شعار قسم ميدان

لماذا تكره فرنسا الحجاب؟

midan - hijab
تستقصي هذه المقالة إشكاليّة الحجاب في الفضاء الفرنسيّ، وكيف تتذّرع الحساسيّة الحديثة بحجج علمانيّة وقوميّة تجاه ارتدائه مع مسلمي فرنسا وغيرهم. وتشير إلى أعمال باحثين مهمّين ينتقدون فكرة"الأمّة الفرنسيّة" الحديثة العلمانيّة، وتتحدث عن وضع الأقليات داخل (الدّول/الأمّة) الحديثة.

تُعدّ صبا محمود واحدة من الباحثين الموهوبين للغاية الذين استوعبوا الحساسيّة ما بعد الكولونياليّة، لقد تعلّمت أن تنظرَ إلى العالَم من عيون هؤلاء الذين كانوا موضوعات "بيداغوجيّة" للكولونياليّة الأوروبيّة، إنّ الأدبيّات المكتوبة حول الاستشراق كثيرة وواسعة، وتشير الأدلّة إلى أنّ أوروبا لا يمكن أن تتخلّص بسهولة من الافتراض المتأصّل القاضي بأنّ طريقتها في الحياة ومنتجاتها العلميّة هي النقطة "الأرخميديّة" لفهم بقيّة العالَم بأكمله.


لقد أثبتت تومكو ماسوزو في كتابها "اختراع الأديان العالَميّة" الصادر سنة 2007 بشكلٍ مستفزّ أنّ فكرة "الدين العالميّ" هي بناءٌ فكريّ يفترضُ ضمناً بأنّ المسيحيّة هي الدين الكونيّ الوحيد الذي يتحرر من المحليّ والخصوصيّة.

 

المسلمون يتدفّقون إلى أوروبا غير المهيّأة فكريّاً وروحيّاً، بعضٌ من مواطنيها يتعاملون معهم ببغض وجهالة متطرفة. (رويترز)
المسلمون يتدفّقون إلى أوروبا غير المهيّأة فكريّاً وروحيّاً، بعضٌ من مواطنيها يتعاملون معهم ببغض وجهالة متطرفة. (رويترز)

وفي عصرنا الحالي المليء بالعقول المنكمشة والقلوب الواهنة، فإنّ الذعرَ والخوف الذي يطاردنا من خلال تخيّل المسلمين والمسيحيين قد جعلَ من المستحيل أن نأخذ مسافة من وضعنا وظرفنا وأن نتطلّع إلى عالم يسوده الوئام، إنّ المسلمين يتدفّقون إلى أوروبا غير المهيّأة فكريّاً وروحيّاً، بعضٌ من مواطنيها يتعاملون معهم ببغض وجهالة متطرفة.

 

بالمقابل، فإنّ بعض الرجال المسلمين يتصرّفون بطرقٍ مستهجنة حيال الشابات، وحتى هنا لا تزال الكولونياليّة فعّالة مثلما تُقام الحصص الأوروبيّة لتعليم الرجال المسلمين كيف يتعاملون مع النّساء الغربيّات، إذ تعرفُ أوروبّا ما هو جيّد لطلابها.

 

وأودّ، في هذه المقالة المتواضعة، أن أشير ببساطة إلى أنّ الفُهوم التي لدى المسلمين والمسيحيين عن بعضهما البعض التي يمكن أن تكون قائمة في الافتراض الأوروبيّ المسلّم به؛ القائل إنّ المسيحيّة الغربيّة هي دينٌ متفوّق وأسمى. وحتّى في شكلها الحديث العلمانيّ، فمن المفترض أن تكون متفوّقة على كافّة طرق الحياة الأخرى، وذلك باعتبار أنّ الأديان الأخرى هي أديان غير مسيحيّة مثل الإسلام الذي لم يسبق له أن تعلّم من الحقائق الغربيّة حول كيف يجب على الدين أن يكون حاضراً في حياة المجتمع.

 

وهذا هو حجر الزاوية لهذه القاعدة، إذ أنّ المسيحيّة في أوروبّا تمّ ترويضها وإسلامها إلى المجال الخاصّ، وهذه هي السبيل التي ينبغي أن تكون المسيحيّة المُحدَّثة حاضرة في الحياة الداخليّة لعددٍ قليل من الأفراد الذين قد يذهبون إلى الكنيسة.

