شعار قسم ميدان

خمسة مساقات فلسفية غير مشهورة.. لكنها مهمة!

ميدان - فلسفة
اضغط للاستماع

 

في الحقيقة، يمكن أن يغنيك مساق بسيط تنهيه في عدة أيام عبر يوتيوب عن كتاب كامل، بل وقد تتمكن محاضرة واحدة من ذلك، أضف إلى ذلك أن للمحاضرات العامة، والمساقات المتخصصة، قدرة على إعطائك قدرا من الخبرة لا يشبه الذي تحصل عليه عبر القراءة، ويمكن القول إن إحدى أهم آليات التعلم هي التنويع بين مصادرك، بين المقروء والمسموع والمُشاهد، فكلما استخدمت عددا أكبر من الحواس للتفاعل بصورة أعمق مع مادة ما، ارتفعت قدراتك على التعلم.

      

ومع استخدام يوتيوب يوما بعد يوم، خاصة في البحث عن موضوعات في العلوم التجريبية أو الفلسفة أو علم النفس، وهي ما أهتم له، تجد أن الكثير من الدرر يتخفّى بين جنباته، فالمساقات الطويلة والمحاضرات الأكثر تخصصا لا تجد لنفسها مكانا واضحا في نتائج صفحة البحث الأولى، في الحقيقة كنت في الكثير من الأحيان أجد ضالتي بعد فترة من المضي في النتائج الخاصة بالبحث، وكنت دائما أكتشف روائع لا تلقى رواجا، بالأخص في العالم العربي، لذلك قررنا جمع بعض تلك المساقات الرائعة، وغير المشهورة، في تقرير واحد، عسى أن تقدم دعما لمحبي الفلسفة.

  

أرثر هولمز يقدم تاريخ الفلسفة

لا شك أن بداية ثقيلة ستكون من مساق د. أرثر هولمز، من جامعة ويتون الأميركية، في تاريخ الفلسفة، والمقدم في 81 محاضرة كاملة مدة الواحدة منها نحو الساعة، يبدأ هولمز من الفلسفة قبل سقراط، ثم سقراط بالطبع ثم ست محاضرات في أفلاطون، وهو يفعل ذلك مع كل فيلسوف كبير، يعطيه عددا وافيا من المحاضرات. يستمر المساق صعودا حتّى يصل في النهاية إلى خمسينيات القرن الفائت، صعود وانهيار الوضعية المنطقية، مع مقدمات في فلسفة اللغة، ومستقبل الفلسفة.

  

يتميز أسلوب هولمز بالبساطة رغم تعقد مادته، وسوف تلحظ أنه لا يتحدث كثيرا في مقدمات طويلة عن بيانات الفيلسوف نفسه، أقصد ولادته ونسبه وتاريخه الشخصي والحياة العائلية الأكاديمية الخاصة به، بل ينتقل مباشرة إلى فلسفته، ويبدأ كل فيلسوف بعادة غاية في الأهمية، وهي أن يربط فلسفته، عبر مخططات بسيطة على السبّورة، بما سبقه من الفلاسفة (باعتباره درجة من درجات التطور أو التفرع عن فلسفة سابقة) وما يليه من تأثير في الفلسفات اللاحقة (فيقدم درجات التشابه بين الفلسفات)، تلك إحدى أهم مزايا هذا المساق، لأنك سوف تخرج منه -في النهاية- جامعا الفلسفات كشبكة مترابطة تؤدي كل نقطة بها إلى الأخرى وتقارن كذلك بينها جميعا، ما يسهّل عليك التذكر والاستذكار.

      

   

المساق دسم، يحتاج إلى الكثير من الجهد والإصرار على الاستمرار، سواء بسبب طوله غير المعتاد بالطبع، أو بسبب مستواه، إذا كنت مبتدئا في الفلسفة (من الصفر) فسوف تواجه صعوبة في استكماله، لكنها صعوبة لن تثنيك تماما، حيث يمكن لك مع مواجهة الاصطلاحات المعقدة أن تلجأ إلى الإنترنت من أجل بعض التبسيط ثم تعود مرة أخرى إلى المساق، سوف يبطئ ذلك من حركتك، لكن.. لِمَ العجلة؟ لا أحد يجري خلفك، أنت فقط تتعلم بغرض الاستمتاع. أما إذا كنت على درجة من الأُلفة مع المادة الفلسفية فسوف يكون هذا المساق، كما نزعم، هو أفضل مقدمة لتاريخ الفلسفة رأتها عيناك، يمكن لك بجوار المساق أن تتأمل كتابي ويليام كيلي رايت وفريدريك كوبلستون (الأخير موسوعة ضخمة في ثمانية مجلدات) في تاريخ الفلسفة إن أحببت، لكن ذلك غير ضروري.

