شعار قسم ميدان

فيلم "فوي فوي فوي".. ماذا تفعل الحبكة الجيدة مع شخصيات سطحية؟

فيلم "فوي فوي فوي"
فيلم "فوي فوي فوي". (مصدر الصورة: مواقع التواصل)

أعلنت نقابة المهن السينمائية في مصر اختيار فيلم "فوي فوي فوي" للمنافسة على جائزة أوسكار فئة أفضل فيلم أجنبي، خلال الدورة الـ96 من جوائز الأوسكار، التي يُفترض إعلان نتائجها في حفل يقام في مدينة لوس أنجلوس الأميركية خلال شهر مارس/آذار القادم، ومما جاء في بيان النقابة: "إن الفيلم نال غالبية أصوات لجنة اختيار الفيلم المرشح لتمثيل مصر في الأوسكار، والمشكّلة من مجموعة من السينمائيين والنقاد المستقلين".

 

وصرحت الناقدة السينمائية "فايزة هنداوي" -أحد أعضاء اللجنة- أن اختيار الفيلم أتى من بين قائمة قصيرة ضمت 5 أفلام مصرية، وهي: "وش في وش"، إخراج وليد الحلفاوي، و"19 ب"، للمخرج أحمد عبد الله السيد، و"بيت الروبي"، لبيتر ميمي، و"الباب الأخضر"، من إخراج رؤوف عبد العزيز. واستقر أعضاء اللجنة على "فوي فوي فوي" لأنه الأكثر تماسكا على مستوى الإخراج والسيناريو والديكور وأداء الفنانين. وتشغل هنداوي عضوية لجنة اختيار الأفلام المصرية المنافسة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي منذ عام 2018، وقد ذكرت أن مصر أحجمت عن ترشيح أي فيلم للمنافسة خلال العام المنصرم، نظرا لتدني المستوى الفني للأفلام المنتجة في ذلك العام (1).

 

ورغم حالة التفاؤل المسيطرة على اللجنة، يرى الناقد السينمائي طارق الشناوي أن جميع الأفلام المصرية الحاضرة في القائمة القصيرة أقل مستوى مقارنة بالأفلام العربية المرشحة حتى الآن، وهي أفلام "المرهقون" لليمني عمرو جمال، و"جنائن معلقة" للعراقي أحمد ياسين الدراجي، و"بنات ألفة" للتونسية كوثر بن هنية؛ ويتساءل الشناوي عن المغزى من المشاركة.

فيلم "فوي فوي فوي".
"فوي (Voy)" مفردة إسبانية تعني "أنا قادم"، ويستخدمها لاعبو كرة الجرس عند الذهاب نحو الكرة لتلافي الاصطدام بزميل أو بلاعب من الفريق المنافس. (مصدر الصورة: مواقع التواصل)

و"فوي فوي فوي" من بطولة محمد فراج ونيللي كريم وبيومي فؤاد وطه الدسوقي وأمجد الحجار ومحمد عبد العظيم وحنان يوسف، تأليف وإخراج عمر هلال، في أول تجربة روائية طويلة، بعد سنوات من كتابة وإخراج الإعلانات التلفزيونية. وعمر خريج الجامعة الأميركية قسم صحافة وإعلام، ولم يسبق له دراسة السيناريو أو الإخراج. ويقول إن فكرة الفيلم واتته عندما قرأ تحقيقا في الإعلام المصري عن فريق كرة الجرس للمكفوفين، الذي سافر إلى بولندا عام 2015 للمشاركة في بطولة دولية، ولكن أفراده هربوا ولم يعودوا إلى مصر.

 

تصريح هلال يتوافق مع عبارة "مستوحى من أحداث حقيقية" التي تصدرت الملصق الرسمي للفيلم. ويُذكر أن الصحافة المصرية والعربية تناولت بالفعل تلك الواقعة خلال عام 2015، حين سافرت بعثة نادي الإيمان للمكفوفين إلى بولندا للمشاركة في البطولة الدولية لكرة الجرس في شهر أبريل/نيسان 2015، إلا أن أفراد البعثة هربوا في بولندا دون المشاركة في أي مباراة، وتبين لاحقا أنهم مبصرون ولم يؤدوا الخدمة العسكرية في مصر، وكشفت التحقيقات تورط رئيس النادي ومسؤولين في اتحاد رياضات المكفوفين في القضية، حيث دفع كل لاعب مبلغ 50,000 جنيه مصري نظير الحصول على تأشيرة الدولة الأوربية (2).

