شعار قسم ميدان

يصدقون الخرافات.. لماذا يقدس البعض نظريات المؤامرة؟

midan - فضاء
اضغط للاستماع
     
مقدمة الترجمة
كثيراً ما نسمع بقصص اجتماعية وعلمية ونؤمن بكل ما يقال لنا أو نقرأه دون إدراك أن ذلك قد يكون مجرد مغالطات وكذب. لماذا نفعل ذلك؟ هل بسبب ثقتنا بمن أخبرنا بتلك الحكاية أو لثقتنا بالمصدر الذي قرأنا عنه تلك المعلومة -والذي لطالما كان مصدراً يتفق مع آرائنا ومعتقداتنا بشكل عام. أم أن السبب انصياعنا وإذعاننا لآراء دائرتنا الاجتماعية ضمن ما يطلق عليه "العقل الجمعي"؟ أم أضحت سطوة الجماعة هي التي تسيرنا وتتحكم بعقولنا؟ إذاً، كيف يمكننا التوقف عن الإيمان بنظريات المؤامرة والإسهام بإيقاف غيرنا عن ذلك أيضاً؟

   
نص التقرير
بينما كنت جالساً في مقعدي في القطار، اندفعت مجموعة من مشجعي كرة القدم داخله والذين كان من الواضح أنهم أنهوا مشاهدة المباراة للتو. شغل أفراد هذه المجموعة المقاعد الشاغرة من حولي، التقط أحدهم صحيفة متروكة على المقعد وضحك بشكل ساخر بينما كان يقرأ عن آخر "الحقائق البديلة" التي يروّجها دونالد ترمب.

 

سرعان ما قام الآخرون بمشاركة آرائهم حول ولع الرئيس الأميركي بنظريات المؤامرة، ثم تحول الحديث فيما بينهم عن مختلف نظريات المؤامرة التي سمعوا بها. كنت مستمتعاً  باستراق السمع لحديثهم بينما يسخرون من مجتمع الأرض المسطحة (الأفراد الذين يروجون لفكرة أن الأرض مسطحة وليست كروية)، ونظريات المؤامرة لدخان الطائرات في السماء (وهي عبارة عن اعتقاد بأن آثار الدخان التي خلفتها الطائرات تتكون من عناصر كيميائية مسببة للأمراض أو عناصر متحكمة في الطقس والتي يتم نشرها على يد أطراف حاقدة أو حكومات سرية)، حتى أنهم سخروا من آخر أفكار جوينيث بالترو (وهي صاحبة شركة جوب Goop التي عانت من العديد من الانتقادات المتتالية بسبب استخدامها لمواد سامة في منتجاتها إضافة إلى المواد ذاتها التي تحض على تجنبها على موقعها الرسمي وغيرها من الأمور).

  

undefined

  

حل الصمت لهنيهة، فبادر أحدهم بالتعبير عن رأيه: "قد تكون كل هذه الأمور مجرد هراء، لكن لا تخبروني بأنكم تصدقون كل ما يغذّينا به الاتجاه السائد! خذوا موضوع الهبوط على القمر مثالاً على ذلك، لقد كان من الواضح أنه مزرو وليس بطريقة جيدة حتى؛ لقد قرأت تدوينة -منذ بضعة أيام- تم الإشارة فيها إلى أنه لم يكن هنالك حتى نجوم في أي من صور الهبوط على القمر!".

 

ولدهشتي، انضمت له المجموعة بـِ "أدلة" تدعم خدعة الهبوط على القمر، بما في ذلك: وجود ظلال غير متناسقة في الصور الفوتوغرافية، رفرفة العلم في الصور بينما لا يوجد هواء على القمر، كيفية تصوير نيل أرمسترونغ وهو يمشي على القمر بينما لم يكن هنالك أحداً ليحمل الكاميرا.

