شعار قسم ميدان

الرجال يصابون باكتئاب ما بعد الولادة أيضا!

midan - man
مقدمة الترجمة
يستعرض التقرير اكتئاب الرجل في مرحلة ما بعد الولادة، وهو ما يعد أمرا غير مألوف في ظل تصورنا أن هذه النوعية من الاكتئاب محصورة لدى النساء. وقد نُشر هذا التقرير على موقع "المحادثة" (The Conversation) للكاتب أندرو مايرز، الرئيس الأكاديمي لقسم علم النفس بجامعة بورنموث، وهو طبيب متخصص في الأمراض النفسية، وخاصة الأمراض النفسية المحيطة بفترة الولادة، والصحة النفسية لصغار السن.

   

نص التقرير
تشعر كثير من الأمهات الجدد بالاكتئاب والضجر والقلق خلال الفترة المحيطة بعملية الولادة، كما تراودهن كثير من الأفكار السلبية المتعلقة بأطفالهن. ويرجع ذلك إلى الكثير من العوامل، منها الطبي، ومنها النفسي، وكثير منها يتعلق بالظروف المجتمعية المحيطة. وعلى الرغم من حداثة تعرف المتخصصين في الطب النفسي على أعراض ما يُسمى "اكتئاب ما بعد الولادة" فإنه من المنطقي بعض الشيء أن تمر الأمهات بهذه الأعراض بعد معاناتهن طوال أشهر الحمل وما بعد ذلك. ولكن هل تصورنا في يوم من الأيام أن يُصاب الآباء باكتئاب ما بعد الولادة أيضا؟

   

هذا ما يوضحه الكاتب في السطور التالية، مبينا أوجه الشبه والاختلاف بين ما تمر به الأم خلال فترة الحمل، وأثناء الولادة وما بعدها، وما يعانيه الأب خلال تلك الفترة أيضا. كما يتطرق الكاتب إلى أهمية الدعم الذي يجب أن يُقدم إلى كلا الطرفين، على الرغم من عدم الاعتراف حتى الآن بإصابة الآباء بهذا النوع من الاكتئاب. كما يشير المقال إلى الجهود التي بُذلت من قبل لإثبات أعراض المرض التي تعاني منها الأمهات، وإلى الجهود التي تُبذل حاليا لإثبات معاناة الآباء منه أيضا. فربما يُعترف بإصابة الرجال بهذا المرض قريبا.

  

يختلف اكتئاب ما بعد الولادة قليلا عن الاكتئاب التقليدي، فاكتئاب ما بعد الولادة يتضمن شخصا إضافيا ذا أهمية، ألا وهو الطفل
يختلف اكتئاب ما بعد الولادة قليلا عن الاكتئاب التقليدي، فاكتئاب ما بعد الولادة يتضمن شخصا إضافيا ذا أهمية، ألا وهو الطفل
  

خلال الأعوام القليلة الماضية كان هناك تزايد كبير في التقارير الإخبارية عن اكتئاب ما بعد الولادة، وغيره من الأمراض النفسية التي تصيب الأمهات، وقد أدت تلك الحملات إلى ارتفاع الوعي بضرورة وجود مزيد من الخدمات المتخصصة. وعلى الرغم من أن ذلك يُعدّ أمرا جيدا فإن الاهتمام بالأب كان ضئيلا جدا، حيث يمكن أن يُصاب الرجال أيضا باكتئاب ما بعد الولادة.

 

حاليا تُشخّص الأمهات فقط باكتئاب ما بعد الولادة، بينما يتضمن "الكتاب المقدس" للأطباء النفسيين، "دليل التشخيص الإحصائي للاضطرابات العقلية DSM-5" تشخيصا ما يُسمى "باكتئاب ما قبل الولادة"، وهو شكل من أشكال الاكتئاب الإكلينيكي الذي يحدث في أي وقت خلال فترة الحمل، أو خلال أربعة أسابيع بعد الولادة، وعلى الرغم من ذلك، يميل الخبراء العاملون في مجال الصحة النفسية خلال فترة الولادة إلى التحلي بمزيد من المرونة، ما يجعلهم يمدون هذه الفترة لتصل إلى عام بعد وضع المولود.

 

على أية حال، يختلف اكتئاب ما بعد الولادة قليلا عن الاكتئاب التقليدي، إذ يتشابه النوعان في الفترة التي يمر بها الشخص من مزاج مبتئس، أو انخفاض في الحماسة وانعدام الحافز، أو كليهما. بالإضافة إلى أعراض أخرى مثل قلة النوم، والعصبية، وتغير الوزن، والشعور بالذنب، والشعور بعدم الاهتمام وانعدام القيمة، والخواطر المتعلقة بالموت والاحتضار. لكن الاختلاف الأكبر بين النوعين أن اكتئاب ما بعد الولادة يتضمن شخصا إضافيا ذا أهمية، ألا وهو الطفل. تشير الدلائل إلى أن أثر العواقب طويلة الأجل لاكتئاب ما بعد الولادة على الطفل قد تكون بالغة الخطورة، إذ قد تنطوي على متاعب في النمو، وضعف التفاعل الاجتماعي، ومشكلات في العلاقة العاطفية، وزيادة استخدام الخدمات الصحية، بما في ذلك خدمات الصحة النفسية.