 

و"فوي (Voy)" مفردة إسبانية تعني "أنا قادم"، ويستخدمها لاعبو كرة الجرس عند الذهاب نحو الكرة لتلافي الاصطدام بزميل أو بلاعب من الفريق المنافس. وأحداث الفيلم تدور حول سعي الشاب الفقير حسن (محمد فراج) إلى الهجرة خارج مصر، وفي سبيل ذلك يتحايل للانضمام إلى فريق كرة قدم للمكفوفين مؤهل للعب في بطولة أوروبية. والفيلم على هذا النحو ينضم إلى قائمة أفلام ناقشت قضية الهجرة غير النظامية، جاء أغلبها في إطار تراجيدي مثل الفيلم الفلسطيني "مراكب الموت" للمخرج إياد أبو روك، لكن بعضها ناقش الفكرة أيضا بشكل هزلي كوميدي، مثل فيلم "العيال هربت" للمخرج المصري مجدي الهواري، أو من فئة الكوميديا السوداء (Black Comedy) التي يندرج تحتها فيلم "فوي فوي فوي".

"الحياة مأساة عند النظر إليها عن قرب، وكوميديا حين نطالعها من مسافة بعيدة".

شارلي شابلن

 

السينما المصرية والمعاناة مع الكتابة

يُحسب للفيلم إيجابيات كثيرة، أبرزها الموسيقى التصويرية لساري هاني، الذي استطاع تقديم موسيقى ذكية معبرة عن روح المشهد، فاعتمد على الآلات الشرقية حين تتسلط الكاميرا على بيئة البطل الشعبية، وأفسح الصدارة للجيتار خلال المشاهد التي تنبئ بمغامرة، كما شكّلت الوتريات خلفية مؤثرة في المواقف التراجيدية، وأضفى نقاء شريط الصوت لحسن أبو جبل متعة أكبر على ألحان ساري. أما عن الموسيقى الختامية، التي جاءت أقرب لروح حقبة السبعينيات، فقد صرح مخرج الفيلم أنها بعنوان "كارون كارون" وليست ضمن مؤلفات ساري، إنما تعود للملحن الأرميني أديس هارمنديان، ورأى استخدامها للتعبير عن حالة العبث فيما تركض شخصياته في غابات أوروبا.

الديكور أيضا كان عنصرا مميزا، واعتنت سالي الشامي بأدق التفاصيل، خاصة في منازل الحي الشعبي، الأمر الذي أعان مدير التصوير إيف صحناوي على تقديم صورة بصرية غنية كعادته، مع تنظيم جيد للعناصر المرئية داخل الإطار، سواء عبر احتلالها مركز الصورة أو الهامش بما يخدم المضمون السردي، كما أتى اختيار مواقع التصوير موفقا وذكيّا وبزوايا معبرة عن روح القصة، وكمثال، تكوين اللقطة الخارجية الواسعة التي تصوّر حسن ورفاقه وهم يلعبون كرة القدم، حيث تظهر الأسوار المتآكلة لقلعة صلاح الدين في الخلفية، كأنها إشارة إلى تراث عريق طاله النسيان، فيما تلوح طائرات ورقية ترفرف في الهواء فوق الأسوار، لتبدو مثل أحلام هؤلاء البسطاء في التحليق فوق واقع مرير.

 

تصميم الأزياء كذلك أحد العناصر التي تستحق الإشادة، حالف التوفيق المصممة أمنية علي في اختيار ملابس مريحة بصريا متناسبة مع طبيعة الشخصيات، كما تُحسب للمخرج عمر هلال قدرته على السيطرة والتنسيق بين أدواته، رغم كونها تجربة أولى، إلا أن المأخذ الأهم على "فوي" يتمثل في ضعف مستوى الكتابة، خاصة في ما يتعلق برسم الشخصيات، الأمر الذي يتضح مع تصاعد الأحداث، إذ بدى أبطاله -مع مضي القصة- أشباحا باهتة دون عمق، وهو ما انعكس قطعا على الأداء التمثيلي والرؤية الإخراجية، التي أخذت تجنح إلى السذاجة والافتعال في خلق عقد ملتوية (Twist)، ليس لها من هدف إلا تغطية خواء الشخصية وحشو الزمن المتبقي، رغم أن بداية الفيلم جاءت واعدة، واستطاعت سريعا توحيد مسارات الأبطال في نقطة واحدة، مع إمداد المُشاهد بالدوافع والخلفيات.

 

ويمكن الاستدلال على ذلك من تصريحات بطل العمل "محمد فراج" نفسه، إذ أوضح أثناء المؤتمر الإعلامي أن الشخصية بسيطة ولم يشعر أنها مركبة، وأن التحدي الأكبر تمثّل في كيفية تظاهر المبصر بالعمى!

تصريح فراج ينمّ ربما عن وقوفه عند الشخصية من السطح، دون استبصار للصراعات التي دفعت الشخصية إلى هذا التظاهر، وبلا بذل جهد في بناء تاريخ للشخصية يتوازى مع النص.

