شعار قسم ميدان

إدوارد سعيد.. كيف وصفه المفكرون في ذكرى وفاته الـ14؟

ميدان - إدوارد سعيد
مقدمة المترجم

حلّت قبل أيام ذكرى المفكّر الكبير، فلسطينيّ الأصل، إدوارد سعيد. الجميل في هذه المادّة هو صغرها ورشاقتها في آن، إذ أعدّ الموقع المرفَق أعلاه سؤالًا عن أهميّة إدوارد سعيد وفكره، وأجاب عنه عدد من المفكرين هم جوديث بتلر ولالِه خليلي وإيان بابيه وأفي شلايم باقتضاب واختصار، موضّحين طبيعة فكر سعيد من وجهة نظر كلّ منهم وموقعه.

 

نص التقرير

"إنّ الإنسانويّة هي المقاومة الوحيدة -بله لي أن أذهب حدّ القول إنّها المقاومة النهائيّة- التي نمتلكها ضدّ الممارسات اللاإنسانيّة والجوْر الذي يشوّه التاريخ البشريّ".

(إدوارد سعيد 1935-2003)

 

مثلت نهاية (سبتمبر/أيلول) (الخامس والعشرون منه تحديدا) العام الرابع عشر من غياب إدوارد سعيد، وهو المنظّر الأدبيّ والمثقف على نطاقٍ واسع. كان سعيد شخصيّة تأسيسيّة في حقل النّظريّة النقديّة لما بعد الكولونياليّة، ومناصرًا قويًّا للحقوق الإنسانيّة والسياسيّة للشّعب الفلسطينيّ. وقد قدّمَ كتابه الأساسيّ الاستشراق الدراسة الغربيّة للثقافات الشرقيّة، وعلى نحوٍ أعمّ، لإطار كيفيّة نظر الغرب إلى الشّرق وتمثيله له.

 

والحال أنّ طاقة سعيد الفكريّة الكبيرة والتي لا ينضبُ معينها لَتُفْتَقَدُ بشدّة. فلا تزال كثيرٌ من الأشياء التي كتبَ عنها سعيد -من التمثيلات الثقافيّة للشّرق إلى المسألة الفلسطينيّة- موضوعًا ساخنًا في يومنا هذا. ولإحياء ذكرى سعيد واستدعاء أهميّة أعماله، قمنا بمحادثة باحثين في مختلف أرجاء العالم، سائلينَ إيّاهم سؤالًا واحدًا، ألا وهو:

 

 حصل إدوارد سعيد على الماجستير من جامعة برنستون وعلى الدكتوراه من جامعة هارفارد وعمل أستاذا للأدب المقارن في جامعة كولومبيا من 1963 حتى وفاته (مواقع التواصل)
 حصل إدوارد سعيد على الماجستير من جامعة برنستون وعلى الدكتوراه من جامعة هارفارد وعمل أستاذا للأدب المقارن في جامعة كولومبيا من 1963 حتى وفاته (مواقع التواصل)

– إنّنا في هذا الشهر، عندما نحيي الذكرى الرابعة العشر من رحيل إدوارد سعيد، نسلّط الضوءَ حيال أعماله مرّة أخرى. فما الذي تجدون أنّه هو الشيء الأكثر أهميّة وذو الصّلة في/حول عمل إدوارد سعيد في يومنا وعصرنا هذا؟

 

جوديث بتلر(1) تجيب: كان سعيد قادرًا على تخيُّل عالمٍ يمكن لإرث الكولونياليّة فيه أن يمضي إلى غير رجعةٍ وتستطيع علاقة المساواة في الاختلاف أن تحلّ محلّه على أراضي فلسطين. فقد فهمَ سعيد أنّ عمل التخيّل أمرٌ مركزيّ للسياسة، لأنّه من دون رؤيةٍ "لا واقعيّة" للمستقبل لن يمكن لحركةٍ أن تسير في اتجاه السّلام القائم على حلّ عادلٍ وباقٍ.

 

عاشَ سعيد في خضمّ النزاع والصراع، واستخدمَ قِوى الفنّ والأدب، وقِوى الأرشيف والحجّة والاستغاثة العموميّة، مطالبًا العالَم أن يتخيّل مستقبلًا تنتصرُ فيه المساواة والعدالة والحريّة بالأخير على التبعيّة والنبذ والعنف. يراودني أحيانًا أنّه كان شخصًا جيّدًا جدًا لهذا العالم، بيد أنّ هذه اللاتكافؤيّة بين ما أمْكَنهُ تصوّرَه وما هو موجودٌ فعلًا هي ما تفسّر، جزئيًا، قوّة كتابته وسلطتها وحضوره في عالم اليوم.