    

سيرل يشرح العقل، واللغة، والمجتمع

ما زلنا مع المساقات الثقيلة، لكن السهلة في الوقت نفسه، ولننتقل الآن إلى أحد أشهر الفلاسفة المعاصرين، إنه جون سيرل من جامعة باركلي، والذي يقدم ثلاثة مساقات دفعة واحدة (فلسفة العقل، فلسفة اللغة، فلسفة المجتمع) في نحو 84 محاضرة صوتية متتالية، يبلغ طول الواحدة منها نحو الساعة، ما يعني أننا أمام نحو 80 ساعة عمل كاملة، إنها مهمة لا شك صعبة، لكن سيرل مدرس بارع، يعرف جيدا كيف يستخدم أمثلة دارجة من حياتنا اليومية لشرح توجهات فلسفية غاية في التعقد بالنسبة لمبتدئ، أضف إلى ذلك قدرا عظيما من المرح، لتحصل على الخلطة المثالية.

      

  

في مساقه الأول يحاول سيرل أن يتقصى إجابة فلسفة العقل عن سؤال بسيط: كيف، إن أمكن، يمكننا توفيق مفهوم أن لدينا نفسا واعية، حرة، عقلانية، أخلاقية، اجتماعية، تستخدم لغة، في عالم يتكون بالكامل من جسيمات فيزيائية لا معنى لها؟ لا شك أن هذا السؤال قد شغل بالك في مرحلة ما، وتليه بالطبع أسئلة مثل: ما الوعي؟ وكيف يمكن أن يكون ناجما عن عمليات كهروكيميائية في الدماغ؟ كيف يؤثر ذلك في سلوكنا؟ كيف نخلق الواقع لأنفسنا؟ ما طبيعة الإدراك والذاكرة والمعرفة؟ هل لدينا إرادة حرة؟ هل يهدد وجود العمليات العقلية اللاشعورية إرادتنا الحرة؟ هل يمكن للعلم الإدراكي أن يوسع فهمنا لأنفسنا كبشر؟ هل عقولنا هي حقا أجهزة كمبيوتر رقمية؟ ما طبيعة الإدراك؟… يحاول المساق أن يجيب عنها جميعا.

    

أما في مساقه الثاني، والتالي في ترتيبه حينما تقرر دراسة الفلسفة بالجامعة، فيحاول سيرل أن يجيب عن سؤال: كيف ترتبط اللغة بالعالم؟ بالتالي ينتقل إلى مجموعة أخرى من الأسئلة المتعلقة، فمثلا: ما الحقيقة؟ ما المرجعية؟ ما المعنى؟ أضف إلى ذلك تساؤلات أخرى عن الاستعارات والمجازات والصور، يقدم المساق فلسفة اللغة كجزء من فلسفة العقل، ثم ينتقل إلى الحديث عن أحدث المحاولات في فلسفة اللغة، كذلك يحاول المساق أن يعبر عن اللغة كسلوك ويربط بينه وبين السلوكيات البشرية الأخرى.

  

ثم أخيرا، في المساق الثالث، يبحث سيرل -بحد تعبيره- في سؤال ثالث لا يقل أهمية أو غرابة عن سابقيه، حيث: كيف يختلف المجتمع البشري عن الحيوانات الاجتماعية الأخرى؟ بالتالي سوف يتبحر سيرل في إجابة أسئلة أكثر عمقا مثل: كيف يمكن أن يكون هناك واقع موضوعي لأمور مثل المال والملكية والحكومة والزواج والجامعات؟ فعلى الرغم من وجود مثل هذه الأشياء، لكن يمكن أن يكون ذلك فقط لأننا نعتقد أنها موجودة؟ كذلك يتناول المساق أسس العلوم الاجتماعية والاختلافات بين تفسيرات العلوم الاجتماعية وتفسيرات العلوم الطبيعية للظواهر.

