شعار قسم ميدان

كيف تم تضليلنا بحساب السعرات الحرارية؟

midan - food
مقدمة المترجم: يساعد نمط الحياة السريع الذي نحياه، على كسب المزيد من الوزن يوميا، بما يجعل البرنامج الغذائي اليومي للفرد، ومقدار ممارسته للرياضة، اهتماما عاما. وتتنافس شركات الأغذية في تسويق منتجاتها، التي تعتبر جزءا من المشكلة، بدعاية تركز على مقدار ما تحويه من سعرات حرارية. في هذه المقالة القصيرة، نكتشف مدى دقة السعرات كمقياس وحيد لجودة الطعام، وحقيقة الأبحاث التي تتحدث عن حرق السعرات أثناء الاستحمام، ومعلومات هامة أخرى.

 

تقول دراسة جديدة إنّ حماما ساخنا واحدا يحرق من السعرات ما يحرقه السير لمدة ثلاثين دقيقة، وقد ذاع هذا القول في تغريدة، نشرتها مجلة تايم، ليلة الثلاثاء. وكانت تشير إلى بحث صغير في التأثير الفسيولوجي للتعرض إلى الحرارة.

 

جاءت ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي مزيجا ما بين المتوقِّع والمبتهج من التقدير الذاتي وانتقاص الذات. أشياء من قبيل، "هكذا أنا جدا"، و"من الواضح أن عدم الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية كان قرارا موفقا"، و"جهزوا حوض الاستحمام، سأستمتع بحمام أبدي وألتهم الطعام طوال الوقت" متبوعة بـ"إيموجي" نهم. وبالطبع، كانت هناك عبارة "إنها محاولة للإلهاء عن الفضيحة الروسية".

 

إننا جميعا نسقط المعنى باستمرار على العالم، ليتفق مع القوالب التي نتبناها، لذا رأيت في نتائج هذه الدراسة عريضة اتهام ضد السعرات الحرارية. قلت، في ردي على التغريدة، إن الدراسة تثبت أن السعرات "تكاد تنعدم قيمتها، كما أنها مقياس مخادع غالبا".

 

لاقت تغريدتي قبولا شعبيا وأحبها الجميع تقريبا. فكرت في الاعتزال معتمدا على عائد حقوق الملكية الفكرية. لكن البعض شرعوا في مجادلتي. بدأ أحدهم مستعينا بالحجة البلاغية الأزلية "هراء! تناول سعرات أكثر مما تحرقها وسيزيد وزنك وتناول سعرات أقل ستفقد وزنا؛ هذه هي الحقيقة". بينما طرح آخرون أسئلة أكثر تحديدا مثل "ماذا تعني بـ"عديمة القيمة؟" لقد تعلمت ضرورة زيادة مرات الاستحمام بماء ساخن!". وهناك ما هو أكثر تحديدا من ذلك: "ما درجة السخونة التي يجب أن يكون عليها الماء؟"

 

لكن ما علق في ذاكرتي كان ذلك: "هل من ترجيحات لما علي الاهتمام به أكثر؟ كل شيء ملعون أقرأه يقول شيئا مختلفا". و"هاكم غبي آخر هنا.. قل المزيد! سأقرأه". لذا سأقول المزيد، رغم أني قلت الكثير بالفعل عن سبب عدم فعالية التعامل مع الطعام بمنهج حساب السعرات. إن السعرات الحرارية مقياس غير ناضج، لا يلقي بالا لأي من خصائص الطعام، إلا مقدار ما يحتويه من طاقة. لا يمكن اختزال قيمة الأنشطة في رقم، وكذلك الطعام. إلا أن السعرات الحرارية ما تزال منتشرة في صورة جداول في كل مكان، محددة بخطوط ضخمة على أغلفة الطعام، وفي قوائم المطاعم، وإعلانات المنتجات المعبأة التي لا يزكيها سوى انخفاض عدد السعرات الحرارية التي تحويها.

