شعار قسم ميدان

أساتذة متحرشون.. هل نحن أمام هوس جنسي بالمؤسسات التعليمية؟

midan - girl
مقدمة المترجمة

 يتناول التقرير في أدناه ظاهرة التحرش الجنسي في أوساط العلماء الميدانيين في الغرب. ورغم أن القاسم المشترك في معظم حالات التحرش هو الهيمنة الذكورية، إلا أن قيمة التقرير الجوهرية تكمن في تخصيصه ميدانًا معينا لدراسة أسباب ظاهرة التحرش الجنسي وتحليل كافة جوانبها وآثارها، بعيدًا عن التعميمات الثقافوية المنتشرة حول التحرش الجنسي، والتي قد توصَم بها مجتمعات بأكملها دون دراسة جادة لهذه الظاهرة، أو تحليل موضوعي لعواملها. جدير بالذكر أن المسح المستشهّد به في المقال، استجوب الذكور والإناث على حد سواء. لكن أكثر الضحايا كُن من النساء.

 

نص التقرير

خلال الأسبوع الفائت، وبعد يوم على صدور تقرير صحيفة نيويورك تايمز عن مزاعم سنوات من التحرش الجنسي، ضد منتج الأفلام هارفي وينشتاين، ظهر تقرير مقلق آخر، إنما من مجلة العلوم "ساينس"، لا من هوليود. تقع الأحداث هذه المرة ضمن البعثات البحثية إلى قارة أنتاركتيكا، لكن السردية هي ذاتها. حيث يقدم رجل، يعي ما يترتب على منصبه جيدًا، على افتراس نساء في الميدان البحثي، دون مساءلة أو رقابة لسنوات. 

 

بحسب مجلة "ساينس"، فقد استهلت جامعة بوسطن تحقيقًا إثر ادعاءات تحرش جنسي ضد ديفيد مارشانت، وهو عالم جيولوجيا في قارة أنتاركتيكا ورئيس أحد أقسام الجامعة، من قبل طالبتين سابقتين لديه في الدراسات العليا. وبحسب الإفادة التي تقدمت بها المرأتان للمجلة، فقد تعرضت كلتاهما إلى تحرشات لفظية وجسدية من قبل مارشانت أثناء بعثة بحثية قمن بها إلى قارة أنتاركتيكا قبل عشرين عاما. بينما تفيد الوثائق المتصلة بالقضية إنكار مارشانت هذه المزاعم.

 

البعثات البحثية هي خبرات لا بد منها للعلماء الشباب كما وأنها تشكّل حجر الأساس في بناء سيرتهم المهنية. إلا أنها، وإلى حد ما، خاضعة لظروف أية صناعة أخرى يهيمن عليها الذكور، وهو ما يعني أنها لن تكون محصنة ضد التحرشات الجنسية. في مسحٍ أجري عام 2014 يستهدف العلماء الميدانيين، قال 64 بالمائة من المستجوبين إنهم قد اختبروا بأنفسهم تحرشات جنسية أثناء القيام بمهامهم الميدانية، في حين أبلغ 20 بالمائة عن تعرضهم لاعتداءات جنسية صريحة.

 

تقول مجلة
تقول مجلة "ساينس"، بأن جملة الادعاءات ضدَّ مارشانت جاءت من قبل بعثة صغيرة إلى منطقة "بيكون فالي" في أنتاركتيكا، حيث ينام الناس في خيام تعوزها التدفئة على أرض قاسية مهجورة
 

لكن طبيعة العمل الميداني يمكن أن تضاعف من وقع الآثار الجانبية للتحرش الجنسي، بالأخص في الأماكن المنعزلة النائية، حيث يشح التواصل مع العالم الخارجي ولا تعود المسافة من الواقع جسديةً فحسب وإنما عاطفيةً أيضا؛ وهو ما يؤدي إلى إحساس الضحية بعِظَم العجز. في غمرة تلك اللحظة، قد يشعر الضحايا، حرفيًا بأن لا مكان يمكن أن يلجأوا إليه.

