شعار قسم ميدان

سمعتها "ياني أم "لورال"؟..لماذا تنتشر "التفاهات" سريعا على الإنترنت؟

ياني - ميدان

الفستان أزرق، وكرات التنس صفراء. ويمكن أن يكون الكوب نصف ممتلئًا ونصف فارغ (نظرًا لوجود نصفين!)، والمقطع الصوتي يقول "laurel" و "yanny" في نفس الوقت، عندما يتعلق الأمر بالأوهام سريعة الانتشار على الانترنت فيبدو أن عليك اختيار جانب ما. وقد يكون هناك ما يكفي من هذه الأوهام التقسيمية الآن لجعل المرء يتساءل: ما مدى اختلاف واقعي عن واقع الآخرين؟

     

بدأ كل شيء في زمن أبسط – فبراير/ شباط 2015 – في مساء يوم خميس عادي عندما نشرت صورة فستان على موقع تمبلر فلاحظها موقع BuzzFeed الشهير ونشرها كذلك. هل كان الثوب أبيضا وذهبيا أم أزرقا وأسود؟  أحدث الفستان ولونه مشاكل بين الأخ وأخيه والصديق وصديقه، بل حتى تدخل بعض المشاهير وأدلوا بدلوهم، وتوقف عالم الانترنت عن الدوران.
     
 كان الفستان أزرق في الواقع، لكن ذلك لم يكن مهمًا. (ومعظم الناس لم يروا ذلك على هذا النحو – في استطلاع BuzzFeed الأصلي، صوت 67٪ من الناس للأبيض والذهبي، مقارنة بـ 33٪ للأزرق والأسود).ما كان يهم في الواقع هو أن الهوة بين الإدراك والواقع قد فُتحت ووجدنا أنفسنا نتأرجح على الحافة.

   

بدا الثوب وكأنه حظ عفوي، لحظة صدفة إعجازية؛ حيث حدث أن شخصا ما التقط صورة لهذا الفستان تحديدا عندما كان الضوء ذهبيًا بطريقة ما جعلت الناس يرونه بألوانٍ مختلفة. ولفترة قصيرة، عم الهدوء الانترنت، أو فلنقل أنه انشغل بالقتال حول أشياء أخرى.

        

undefined

      

حتى بدأت المزيد من هذه الأوهام في الظهور؛ في عام 2016 كان هناك سترة بدت بألوان مختلفة، وفي عام 2017 كان هناك حذاء. ويقول كاتس هولدنس، أحد كبار الخبراء الاستراتيجيين في وسائل الإعلام الاجتماعية في BuzzFeed ، "أعتقد أن هذا الفستان قد أفضى إلى شكل جديد من أشكال الانتشار، فهناك دائما شيء ما أو آخر، وعليك أن تسمع أو تنظر وتقررإلى أي المعسكرات تنتمي"  فعند ظهور إحدى هذه الأشياء الجديدة نجد الناس يقولون " آه، هل هذا هو الفستان الجديد؟".
  

جلب عام 2018 معها عدد من هذه الظواهر، في شباط (فبراير) الماضي، اكتشفت زميلتي مارينا كورين استطلاع نشر على تويتر يطرح سؤالاً يبدو بسيطاً: ما هو لون كرة التنس؟ وكشف تحقيقها اللاحق عن جولة أخرى من الانقسام الشرس حول ما تخبرنا به حواسنا عن العالم الذي نعيش فيه. وقال لاعب التنس الشهير روجيه فيدرر إنها صفراء، وقالت مارينا إنها وجدت أن"لون كرة التنس يختلف وفقا للناظر إليها".
  

والآن الانقسام وفقا للآذان لا الأنظار، ففي وقت  سابق من هذا الأسبوع، أدى تسجيل صوتي يبدو فيه أن الشخص يقول  "ياني" ويبدو لبعض الناس أنه يقول "لوريل" إلى اشعال جولة أخرى من الجدال وتشكيل الفرق الإدراكية. وحتى Bitmoji -الشركة التي تمكنك من إنشاء الميمات باستخدام صورتك الرمزية – صنعت ملصقات خاصة من ياني ولوريل لتستخدمها في الجدالات المكتوبة مع أصدقائك. وكان الرجل في التسجيل يقول بالفعل لوريل، غير أن هذا لا يهم كذلك.

