رهاب المرتفعات.. لماذا نخشى الوقوف في الأماكن العالية؟
إن كنت تُعاني من الخوف الزائد (المبالغ فيه) وغير المبرر من الأماكن المرتفعة، فإن هناك الآلاف من البشر يعانون كذلك، ويمرون بالمواقف ذاتها، ويؤثر خوفهم على حياتهم الطبيعية. وهذا ما يسمى ب "الأكروفوبيا". في هذا التقرير سنمر بعدة محطات لإلقاء النظر على تفاصيل هذا الخوف، وأسبابه السيكولوجية، وأعراضه، وكيفية التخلص منه، وطرق التعايش معه وتحجيم آثاره.
الخوف من المرتفعات شائع بصورة كبيرة، حيث يُسبب الضغط والقلق والحزن لحوالي 2% إلى 5% من البشر، فمن بين كل 20 شخصا بالغا يعاني شخص واحد -على الأقل- من رهاب المرتفعات، حيث يقع رهاب المرتفعات في المرتبة الثانية في المملكة المتحدة -بعد رهاب العناكب- بين أنواع الرهاب الأكثر شيوعا. فتشير الدراسات إلى أن 14% من سكان المملكة المتحدة يعانون من رهاب المرتفعات، والأغلبية العظمى منهم من النساء. ورغم أن هناك فئة تستمع بالصعود إلى المناطق شاهقة الارتفاع أو تسلق الجبال وغيرها من الأنشطة الترفيهية، فإن الأشخاص الذين يعانون من رهاب المرتفعات على النقيض تماما، حيث يلجؤون إلى تجنب الأنشطة الرياضية والترفيهية التي ترتكز على الأماكن المرتفعة والمباني العالية وكذلك الأنشطة التي تتطلب الصعود أو الهبوط مثل تسلق الجبال والتزلج على الجليد، أو حتى مجرد الوقوف على التلال أو الشرفات العالية.(2)
تؤثر الأكروفوبيا في العموم على الأنشطة الترفيهية التي قد يستمتع بها البعض، لكن في بعض الحالات الأكثر عمقا يؤثر رهاب الأكروفوبيا على الحياة اليومية بشكلها الطبيعي، ففي بعض الحالات -على سبيل المثال- قد تؤدي القيادة على الجسور إلى نوبات من الذعر والدوخة وتنشيط الأعراض المصاحبة لرهاب المرتفعات، كذلك من يعاني من الأكروفوبيا قد يتعرض لصعوبة استخدام السلالم المتحركة والمصاعد الزجاجية وغيرها من الأنشطة اليومية.(3)
وكباقي أنواع الرهاب الاجتماعي قد يعاني الشخص من رهاب المرتفعات بسبب التعلم الحياتي غير المقصود عن طريق المرور بتجارب مؤلمة أو قاسية، كالتعرض لحدث مأساوي -في الماضي- يربط بين المرتفعات والصدمات العاطفية والنفسية،أو المرور بحادث السقوط من مكان مرتفع أو حتى مجرد رؤية شخص قد مر بنفس التجربة المؤلمة، وبالتالي ينشأ رهاب الأكروفوبيا من قِبَل العقل اللاوعي كآلية دفاعية يسعى فيها العقل إلى حماية الجسم ووقايته من التعرض لمزيد من التجارب والصدمات المشابهة في المستقبل وهو ما يثير الخوف الشديد من الأماكن المرتفعة.(4)
تختلف حدة الأعراض المصاحبة لرهاب المرتفعات وفقا لكل حالة، فعندما يجد الشخص نفسه في مكان مرتفع يُطور جسده العديد من الأعراض، ومن هذه الأعراض -النموذجية- التي يتعرض لها معظم من يعاني من الأكروفوبيا اضطراب معدلات التنفس سواء بضيق التنفس أو زيادة سرعته، كذلك عدم انتظام ضربات القلب، والتعرق وجفاف الفم والشعور بالغثيان والدوار، والتلعثم وعدم القدرة على الكلام أو التفكير بوضوح، كل تلك الأعراض بالإضافة إلى التوهم والانشغال بالأفكار غير الواقعية مثل أفكار الموت وانعدام السيطرة والانفصال عن الواقع، كما يُعتبر ظهور نوبات القلق والذعر عند التعرض للأمور الحرجة من الحالات الخطرة جدا، لأنها تمنع الشخص وتلجم قدرته على التفكير واتخاذ القرارات السليمة.(5)
يعتبر الهدف الرئيس من ممارسة الاسترخاء هو غرس العادة لدى الشخص الذي يعاني من الأكروفوبيا، وبالتالي استطاعة الشخص تطبيقه عند التعرض لموقف يثير رهابه، مما يساعد على الحد من الذعر والقلق، والتمكن من التفكير بوضوح واتخاذ القرار المناسب. كذلك في بعض الحالات قد يستطيع الشخص أن يطبق منهجية العلاج بالتعرض بنفسه، من خلا مواجهة الخوف.
أما عن العلاج المعرفي السلوكي فهو يتمركز حول الاعتراف بالأفكار السلبية والمواقف المختلفة التي تعزز الشعور برهاب الخوف من المرتفعات، ثم الاسترخاء والبدء في إعادة هيكلة الأفكار واستبدالها بالأفكار الإيجابية التي تعتمد على المعلومات الحقيقية والأدلة الصحيحة من أجل التخلص من الخوف. حيث يلعب العلاج المعرفي السلوكي دورا جوهريا في علاج رهاب المرتفعات، فوفقا للمعهد الوطني للصحة النفسية فإن حوالي 75% من الناس الذين يعانون من رهاب المرتفعات استطاعوا التغلب على مخاوفهم من خلال العلاج المعرفي السلوكي.
وبالإضافة إلى العلاج بالتعرض التدريجي والعلاج المعرفي السلوكي قد تستخدم بعض الأدوية -مثل مضادات الاكتئاب- في تحجيم رهاب المرتفعات عن طريق تخفيف الأعراض المتعلقة به مثل تثبيط القلق، كما تستخدم الأدوية المهدئة من أجل تخفيف الأعراض الجسدية مثل الذعر وعدم انتظام ضربات القلب ومعدل التنفس، لكن لا يُفضّل -بأي حال من الأحوال- اللجوء إلى الأدوية دون استشارة الطبيب المعالج.