 

وهناك افتراضٌ ثالث له علاقة بفكرة خاطئة وتُنسى طوال الوقت تقول أنّ "الدّولة العلمانيّة" هي دولة متسامحة حيال كافّة أشكال التعبير الدينيّ؛ وبالتالي، فهي غير متورّطة زعماً في الحياة الدينيّة للدّولة. ولهذه القضيّة، أودّ أن ألفت إلى الاشتغال العلميّ لصبا محمود وجون بوين وطارق رمضان.
 

 تستهلّ صبا محمود في بحثها تحت عنوان "تنوع المصادر العلمانية؟" المنشور في كتاب تنوّع العلمانيّة في عصرٍ علمانيّ، "مساءلتها النقديّة لتشارلز تايلر بإعلانها بأنّها تحدّد هدف دراسته تقليد دينيّ متماسك، متوازٍ مع جغرافيا مكانيّة، والذي يمكن أن يُرسَم تكشّفه التاريخيّ دون اعتبارٍ للتقاليد الدينيّة غير المسيحيّة التي قد تعايشت داخل فضاء "العالم المسيحيّ اللاتينيّ" بذاته ". ص ٢٨٥

ألفت الكاتبة صبا محمود بحثا بعنوان
ألفت الكاتبة صبا محمود بحثا بعنوان "تنوع مصادر العلمانية" وتثير فيه تساؤلات نقدية عن دراسات تشارلز تايلر

وتثير صبا محمود نقطتين بارزتين؛ "أولاً: ليس العالم المسيحيّ اللاتينيّ متجانساً كما يشير تشارلز تايلر. ثانياً: لا يمكن فهمه دون مجابهته مع الآخرين في العوالم الجديدة. هذه المجابهات -كما تلاحظ صبا محمود- لم تدع المسيحيّة ببساطةٍ دونما مساس وإنّما حوّلتها من داخلها، وهو التحول الذي ينبغي أن يكون في صلب أيّ فهم ذاتيّ للمسيحيّة" المصدر نفسه

 

والحال أنّ إغفال هذه القصّة هو أشبه بإغفال تاريخ العبوديّة والكولونياليّة من تصوّرات الحداثة ما بعد الأنواريّة وهو الإغفال الذي يمكّن فكرةً تقدميّة للتاريخ وادعاءات معياريّة حول مَن المؤهّل والمستحقّ لأن يكون حديثاً ومتحضّراً. ص٢٨٦

 

تتمثّل الفكرة الرئيسيّة القويّة لدى صبا محمود في أنّ فهم الذات لدى المسيحيّة تمّ تشكيله بصورة متزايدة بتعالقها في نظامٍ عالميّ إمبرياليّ. إذا كان العمل التبشيريّ مهمّاً للتطورات داخل المسيحيّة ولكثيرٍ من الأفكار المركزيّة ومؤسّسات العالم المسيحيّ اللاتينيّ. ص ٢٨٧

 

وتشير محمود إلى أنّ المبشّرين شكّلوا أنظمةً تعليميّة، جالبين أشكالاً من العقلانيّة وطرقاً من التفكير في العالَم على شاكلة الغرب. وتقول إنّ كلّ ركنٍ من أركان الكرة الأرضيّة، في الحقبة من 1858 إلى 1914، وهي ذروة القوّة الكولونياليّة، قد اختُرِقَ بالبعثات التبشيريّة المسيحيّة.

 

والأهمّ من ذلك أنّ هذه البعثات التبشيريّة لم تمهّد الطريق ببساطة للحكم الكولونياليّ كما يُلاحَظ في كثيرٍ من الأحيان، وإنّما لعبت دوراً حاسماً في تشكيل وإعادة تعريف المسيحيّة الحديثة لتتلاءم مع مقتضيات نظامٍ اجتماعيّ وسياسيّ ليبراليّ ناشئ في أوروبّا. ص٢٨٧

 

بالنسبة إلى صبا محمود، يفشل تشارلز تايلر في إدراك القوّة الأيديولوجيّة الهائلة التي يوجبها "التاريخ الإمبريقيّ" للمسيحيّة في تأمين ما يُشكّل الدينيّ والعلمانيّ بالضبط في المجال التحليليّ. ص٢٨٩. إلّا أنّ هذا التأمين، تحاجج صبا، يأتي بتكلفةٍ كبيرة، إذ إنّه يشتبكُ في ممارسةٍ أمَّنَ من خلالها "الشمال الأطلنطيّ" استثنائيّته تاريخيّاً وأصالة وكونيّة أشكاله الدينيّة وتفوّق حضارته. ص٢٩٠

 