تظل عبوات المنتجات الغذائية القائمة على السكر، ذات المئة سعر حراري، والدعاية الصاخبة، هي الأسوأ. فهي تسبب ارتفاعا مفاجئا في مستويات الأنسولين، وتؤثر على امتصاص المغذيات
تظل عبوات المنتجات الغذائية القائمة على السكر، ذات المئة سعر حراري، والدعاية الصاخبة، هي الأسوأ. فهي تسبب ارتفاعا مفاجئا في مستويات الأنسولين، وتؤثر على امتصاص المغذيات

السعر الحراري هو كمية الطاقة اللازمة لرفع درجة حرارة جرام واحد من الماء درجة مئوية واحدة. و"السعرات" التي نتحدث عنها في حالة الطعام، هي كمية الطاقة الناتجة عن حرق هذا الطعام. لا شك أن قانون الديناميكا الحرارية الأول يسري على البشر أيضا، لذا يستحيل تخزين الطاقة (على صورة دهون)، إذا تناولت طاقة أقل مما تستهلك. لكن العوامل التي تؤثر على توازن الطاقة كثيرة. يحرق الجسد الطاقة ويخزنها، من أغذية مختلفة، في صور مختلفة، في أوقات مختلفة، في أشخاص مختلفة، بطرق مختلفة.

 

تتسبب هذه السذاجة في أخطاء، مثل الاعتقاد بأن 200 سعر حراري من أقراص الحلوى تساوي بأي حال من الأحوال 200 سعر حراري من السلطة. بهذه الطريقة، استخدم المسوقون السعرات كسلاح للادعاء بأن منتجاتهم غير القابلة للهضم لا تسبب ضررا. مثلما أعلنت كوكا كولا، من قبل، أن شرب الصودا لا بأس به، طالما مارست تمارينا رياضية كافية لحرق هذه السعرات. كان هذا ليكون منطقيا لو لم يكن التعرض المستمر للأطعمة التي تحوي كمية كبيرة من السكريات يغير طريقة تخزين جسدك للطاقة. يشبه ذلك القول بإن إهانة أحدهم لا بأس بها، ما دمت تتبعها بإطراء له.

 

وتظل عبوات المنتجات الغذائية القائمة على السكر، ذات المئة سعر حراري، والدعاية الصاخبة، هي الأسوأ. فهي تسبب ارتفاعا مفاجئا في مستويات الأنسولين، وتؤثر على امتصاص المغذيات، وتنتج جوعا لاحقا، بطرق تختلف جوهريا عن تناول مئة سعر حراري من اللوز أو السبانخ. يعادل ذلك كمية كبيرة جدا من السبانخ. ستملأ معدتك وتسعد ميكروبات أمعائك.

 

يمكنني مواصلة السرد، لكن يكفي القول إن تقييم الطعام بكمية السعرات، يشبه تقييم الأدب بعدد صفحات الكتاب. من الجيد، عادة، معرفة إذا كنت مقبلا على عمل أدبي في حجم "الغريب"، أو عمل أقرب إلى "دعابة لا نهائية"، لكن الرقم وحده مقياس فقير للطريقة التي سيؤثر بها الكتاب على صحتك. لا يقاس اليوم بعدد الصفحات المقروءة، ولا الشخص بعدد الكتب في مكتبته.
 

undefined

إن السعرات الحرارية، بالتأكيد، أداة قيمة للباحثين الذين ينشدون تحليل فيسيولوجيا البشر المعقدة. كانت دراسة الاستحمام بحثا فريدا في الجهاز المناعي. نشرت في عدد مارس/آذار من دورية تمبرِتشر، تحت عنوان "أثر التسخين السلبي على بروتين الصدمة الحرارية 70، وإنترلوكين 6، هو أداة علاجية محتملة لأمراض الأيض؟" (ليس بالعنوان الذي سيحظى بأكثر عدد من النقرات).

