شعار قسم ميدان

كيف نقرأ الفلسفة؟

midan - الفلسفة
اضغط للاستماع
    

تخبرنا "كيمبرلي بليسينغ" عن نصيحة "رينيه ديكارت" حول قراءة الفلسفة. يعلم أي شخص جلس ليقرأ نصا رئيسا في الفلسفة أن الأمر ليس بالسهل عادة! لحسن الحظ، يوفر لنا الفيلسوف والرياضي الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650) نصيحة جيدة حول كيفية قراءة النص الفلسفي؛ لكن قبل أن أتلو نصيحته حول كيفية قراءة الفلسفة، دعوني أخبركم نبذة قصيرة عن هذا الفيلسوف الكبير.

 

أكثر الأعمال قراءة لديكارت هو كتاب التأملات في الفلسفة الأولى "1641Meditations on First Philosophy" (ترجمة: عثمان أمين /المركز القومي للترجمة)، أو لربما كان عمله الأسبق مقال عن المنهج "1635Discourse on Method  " (ترجمة: محمود الخضيري /دار الكتاب العربي)، الذي شكل مقدمة لثلاث مقالات، في البصريات، والأرصاد الجوية والهندسة (تحتوي الأخيرة على التوطئة الأولى لنظام الإحداثيات الديكارتية). الفقرة أدناه تظهر في عمل آخر؛ أقل انتشارا بين القراء في مساقات الفلسفة التمهيدية، هو مبادئ الفلسفة الأولى "1644The Principles of First Philosophy  " (ترجمة: محمود الخضيري: دار الثقافة للنشر والتوزيع).

رينيه ديكارت (مواقع التواصل الإجتماعي)
رينيه ديكارت (مواقع التواصل الإجتماعي)

كتب "ديكارت" المبادئ لتكون مرجعا؛ فهو يحوي كافة أفكار واكتشافات أعماله السابقة، بما فيها الكوجيتو ("أنا أفكر إذن أنا موجود": دليله على وجوده الشخصي) ودليله على وجود الإله أيضا. نمط دفتر المراجع كان مختلفا في زمن ديكارت. ما خطر له كان كتابا من شأنه -بطريقة منهجية- أن يصحب الطلاب في جولة في كافة أفكاره وجدالاته.

 

وأسلوب المبادئ مختلف أيضا عن الطبيعة التأملية والسردية الذاتية لكتابيه الأشد قراءة التأملات والمقال. كان أمل "ديكارت" يتمثل في أن تتبنى أفضل جامعات أوروبا المبادئ، وأن تستبدل أخيرا منطق أرسطو الذي هيمن على الفكر القروسطي العلمي. حينما كتب "ديكارت" نصيحته التالية للقراء، كانت الصحافة المطبوعة قد اخترعت للتو، ما يعني أن أعدادا كبيرة من الناس بدأت لتوها بالوصول إلى الكتب.

 

قبل هذا الوقت، كان المتعلمون (وهم رجال الدين وحسب) من يقرأون. وبما أن الغالبية العظمى من السكان كانت تعاني الأمية، كان ينبغي أن تصدر المعرفة والمعلومة عن مصدر سلطوي إلى حد ما، الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. إنما كما كان سلفه "مارتن لوثر"، كان "ديكارت" على قناعة بأن في وسع المواطن العادي (حتى الفلاحين) أن يكتشفوا الحقيقة بأنفسهم إن أعملوا عقولهم جيدا. بالتالي نشر ديكارت مقاله بالدارجة (الفرنسية) عوض اللاتينية.

 

بقراره النشر بلغة بني جلدته، أراد ديكارت أن "يتجاوز رؤوس الأكاديميين وصولا إلى كل رجل وامرأة عاقلين". هاكم النصيحة التي يعرضها ديكارت لقرائه حول كيفية قراءة أعماله الفلسفية: "إنني أرغب من القارئ قبل كل شيء أن يمر على الكتاب كله كما لو كان رواية، دون تركيز انتباهه كثيرا، أو الوقوف عند الصعوبات التي قد يواجهها.