إذاً، تحتفظُ الحداثةُ العلمانيّة الغربيّة، بطريقةٍ ما، بآثار أصولها الأوروبيّة المسيحيّة، غير أنّ العواقب خطيرة: إذ إنّ الإقامة في هذه الإيماءة التأسيسيّة دون نقدٍ وتمحيص -كما يفعل تشارلز تايلر-، والتي عن طريقها يعزّز الغربُ امتيازَه الإبستيميّ والتاريخيّ، ليست مجرّد وصفٍ لبنية خطابيّة وإنّما هي كتابة من داخل مفاهيمها ومطامحها حتى قد يقول امرؤٌ إنّها تأييد لأهدافها وافتراضاتها، والحال كون تايلر يقيمُ أحياناً في هذا الخطاب بصورة مثيرة للمفارقة -كما يتجلّى ذلك في اعترافه بالتصوّرات المحتملة الأخرى التي قد تُقدَّم حول العلمانيّة- إنّما لا يقوّض قوّة هذا الخطاب، بل يجعله فقط أكثر قبولاً لجمهورٍ ما بعد إمبرياليّ، وهذا نقدٌ ألمعيّ في واقع الحال.

 

وقد ساهمت صبا محمود أيضاً بأفكار حصيفة في النّقاش الجداليّ الذي يحيطُ بفكرة "العلمانيّة السياسيّة"، إذ تعتقدُ مصبا أنّ تايلر غير مبالٍ بالعلمانيّة السياسيّة إلى حدّ كبير، لكن كما لاحظَ باحثون من أمثال طلال أسد ووندي براون وراجيف براجفا بهارجافا وجون بوين، فإنّ علمانيّة الدولة لا تعني أنّ الدولة تغسل يديها من الدين تماماً.

في فرنسا يمكن للأديان المُعترَف بها أن تحتفلَ بمعتقدها في بناياتٍ مصمّمة لذلك، وتعلّم مبادئها في هذا الفضاء المحدود. (رويترز)
في فرنسا يمكن للأديان المُعترَف بها أن تحتفلَ بمعتقدها في بناياتٍ مصمّمة لذلك، وتعلّم مبادئها في هذا الفضاء المحدود. (رويترز)


أجل، توفّر سيادة الدّولة العلمانيّة السلطةَ لتنظيم الحياة الدينيّة من خلال تشكيلة من الممارسات الانضباطيّة التي هي سياسيّة وكذلك إيتيقيّة. ص٢٩٣

 

تُشير أفكار صبا محمود "فوكويّة الطابع" -نسبة إلى ميشيل فوكو- إلى كم هو سهلٌ نسيان الطريقة التي تخوّل بها الدّولة العلمانيّة الحديثة بفعاليةٍ النماذجَ المعياريّة للذاتيّة والممارسة الدينيّة.
 

في كتابه "لماذا تكره فرنسا الحجاب: الإسلام والدّولة والمجال العامّ" الصادر سنة 2007، يشرح جون بوين بشكلٍ حاذقٍ كيف أنّ التفكير الجمهوريّ الفرنسيّ يقتضي أن الناس الذين يؤمنون بالعيش معاً عليهم أن يتفقوا بشأن قيم أساسيّة، وتحوذُ المصالح الجماعيّة الأسبقيّةَ على المصالح الفرديّة والتعدّديّة، إلّا أنّ هذه "المصالح الجماعيّة" تفترضُ أنّ المسيحيّة الأوروبيّة قد خرجت من المجال العامّ، واضعةً معياراً للممارسة الدينيّة.

 

في هذه الحالة، يتحتّم على الدّولة أن تبني المؤسّسات والسياسات لاستيعاب القادمين الجدد إلى المجتمع الفرنسيّ "بتعليمهم طرقاً معيّنة من التصرّف والتفكير" ص١١. وتقدّم المدرسةُ الحكوميّة وظيفة جوهريّة في تربية وتعليم الأطفال والشباب ليكونوا مواطنين فرنسيين، ويقول بوين إنّه "في الطّرق الجمهوريّة لفهم التاريخ الفرنسيّ، فإنّ الدمجَ واللائكيّة هما رمزان توأمان على طريق تحقيق النموذج السياسيّ الفرنسيّ". ص١٢

 

لقد اتخذت الدّولة الفرنسيّة شكلَها الحالي بالأساس باعتبارها ردّاً على الحروب والصراعات الدينيّة في أزمنة غابرة، وهذا يعني أنّ الدولة تراقب بفعاليةٍ الدينَ المنظّم لأنّ المجالَ العامّ يجب أن يكون محايداً حيال الدين، فيمكن للمرء أن يدخل المجالَ العام فقط كمواطنٍ؛ وهذا يتطلّب تجريد الفرد من سماته الفرديّة -وهي ليست بمسألة يسيرة-.