 

قبل دقيقة فقط، بدوا وكأنهم أناس عقلانيون قادرين على تقييم الأدلة والوصول إلى استنتاج منطقي، ولكن بدأت الأمور الآن بأخذ منعطفٍ غريب الأطوار. لذلك استجمعت قواي وقررت أن أشارك بالحديث: "في الواقع، يمكن تفسير كل ذلك بسهولة…"

 

التفتوا إليّ والدهشة تعلو وجوههم من تجرّؤ شخص غريب على التدخل في محادثتهم. لكني أكملت كلامي بإمطارهم بوابل من الحقائق والتفسيرات العقلانية:

"لم يرفرف العلم في الريح، لقد تحرك بمجرد زرع رائد الفضاء باز ألدرين له! تم التقاط الصورة خلال النهار القمري وبالطبع لا يمكنك رؤية النجوم في وضح النهار. أما الظلال الغريبة فهي العدسات واسعة الزاوية التي استخدموها والتي تشوه الصور. لم يأخذ أحداً صورة لنيل أرمسترونغ بينما كان ينزل سلالم المركبة الفضائية بل كانت هناك كاميرا مثبّتة على السطح الخارجي للمركبة القمرية والتي صورته وهو يحقق قفزة نوعية عملاقة. إذا لم يكن ذلك كافياً فإن الدليل الأخير الحاسم هو عبارة عن مجموعة صور لموقع الهبوط على القمر قام بالتقاطها مستكشف القمر المداري Lunar Reconnaissance Orbiter (وهو مسبار فضائي أطلقته ناسا عام 2009 للحصول على معلومات قد تساعد على تحديد مواقع مناسبة للإنزال ولإقامة محطات استكشاف قمرية وبإجراء عمليات مسح لسطح القمر بتفصيل لم يسبق له مثيل)؛ يمكنكم في هذه الصور رؤية الآثار التي تركها روّاد الفضاء على سطح القمر أثناء تجولهم في أنحائه.

  

undefined

  

فكّرت في ذاتي فور إنهائي حديثي: "لقد قمت بعمل رائع!".

لكن ظهر أنهم لم يقتنعوا بكلامي بتاتاً، بل صبوا جام سخريتهم وادعاءاتهم السخيفة عليّ. بما فيها أن ستانلي كوبريك صوّر المشهد (وهو مخرج ومنتج ومصور سينمائي ومحرر أمريكي حائز على جائزة الأوسكار، يعتبره الكثيرون أحد أعظم صناع الأفلام في التاريخ، تميّز بالاهتمام بأدق التفاصيل والواقعية العلمية في صوره وأفلامه واستخدامه لمؤثرات بصرية مبتكرة). إضافة لادعاءاتهم بوفاة موظفين رئيسيين في هذا مشروع الهبوط على القمر بطريقة غامضة وهلمّ جرا.

 

توقف القطار عند وصوله إحدى محطاته، فخرجت منه رغم أن هذه المحطة لم تكن وُجهتي. بينما كنت أخرج من القطار وأنا أركز انتباهي على الفجوة بينه وبين أرضية المحطة، كنت أشعر بالخجل متسائلاً لماذا فشلت الحقائق والوقائع التي استندت إليها فشلاً ذريعاً بتغيير رأيهم.

 

الإجابة عن ذلك بسيطة: الحقائق والحجج العقلانية ليست جيدة في تغيير معتقدات الناس؛ وهذا ناتج عن أن عقلنا المنطقي مزوّد بتركيبة تطورية غير متطورة لهذا الحد. أحد أسباب ظهور نظريات المؤامرة في مثل هذا الانتظام يرجع إلى رغبتنا في فرض هيكلية على العالم والقدرة المدهشة على تمييز الأنماط. في الواقع، أظهرت دراسة حديثة وجود علاقة بين حاجة الفرد للهيكلية والميل للإيمان بنظرية المؤامرة.

  

undefined

  

خذ هذه المتتالية مثالاً على ذلك:
0 0 1 1 0 0 1 0 0 1 0 0 1 1

هل ترى أي نمط خطي بها؟ من المحتمل أنك ترى ذلك، وأنت لست لوحدك من يراه. اقترح استطلاع سريع على موقع تويتر -في محاكاة لدراسة أكثر حسماً- أن 56% من الناس يتفقون معك على الرغم من هذه المتتالية نتاج تقليب عملة معدنية (طرة أو نقشة).