  

الثلاثية لا شك دسمة، لكنها ضرورية لكل مهتم بهذا الجانب من الفلسفة، جون سيرل هو قامة عالية بهذا المجال لذلك لا يمكن تفويت محاضراته إن كنت مهتما، خاصة مع أسلوبه السلس. وقد يساعدك اهتمام المكتبة العربية بأعماله في رحلتك معه، فسوف تجد له مجموعة من الكتب المترجمة على درجات مختلفة من التعقد، لكن لغتها -جميعا- سهلة بدرجة ما، لنبدأ بأكثرهم قربا للمبتدئين وهو "العقل واللغة والمجتمع"، كذلك "العقل: مقدمة موجزة"، ثم "بناء الواقع الاجتماعي" ومؤخرا عبر عالم المعرفة "رؤية الأشياء كما هي: نظرية للإدراك".

  

ساندل يقدم العدالة لطلاب هارفارد

ربما يكون هذا هو أكثر مساقات تلك المجموعة شهرة، وهو كذلك أحد أشهر مساقات هارفارد، إنه مساق "العدالة" للدكتور مايكل ساندل، لكن ربما لا يعرف الكثيرون في الوطن العربي أن هذا المساق قد تُرجم إلى العربية بالكامل عبر منصة "شمسنا العربية" ضمن مجموعة مساقات أخرى في نطاقات معرفية متعددة، لذلك فهي فرصة جيدة جدا أن تبدأ بالتعرف إلى عالم الفلسفة عبر مساق كهذا، خاصة وأنه لا يحتاج إلى أي مقدمات في الفلسفة، فهو مقدم بالأساس لطلبة السنوات التحضيرية.

  

وما يميز المساق، لا شك، هو أسلوب ساندل الغاية في البراعة، لهذا السبب تعتبر هارفارد هذا المساق أداة ترويجية جيدة، فالرجل يتمكن ببراعة شديدة من توصيل أعقد الاصطلاحات الفلسفية للجمهور عبر أمثلة كوميدية من الحياة اليومية، وهو يفعل ذلك طوال المساق، كذلك فإن ساندل بارع في تطوير مساقه بحيث تتهادى الموضوعات بيسر يؤدي كل منها إلى الآخر، فتتمكن بسهولة من جمع أفكارك وتطويرها مع المحاضر شيئا فشيئا.

   

 

المساق مثير للانتباه، يدفعك حتما إلى التأمل والتساؤل، سوف تدخل إليه وأنت على درجة من الثقة بالفارق الواضح بين ما هو أخلاقي وما هو ليس كذلك، لتخرج بتساؤل عن ماهية الأخلاق، والعدالة، والمساواة، والديمقراطية، يسأل المساق: هل يمكن أن تنقذ 5 أفراد في مقابل قتل واحد؟ هل يمكن تبرير التعذيب؟ ماذا لو كان ذلك سينقذ حياة الملايين بسبب قنبلة نووية مدفونة في مكان سرّي لا يعرفه إلا الخاضع للتعذيب؟ هل ستسرق دواء يحتاجه طفلك للبقاء على قيد الحياة؟ هل من الخطأ أحيانا قول الحقيقة؟ كم يبلغ "ثمن" حياة الإنسان؟

    

في 12 محاضرة (تقسمها شمسنا العربية إلى 24 محاضرة مترجمة إلى العربية بمعدل نصف ساعة لكل منها) يعلمك ساندل كيف يمكن أن تكون الفلسفة "ممتعة" على برودتها وتعقيدها الذي نعرفه عنها، ويضع عناوين غاية في الإثارة والدعوة للتأمل، فتجد محاضرة عن "أمومة للبيع" وآخر عن "من يَمْلِكني؟"، ثم "قضية أكلة لحوم البشر"، وموضوعات كـ "الجانب الأخلاقي لجريمة القتل"، يسأل ساندل الطلبة باستمرار ويتلقى إجاباتهم ويصنع استفتاءات بسيطة لكنها مهمة، إن هذا التفاعل مع المحاضر يصنع درجة واسعة من الأُلفة مع مادة المساق المعقدة.

المساق المترجم كاملا من هنا

     

ييل تقدم الموت.. والحياة!

من هارفارد دعنا ننتقل إلى جامعة ييل، وتقدم الجامعة، بشكل مجاني، مساقين رائعين في الفلسفة لم أستطع تفضيل أيهما على الآخر، لذلك قررنا عرضهما معا تحت عنوان واحد يضم مساقات ييل، المساقان -رغم الشهرة العالمية- لا يلقيان اهتماما واسعا بين محبي الفلسفة العرب، ربما بسبب مشكلة الترجمة، لكن إحدى المزايا هنا هي أن كلًّا من المساقين يقدم النص الإنجليزي مكتوبا كترجمة أسفل الفيديو، ما يجنبك مشكلة اللكنة الخاصة بالمترجم، ويصبح كل ما تحتاجه هو ترجمة فقط لبعض الكلمات الصعبة الواردة بالمساق.