 

تعرضت نسبة تتراوح بين 7% و20% من الأمهات الجدد إلى اكتئاب ما بعد الولادة. وهناك رأي شائع يقول إن التغيرات الهرمونية هي المسبب لهذا النوع من الاكتئاب، ولكن على الرغم من صحة هذا الرأي جزئيا فإن العوامل الأخرى للحياة مسؤولة بشكل كبير عن هذا الاكتئاب، مثل الفقر، وصغر السن، وانعدام الدعم، وصدمة الولادة. وهناك سبب محتمل آخر، وهو الوقوع المفاجئ تحت وطأة مسؤولية العناية بالطفل، وتغير الحياة بشكل كامل.

    undefined

   

تشعر الأمهات بالاكتئاب أيضا نتيجة لشعورهن الشديد بالذنب حيال مشاعرهن نحو أطفالهن، ويخشون تأنيب وبغض المجتمع لهن. ونتيجة لذلك لا تُفصح 50% على الأقل من الأمهات عن مشكلات صحتهم النفسية، أما الأمهات الأخريات فلا يخبرن مقدمي الخدمة الصحية بما يشعرن به، خوفا من إبعاد الخدمات الاجتماعية أطفالهن عنهن.

    

أدلة متزايدة
جميع العوامل السابقة يمكن أن تنطبق على الآباء أيضا، ورغم أنه لا يوجد تشخيص تقليدي لإصابة الآباء باكتئاب ما بعد الولادة فإن هناك أدلة مُجمعة من عدة دول، من بينها البرازيل، والولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، تشير إلى أن نسبة تتراوح ما بين 4% إلى 5% من الآباء قد عانوا من أعراض اكتئاب شديد بعد ولادة أطفالهم، بينما تشير بعض الدراسات الأخرى إلى أن معدل الإصابة بهذا الاكتئاب تناهز 10% من الآباء الجدد.

    

تتشابه أسباب هذه المشاعر عند الآباء مع ما تمر به الأمهات، لكن هناك بعض التعقيدات الإضافية، فالرجال أقل ميلا إلى البحث عن المساعدة فيما يتعلق بالمشكلات النفسية بشكل عام. فوفق المفاهيم الاجتماعية في الكثير من الدول يجب على الرجل أن يكبح ويتحكم في مشاعره. تلك المشكلة على الأرجح هي العامل الأكثر أهمية بالنسبة للآباء، الذين ينظرون بطبيعة الحال إلى دورهم أنه حيوي وأساسي للأسرة. يمر الآباء -لا سيما الذين يُولد لهم أطفال للمرة الأولى- بالعديد من التغيرات المفاجئة، بما في ذلك التغير الكبير في دخل الأسرة، وتغير العلاقة مع زوجاتهم، إذ تُعدّ هذه الأشياء هي عوامل الخطر الرئيس لاكتئاب الآباء.

       
يمر الآباء بالعديد من التغيرات المفاجئة، بما في ذلك التغير الكبير في دخل الأسرة، وتغير العلاقة مع زوجاتهم، وهي عوامل الخطر الرئيس لاكتئاب الآباء
يمر الآباء بالعديد من التغيرات المفاجئة، بما في ذلك التغير الكبير في دخل الأسرة، وتغير العلاقة مع زوجاتهم، وهي عوامل الخطر الرئيس لاكتئاب الآباء
     

إن أهمية الدعم الذي يجب أن يُقدّم للآباء في تلك الفترة لا يقل حيوية عن الدعم الذي تحظى به الأمهات، إذ تشير الأدلة إلى أن الاكتئاب الذي يمر به الآباء قد يتسبب في تأثيرات خطيرة على نمو الطفل. وعلى الرغم من ذلك فقد اتضح أن الآباء أيضا أقل ميلا إلى طلب المساعدة من الأمهات، كما أن المتخصصين في مجال الصحة النفسية أقل أخذا في الاعتبار أن الآباء يحتاجون إلى الدعم أيضا مقارنة بالأمهات. ولا شك أن هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة لخلق وضع يعترف بأهمية الدعم الذي يحتاجه الآباء، لا يقل أهمية عن الدعم الذي تحتاجه الأمهات.

 

انخفاض الجاهزية
كان ثمة خلاف حول أن المتخصصين في مجال الصحة النفسية لم يكونوا على مستوًى من الجاهزية يمكّنهم من التعرف على الأمراض النفسية المتعلقة بولادة الأطفال ومعالجتها حتى وقت قريب، لكن عدة حملات توعوية انطلقت في المملكة المتحدة أدت إلى تغيرات في السياسات، والتمويل، والإرشاد الصحي. ولكن على الرغم من ذلك فإن النسخة الاخيرة من دليل المبادئ التوجيهية للصحة النفسية لما بعد الولادة، الصادر عن المعهد الوطني للصحة والرعاية المتميزة (NICE)، لم يعالج احتياجات الآباء.
   
وعلى الرغم من الحملة المنادية بالاهتمام بهذا الأمر، التي يدعمها العديد من المتخصصين والأكاديميين، فقد صرح المتحدث الرسمي باسم المعهد الوطني للصحة والرعاية المتميزة لشبكة بي بي سي الإخبارية أنه من غير المرجح أن تحدث تغييرات في الدليل التوجيهي الصادر عن المعهد طالما لا توجد أدلة على إصابة الرجال باكتئاب ما بعد الولادة. ومع ذلك، إذا ما قمنا باستبعاد العوامل الهرمونية التي تعاني منها الأمهات الجدد فإن عوامل خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة المتبقية سوف تنطبق أيضا على الآباء. لذا، نحن بحاجة إلى الدعم اللازم للاعتراف بذلك.

 ________________________________________________

  

مترجم عن: ذا كونفرزيشن

المصدر : الجزيرة