 

لالِه خليلي(2) تجيب: يبدو أنّ كتاب الاستشراق لسعيد لا يفقد بتاتًا أهميّته، حتّى بعد عقود من نشر الكتاب. في واقع الحال، إنّ التحوّلات (والإخفاقات في التحوّلات) التي حدثت في الشّرق الأوسط منذ انتفاضات الربيع العربيّ في ٢٠١١ يبدو أنّها تعطي صانعي السياسات والخبراء الاستشراقيين ذريعةً أخرى لترسيخ الكليشيهات القديمة نفسها.
 

 undefined

 
غير أنّني أصبحتُ أيضًا، مع تقادُم عمري، مقدّرةً تقديرًا عميقًا لتبصّرات سعيد في الأدب والفنون. فعمله حول البدايات -والنهايات- وقراءته الحميميّة والسيّة بعمق للروايات والقصص، والتبصّرات التي يلقيها حول الاجتماعيّ والسياسيّ من أدنى الجمل والفقرات في كلاسيكيّات الأدب الإنجليزيّ والفرنسيّ، أقول عمله ذلك يجعله أكثر راهنيّة دائمًا. وعندما يقوم المرء بقراءة الكتابات الأكاديميّة المنمّقة وغير الأكاديميّة، يصبحُ أكثر تقديرًا من أيّ وقت مضى للإيقاعات الغضّة وللألمعيّة النبوئيّة لمنثور سعيد.

 

إيلان بابيه3) يجيب: أعتقدُ أنّ الإسهامين الرئيسيين لإدوارد سعيد في المعرفة لا يزالا وثيقا الصّلة اليوم كما كانا في أيّامه هو. وعملاه الأساسيّان، أي كتاب الاستشراق وكتاب الثقافة والإمبرياليّة، واللذان فضحا الخطاب الغربيّ العنصريّ والاختزاليّ والمؤذي حول الشّرق، لا يزالا جزءًا حاسمًا من الحياة. فإنّهما لا يزالا أفضل نظرة تحليليّة لدينا لفهم كيف أنّ كلًّا من عدوان الغرب في الشّرق الأوسط (احتلال العراق وأفغانستان) وردود الفعل على ذلك العدوان لا تزال ثابتة باعتبارها مقبولة وشرعيّة عبر سلطة هذا الخطاب.

 

وبالمثل، تبقى رسالة سعيد في شتّى الكتب والمقالات حول فلسطين سارية المفعول حتى يومنا هذا. ففي هذه الأعمال، فضحَ سعيد مستوى التلفيق والجهل حول معاناة شعب لأكثر من قرنٍ، وحذّر بأنّ هذه الظروف ستؤثّر على الشّرق الأوسط وخارجه. تقع كلا مساهمتيْ سعيد حول السّلطة والمعرفة وإرثُه لا يزال باقيًا معنا، مانحًا السلطةَ للحقيقة وقد تكونون قادرين على استخدام المعرفة في سبيل السّلام والتصالح؛ تاركًا ذلك في أيدي أصحاب المصالح الساخرين وقد يستمرّ النزاع والصراع متواصلًا في شططه.

 

 
أفي شلايم(4) يجيب: كان إدوارد سعيد بحّاثةً واسع المجالات وغزيرًا بصورة لافتة. فضحَ كتابُه الاستشراق التحيّزات الأيديولوجيّة الواقفة وراء التصوّرات الغربيّة عن ‘الشّرق‘ وساعدَ على خلق مجالٍ فرعيّ مميّز لما أصبحَ يُسمّى بالدراسات ما بعد الكولونياليّة. وبالإضافة إلى هذه النشاطات الأدبيّة، كان سعيد عازفَ بيانو من الدرجة الرفيعة وناقدًا موسيقيًّا رائدًا. وأخيرًا وليس آخرًا، فقد كان سعيد مثقفًا مشتبكًا سياسيًّا واللسان الأكثر فصاحة نيابةً عن الشّعب الفلسطينيّ المحروم.

 

وعلى الرّغم من أنّ دعوات سعيد للتسوية وللوجود السّلميّ المشترك جنت عليه باستياء "الراديكاليين" العرب وقلّة من المناوئين على الصعيد الإسرائيليّ، إلّا أنّه لم يتخلّ أبدًا عن النّضال. على العكس من ذلك، واصلَ سعيد مفْصلة رؤيته الشاملة في كلّ فرصة ممكنة. وكما كتبَ هو نفسه، يجب على العالم أن يرى أنّ "الفكرة الفلسطينيّة هي فكرة العيش معًا، وفكرة احترام الآخرين، والاعتراف التبادليّ بين الفلسطينيّ والإسرائيليّ". هذه عبارة واحدة تغلّف فكر إدوارد سعيد. إنّها الثيمة الأكثر اتساقًا في كتابته الغزيرة حول الموضوع، منذ كتابه المسألة الفلسطينيّة وحتّى آخر مقال له.

 

قضى سعيد السنوات القليلة الأخيرة من حياته محاولًا تطوير إستراتيجيّة جديدة تمامًا للسلام، ونهجًا جديدًا قائمًا على المساواة والاعتراف والعدالة. "إنّني لا أرى سبيلًا آخر سوى أن نبدأ الآن بالحديث حول تقاسم الأرض التي حشرتنا معًا، وتقاسمها بطريقةٍ ديمقراطيّة، بحقوق متساوية لكلّ مواطن"، هكذا قال سعيد في عام 1999. كان سعيد مثقفًا قضى حياته في مهبّ تعقيدات وتناقضات الصّراع العربيّ الإسرائيليّ، ولم يتخلّ بتاتًا عن الأمل بالوجود المشترك وبالسلام.

_________________________________________________

مترجمٌ عن: (إتش ألتر)
المصدر : الجزيرة