 

انطلق الباحثون لمعرفة كيف يمكن للتعرض إلى الحرارة أن يغير الجزيئات في أجسادنا. شملت الدراسة 14 فردا (جميعهم من الرجال) فقط. حظوا بحمام لمدة ساعة، بدرجة حرارة 104 فهرنهايت، وهو ما تسبب في حرق السعرات بالفعل، وتم قياس ذلك أيضا، فالجسد يحتاج إلى الطاقة للحفاظ على درجة حرارة الأعضاء الداخلية في درجة حرارة 98.6 تقريبا. لكن متوسط حرق الرجال كان 61 سعرا حراريا، أكثر مما كانوا سيستهلكون حال تواجدهم في درجة حرارة الغرفة. وعندما استخدموا عجلة رياضية للفترة نفسها، حرقوا ما بين 515 و597 سعرا.

 

كذلك كتبت عن التعرض للبرودة، بما فيها الثبات في المكان، مرتديا سترة جليد، مع الخضوع للعلاج بالتبريد، وهو ما ثبت أثره في حرق السعرات. لكن الباحثون الذين درسوا التعرض للبرودة، لم يكن اهتمامهم منصبا على حرق السعرات للحفاظ على توازن درجة الحرارة، بقدر ما كان هدفهم هو اكتشاف نوعية التغيرات بعيدة الأمد في أجهزة الجسم عند الحياة في بيئة ذات درجة حرارة متغيرة، مقارنة بالتغير المناخي المعتاد على مدار العام في المنازل والسيارات والمكاتب، حيث ضبط منظم الحرارة بضعة درجات أعلى أو أقل من الحرارة المثلى لأحدهم، كفيل بالتسبب في نشوب عراك عنيف في المكتب كله.

 

نفس الأمر ينطبق على دراسة الحمام الساخن. فرغم رصد الباحثين وجود اختلاف كبير في كمية السعرات المستهلكة عند المقارنة بين التريض والاستحمام، فقد أظهر كل منهما تغيرات مشابهة في بروتين الصدمة الحرارية 70، وإنترلوكين 6، إلى جانب تركيز السكر في الدم. وبسبب هذه التغيرات، استنتج الباحثون أن الحمام الساخن يستطيع تحسين الأيض، مثلما يفعل التريض للأشخاص "الذين يمنعهم عجز جسدي كبير عن المشاركة في نشاط هوائي (aerobic) لتحسين صحة القلب والأيض".

إن السعرات الحرارية تهدهدنا، فهي تمنحنا شعور مزيف بالأمن، أعني إمكانية فعل أمر مدمر، طالما كان بالإمكان إلغاء أثره بفعل ما معادل له
إن السعرات الحرارية تهدهدنا، فهي تمنحنا شعور مزيف بالأمن، أعني إمكانية فعل أمر مدمر، طالما كان بالإمكان إلغاء أثره بفعل ما معادل له

لعل الأثر الفسيولوجي للتسخين السلبي أمر مثير للاهتمام، إلا أنه قد يكون أقل فائدة لصحة الإنسان مقارنة بأثر طقوس ترويحية مثل الجلوس منفردا في الماء. يكون الاستحمام في الأغلب فرصة نادرة للتأمل والتخفيف من أعباء الذهن، وهي أمور مفيدة بدرجة لا مثيل لها. إلا لو اصطحبت هاتفك معك في أثناء استحمامك، وكنت تقرأ تغريدات تويتر ليلا، وثار جنونك عند وصف الناس تغريدتك بالهراء، وإن لم تكن كذلك.

 

تكمن المشكلة الوحيدة في ذلك الادعاء المريح نفسيا، المتعلق بالاستحمام، في أنه لا يشبع جوعنا للتكميم (quantification)، ولمعرفة أن ما نفعله ليس جيدا فحسب، بل هو جيد بدرجة معينة، تبطل أو توازن درجة محددة من السوء. إن السعرات الحرارية تهدهدنا، وتوفر لنا هذا النوع من المقايضة المرضية. فهي تمنحنا شعور مزيف بالأمن، أعني إمكانية فعل أمر مدمر، طالما كان بالإمكان إلغاء أثره بفعل ما معادل له. إذن، ربما يمتاز هذا النوع من أنظمة الاعتقاد، رغم عيوبه، بأثر مهدئ للأعصاب، مثل الاستحمام.

المقال مترجم عن: الرابط التالي
المصدر : الجزيرة