  

بعد بضعة أيام فقط، ظهر على الإنترنت مجددا، خداعًا صوتيًا غريبًا آخر سرعان ما انتشر. هذه المرة، هو فيديو لما يبدو أنه لعبة ما، تقول شيئا بصوت مشوش وغامض. قال بعض المستمعون إنهم سمعوا كلمة برينستورم وقال البعض الآخر إنهم سمعوا كلمة جرين نيدل.
     

  

وتوضح كل هذه الأوهام سريعة الانتشار أن الإدراك هو فعل تفسيري؛ فالمدخلات إلى أدمغتنا لا تترجم دائمًا بنفس الطريقة لكل فرد. في معظم الأوقات، نتحرك جميعًا في العالم معًا، بافتراض أننا نرى ونسمع ونشم ونلمس ونتذوق بنفس الطريقة، وفي كل مرة تظهر مثل هذه الأمور التي تنفي هذا الاعتقاد يحدث القلق والاضطراب العام.  ونتساءل هل كل حياتنا عبارة عن ظواهر مختلفة من "ياني ولوريل"  دون أن نعرف؟

   

لم يستطع جو توسكانو، الذي يدرس الإدراك السمعي في جامعة فيلانوفا، الإجابة عن هذا السؤال، ربما لأنه مثل الجميع  محاصر في سجن عقله الخاص، غير قادر على معرفة ما هو حقيقي خارجه.لكنه قال إنه يعتقد أنه من الرائع أن هذا الانقسام لا يحدث أثناء الكلام بين الناس طوال الوقت. وقال "تحدث كثير من الأوهام الشبيهة أثناء الكلام، ولا يبدو أننا نلاحظها".  ولا شك أنك قلت كلمة ما هنا أو هناك أسئ سماعها وبالتالي فهمها، ولكن في معظم الأحيان لا يمنعنا التباين الصوتي من فهم بعضنا البعض.
     

يقول توسكانو عن فيديو برينستورم وجرين نيدل: "إن التوقعات تلعب دورًا كبيرًا في إدراك الكلام". ويخلق مختبري نسخا مصغرة من هذه الأوهام للبحث في هذا الأمر حيث يضع صوتا غامضا أمام كلمة  Ark،  لكي يبدو الصوت وكأنه bark  أي نباح أو park  أي حديقة. ومن ثم إذا كان قد عرض على الناس صورة كلب فمن المحتمل أنهم سيسمعونها bark أي نباح. في هذه الحالة ،" فإن الأصوات التي تشكل كلمتي برينستورم وجرين نيدل، يحدث بينهما تداخل، ويتدخل توقعك الخاص لتسمعها كما تريد" وفقا لتوسكانو. ويعمل تسجيل ياني ولوريل بشكل مشابه.
      
والمثال الآخر هو فيديو على يوتيوب لرجل يصرخ بنفس الصوت مرارا، ويبدو الصوت بالتناوب مثل  Bill بِل، وBale  بيل،و pail  بايل ومايو mayo ويظهر مع كل مرة نسمع الصوت بشكل مختلف صورة له على الشاشة، وهذا الفيديو الجديد مزعج قليلا ولكنه يجذب الانتباه. وجزء من كونه ممتعا هو أنه يقلب ويغير نسيج واقعك مرة تلو أخرى.
        

   

يقول جوناه بيرغر، أستاذ التسويق في جامعة بنسلفانيا، ومؤلف كتاب "العدوى: لماذا تنتشر الأشياء": "نعتقد أن الإدراك موضوعي في ذاته، أي إذا رأيت فستانًا باللونين الأبيض والذهبي، لا يوجد سبب يدعوك إلى التفكير مجددا والاعتقاد بأن عينيك تكذبان عليك". وحتى عندما يُقسم عدد كافٍ من الناس بأغلظ الأيمان أنهم يرون شيئًا آخر غير ما تراه، وفقا لبيرغر،"نجد أنه أمر مستحيل و نشعر بأنهم يمزحون بلا شك".

