شعار قسم ميدان

تأثير المتفرج.. لماذا لم يتدخل الناس لإنقاذ شابيّ قطار الصعيد بمصر؟

ميدان - تأثير المتفرج.. لماذا لم يتدخل الناس لإنقاذ شابيّ قطار الصعيد بمصر؟ 22
لا بد وأن الخبر الأكثر تداولا بين المصريين خلال اليومين الفائتين كان ذلك المتعلق باضطرار شابين مصريين للقفز من القطار (إسكندرية – أسوان) بضغط من المسؤول عن القطار باعتبار أنهما لم يقوما بدفع 70 جنيها ثمنا للتذكرة، الأمر الذي تسبب في موت أحدهما وإصابة الآخر. لكن السؤال الذي يبدو أكثر إلحاحا هو: لماذا لم يتدخل أحد؟، أليس من المفترض أن يعترض/يتدخل أحد لمنع "الكمسري" من دفع هذين الشابين للنزول من القطار بهذه الطريقة؟. عند هذه النقطة دعنا نستدعي واحدة من أشهر الحكايات في تاريخ علم النفس، والتي ربما تمنحنا بعض الإجابات عن سؤالنا المحيّر.
  
 

   

ففي وقت مبكر قبل شروق شمس يوم 13 (مارس/آذار) 1964 كانت كيتي جينوفيز(1) (Catherine  (Genoveseذات الأعوام الثمانية والعشرين عائدة إلى منزلها في حي "كيو غاردن" بنيويورك بعد يوم عمل متكرر ومرهق، لكن هذه المرة كانت مختلفة، إذ شاءت الظروف أن تلتقي بـ وينستون موزيلي الذي تتبَّعها لمسافة قصيرة ثم هجم عليها وطعنها مرّتين من الخلف، هنا صرخت جينوفيز: "يا ربّي، لقد طعنني، أنقذوني!"، في تلك اللحظة انفتحت النوافذ في المباني وخرج العديد من السكان لرؤية ما يحدث وصرخ أحدهم: "أنت.. اتركها لحالها"، هنا جرى موزيلي بعيدا، في تلك الأثناء تحركت جينوفيز ببطء شديد نحو مدخل أحد المباني المجاورة، لكن الحكاية لم تنتهِ عند تلك النقطة للأسف.

 

لحق موزيلي بجينوفيز من جديد بعد حوالي عشر دقائق وطعنها عدة مرّات، ثم اغتصبها، وسرق منها 48 دولارا، ثم هرب، بعد ذلك بقليل اتصل أحدهم بالشرطة وجاءت عربات الإسعاف لكن جينوفيز ماتت في الطريق للمستشفى. هنا ربما سوف تطرح -وأنت غاية في الفضول والغضب- سؤالك الأول: أين ذهب الناس؟ ألم يتدخّل أحد لينقذ تلك الفتاة الغارقة في دمها طوال تلك المدة ما بين صراخها وعودة قاتلها واغتصابه لها؟ نحن نتحدث هنا عن -قُل- نصف ساعة كاملة أو ما هو أكثر، وعدد من سكان المنطقة قد شاهدوا الحادثة، أين ذهب هؤلاء؟

 

لماذا لم يتدخل أحد لإنقاذها؟
أمسكت الشرطة بعد ستة أيام بموزيلي الذي اعترف بجريمة القتل ثم نال حكما بالحبس مدى الحياة عن تلك الجريمة البشعة، في التحقيقات قال إنه عاد مرة أخرى لكي يستكمل جريمته لأنه تصوّر أن صاحب الصوت قد أغلق نافذته وذهب لينام بعدما شعر أنه قد تدخل في تلك المشكلة بما فيه الكفاية، في الحقيقة ربما هذا هو ما حدث بالفعل، حيث إنه بعد الحادثة بأسبوعين نشرت النيويورك تايمز تقريرا هزّ الولايات المتحدة وقتها عن تلك الجريمة تحت عنوان(2,3) "38 شخصا شاهدوا جريمة القتل ولم يتصّل أحدهم بالشرطة!"، اشتعلت الصحف وقتها بتلك الحكاية وموقف السكّان منها خاصة حينما صرّح أحدهم أنه لم يتصّل بالشرطة لأنه "لم يود أن يتورّط".