إن لم يستطع القراء إدراك ما يقرأون بشكل تام، إياهم والاستسلام دفعة واحدة. عليهم ببساطة أن يتركوا علامة بقلم الحبر عند الأماكن التي يجدون فيها صعوبات
إن لم يستطع القراء إدراك ما يقرأون بشكل تام، إياهم والاستسلام دفعة واحدة. عليهم ببساطة أن يتركوا علامة بقلم الحبر عند الأماكن التي يجدون فيها صعوبات

إن الغاية ينبغي أن تكون مجرد إدراك عام للقضايا التي تعاملت معها. بعد ذلك، إن وجد القراء هذه القضايا جديرة بالتفحص، وتوفر لديهم الفضول اللازم لإدراك الأسباب الكامنة وراءها، سيكون في وسعهم أن يقرأوا الكتاب مرة ثانية؛ لكي يلحظوا كيف أستتبع جدالاتي عليها. لكن إن لم يستطع القراء إدراك ذلك بشكل تام، إياهم والاستسلام دفعة واحدة. عليهم ببساطة أن يتركوا علامة بقلم الحبر عند الأماكن التي يجدون فيها صعوبات ويستمروا في القراءة؛ حتى النهاية دون انقطاع.

 

إن أخذوا بعدها الكتاب للمرة الثالثة، فإنني سأتجرأ على القول إنهم سيجدون الحلول لأشد الصعوبات التي علّموها بالحبر من قبل، وإن ظلت بقايا غير مفهومة، فإنهم سيجدون حلها في إعادة قراءة أخيرة". (الكتابات الفلسفية لديكارت، نقلها عن الفرنسية إلى الإنجليزية جون كوتينجهام، روبرت ستوثوف، دوغلاد ميردوخ وأنطوني كيني، ص 185.)

 

إذن فأول الأشياء وأشدها أهمية هو أن نعرف بأن قراءة الفلسفة تتطلب الوقت والمثابرة. وليست بالنشاط، السهل الخامل. إنها عوض ذلك تتطلب من القارئ التفكير بحرص حول ما يقرؤه. ليس غريبا أن تعيد قراءة الكتاب الفلسفي، أو المقطع، عدة مرات بغية فهم أفكار الكاتب. مثلما يورد ديكارت في كتاب "مقال في المنهج Discourse in Method" منهجا لتوجيه العقل على نحو صحيح، نستطيع نحن أيضا أن نصوغ نصيحة ديكارت؛ لقراءة الفلسفة على نحو صحيح، إلى القواعد الأربع التالية (والتي تنطبق بنفس الدرجة على قراءة كتاب، أو فصل، أو مقال): 

كل واحد منا، سواء كان رجلا أو امرأة، فلاحا أو قسيسا، قادر على التساؤل العقلاني، ما يعني أن كل واحد منا قادر على أن يكشف الحقيقة لنفسه
كل واحد منا، سواء كان رجلا أو امرأة، فلاحا أو قسيسا، قادر على التساؤل العقلاني، ما يعني أن كل واحد منا قادر على أن يكشف الحقيقة لنفسه


أولًا:
قراءة العمل ككل بسرعة، كما لو كنت لتفعل مع رواية. في البداية تحاول فقط التقاط الفكرة العامة التي يقوم عليها الكتاب.
 

ثانيا: اقرأ مرة ثانية، مع اهتمام أكبر للجدالات المطروحة في الكتاب. تناول قلما واترك علامة عند الأجزاء التي لم تفهمها. (وسأضيف، جرب كتابة الجدال/ات بكلماتك. إننا عادة نجرب فهمنا لشيء ما من خلال صياغتنا له بكلماتنا الخاصة.)

 

ثالثا: قم بالقراءة للمرة الثالثة، وأبقِ على الأسئلة والمشكلات التي دونتها في الخطوة الثانية حاضرة في ذهنك. سيساعدك هذا على رؤية الحلول والصعوبات التي واجهتها.

 

رابعًا: إن ظل شيء من الصعوبات معك؛ قم بإعادة القراءة للمرة الرابعة. وهذا سيفي بالغرض. رسالة ديكارت ملهمة. كل واحد منا، سواء كان رجلا أو امرأة، فلاحا أو قسيسا، قادر على التساؤل العقلاني، ما يعني أن كل واحد منا قادر على أن يكشف الحقيقة لنفسه. بعض هذه الحقائق -سواء كانت تتعلق بنا أو بعالمنا- تنتظر منا أن نكتشفها في طيات الكتب؛ لذا لأولئك المهتمين بكشف ما هو حقيقي لأنفسهم، أنصتوا لنصيحة ديكارت: اقرؤوا. والآن اقرؤوا مرة أخرى!

______________________________________________________________

المقال مترجم عن: الرابط التالي 

المصدر : الجزيرة