاب وفاعل الشر يعاقب؛ فلماذا كل هذا العقاب ونحن بالتأكيد أردنا الخير ولم نحلم سوى بأن نحيا حياةً كالحياة؟!
 

حسب سينيكا لم يحدث كل هذا التنكيل بسبب أننا سيئون كما يقول الوعّاظ، وقيمة العدالة لم يحدث بها خلل؛ لأنه نكّل بنا ونحن أخيار؛ هذا التنيكل بحسب سينيكا بسبب أن القدر يتصف بـ "العمى الأخلاقي

يذكر سينيكا أنه في الحالات المماثلة -نهاية مأساوية لفعل خير- تتملك الشخص إحدى حالتين، الأولى يكون فيها مذهولاً أمام عبثية الحياة التي يعيشها وتلاشِي قيمة العدالة، والثانية يظن المرء فيها أنه كان سيئاً وأن الرب يعاقبه على الشر الكامن بداخله!
 

يعتمد الوعظ الديني -الرسمي وغير الرسمي- على الحالة الثانية في خطابه الإصلاحي مؤكداً أن كل هذه الفتن جاءت بسبب ذنوبنا، وعلى حد قولهم: "سيستمر الغلاء ما لم تتحجب النساء"! وتجدر الإشارة هنا إلى تعليق الداعية المصري مصطفى العدوي على شكوى أحد المصريين من سوء الأوضاع الاقتصادية.
 

لكن هل كنا سيِّئين لدرجة أن يكون عقابنا قتل واعتقال وقهر وتجويع الملايين؟!

يقول آلان: "لا يمكننا دوماً أن نفسر أقدارنا عبر الإحالة دوماً إلى قيمتنا الأخلاقية، قد نكون مرحومين أو ملعونين من دون أن تكون العدالة وراء أيّ من الحالين". ويؤكد: "لا يحدث كل شيء لنا عبر الإحالةِ إلى شيء بشأننا".
 

حسب سينيكا لم يحدث كل هذا التنكيل بسبب أننا سيئون كما يقول الوعّاظ، وقيمة العدالة لم يحدث بها خلل؛ لأنه نكّل بنا ونحن أخيار؛ هذا التنيكل حسب سينيكا بسبب أن القدر يتصف بـ "العمى الأخلاقي" أي العمى عن أخلاقنا، وهذا القدر السيئ الذي أصابنا ليس محاكمةً إلهيةً لأخلاقنا هو مسار أحداث نحن جزء منه، حينما نتأذى فليس بالضرورة أن يكون القدر تَقصّد ذلك، قدرنا سيئ ونحن نتأذى من ذلك، وليس قدرنا سيئاً بقصد أن يؤذينا!
 

سنة 65 للميلاد أمر الإمبراطور نيرون أن يَقتُل سينيكا نفسَه لاتهامه بالاشتراك في مؤامرة للإطاحة بالإمبراطور، انزعج أصدقاء سينيكا من الخبر لكنه علّق مندهشاً: "أين ذهبت فلسفتكم؟… أدين بحياتي للفلسفة، وهذا أقل التزاماتي حيالها".
 

يعزينا سينيكا قائلاً "أين ذهب حلمكم؟ تدينون بحياتكم للحلم وهذا أقل التزاماتكم حياله".

المصدر : الجزيرة