  

إن اتصّالا واحدا فقط بالشرطة من بين حوالي 40 مشاهدا لحادثة قتل طفلة كان أمرا يدعو للتعجب بالفعل والبدء في تجارب ودراسات لفهم الأمر
إن اتصّالا واحدا فقط بالشرطة من بين حوالي 40 مشاهدا لحادثة قتل طفلة كان أمرا يدعو للتعجب بالفعل والبدء في تجارب ودراسات لفهم الأمر
  

ساد تصوّر وقتها يقول إن المشكلة ذات علاقة بتأثير حياة المدينة الحديثة على البشر، حيث يعيش كل في حاله، ولا يتدخل في حياة الآخرين، ولا يكون الكثير من الترابط الاجتماعي مع الجيران، لكن في تلك النقطة لفتت الحادثة انتباه كل من جون دارلي(4) (John M. Darley) أستاذ علم النفس والشؤون العامة بجامعة برينستون (جامعة نيويورك وقتها) وبيب لاتانِ(5) (Bibb Latané) أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة نورث كارولينا (جامعة كولومبيا وقتها) للتساؤل عن تلك المشكلة، إن اتصّالا واحدا فقط بالشرطة من بين حوالي 40 مشاهدا للحادثة كان أمرا يدعو للتعجب بالفعل، دعا ذلك باحثَينا للبدء في مجموعة من التجارب المشابهة للحادثة بشكل أو بآخر لرصد تصرف الناس في حالات كتلك، ومحاولة استكشاف سبب ذلك التأثير الذي يتخذ اصطلاح "تأثير/لامبالاة المتفرج" (Bystander Effect)، ويعني امتناع الشخص عن تقديم أي مساعدة للضحية إذا كان هناك حاضرون آخرون.

 

في مجموعة من التجارب كان الخاضع للتجربة وحيدا وشاهدا على شيء ما، خروج دخان مثلا من تحت باب أو مشاهدة وقوع أحدهم على الأرض، وفي مجموعة أخرى من التجارب نفسها كان الخاضع للتجربة ضمن مجموعة من ثلاثة أو أربعة أفراد، هنا جاءت النتائج(6) لتقول إن 75% من الخاضعين لتجربة الدخان تصرّفوا بشكل مباشر أو ذهبوا لإحضار أحد حينما كانوا وحدهم مع الحالة، بينما 10% فقط تفاعلوا حينما كانوا ضمن مجموعة، بينما في تجربة وقوع أحدهم على الأرض تفاعل 72% مباشرة حينما كانوا وحدهم و40% حينما كانوا ضمن مجموعة.

 

إحدى التجارب(7) التي قام بها كل من دارلي ولاتان هي إقناع الخاضع للتجربة أنه واحد من مجموعة تتضمن عددا محددا من الأفراد (من 2 إلى 6 حسب التجربة)، كل منهم يجلس في حجرة خاصة وعبر مكبر صوت سوف يحكي عن موضوع محدد لمدة دقيقتين، بالطبع لا يوجد في التجربة إلا صديقنا الخاضع للتجربة، والبقية هي أصوات مسجّلة، أحد تلك الأصوات سوف يقول في كلمته بصوت متهدج: "أنقذوني.. إنني أتعرض لنوبة اختلاج شديد، سوف أموت!"، هنا سوف ندرس تأثير ذلك على الخاضع للتجربة حينما يظن أنه يجلس للتحدث فقط مع شخص واحد (الذي يصرخ) أو اثنين أو ثلاثة وهكذا حتى خمسة آخرين. تخرج التجربة لتقول إنه في 85% من الحالات هبَّ الخاضع للتجربة لإنقاذ الآخر حينما كان يتصور أنه هو فقط من يتحدث معه، بينما 31% فقط من الحالات هبَّ فيها الشخص للمساعدة حينما تصور أن هناك آخرين يمكنهم المساعدة، وكلما ارتفع عدد المجموعة من 3 إلى 6 أفراد انخفضت نسبة مشاركة الخاضعين للتجربة، أي أنه كلما ازداد عدد الحاضرين للحدث ضعفت إمكانية أن يتدخل أحد.

 

تأثير المتفرج
undefined
      
بناءً على نتائج العديد من التجارب توصّل كل من دارلي ولاتان إلى عاملين أساسيين لهما علاقة بتلك الظاهرة "تأثير المتفرج"، الأول هو تأثير توزيع/انتشار المسؤولية(8) (Diffusion of Responsibility Effect)، وهو تصوُّر الفرد حينما يكون ضمن مجموعة أن شخصا آخر سوف يتحمّل مسؤولية ما يحدث ويتدخّل بعد قليل، أو ربما قام بتحمّل المسؤولية بالفعل، أو ربما هي مسؤولية شخص آخر أن يحل تلك المشكلة (Somebody Else’s Problem) وليست مسؤوليته، وهو ما ينطبق بالفعل على حالة جينوفيز وغيرها، ويظهر ذلك التأثير في الحالات التي تكون فيها المسؤولية غير محددة بوضوح.

 

أما العامل الثاني فهو قوة المعايير الاجتماعية(9) (The Power of Social Norms)، ويعني أن تقييم الناس للأمور يختلف بوجود آخرين معهم، حيث يقومون في البداية بملاحظة ردود أفعال الآخرين من حولهم والتصرف على أساسها، فإن اعتبر الآخرون أن ما يحدث حالا هو شيء غير طارئ يميل الواحد منّا للتعامل على أنه كذلك بالفعل، في ذلك النوع من الحوادث تجد أنّ الناس يبدأون في تبادل النظرات معًا لفهم ما يحدث، وربما يمتنع البعض عن التدخّل خوفًا من أن يكون ذلك خرقا لخصوصية شخص آخر، لا يود أي منّا أن يظهر أمام الآخرين بمظهر الغبي، أو صاحب التصرّف غير اللائق.

 

يشرح تلك النقطة مفهوم شهير في علم النفس الاجتماعي يُدعى "تجاهل الأغلبية(10) (Pluralistic Ignorance)، ويعني أن الواحد منّا حينما يرى أن سلوكا ما غير مقبول يحدث؛ لكن الآخرين يقبلونه، فإنه سيتماشى مع قرارهم، يشبه الأمر أن تجلس في قاعة الدراسة مع مئات الطلبة، ثم يبدأ المدرّس في الشرح، لكن ما يقوله معقّد وغير مفهوم بالمرة، هنا سوف تنظر إلى زملائك فتجد ألاّ أحد منهم يتدخل ليقول: "عُذرًا، أنا لا أفهم"، فتتصور بالخطأ أنهم يفهمون بينما أنت فقط لا تفهم، هنا يتفق كل منكم على شيء واحد -الجميع يفهم- بينما كلّكم خطأ، يوصف ذلك التأثير في اقتباس شهير: "لا أحد يؤمن، لكن الجميع يعتقد أن الجميع يؤمن"، يتدخل هذا التأثير لشرح الكثير من الظواهر السياسية والاجتماعية، لكننا الآن سوف نستخدمه لتفسير لمَ لا يتدخل أحد في تأثير المتفرج؟ حيث يراقب الجميع ردود فعل الآخرين في الحالات الطارئة، ثم يستخلص من تلكّؤ الآخرين أنهم يعتقدون أن التدخل غير ضروري، ولذلك لن يتدخل أحد حتى لو اعتقد بعضهم في قَرارة نفسة أنه يتوجب عليه التدخل، من جانب آخر لو تدخَّل شخصٌ واحدٌ فغالبًا سيتبعه الآخرون لتقديم المساعدة.

 

ينقلنا ذلك لنموذج دارلي ولاتان والذي يشرحان خلاله(11،12) كيف يتخذ الشخص القرار في حالات كتلك، يبدأ النموذج بملاحظة أن هناك حالة طارئة، وهو أمر يستحق التأمل قليلا، حيث قام باحثَينا بإخضاع مجموعات من طلبة جامعة كولومبيا لتجربة الدخان، يجلس الخاضع للتجربة وحده من أجل ملئ استقصاء ما ثم يشاهد دخانا يخرج من أسفل باب إحدى الغرف، وفي مجموعة أخرى من التجارب يجلس ضمن مجموعة من ثلاثة أو أربعة أفراد، هنا نلاحظ أن الطلبة الذين استجابوا في الحالتين اختلفوا في المدة الزمنية التي أخذها كل منهم لملاحظة أن هناك مشكلة، استجاب الطالب سريعا في حالة وجوده وحيدا، وتأخر قليلا حينما كان ضمن مجموعة.