  
 من المرجح أيضًا أن مثل هذه الأوهام تحظى بانتشار شديد لأنها تسمح للناس بالتحزب والانقسام على شيء غير ذي أهمية حقيقية. يقول بيرغر: "نحن البشر نحب الدخول في المجموعات، حتى إذا كانت مجموعتنا تستند إلى سبب وهمي تمامًا". ويقول ديفيد بيربي، مؤلف  "نحن وهُم" : "إنك على الانترنت، وترى فرقا قد انقسمت حول شيء ما، ليس الأمر مثل الدين أو الفلسفة ما يعني أن عليك التفكير مليا، لا إنه تلقائي ولا إرادي. إما أن تسمع شيئًا أو آخر، وأحد الفريقين هو فريقك".

 

 وعلى من يخرجون من خناق هذين الفريقين الاختباء، حيث أن من قال إنه لم يسمع لا كلمة ياني ولا لوريل بل إنهم سمعوا "غاري" أو "ييرلي". لكن هذا لم يكن مناسبًا في ثنائية المرح، فتم استهجان ما قالوا والتغافل عنه. وهو ما حدث عندما قال بعض الناس إنهم يرون الفستان برونزي اللون.
  

ومن المخيّب للآمال، أنه حتى عندما يبدأ العلماء في فحص الأمر(كما يفعلون دائمًا) والبحث في تأثير هذه الأوهام وكشف حقيقتها، لا يشاركها الناس  بغرض التواصل مع الآخرين لإعلامهم طريقة عمل الدماغ البشري وغرابتها وغموضها، ولا للنسيلم بأن تصوراتنا الأساسية عن العالم ربما تكون غير صحيحة، ولكن بغرض التباهي بكوننا محقين.
       

   
يقول هولدنس: " يتقاتل الناس كثيرا على الإنترنت حول الكثير من الأمور الهامة، وربما يكون ظهور شيء خفيف مثل هذه الأوهام يخلق سببا مختلفا للتشاجر والجدل وربما يكون هذا هو السبب في انتشار هذه الأنواع من الأشياء". ويضيف بيرغر:" إن اللطيف في الأمر هو كونه خلاف آمن، لن يضر بمشاعر أي شخص". و يبدو أن هذه الأوهام مضمونة الانتشار بشكل شبه تام، لأنها تسمح للناس بالقيام باثنين من الأشياء المفضلة لديهم: الجدل واختيار الجوانب، كما أنها تكون دائما جديدة ومدهشة.

  

 وعلى عكس الكثير من المحتويات سريعة الانتشار الأخرى، تبدو هذه الأوهام وكأنها نوع من الظواهر التي لا يمكن إلا أن تحدث من قبيل المصادفة. فإذا شارك توسكانو إحدى أوهام الصوت التي أنشأها في مختبره لأغراض البحث، فمن المحتمل ألا يكون لها نفس التأثير ولا الانتشار.  ويتساءل توسكانو"لماذا انتشر أمر الفستان مثل النار في هشيم الإنترنت؟" ثم يجيب معللا:" لأنه بدأ بكونه صورة عشوائية لفستان ما، ليس الأمر مثل عرض وهم صنع في مختبر، حيث نسحب منه كل المتعة والجاذبية في هذه الحالة، بطريقة ما."
  
لكن وسط كل هذا المرح الوهمي والشتائم في بعض الأحيان، تُحدث الأوهام سريعة الانتشار قل حقيقيا؛ يقول بيربي: "لا يتعلق الأمر في الواقع بانقسام الناس لفرق ومحموعات، وليس الأمر مجرد نحن وهُم، بل إن الأمر يتوسع أكبر من ذلك،  فنحن لم تعد "نحن" التي كنا نحسبها وهذا أمر مثير للقلق. "

   

———————–

ترجمة "الزهراء جمعة"

(الرابط الأصلي)