 

وهذا يعني أيضاً أنّ الدّولة الفرنسيّة ستقوم بكلّ من تقويض حدود المعتقد والممارسة الدينيّة كما تقوم بطلب شيءٍ ما من الإسلام والمسيحيّة أو من أيّ دينٍ آخر يختارونه للاعتراف به، ويمكن إذن للأديان المُعترَف بها أن تحتفلَ بمعتقدها في بناياتٍ مصمّمة لذلك، وتعلّم مبادئها في هذا الفضاء المحدود.

 

فلا يُسمح مثلاً للواعظ المبشّر القديم الذي ظهر على زوايا الشوارع في الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، ولن يُسمح ببيع الكتب الدينيّة على الأرصفة، فهذا ينتهكُ النظام العامّ، ويشير بوين إلى أنّ الدّولة الفرنسيّة تستعملُ قوّتها القسريّة والمعياريّة لاحتواء التعبير الدينيّ في بناياتٍ ولتحديد نطاق حياته الجماعيّة كعبادةٍ في البُنى نفسها، إنها تبقى ساهرةً ومراقبة نشاطات القادة الدينيين.

 

وبالتالي حتى الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية الرومانيّة التاريخيّة عليها أن تؤدي طقسها الدينيّ داخل الكنائس المألوفة، الباهرة ببذخٍ والفارغة في كثير من الأحيان، حيث يمكنها أن تعلم الحياة الخاصّة. لكنّ الدّولة الفرنسيّة تحاول أن تملأ الصاعقة، إذ يدور الدين -أو يمكن أن يكون- حول كلّ الحياة وهذا يشملُ الحياة العامّة، فالبابا فرانسيس، لاهوتيّ التحرير الأرجنتينيّ، مثلا يتحدّث عن مشاكل عالميّة مثل الفقر وعنف دولة إسرائيل في فلسطين أو عن تغيّر المناخ.

يستطيع المرءُ أن يتجاهل وجود الصلبان والكنائس لكنّ
يستطيع المرءُ أن يتجاهل وجود الصلبان والكنائس لكنّ "الهلال والمسجد" تهديدٌ محتمل للأفكار الجمهوريّة عن الصالح العامّ. (رويترز)

ولا يمكن لدولةٍ أن تقول له ما يجب أن يتحدّث حوله أو أنّه يجب أن يهمس في السرّ، أمّا بالنسبة إلى الإسلام، كما يلاحظ بوين، فإنّ "ممارساته الطقسيّة العامّة، التي تشملُ التضحيةَ وارتداء الحجاب والسجود في بناياتٍ غريبةٍ، إنّما يحسّ البعضُ أنّها تهدّد الحياة العامّة" ص٢٠. وبينما بمقدور المرء أن يقدّم حجةً مقنعةً للمماثلة بين الحجاب ورداء الراهبات، أو بين المسجد والكاتدرئيّة، فإنّ الارتباك الفرنسيّ يعكسُ جِدّة هذه الرّموز الدينيّة، كما أنّها تعكسُ أيضاً تسليماً بأنّ المسيحيّة الغربيّة هي دينٌ متفوّق على الإسلام.
 

ويستطيع المرءُ أن يتجاهل وجود الصلبان والكنائس -فهذا جزءٌ من التاريخ الفرنسيّ بنهاية المطاف- لكنّ "الهلال والمسجد" تهديدٌ محتمل للأفكار الجمهوريّة عن الصالح العامّ. بالفعل، بعد عام 1989، رأى كثيرٌ من المواطنين الفرنسيين الإسلامَ كحضورٍ من المحتمل أن يكون مؤذياً وأنّ الطلاب المسلمين أدوات له، وأعلنَ بالأساس أبناء المهاجرين المسلمين -ربّما كردّ فعلٍ على إيمان آبائهم الفاتر وعلى الفوضى المتولّدة غربيّاً في البلدان الإسلاميّة- الإسلامَ كهويّة جديدة لهم.