 

يبدو أن حاجتنا إلى هيكلية ومهاراتنا في تمييز الأنماط يمكن أن تكون مفرطة نوعاً ما، مما يسبب ميلاً لتحديد الأنماط مثل الأبراج والسحب التي تبدو مثل الكلاب واللقاحات التي تسبب التوحد، بينما في الواقع هذه الأنماط غير موجودة.

 

ربما كانت القدرة على رؤية الأنماط سمة نجاة مفيدة لأسلافنا فكان من الأفضل لهم أن يحددوا بشكل خاطئ علامات حيوان مفترس في المنطقة من التغاضي عن قط مفترس كبير حقيقي جائع. لكن نلمس النزعة ذاتها في عالمنا الغني بالمعلومات ونرى روابط غير قائمة بين السبب والنتيجة -كما في  نظريات المؤامرة- في كل مكان.

  

ضغط الأقران*
أما السبب الآخر الذي يجعلنا حريصين على الإيمان في نظريات المؤامرة هو أننا "حيوانات اجتماعية" ومكانتنا في المجتمع أكثر أهمية من كوننا محقّين. وبالتالي، فإننا نقارن تصرفاتنا ومعتقداتنا بتصرفات ومعتقدات أقراننا باستمرار، ونغير ما لدينا ليتلاءم مع ما لدى أقراننا. وهذا يعني أنه إذا كانت دائرتنا الاجتماعية تؤمن بشيء ما، فمن الأرجح أن نتبع القطيع.

    undefined

  

تم إثبات أثر هذا التأثير الاجتماعي على السلوك بشكل لطيف في عام 1961 من خلال تجربة "زاوية الشارع" التي قام بها عالم النفس الأميركي ستانلي ميلغرام -المعروف لبحثه في الانصياع أو الإذعان للسلطات- وزملائه. كانت التجربة بسيطة "وممتعة" بما يكفي لتكرارها؛ فكانت تقتصر على اختيار زاوية شارع مزدحم والتحديق في السماء لمدة 60 ثانية فقط.


على الأرجح، عدد قليل جداً من المارّة سيتوقفون ويتحققون مما تنظر إليه، وجد ميلغرام أن حوالي 4% من المارة انضموا في هذا الموقف للشخص الذي يحدق في السماء. الآن دع بعض الأصدقاء ينضمون إليك في هذه التجربة من خلال ملاحظاتك المهيبة. لا شك بأنك شاهدت هذا التأثير في الأسواق حيث وجدت نفسك منجراً إلى منصة عرض البضائع التي لا تكاد تراها بسبب تجمع حشد من حولها.


ينطبق هذا المبدأ بنفس القوة على الأفكار أيضاً؛ فعند إيمان عدد كبير بمعلومة ما من المرجح أن نقبل هذه المعلومة على أنها صحيحة. وبالتالي، إذا اطّلعنا على فكرة ما في مجتمعاتنا أو دائرتنا الاجتماعية بشكل مبالغ فيه، تصبح هذه الفكرة جزءاً لا يتجزأ من نظرتنا للعالم. فمثلاً: في أثر "العقل الجمعي"** (أو ما يعرف بالأثر الاجتماعي المعلوماتي أيضاً)، تكون تقنية الإقناع أكثر فاعلية من البراهين المستندة إلى الأدلة، ولهذا السبب فإن استخدام هذا النوع من الأدلة شائع جداً في الإعلانات "80% من الأمهات يستخدمن هذا المنتج" ضمن أسلوب دعائي معاصر يستند على التعميمات البراقة.


إن أثر العقل الجمعي عبارة عن إحدى المغالطات التي تجعلنا نتغاضى عن الأدلة والبراهين. وإحدى المشاكل المتصلة بهذا الموضوع تتمثل في "الانحياز التأكيدي" (أو ما يطلق عليه الانحياز الذاتي) المتواجد دائماً؛ حيث يسعى الأفراد -ضمن إطار هذه النزعة- بالبحث عن بيانات تدعم وجهات نظرهم والإيمان بها بينما يتغاضون عن البيانات التي لا تقوم بذلك. جميعنا نعاني من هذا الأمر، فقط فكر في آخر مرة استمعت إلى نقاش في المذياع أو التلفاز، إلى أي مدى وجدت الحجة والرأي المعاكس لوجهة نظرك مقنعاً مقارنة مع الرأي والحجة التي تتوافق مع وجهة نظرك؟