   

المساق الأول منهما مثير جدا للاهتمام، بعنوان "الموت"، يقدمه الدكتور شيللي كايجن من جامعة ييل، وهدف المساق هو ببساطة الغوص خلف حقيقة بسيطة تقول إننا حتما سنموت يوما ما، لكن، ما الموت؟ كيف نتعامل -كبشر- مع تلك الحقيقة؟ هل الموت هو النهاية؟ لكن لكي نعرف الموت يجب أن نسأل: ما الحياة؟ هل يتكون الجسد من مادة فقط أم أن هناك درجات من الثنائية الجدلية بين عقل وروح؟ هل من الجيد أن نعيش للأبد؟ ماذا نعني أن نقول إن شخصا ما "مات"؟ أي نوع من الحقائق هو ذلك؟ هل الموت شرير؟ ماذا عن الانتحار؟ هل يمكن أن يكون عقلانيا؟ كيف يمكن أن تؤثر معرفة أننا سوف نموت على الطريقة التي نعيش بها حياتنا؟

المساق من هنا

   

في تلك النقطة دعنا نوضح أن مساق كايجن، في 26 محاضرة، مدة الواحدة منها ساعة، هو مساق فلسفي، يتحدث في فلسفة الموت، لذلك لا علاقة له بالأمور النفسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية المتعلقة بالموت، لا ينصحك كيف تتعامل مع حزن الموت، ولا يتحدث معك في الأمور العاطفية، لكنه فقط يعرض الجوانب الفلسفية (الميتافيزيقية والقيمية) التي تحدثت في هذا الشأن. مثلا، يتعرض المساق للفلسفات الثنائية، والمادية، والحجج الفلسفية التي تتحدث في وجود/نفي الروح، بعد ذلك ينتقل إلى نظرية الهوية، ثم طبيعة الموت من وجهة نظر أخلاقية، وهكذا يستمر كايجن بأسلوب مرن، سلس، بسيط على قدر تعقد الاصطلاحات، شيّق، يمكن فهمه، في الحديث بعمق شديد عن هذا الاصطلاح الذي نخشى حتّى ذكره، الموت، والسؤال عن الموت هو سؤال عن الوجود!

     

   

أما تامار جندلر، الأستاذة بجامعة ييل، فتقدم مساقا فريدا من نوعه حول العلاقة بين الآراء الفلسفية المتعلقة بالطبيعة الإنسانية، وما تقوله العلوم الإدراكية الحديثة حول الموضوعات نفسها، ما يعني أننا سوف نسأل: ما الإنسان؟ هل هو هذا الكائن العقلاني الواعي القادر على بناء حسابات منطقية للأمور؟ أم هو النسخة التطورية المتفرعة من أسلاف لهم كيانات اجتماعية ذات صفات محددة نفترض وجودها أيضا في الإنسان؟ بصورة أكثر اختصارا: هل الإنسان عقلاني؟ لذلك فهذا المساق هو بالأساس قراءات في أهم الأعمال الفلسفية المتعلقة بالأخلاق، والفلسفة السياسية، والبنى الاجتماعية، مع قراءات من جهة أخرى في عالم علم النفس الإدراكي، علم النفس الاجتماعي، وعلم الاقتصاد السلوكي.

المساق من هنا

   

كما ترى فإن المساق يعرض لبحر هائج من الموضوعات المختلفة والمتفاعلة معا، وهذا هو سر روعة هذا المساق، فهذا الانتقال العابر للتخصصات بين الفلسفة وعلم النفس والاقتصاد يعطيك قدرة واسعة على تكوين أفكار مختلفة عما لو كنت درست أيا من تلك النطاقات على حدة، أفكار أكثر شمولا وعمقا وقربا من "الصورة الكبيرة"، لكن المشكلة التي نواجهها في مساقي ييل هنا هي حاجتهما إلى مقدمات في الفلسفة لكي تدخل لهما، خاصة المساق الأخير، أما مساق كايجن فيحتاج إلى مقدمات أكثر بساطة، لكن في النهاية فإن كليهما سوف يغير وجهة نظرك، لا شك، سواء عن الفلسفة نفسها وطريقة تقديمها أو تلك الموضوعات نفسها التي يتحدث فيها كل منهما.