 

أزمة تلو أزمة

على صعيد آخر، أثار الفيلم عدة أزمات بدأت حتى قبل عرضه في دور السينما، حيث وجه الصحفي الرياضي محمود شوقي اتهامات بالسرقة إلى صناع العمل، موضحا أن قصة الفيلم مأخوذة بالكامل من أحد مؤلفاته، وهو كتاب "المكفوفون والكرة.. حكاية حب من وراء الستار"، الذي تدور أحداثه حول مجموعة من الشباب الذين تقمصوا شخصيات لاعبي فريق كرة القدم للمكفوفين حتى يتمكنوا من السفر إلى هولندا. والكتاب الصادر في عام 2021 أتى بتقديم من لاعب كرة القدم السابق والرئيس الحالي للنادي الأهلي المصري محمود الخطيب.

 

وفي وقت لاحق كتب شوقي على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "سرقة علنية في دور العرض… أكثر ما يزعجني هو ضمير هذا المدعي بالتأليف، أين ضميره الإنساني والمهني؟ هل يجوز أن أسطو على عمل أي كاتب مثلا وأدّعي كتابة قصة وحكاية وتحويلها لفيلم؟"، كما أعلن شوقي أنه بدأ في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة من أجل استعادة حقوقه الفكرية.

 

من جانبه نفى كاتب ومخرج الفيلم عمر هلال تلك الادعاءات، وأكد أنه استقى القصة من قراءة التحقيقات الصحفية المنشورة إبان هروب اللاعبين في عام 2015، ولم يعرف آنذاك من الذي قام بالتحقيق الصحفي، أو أن ثمة مادة أخرى منشورة عن القضية. وصرح هلال أنه بصدد تدارك الأمر عبر كتابة اسم شوقي وتوجيه الشكر إليه خلال تتر الفيلم.

"المتلقي غالبا هو من يحوّل العمل الدرامي إلى عظة، ليس صانع العمل، والفنان الذي يكتب عملا بغرض العبرة أو العظة هو الذي يحوّل عمله إلى شكل بسيط ومسطح".

جيمس فراي – كيف تكتب رواية رائعة

الأزمات بين طاقم الفيلم والصحافة لم تتوقف عند ذلك الحدّ، فقد أثارت ردود عمر هلال ومحمد فراج حفيظة الكثيرين خلال المؤتمر الإعلامي الذي انعقد تزامنا والعرض الخاص للفيلم، حين احتد هلال في رده على صحفي وجّه إليه سؤالا عن نهاية الفيلم، وأن البعض ربما يرون فيها تشجيعا على الهجرة غير النظامية. وأشار هلال إلى أن المهاجرين غير النظاميين يعملون في وظائف متدنية لا يقبل أحد أن يشغلها، وهو ما وضعه بالفعل نهايةً للفيلم، زاعما أنه في إيطاليا يُسمى هؤلاء بـ"الماروكيني"، الكلمة التي أثارت غضب الشعب المغربي والمتابعين من الدول العربية، ما دفع هلال إلى الاعتذار لاحقا إلى الشعب المغربي عن تلك الزلة.

استعلاء الطاقم وسخريته من أسئلة الصحافة ظل سمة المؤتمر الإعلامي، إذ استكمل فراج ما بدأه هلال عند الرد على صحفي آخر، قائلا في تهكم: "أنت كنت في قاعة كم؟"، العبارة التي رددها في وجه الصحافة أكثر من مرة، وجاءت اتهاما بعدم مشاهدة الفيلم أو استيعاب أحداثه. وعموما، تعدّ ردود الطاقم استكمالا لظاهرة تطاول الفنانين على النقاد والجمهور، وسبق أن شنّ الممثلان المصريان مصطفى قمر وداليا شوقي هجوما مماثلا على منتقدي أعمالهما في الأسابيع الأخيرة، ما دفع الكاتب المصري عبد الرحيم كمال إلى إبداء استياءه مما يحدث في الوسط الفني عبر موقع "فيسبوك"، واصفا ذلك بـ"الظاهرة العجيبة". غير أن تلك الظاهرة يمكن رؤيتها في ضوء نظرية الإحباط والعنف (Frustration-aggression hypothesis) التي اقترحها عالم النفس الأميركي جون دولارد، وأشار خلالها إلى العدوانية باعتبارها نتاج إحباط جهود الشخص وعجزه عن تحقيق أهدافه. ومع تواضع مستوى السينما والدراما المصرية في السنوات الأخيرة، يبدو أن العنف "اللفظي" صار سلاح الفنان الوحيد في إخراس منتقديه.

——————————————————————

المصادر:

  1. لماذا رشحت مصر فيلم فوي فوي فوي للأوسكار؟.. مسؤولة ترد
  2. إحالة قضية لاعبي كرة الجرس للنيابة بمصر
المصدر : الجزيرة