  

undefined

  

إن الاحتمالات القائمة على هذا المشهد هي أنك سترفق الحجج التي تعارض رأيك إلى حد كبير وتصفّق لأولئك الذين  يتفقون مع رأيك مهما كانت عقلانية أي من الجانبين ومنطقهما. يظهر "الانحياز التأكيدي" أيضاً كنزعة إلى تحديد معلومات من مصادر تتفق بالفعل مع وجهات نظرنا والتي قد تأتي على الأرجح من الدائرة الاجتماعية التي نرتبط بها او نعتبر أنفسنا افراداً منها. ومن هنا، فإن معتقداتك السياسية ربما تتحكم بتفضيلك متابعة وكالات أنباء معينة.


بالطبع تمتلك نظام معتقدات يمكنك من خلاله تمييز المغالطات المنطقية كالانحياز التأكيدي مثلاً، ويحاول هذا النظام أن يتجاوز هذه المغالطات أو يصححها. يمكن للعلم الحد من الانحياز التأكيدي من خلال تكرار المشاهدة والملاحظة وتحويل الحكاية إلى بيانات، كما يقبل العلم تحديث النظريات في حال وجود أدلة؛ وهذا يعني أن العلم منفتح على فكرة تصحيح نصوصه الاساسية. ومع ذلك، فإننا جميعاً نعاني من التأكيد التحيزي. وصف عالم الفيزياء الشهير ريتشارد فاينمان مثالاً مشهوراً على ذلك والذي برز في إحدى أكثر المجالات صرامة في العلوم: فيزياء الجسيمات، حيث قال فاينمان:

"لقد قاس روبرت ميليكان شحنة الإلكترون [الشحنة الأولية أو الشحنة الأساسية] من خلال تجربة بإسقاط قطرات الزيت وحصل على إجابة نعرف حالياً أنها ليست صحيحة تماماً. نبع الخطأ في استنتاجه عن امتلاكه قيمة خاطئة لـِ "لزوجة الهواء". من المثير للاهتمام أن ننظر إلى تاريخ القياسات لشحنة الإلكترون بعد ميليكان؛ إذا وضعت الاستنتاجات على خط زمني، ستجد أن أن الاستنتاج الذي تلى استنتاج ميليكان كان ذا قيمة أكبر والذي تلى ذلك كان أيضاً ذا قيمة أكبر قليلاً، حتى استقر العلماء في النهاية على قيمة (رقم) أعلى".


"إذاً لماذا لم يكتشفوا أن الرقم الجديد [قيمة الشحنة الأولية] كان أعلى على الفور؟ إن العلماء يخجلون من هذا التاريخ [تاريخ تحديد قيمة الشحنة الأولية] لأنه من الواضح أن الناس [العلماء] قاموا بأمور كالتالي: عندما حصلوا على رقم مرتفع جداً عن الرقم الذي استنتجه ميليكان، اعتقدوا أن شيئاً ما يجب أن يكون خاطئاً وحاولوا البحث عن سبب يوضح وجود خطأ في حساباتهم [حسب اعتقادهم في حينها]. أما عندما حصلوا على رقم أقرب إلى قيمة ميليكان، لم ينظروا في سبب الاختلاف بالقيمة بجد".

  

خرق الأسطورة
قد ميل إلى أخذ زمام المبادرة في التعامل مع المفاهيم الخاطئة ونظريات المؤامرة عبر اتباع نهج خرق الأسطورة أو تدمير الخرافات من خلال اتباع وسائل الإعلام الشعبية. إن تسمية "الأسطورة" إلى جانب "الواقع" تبدو وكأنها طريقة جيدة لمقارنة الحقيقة والأكاذيب جنباً إلى جنب حتى تظهر الحقيقة. ولكن يتبين مرة أخرى أن هذا النهج سيء؛ إذ يبدو أنه يستنبط امراً أصبح يعرف الآن باسم "التأثير العكسي" حيث تنتهي الأسطورة لتصبح مشهورة أكثر من الحقيقة.