 

وقد تناغمَ ذلك مع القادة الإسلاميين السياسيين الذين رفعوا الإسلام أيضاً كمرشدهم لكلّ ما في الحياة، وبالتالي عندما ظهرت ثلاث فتيات يرتدين الحجاب في مدارسهنّ بعام 1989، فقد كانت حقّاً الشرارة التي أشعلت بركان الخوف، ويُبرز بوين صلابة تشكّل الهويّة الإسلاميّة لجيلٍ محكومٍ عليه بغطاءٍ ثقافيّ يتيم وبهشاشة أنطولوجيّة. ص٦٧

 

وعنى هذا أنّ الإسلام قد مُورِسَ لتوّه بطريقة علنيّة جدّاً؛ فقد ازداد الاستياءُ كما تنافسَ المواطنون الفرنسيّون على الوظائف، متنازعين مع اختلافاتٍ ثقافيّة مرئيّة ومواجهين "جِدّةً راسخةً على التربة الفرنسيّة القديمة المزعومة". ص٦٨

 

إنّ المنظرين الثقافيين وما بعد الكولونياليين قد أولوا بعض الانتباه للطريقة الجداليّة التي مزّق بها الجسدُ الإسلاميّ واستعمال الفضاء الأشكال "الكاثوليكيّة" الفرنسيّة المسلّم بها للذات وللتعبير الدينيّ، وفي الواقع رغم النقاشات الدائرة حول المعاني المتعدّدة لاستعمال الحجاب، فقد أصبحَ الحجاب أو وشاح الرأس صناعة ثانويّة.

 

فهؤلاء الذين هم من اليسار العلمانيّ قد نظروا إلى الحجاب باعتباره رمزاً على الاضطهاد الأنثويّ؛ في حين قد تحدّثت فتياتٌ ونساء مسلمات كثيرات عن حقّهن في أن يعبّرن عن أنفسهنّ واتخاذ القرار، وتمّت مقاومة الخصخصة المستكينة للدين باعتباره جزءاً لا يتجزّأ من الدّولة الفرنسيّة العلمانيّة وتمّت منازعتها، وكانت النساء والفتيات المسلمات يكافحن للتفاوض على نطاق الحريّة والسّلطة الاجتماعيّة. ص٧١

كثير من النساء المسلمات في الغرب الآن يُشرن إلى حقهن في الاحترام بارتدائهن الحجاب، لكن إخلاصهنّ للأحكام الإسلاميّة لا يمنعهنّ من اكتساب بعض الأذواق الغربيّة 
كثير من النساء المسلمات في الغرب الآن يُشرن إلى حقهن في الاحترام بارتدائهن الحجاب، لكن إخلاصهنّ للأحكام الإسلاميّة لا يمنعهنّ من اكتساب بعض الأذواق الغربيّة 

يلاحظ طارق رمضان في كتابه "المسلمون الغربيّون ومستقبل الإسلام" الصادر عام 2004 بأن "كثيرات من النساء المسلمات في الغرب الآن يُشرن إلى حقهن في الاحترام بارتدائهن الحجاب وإعطاء أمارة واضحة للحشمة التي يودّون الاقتراب منها: لكن إخلاصهنّ للأحكام الإسلاميّة لا يمنعهنّ من اكتساب الأذواق الغربيّة تماماً عندما يتعلّق الأمر بنمط ملابسهن أو لونها". ص١٤٣

 

وفي النهاية، مرّرت الدولة الفرنسيّة قانوناً ضدّ الرموز الدينيّة في المدارس العامّة، ويعلّق بوين على ذلك بقوله "إنّ الحجاب، وهو ما كان القانون حوله يدور، قد أصبح رمزاً على الإسلامويّة المتصاعدة والحياة الاجتماعيّة المتدهورة". ص٢٤٢

 

وعند هذه النقطة، أرسل القانونُ باعتباره المربّي القاسي رسالة صارمة للإسلاميين والمسلمين، فعلى الجمهوريّة أن تكون هي النبراس الموجّه للعيش معاً في فضاءات عامّة، وهذا يعني العيش "في مساحات عامّة يُستبَعد منها أي سمات عرقيّة أو دينيّة أو غيرها، وأنّ المدارس العامّة تربي تلاميذها على محو الاختلافات وعلى التبني الجماعيّ للجمهوريّة".  ص٢٤٦

 

وإذا كان هذا الشكل من أشكال "العلمانيّة السياسيّة" لا يزالُ قائماً في فرنسا وفي غيرها، فلا يمكننا أن نتنبأ إلّا بمزيدٍ من الكوارث وبأسى مقبل أمامنا.

============================

المقال مترجم من: هذا الرابط

المصدر : الجزيرة