      

   

هوينينجين يشرح فلسفة العلم

أما بول هوينينجين هيون، الفيلسوف الألماني المعروف، فربما هو صاحب المساق الأقل شهرة في هذا التقرير، في الحقيقة لا نجد في مجال "فلسفة العلم" مصادر مجانية كثيرة على الإنترنت، على عكس موضوعات الفلسفة العامة مثلا، أو فلسفة الأخلاق أو الفلسفة السياسية، لكن يمكن القول إن هذا المساق المقدم بالأساس للعلماء والمهندسين سوف يكون فرصة جيدة جدا للتعرف على هذا الجانب الفلسفي الشيق، إنه محاولة -في 12 محاضرة بمعدل نحو الساعتين إلا ربع لكل منها- للإجابة عن سؤال بسيط عن سؤال آخر: ما السؤال الذي يطرحه العلم؟

        

   

لكن لمحاولة إجابة هذا السؤال نحتاج إلى البحث خلف الآلية التي يعمل بها العلم، كيف يصل العلماء إلى إنجازاتهم؟ ما النظريات التي يتبعها العلماء من أجل تطوير مناهج للبحث؟ وهل يمكن اعتبار المعرفة العلمية مختلفة عن باقي المعارف؟ ما سبب أفضليتها؟ هل فقط لأنه يمكن تكرارها والاعتماد عليها؟ وما الخصائص التي تفصل العلم عن باقي المعارف؟ هل يمكن أن تتأثر المعرفة العلمية بجوانب أخرى اجتماعية أو سياسية مثلا؟

    

يحاول هذا المساق أن يقدم الإجابة عن سؤال العلم عبر أربع محاولات مهمة شغلت بال الفلاسفة طوال مئة سنة سابقة، وجهة نظر الوضعية المنطقية، ثم وجهة نظر كارل بوبر التكذيبية، ثم ينطلق المساق بعد ذلك إلى جانب آخر يتعلق بفلسفة توماس كون وما تلاها من تحديات تواجه العلم، خلال ذلك كله يعرض هيون لجوانب كل منها، وكيف يمكن لكل من تلك الجوانب أن يعطي إجابة غاية في الاختلاف لسؤال العلم، ثم بعد ذلك ينتقل لنقدها بشدة وتوضيح نقاط الضعف الموجودة بكل جانب منها، ثم ينتقل هيون بعد ذلك لتحليل منهجيات البحث العلمي وما تعنيه اصطلاحات كـ "نظرية".

    

أسلوب هيون سهل، بسيط، ينبع ذلك بالأساس أن تلك المادة مقدمة لغير الفلاسفة، للعلماء بالأساس، ما يعني أنها محاولة لتعريفهم بمناهج البحث العلمي من وجهة نظرهم كعلماء، ما يجعله، بالنسبة للمبتدئين، فرصة جيدة جدا لتعلم فلسفة العلم، قد يساعدك مع هذا المساق أن تتأمل قليلا كتاب د. يمنى طريف الخولي "فلسفة العلم في القرن العشرين"، مع عدة كتب أخرى قدمها الكاتب في تقرير منفصل بعنوان "خمسة كتب تقدم لك فلسفة العلم".

    

حسنا، بهذا الحد تكون قد انتهت رحلتنا حول الفلسفة غير المشهورة على يوتيوب، إذا كنت مهتما بهذا المجال الرائع والدسم فلا بد أنك سوف تجد ضالتك هنا، تغني المساقات عن كتب ضخمة، تخيل مثلا أن تقارن بين متابعة هولمز في تاريخ الفلسفة وقراءة 10 كتب فيها، المحاضرات كذلك تعطي درجة أكبر من التفاعل، وتدفعك إلى التفرع بصورة أفضل، لكن الفكرة الرئيسية في الاستمرار تتعلق دائما بالجدية تجاه رغباتك في التعلم، لقد أصبحت مصادر المعرفة، بوجود الإنترنت، بين يديك بسهولة، والفكرة أن تكون قادرا على الاستمرار، على الانعزال عن كل هذا البحر الهائج من المثيرات الذي ندعوه "وسائل التواصل الاجتماعي"، لبعض الوقت، كي تتعلم القليل عن روعة الفلسفة.