    

undefined

    

شوهد أحد أبرز الأمثلة على ذلك في دراسة لتقييم نشرة إعلانية عن "الأساطير والحقائق" حول لقاحات الأنفلونزا. مباشرة بعد قراءة المنشور، تذكر المشاركون بدقة الحقائق كحقائق والأساطير كخرافات. ولكن بعد ثلاثين دقيقة فقط، انقلبت الأمور رأساً على عقب مع احتمال تذكر الأساطير على أنها "حقائق".


المقصود هو أن مجرد ذكر الأساطير يساعد في الواقع على تعزيزها. ثم مع مرور الوقت، تنسى السياق الذي سمعت فيه الأسطورة -في هذه الحالة أثناء فضح الكذب- ويتبقّى لديك ذكرى الأسطورة نفسها.


مما يزيد الأمر سوءاً، أن تقديم المعلومات التصحيحية لمجموعة تكتنف معتقدات راسخة يمكن أن تعزز وجهة نظر المجموعة رغم المعلومات الجديدة التي تقوضها. تخلق الأدلة الجديدة تناقضات في معتقداتنا يرافقها شعور بالانزعاج الوجداني. لكن بدلاً من تعديل اعتقادنا، فإننا نميل إلى التذرع بالتبرير الذاتي وكراهية أكبر للنظريات المعارضة مما قد يجعلنا نتخذ موقفاً أكثر قوة في وجهات نظرنا. أصبح يعرف هذا باسم "تأثير البمرنغ" أو "تأثير بوميرانغ"*** وهي مشكلة كبيرة تواجهنا عند محاولة توجيه الأشخاص نحو سلوكيات أفضل.


على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن الرسائل الإعلامية التي تهدف إلى الحد من التدخين والكحول واستهلاك المخدرات كان لها تأثير عكسي.

  

كيف نتخلص من نظريات المؤامرة
إذا كنت لا تستطيع الاعتماد على الحقائق، كيف يمكنك حث الآخرين على التخلص من نظريات المؤامرة والأفكار الاخرى غير العقلانية؟

من المحتمل أن يساعد التنوّر العلمي على المدى الطويل، لا أقصد بهذا الإلمام بالحقائق والأرقام والتقنيات العلمية. بدلاً من ذلك هناك حاجة إلى معرفة القراءة والكتابة ضمن المنهج العلمي، مثل التفكير التحليلي. في الواقع، تظهر الدراسات أن رفض نظريات المؤامرة مرتبط بالتفكير التحليلي. معظم الناس لن يدرسوا أو يعملوا أبداً في مجال العلوم، لكننا نصادفه ونستخدمه يومياً، وبالتالي يحتاج المواطنون إلى المهارات اللازمة لتقييم الادعاءات العلمية بشكل نقدي.
  
      undefined

  

بطبيعة الحال، لن يساعد تعديل المناهج الدراسية لدولة ما في تقديم وجهة نظري حول القطار. من أجل اتباع نهج مباشر بشكل أكبر، من المهم إدراك أن كونك جزءاً من قبيلة ما يساعدك بشكل كبير. قبل البدء في نشر الرسالة، ابحث عن قواسم مشتركة بينك وبين من تخاطبه.


في الوقت ذاته، تجاهل الأساطير لتجنب حدوث "تأثير عكسي"، لا تذكرها حتى أو تقرّ بها. ما عليك سوى تحديد النقاط الأساسية: اللقاحات آمنة وتقلل فرص الإصابة بالأنفلونزا بنسبة تتراوح بين 50% و 60%، نقطة. لا تذكر المفاهيم الخاطئة بتاتاً لأنها تميل إلى أن يتم تذكرها بشكل أفضل.


إضافةً لذلك، لا تجعل المعارضين يهيمون على وجوههم من خلال تحدي رؤيتهم للعالم. بدلاً من ذلك، قدم توضيحات تتناغم مع معتقداتهم السابقة. مثلاً: من المرجح أن يغير منكرو تغير المناخ المحافظين وجهات نظرهم إذا ما عُرِض عليهم فرص تجارية مؤيدة للبيئة.


