شعار قسم ميدان

الرجال يريدون الجمال.. النساء يردن الثروة.. حقيقة أم وهم؟

مقدمة الترجمة

 لطالما صوّرت لنا الأفلام والكتب أن اختيار الشركاء مبني على حب الرجال للجمال وعشق النساء للثروة؛ قد لا يكون الأمر خاطئاً تماماً، فمن ضمن دائرة معارفنا، هنالك الكثيرين ممن أعجب بفتاةٍ ما وتزوجها لجمالها الفاتن؛ كما أن هنالك الكثير من النساء أيضاً ممن ولّوا أهمية لاختيار شريك حياتهن بناءً على وضعه المادي. حتى في فترة التعارف بين الرجل والمرأة تكثر الأسئلة الشكلية عن الجمال والمال والمنزل دون التطرق للأمور الجوهرية. ولكن هل ذلك حقيقة؟ وهل هذا الأمر هو ذاته بين جميع البشر مهما اختلفت خلفياتهم الاجتماعية والثقافية؟ وهل هو نزعة بشرية فطرية مشفرة بجيناتنا؟

نص التقرير

في موعدهم الغرامي الأول، كان اللقاء بين ميا وجوش حيث أخذهما الحديث كما لو كانا يعرفان بعضهما بعضاً لسنوات. أحب جوش ذكاء ميا، وهي كانت مسرورة بدفء جوش وابتسامته التي تعلو وجهه دائماً. تطورت علاقتهما، لكن ساورتهما الشكوك بين الفينة والأخرى؛ كان جوش مقدم الرعاية الأساسي لطفله من زواجه السابق، وكانت إمكاناته المادية ضبابية وغير مضمونة. لم يزعج هذا الأمر ميا، حيث أن شخصية جوش تعوضها عن ذلك وأكثر. بالرغم من ذلك، لم يكن جوش من"نوع" الرجال الذين اعتادت مواعدتهم، والذين تميزوا بوسامتهم وجسدهم الرياضي كما أنهم كانوا يصغرونها سناً بفارق عمري ليس بالقليل.

في غضون ذلك، كان جوش يحلم بامرأة ذات وضع مادي جيد، تمتلك طموحات عالية ومكانة اجتماعية مرموقة وتعليم عالٍ -ويفضل أن تكون حاصلةً على درجة الدكتوراة أو حتى شهادتين بدرجة الدكتوراة. كانت ميا تمتلك مجرد شهادة ماجستير وهو ما شكّل جزءاً بسيطاً من نقطة الخلاف. فبعد كل شيء، من المتعارف عليه أن الرجال يتزوجون "من نساء من طبقة اجتماعية أعلى من طبقتهم".

قد يبدو هذا السيناريو غريباًـ ومن المفروض أن يكون كذلك؛ فقد نسجت حكاية من خيالي حول مشهد مواعدة بين جنسين مختلفين بعد مئة عامٍ في المستقبل. أما في الوقت الراهن، تميل الرغبة في وجود شريك شاب وجذاب من الجنس الآخر إلى أن تكون أكثر انتشاراً بين الرجال منه لدى النساء. في الوقت نفسه، من المرجح أن تعطي النساء الأولوية للأموال والمكانة الاجتماعية على صغر سن الشريك ووسامته. لماذا؟