 

وتضيف مجلة "ساينس"، بأن جملة الادعاءات ضدَّ مارشانت جاءت من قبل بعثة صغيرة إلى منطقة "بيكون فالي" في أنتاركتيكا، حيث ينام الناس في خيام تعوزها التدفئة على أرض قاسية مهجورة، بينما تصلهم المؤن بالمروحيات. وحيث كانت وسيلة تواصُلهم الوحيدة مع الآخرين، طيلة أسابيع، هي الاتصال الإذاعي بالمحطة المركزية.

 

تدَّعي جاين ويلينبرينغ، التي تعمل الآن كأستاذ مشارك بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو، بأن مارشانت، الذي كان خلال هذه الرحلة الأستاذ المشرف على أطروحتِها البحثية، قد نعتها بـ "السافلة" و"الساقطة" ودعاها إلى ممارسة الجنس مع أخيه الذي كان معهم في تلك الأيام. وتضيف بأن مارشانت توعَّد لها يوميا: "سَأجعلك تذرفين الدموع".

 

بينما تدعي امرأة أخرى، تحفظت المجلة على ذكر اسمها، بأن مارشانت، خلال بعثة مختلفة إلى أنتاركتيكا، قلل من شأنها ونعتها بـ "الساقطة" مرارا. وفي شكوى رسمية قالت "مع الوقت، بدأت أصدق كل الأشياء التي نعتني بها".

 

من منظور المعتدي، بحسب رذرفورد،
من منظور المعتدي، بحسب رذرفورد، "يتم تحديد الضحية كما لو كان المعتدي يرغب بشيء يملك سيطرة عليه، سلفًا
 

في موضع آخر من الشكوى، تذكرُ ويلينبرينغ بأن مارشانت في أحد الأيام أخبرها أن "وقت التدريب قد حان"؛ وفي خضم حماستها لاعتقادها أنه قد يعلمها شيئا جديدا، سمحت له ويلينبرينغ بسكبِ رماد بركاني، بما فيه من شذرات صغيرة جدا من الزجاج، على راحتيها؛ ومع أنها عانت العمى الثلجي بسبب التعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية، التي تسبب حساسية العينين، تقول إنها انحنت للمراقبة فقام مارشانت بالنفث على الرماد ليدخل في عينيها. وتضيف "لقد كان يعلم أن دخول شذرات الزجاج في عيني الحساستين سلفًا سيكون مؤلمًا بالفعل – وقد كان حقا".

 

إن تفاصيل هذه الادعاءات صادمة في دناءتها. لكن حقيقة أنها موجودة ليس بالأمر المدهش على الإطلاق، كما تقول جوليين رذرفورد، عالمة الأنثروبولوجيا البيولوجية بجامعة إلينوي في ولاية شيكاغو، وإحدى مؤلفات مسح عام 2014. التي أضافت أن هكذا تقارير عن المضايقات الجنسية، في حالة كل من وينشتاين ومارشانت، هي جزء من إفادات أوسع موثقة بدقة حول قصص مماثلة على مدار سنوات.

 

من منظور المعتدي، بحسب رذرفورد، "يتم تحديد الضحية كما لو كان المعتدي يرغب بشيء يملك سيطرة عليه، سلفًا. يحطمها إلى درجة تتلاشى معها أي ثقة بنفسها، إلى درجة أن تعاني الأمرّين أثناء القيام بعملها، ويعزلها إلى درجة أنها إما ألا تقدم على الإبلاغ عنه أو أن يترتب على الإبلاغ عنه الشيء الكثير. هي الحكاية ذاتها مرة تلو أخرى، وهي مأساوية في كل مرة".

 

قد لا يتوفر خيار الإبلاغ عن واقعة التحرش فور وقوعها ضمن بعثة بحثية بعيدة، وقد يكون المشرف هو المعتدي، وقد يشعر الشهود على الواقعة بالعجز في تلك اللحظة، لربما مخافة أن يصبحوا هم أنفسهم أهدافا له.