اقتراح آخر قد يساعدك في مهمتك: استخدم القصص لتوضيح وجهة نظرك. يتفاعل الناس مع الروايات بقوة أكبر بكثير من الحوارات الجدلية أو الوصفية. القصص تربط بين السبب والنتيجة مما يجعل الاستنتاجات التي تريد تقديمها تبدو حتميةً لا مفر منها.

لا يعني كل هذا أن الحقائق والإجماع العلمي ليسا مهمين، بل هما في غاية الأهمية، لكن إدراك العيوب في تفكيرنا يسمح لك بتقديم وجهة نظرك بطريقة أكثر إقناعاً بكثير.

  undefined

  

من المهم تحدي المبادئ ولكن بدلاً من ربط النقاط غير المترابطة والخروج بنظرية المؤامرة، نحتاج إلى طلب الأدلة من صناع القرار. اسأل عن البيانات التي قد تدعم اعتقاداً ما وابحث عن المعلومات التي تحلله وتختبره. يعني جزء من هذه العملية اعترافنا بغرائزنا المتحيزة وقيودنا ومغالطاتنا المنطقية.

 

إذاً كيف كان يمكن لمحادثتي على متن القطار أن تبدو لو أخذت بنصائحي التي ذكرتها آنفاً… دعنا نعود إلى تلك اللحظة عندما لاحظت أن الأمور كانت تتجه نحو منعطف غريب. هذه المرة، آخذ نفساً عميقاً وأشارك في الحديث.

"كانت نتيجة المباراة رائعة، من المؤسف أنني لم أستطع الحصول على تذكرة"


سرعان ما نتعمق في المحادثة بينما نناقش فرص الفريق هذا الموسم. بعد بضع دقائق، أوجه نظري إلى الشخص الذي بادر في الحديث عن مؤامرة الهبوط على سطح القمر: "مهلاً، كنت أفكر فقط في ذلك الشيء الذي قلته عن الهبوط على سطح القمر. ألم تكن الشمس ظاهرة في بعض الصور؟"

يومئ برأسه.

أكمل حديثي: "مما يعني أن الهبوط حدث خلال وقت النهار على القمر، لذلك مثلما يحدث على كوكبنا، أتتوقع رؤية النجوم في وضح النهار؟"

فيكون رده: "صحيح، أعتقد ذلك، لم أفكر بالأمر من هذه الناحية. ربما لم تكن جميع المعلومات على تلك المدونة صحيحة".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

* ضغط الأقران أو ضغط النظائرهو التأثير الذي تمارسه مجموعة الأقران أو المراقبون أو شخص ما لتشجيع الآخرين على تغيير الاتجاهات أو القيم أو السلوكيات بهدف الامتثال لمعايير المجموعة. بازدياد حجم المجموعة، سيتوقف المزيد من الغرباء ويحدقون مثلك تماماً في السماء. عندما يصل عدد المحدقين في السماء إلى 15 شخصاً، فإن حوالي 40% من المارة سيتوقفون ويرفعون أعناقهم محدقين نحو السماء.

** العقل الجمعي (أو ما يعرف بالأثر الاجتماعي المعلوماتي أيضاً) هو عبارة عن ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكاً صحيحاً. ويتجلى تأثير العقل الجمعي في الحالات التي تسبب غموضاً اجتماعياً، وتفقد الجماهير قدرتها على تحديد السلوك المناسب، وبدافع افتراض أن الآخرين يعرفون أكثر منهم عن تلك الحالة.

*** في علم النفس الاجتماعي، تأثير البمرنغ هو نظرية المفاعلة النفسية المدعومة بتجارب تظهر أن محاولات مقاومة حرية شخص غالبًا ما تؤدي إلى "تأثير بمرنغ" غير المطابق. سمي هذا التأثير نسبةً إلى لعبة البمرنغ ‘الكيد‘ وهي أداة ملوية أو منبسطة تستعمل سلاحاً أو يرمى بها في الرياضة.

————————————————————————–

  

مترجم عن (ذا كونفرزيشن)