undefined

فسّر العديد من علماء علم النفس التطوري هذا الاتجاه (trend) بأنه  يتم توجيهه من خلال قوة المحركات البيولوجية الفطرية. يدّعون أن المرأة لديها رغبة بدائية في التمسك بالرجال الأثرياء لتوفير الرعاية المادية اللازمة للأطفال خلال فترة الحمل والتنشئة. في الوقت ذاته، يساور الرجال في الغالب قلق بشأن خصوبة المرأة التي يعمل الجمال والشباب فيها كإشارات على ذلك. كان هذا السلوك في الماضي البعيد قابلاً للتكيّف، فاختار التطور هذا السلوك وشفّره في جيناتنا إلى الأبد. بالتأكيد، تبدو طقوس التزاوج الحديثة مختلفة تماماً عن طقوس أجدادنا. ومع ذلك، فإن الاستراتيجيات الجنسية نفسها التي استخدمها أسلافنا تعمل اليوم بقوة مطلقة؛  كما صاغها عالم النفس ديفيد باس في كتابه "تطور الرغبة" (2003): "في نهاية المطاف، إن علم النفس المتطور للتزاوج بين البشر يعمل في عصرنا الحالي، لأنه السيكولوجية الوحيدة التي نمتلكها للتزاوج".

من ناحيةٍ أخرى، كان هناك تحول حركي في أدوار الجنسين على مدى السنوات الخمسين الماضية؛ في الثمانينيات من القرن الماضي، كان يمكن طرد النساء المضيفات في الولايات المتحدة إذا تزوجن، ولم يتم تطبيق حق النساء في التصويت عالمياً في سويسرا حتى عام 1990. ألا نتوقع أن تؤدي هذه العلاقات المتغيرة إلى التأثير في تفضيلات التزاوج للرجال والنساء المستقيمين؟ أم أننا ما زلنا تحت رحمة مصيرنا البيولوجي كما يدعي علماء النفس التطوريين؟

إن نتائج الدراسات والبحث واضحة: تتشابه التفضيلات بين الرجال والنساء بشكل متزايد؛ ويرتبط هذا الاتجاه ارتباطاً مباشراً بزيادة المساواة بين الجنسين حيث تكتسب المرأة قدرة أكبر على الوصول إلى الموارد والفرص في مجالات الأعمال والسياسة والتعليم. في الدول التي لم تحقق مساواة بين الجنسين فإن النساء يولّون أهمية للإمكانات المادية لشريك حياتهم ضعف ما تولّيه نظيراتهن من الدول التي تحققت فيها المساواة بين الجنسين مثل فنلندا. وكما هو الحال مع جوش وميا، أصبح الرجال الفنلنديون الآن أكثر ميلاً من النساء الفنلنديات في اختيار الشركاء بناءً على مستوى التعليم العالي.

undefined

وبالطبع، يختلف التحيز الجنساني في ذات المجتمع، ولا يترجم المستوى العام للمساواة بين الجنسين في أي بلد بالضرورة إلى مواقف متساوية بين الجنسين. ولكن إذا كانت تفضيلات التزاوج محددة بيولوجياً سلفاً -كما يدعي علماء علم النفس التطوري- فلن يكون للتحيز الجنسي الفردي أي تأثير. ومع ذلك، فإن الأبحاث التي أجريت في تسع دول تثبت العكس؛ فكلما زادت المواقف الشخصية للرجال من عدم المساواة بين الجنسين، كلما كانوا يفضّلون سمات مثل الشباب والجاذبية في النساء؛ وكلما ازدادت مواقف النساء غير المتساوية بين الجنسين، كلما فضّلن سمات مثل الثراء والمكانة الاجتماعية في الرجال.

تشير هذه الأدلة إلى بعض العيوب الخطيرة في سرد علماء علم النفس التطوري؛ إذا كانت الجينات هي التي تحدد تفضيلات التزاوج، فكيف تتقلّص هذه الغرائز -التي يفترض أنها مجردة- تماشياً مع المساواة بين الجنسين في المجتمعات والفرد؟

لأكون منصفاً، يقر علماء علم النفس التطوري بأن العوامل الثقافية والعادات المحلية يمكن أن تؤثر على كيفية اختيار الناس لشركائهم. إلا أن المساواة بين الجنسين لا تعتبر واحدة من هذه العوامل، حيث أنه حتى في المجتمعات المتساوية جنسانياً نسبياً، نجد أن الفجوة بين تفضيلات الرجال والنساء يتم تقليصها فقط وليس القضاء عليها. من ناحية أخرى، فإن الضربة المعاكسة هي أن الدليل على وجود فجوة مستمرة يدعم بالفعل قضيتنا: فالاختلاف لا يضيق إلا بالقدر الذي يتم فيه تحقيق المساواة بين الجنسين. سيتطلب التخلص منه تماما ًالمساواة الكاملة بين الجنسين التي لا وجود لها بعد.