 

يلعب السياق الاجتماعي دورا كبيرا، فقد يستجيب الناس لامرأة تصرخ في وجه رجل لا تعرفه، بينما ستقل الاستجابة في حالة كان الرجل زوجها مهما بلغت خطورة الموقف
يلعب السياق الاجتماعي دورا كبيرا، فقد يستجيب الناس لامرأة تصرخ في وجه رجل لا تعرفه، بينما ستقل الاستجابة في حالة كان الرجل زوجها مهما بلغت خطورة الموقف
 

حدث ذلك -كما يشرح كل من دارلي ولاتان- لأنه حينما شاهد الشخص أن رفقاء الغرفة لم يستجيبوا تشكك أن ذلك الدخان ربما يكون شيئا عاديا، بسبب تسريب المكيّف مثلا، وربما خشي أن يعلن عن ملاحظته بحيث لا يظهر كشخص قليل الذوق ينظر إلى جوانب الحُجرة بوجود آخرين معه، ينقلنا ذلك للمرحلة الثانية من اتخاذ القرار وهي (التفسير/التعريف) (Define)، فحتّى بعد ملاحظة الطلبة ضمن مجموعات للدخان للدرجة التي بدأ خلالها في إصابة أعينهم وأنوفهم ببعض الالتهاب فإن أيا منهم لم يبلغ عن الحادثة، وذلك لأنهم -من خلال ملاحظتهم للرفقاء ورؤية ردود فعلهم غير المعبرة عن حالة طارئة- تصوروا أن تلك ربما حادثة عادية لا تستحق أن نصرخ ونطلب المساعدة، ربما كان ذلك هو تفسير الجيران الثمانية وثلاثين للحادثة أيضا، ربما قال كل منهم لنفسه: "ماذا لو كانت خلافا بين حبيبين بسبب الغيرة مثلا؟"، "ماذا لو كان أخوها وقد اختلف معها حول شيء ما؟"، "أنتَ هُناك، ابتعد عن هُنا"، وانتهى الأمر!

 

دعنا هنا نتأمل تجربة ذات علاقة بفكرة التفسير، التجربة(13) هنا هي أن ترفع امرأة صوتها في مواجهة رجل تتعارك معه لتقول له: "ابتعد عنّي، أنا لا أعرف من أنت"، وفي تجربة أخرى تتعارك معه بينما تقول: "ابتعد عنّي، أنا لا أعرف لمَ تزوجتك"، في الحالة الأولى يستجيب 65% من الناس للتدخل وفي الحالة الثانية يستجيب 19% فقط منهم، مهما كانت ظروف التجربة، يرى البعض أنه طالما أنها زوجته فليس من اللائق التدخل مهما بلغت خطورة الموقف، يلعب السياق الاجتماعي دورا بالتأكيد.

 

يتدخل في تلك النقطة ما نسميه الإغراق المعلوماتي(14) (Information Overload) ليشرح كذلك أسباب تأثير المتفرج، حيث إن الشخص العادي قد يواجه صعوبة في اتخاذ قرار سريع إذا كانت المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع كثيرة جدا، كذلك يلعب غموض الحالة ومدى اتساع احتمالاتها دورا في تأجيل القرار، تتدخل كذلك عدة معايير أخرى كحسابات المكسب والخسارة والتي تؤثر في القرار النهائي للشخص المار بالجريمة، أو حالته النفسية وقتها، والقرار هو المرحلة الثالثة من مراحل الاستجابة للحدث، ويتعلق كذلك بدرجة توزيع المسؤولية كما قلنا، فكلما كان العدد أكبر كان التأثير أكثر ميوعة، بعد ذلك يختار المار بالجريمة إن كان سيتدخل بشكل مباشر أو سيطلب مساعدة بناء على خطورة الموقف وأمنه الشخصي ثم سوف ينفذ، إذا فشل الشخص في أي من تلك الخطوات الخمسة لن يتدخل لإنقاذ جينوفيز، أو أي شخص آخر.

 

متى نتدخل لإنقاذ آخرين؟!
غالبا قد تقف للتفرج مثل الآخرين، وقد يأخذ الأمر الكثير من الوقت للتفكير قبل التدخل، وغالبا يكون الأوان قد فات، لذلك يؤكد متخصصو علم النفس على ضرورة فهم تأثير المتفرج على المجتمع
غالبا قد تقف للتفرج مثل الآخرين، وقد يأخذ الأمر الكثير من الوقت للتفكير قبل التدخل، وغالبا يكون الأوان قد فات، لذلك يؤكد متخصصو علم النفس على ضرورة فهم تأثير المتفرج على المجتمع
  
تتدخل عوامل عديدة لشرح تأثير المتفرج، يتعلق بعضها بالثقافة، والآخر بسلوك الناس في الجماعات حسب أعدادها، فئاتها الاجتماعية، مدى تماسك ذلك المجتمع تحديدا… إلخ، لكن المؤكد هو أن تأثير المتفرج أحد أكثر الظواهر الاجتماعية دعوة للتعجب والبحث، نعرف أن البشر في جماعات كبيرة على درجة عالية من التواصل قد يخلقون ذكاء جمعيا يخدم المجتمع ككل، لكن ها هو وجودهم معا يؤثر بالسلب بشكل أكبر.

 

أعرف، تلك حقا مشكلة، من المرعب أن نتصور ذلك، نحن نحذر من أن نمشي وحدنا في الشوارع خشية أن يتدخل أحدهم لإيذائنا أو سرقة أموالنا أو هواتفنا المحمولة، ونود أن نندمج في مجموعات بالشوارع كي نشعر بالأمان، لكن حينما نعرف عن تأثير المتفرج يدعو الأمر للإحباط، ينصح(15) متخصصو علم النفس بأن يعي الأشخاص ما يعنيه تأثير المتفرج، قد يساعد ذلك كثيرا خاصة إن ترافق مع تطويرك لبعض مهارات إنقاذ الحياة، ودقة الملاحظة، والعمل على شحذ شعورك تجاه الآخرين، أي أن تشعر أنهم يستحقون أن تساعدهم.

 

هل نقف لنتفرج؟ للأسف نعم، في تلك الحالات المفاجئة والتي لا نستطيع تفسيرها سريعا تنخفض درجة وعينا بذواتنا ونخضع لقوانين الجماعة الزائفة الذي صنعها (تجاهلنا/جهلنا) الجمعي، يتعجب الناس حينما يشاهدون تلك الفيديوهات الشهيرة على يوتيوب لشخص يسرق سيّارة آخر أمام المارة ولا يستجيب أحد، أب يقتل ابنه ولا يستجيب أحد، امرأة تُسرق علنًا في وضح النهار ويقف الجميع للتفرج، يتطور ذلك لحوادث غاية في البشاعة كتلك الطفلة الصينية(16) التي أفلتت يديها من أمها لتتجول في زُقاق جانبي فتصدمها سيارة، وتلقيها في منتصف الطريق، ثم يرى الحادثة 18 شخصا لكن لا أحد يتدخل فتصدمها سيّارة أخرى وتموت بعد ثمانية أيام في المستشفى، ما تلك القسوة؟ لماذا لا يتدخل أحد؟ هنا يغضب الواحد منّا ويتصور أنه سوف يفعل كذا وكذا ويستجيب بهذه الطريقة أو الطريقة الأخرى لإنقاذ هذا الرجل هناك أو تلك السيدة المضروبة هنا، لكن ذلك في معظم الحالات لا يحدث، غالبا قد تقف للتفرج مثل الآخرين، وقد يأخذ الأمر الكثير من الوقت للتفكير قبل التدخل، وغالبا يكون الأوان قد فات، فتقضي الأيام -وربما الشهور- التالية متسائلا: لماذا لم أتدخل وأنقذها؟ ما الذي منعني؟

المصدر : الجزيرة