 

تخشى بعض ضحايا التحرش انتهاء سيرتهن المهنية إن تم الإبلاغ عن الإساءة. (بيكساباي)
تخشى بعض ضحايا التحرش انتهاء سيرتهن المهنية إن تم الإبلاغ عن الإساءة. (بيكساباي)

إن صدمة التحرش تلاحق الضحايا من الميدان إلى بيوتهنَّ ومؤسساتهنّ؛ فقد يكون تجنب المعتدي مسألة صعبة، كما يفيد تقرير حول الضحايا، كان قد نشر يوم الأربعاء الفائت من قبل رذرفورد وزملائِها المشاركين في تأليف مسح عام 2014. والتي تضيف "لقد وقعت هذه التفاعلات إما في حرم الجامعة، أو المؤتمرات، أو حتى عبر الانترنت، حيث أفصحت فئة قليلة عن تسلمها رسائل غرامية بعد صد المحاولات التي قام بها زملاء لهن".

 

تخشى بعض الضحايا انتهاء سيرتهن المهنية إن تم الإبلاغ عن الإساءة. حيث تزعم المرأة المجهولة، لمجلة "ساينس" بأن مارشانت قد هددها بحرمانها من تمويل البحث. بينما أفادت ويلينبرينغ، بأنها انتظرت تثبيتها الوظيفي، قبل التقدم برفع شكوى في حق مارشانت، لخوفها من قصاص زملائها في العمل. "إن مجرد إلقاء نظرة على البيانات التي بحوزتنا، سيكون أمرًا صادمًا"، بحسب روبن نيلسون، أستاذ الأنثروبولوجيا البيولوجية في جامعة سانتا كلارا، ومعاون رذرفورد في تأليف المسح. وهو ما قد يؤدي لأن تُهجر وظائف بأكملها.

 

منتج الأفلام هارفي وينشتاين الذي صدر بحقه تقرير صحيفة نيويورك تايمز عن مزاعم سنوات من التحرش الجنسي
منتج الأفلام هارفي وينشتاين الذي صدر بحقه تقرير صحيفة نيويورك تايمز عن مزاعم سنوات من التحرش الجنسي
 

ثمة أيضا مخاوف عدم التصديق؛ "ثمة ما يبدو أنه استجواب مقتضب للضحايا، ما لم تكن هذه القضايا شائنة بحق"، قالت ميريديث هاستينج، وهي أستاذ مشارك بجامعة براون والتي هي أيضا جزء من مشروع قومي لمنع التحرشات الجنسية في ميادين علوم الأرض.

 

إن تقارير المضايقات الجنسية من قبل علماء ذكور، هم جدُّ معروفين ولهم وزنهم في حقولهم العلمية، قد ظهرت في السنوات الأخيرة في مجالات بحثية عديدة، من علوم الفضاء إلى مجال الأمراض المعدية، وبالرغم العديد من الحوادث التي لم تتعرض للمساءلة لعقود. تتم مناقشة السلوك السيء بهدوء وتحفظ في شبكات تهامس بين النساء، تتبادلن فيها القصص والتحذيراتِ بشأن مشرفين أو أساتذة أو باحثين، قد يكون منهم من تعوزه اللباقة، ومن يتحرش، ومن ينبغي أن يتم تجنبه بأي ثمن.

 

لن تكون القصص العديدة التي ظهرت مؤخرا حول المضايقات الجنسية بالأخيرة، سواء في ميدان العلوم أو في هوليوود. لقد وقعت إساءات مشابهة لها من قبل، أكان في غرف الفنادق أم في مخيمات الأبحاث، وستستمر في الوقوع. ستثير تلك الحوادث القادمة الغضب، كما فعلت هذه، لكنها لن تشكل أية مفاجأة. "هذا شائع؛ إنه ليس سلوكًا منعزلا"، قالت رذرفورد، مردفةً "إنها ليست مجرد عينات صغيرة. إنها أمثلة على حملات ممنهجة من الإساءة ضد من هُم أصغر سنًا".

______________________________________________
مترجم عن: (ذا أتلانتك)
المصدر : الجزيرة