للأسف، حتى في المجتمعات التي تم تحقيق مستويات عالية من المساواة بين المرأة والرجل فيها، ما زال هنالك تبني للأدوار التقليدية للجنسين، حيث أوضحت دراسة في الدنمارك أن الرجال الذين تكسب زوجاتهن أموالاً أكثر منهم لجؤوا إلى استخدام أدوية ضعف الانتصاب. أحد التفسيرات هو أن الأزواج شعروا تحت الضغط لإظهار رجوليتهم لأنهم لا يستطيعون المطالبة بدور "المزوّد/ العائل"؛ وكان هناك رأي آخر مفاده أن فقدان حالة العائل أدى إلى العجز الجنسي. في دراسة أخرى في الولايات المتحدة، قللت النساء غير المتزوجات من أهدافهن المهنية وقلّصن من طموحاتهن على أمل جعل أنفسهن أكثر استحسانًا للرجل. ومع ذلك، إذا استمرت الأهمية التي ينسبها الرجال إلى تعليم المرأة الجيد وإمكانياتها المادية، فإن هذه التكتيكات قد تتوقف في النهاية عن كونها فعالة.

undefined

ماذا لو أن المجتمع حقق بالفعل المساواة الكاملة بين الجنسين؟ هل  بالضرورة سيحصل الرجال والنساء على تفضيلات شريك متطابقة؟ حدسي هو أن اختيارات النساء والرجال قد لا تتلاقى أبداً. من المرجح أن ينحصر الاختلاف الرئيسي في متطلبات الرضاعة الطبيعية بعد ولادة الطفل -وهو نشاط مكثف للطاقة ويستغرق وقتاً طويلاً ومن الصعب جداً دمجه مع العمل مدفوع الأجر، على الأقل كما العمل منظماً حالياً. وهذا يعني أن النساء سوف يسعين إلى استبدال هذا الخسارة المتوقعة في الدخل عن طريق اختيار الأزواج ذوي الإمكانيات المادية الجيدة. هذا القرار لن يكون له نصيباً من بعض الحافز البدائي ل"الحامي الذكري" إلا القليل، لكن هذا القرار سوف يتم توجيهه بحسابات عقلانية حول الاحتياجات المستقبلية. علاوة على ذلك، يمكن للسياسة الاجتماعية التقدمية والتغيّرات في مكان العمل وزيادة مشاركة الآباء في رعاية الأطفال أن تخفّف من مثل هذه الضغوط التي تمسّ بالمستقبل الوظيفي.

يسألني طلابي أحياناً عما إذا كان تفضيل الشريك المتساوي بين الجنسين أمراً مرغوباً فيه. يبدو أنهم يشعرون بالقلق من أن هذه المساواة يمكن أن تقضي على شرارة الحب في حياتنا. وهناك خطر آخر يتمثل في أن تسوية تفضيلات التزاوج يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الزيجات المتساوية الأطراف، مما قد يؤدي بدوره إلى ترسيخ عدم المساواة الاقتصادية -التي لها تأثيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة على المجتمعات. ولكن وفقاً لأحدث تقرير للفجوة بين الجنسين لعام 2017، ليس هناك ما يدعو للقلق؛ وبالنظر إلى معدل التغيير الحالي، سيكون هناك بعض الوقت قبل أن يلتقي جوش وميا: فلدينا ما لا يقل عن مئة عامٍ آخرٍ للانتظار قبل تحقيق التكافؤ بين الجنسين.

____________________________________________

ترجمة: آلاء أبو رميلة

هذا التقرير مترجم عن Aeon ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة