تكمن أهمية علم النفس في كونه بابا نلج من خلاله لسبر أغوار النفس البشرية وآليات تفكيرها، كما يحوي هذا العلم أدوات لتفكيك تشابكات النفس وتناقضاتها الظاهرية، حيث يساعد هذا الفهم على تحسين الذات وتطويرها من خلال التحكم بالمواقف التي يتبدى لنا ضعفنا حين التعرض لها، فإدراك محفزات السلوك الإنساني ودوافعه ومآلته هي المفتاح لإدراك حقيقة أنفسنا وبالتالي حقيقة ما ينبغي علينا القيام به.
ويقينا منا بضرورة التبصّر بعلم النفس بما يعود بإيجابية تنعكس على الحياة بأكملها نعرض في هذا التقرير العديد من المحاضرات المهمة التي يلقيها أساتذة في علم النفس وعلماء الأعصاب والسلوك، حيث تلقي هذه المحاضرات الضوء على الجوانب المرشدة لفهم الشخصية، وماهية اتخاذ القرارات، وعلم السعادة والطريق إليها، كما تتطرق لخطوات وأسرار النجاح، بالإضافة إلى العديد من الموضوعات المهمة التي ستشكل معرفتها فارقا حقيقيا في تعزيز حياة الأفراد.
لغة الجسد هي الإشارات غير اللفظية التي نستخدمها كبشر في التواصل مع بعضنا البعض، إذ تُشكل لغة الجسد جزءا كبيرا من الاتصالات والتفاعلات اليومية التي نقوم بها، فوفقا للعديد من الباحثين فإن لغة الجسد تُشكل ما بين 50% إلى 70% من عملية التواصل البشري، ووفقا لعلماء الاجتماع فإن لغة الجسد تلعب دورا أساسيا في إصدار الأحكام، إذ أننا نستدل على ما يحدث حولنا من خلال لغة الجسد، والعكس صحيح، فإشاراتنا غير اللفظية تعد أداة رئيسة في إصدار الآخرين للأحكام علينا.
فرغم أن لغة الجسد تؤثر في طريقة رؤية الآخرين لنا فإنها تؤثر أيضا في الطريقة التي نرى بها أنفسنا، لذا وخلال هذه المحاضرة القصيرة -التي برغم أنها لا تتجاوز العشرين دقيقة فإنها حصدت على ما يزيد عن 41 مليون مشاهدة- تصحبنا عالمة النفس الاجتماعي إيمي كادي في جولة للتعرف على وضعيات القوة في لغة الجسد وكيفية استغلالها للظهور في وضعية الثقة والقوة، مما يعزز فرصنا في النجاح والقبول في الحياة الشخصية والاجتماعية والمهنية.
نعيش في مجتمع يضع معيار القوة الاجتماعية عاليا، ويثمّن ثقافة الاندفاع واضعا إياها فوق كل اعتبار، فالأشخاص الاجتماعيون الذين يتّسمون بالحماس والذين يتصرفون بحرية مطلقة مع الجمهور، والقادرين على تكوين الصداقات بسهولة، ينظر لهم المجتمع باعتبارهم الصفوة، مما يعني بالضرورة كون أولئك الانطوائيين يعيشون حياة صعبة ومخجلة في ظل هذا المجتمع.
بالرغم من ذلك فإن للانطوائيين قوة، حيث تتمتع الشخصية الانطوائية بالقدرة على التركيز والتفكير العميق قبل اتخاذ القرارات، إذ تؤكد سوزان كين خلال هذه المحاضرة -التي حصدت حوالي 17 مليون مشاهدة- أن الانطوائيين يجلبون مهارات وقدرات عديدة إلى هذا العالم، وعليه فإنه من الواجب تشجيعهم والثناء عليهم.
يسعى البشر طوال حياتهم للوصول إلى السعادة الحقيقية، مما يدفع الكثير للربط بين تحقق السعادة وامتلاك الأمور المادية، إذ يعتقد البعض أن السعادة لن تتحقق إلا بحصولهم على ما يريدون، وأن انعدام ذلك يعني بالضرورة العيش بتعاسة دائمة. وعلى نقيض تلك النظرة المادية تأتي هذه المحاضرة القصيرة والقيّمة للدكتور دان جلبرت عالم النفس بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب "السعادة المتعثرة" ليتحدى بها هذا الاعتقاد، وليثبت أن جهازنا المناعي يلعب دوره في أن يشعرنا بالسعادة الحقيقة حتى وإن لم تسر الأمور كما هو مخطط لها.
معظمنا يكره الضغط ويحاول تلاشيه والابتعاد عنه بشتى الطرق الممكنة، حيث أننا ننظر للضغط على أنه عدو لدود للصحة العامة بما يسببه من اضطرابات، لكن بعض الأبحاث أشارت إلى أن الضغط قد يكون مضرا فقط عندما يعتقد الشخص بذلك، لذا خلال هذه المحاضرة -التي حصلت على ما يقرب من 14 مليون مشاهدة- تسلط المتخصصة في الصحة النفسية كيلي ماكغونيغال الضوء على أهمية النظر إلى الضغط على أنه أمر إيجابي، كما تقدم آلية فعالة تخفى على كثيرين للتخفيف من الضغط ألا وهي: التوجه نحو الآخرين، فما هذه الآلية؟
يعتقد الكثيرون أن النجاح والتفوق يرتبطان بمعدل الذكاء، وأن الناجحين لم يصبحوا كذلك إلا لامتلاكهم معدلات ذكاء مرتفعة. قد يكون هذا الاعتقاد خاطئ بالطبع، حيث تؤكد أنجيلا لي داكويرث -التي تركت منصبا متميزا في مجال الاستشارات لتبدأ بالعمل كمُدرّسة رياضيات في إحدى المدارس العمومية بنيويورك- أن معدل الذكاء ليس العامل الوحيد المسؤول عن نجاح وتفوق طلابها، لذا تحاول أنجيلا خلال هذا المقطع شرح نظريتها حول العزم والجَلَد كمؤشر وسبب رئيس للنجاح لا يقل أهمية عن معدل الذكاء، بل باعتباره العامل الأكثر أهمية في النجاح والتفوق.
خلال هذه المحادثة التي لا تتخطى 4 دقائق والتي حصدت أكثر من 10 مليون مشاهدة، يلخص المحلل ريتشارد جونز خبرة سبع سنوات قام خلالهم بحوالي 500 مقابلة شخصية مع الأشخاص الناجحين للوقوف على أسرار النجاح، حيث يؤكد ريتشارد أن النجاح لا يتحقق بالسحر أو بقلة التركيز، فالناس لا ينجحون لأنهم أذكياء أو لأنهم محظوظون، لكنهم يحققون النجاح عندما يتحركون بدافع الشغف ويبذلون قصارى جهدهم في العمل الشاق، إذ يرى ريتشارد أن للنجاح ثمانية أسرار من يعلمهم ويقوم بتنفيذهم سيحقق النجاح لا محالة.
الحب والخيانة من الموضوعات الشائكة، فدوافع الحب والخيانة تختلف باختلاف القائم عليها، مما يساهم في صعوبة فهم تلكم المشاعر والإلمام بها، لذا تحاول عالمة الأنثروبولوجيا هيلين فيشر التي تقوم بدراسة الفروق بين الجنسين وتطور المشاعر الإنسانية شرح نشأة الحب وأصوله وأهميته الاجتماعية، كما تحاول تفسير ماهية "الحب الرومانسي" بالرجوع إلى الأبحاث النفسية ذات الصلة والتي تمت خلال 45 سنة الأخيرة، كما تتناول سيكولوجية الخيانة ودوافعها والأسباب التي قد تدفع أحد أطراف العلاقة لخيانة شريكه، كما تتطرق هيلين لبعض التوجيهات التحذيرية حول إساءة استخدام العقاقير المضادة للاكتئاب.
بحث الكثيرون من الفلاسفة والمسرحيين وعلماء الدين خلال قرون طوال عن السبب الذي قد يدفع الناس لارتكاب الشرور، إذ يرى الأشخاص المعتقدون بمعصوميتهم من الشر أن هناك حاجزا منيعا يفصل بين الخير والشر، لكن من خلال هذه المحاضرة يقلب فيليب زيمباردو الموازيين ويوضح مدى سهولة تحول الناس من أقصى الخير إلى أقصى الشر بناء على اكتشافاته من محاكمات سجن أبو غريب، ثم ينتقل للحديث عن مدى سهولة تحول الأشرار إلى أبطال وكيفية مواجهة هذا التحدي بنجاح.
عندما نتخذ قراراتنا نعتقد في قرارة أنفسنا بأننا نتخذها بعقلانية وأننا نمتلك زمام السيطرة عليها، بينما على الجانب الآخر هل يمكن أن تكون سيطرتنا على أفكارنا وهما؟ خلال هذه المحاضرة يقوم دان أريلي عالم الاقتصاد السلوكي ومؤلف كتاب "لاعقلانية متوقعة: القوى الخفية التي تشكل قراراتنا" (Predictably Irrational: The Hidden Forces That Shape Our Decisions) باستخدام أوهام بصرية كلاسيكية، ونتائج بحوثه لتوضيح الأسباب التي تثبت لاعقلانية الإنسان عندما يفكر في اتخاذ قراراته، وذلك تأكيدا لأبحاثه التي تنص على أن حدسنا يخدعنا بصورة متكررة ومتوقعة ومتسقة، ولا يمكننا فعل شيء حيال ذلك.
يشرح الباحث في علم الشخصية بريان ليتل خلال هذه المحاضرة التي لا تتجاوز 15 دقيقة الأسباب التي تميز كل شخص عن غيره، حيث يتطرق إلى علم نفس السمة، والذي يعتبر إحدى الطرق الأكثر تأثيرا في علم الشخصية، إذ يستخدم هذا العلم في دراسة الأفراد من خلال خمسة أبعاد توزّع بشكل طبيعي الفوارق بين الأشخاص، ويتم اختصار أبعاد هذا العلم بكلمة (OCEAN)، فالحرف الأول "O" يرمز إلى بُعد الانفتاح على التجربة الذي يقيس درجة فضول الشخصية ورغبتها في التجربة والاكتشاف.
والحرف الثاني "C" يرمز إلى بُعد الوعي الذي يتعلق بالواجبات والتعليمات والتنظيم ودرجة الحذر وضبط النفس، كما يرمز الحرف الثالث "E"إلى البُعد الاجتماعي أو الانبساط والانطواء حيث يتعلق بمدى اجتماعية الشخص واندماجه في المجتمع ومخالطته لغيره، ويرمز الحرف الرابع "A" إلى بُعد التوافق الذي يتعلق بالثقة بالآخرين وحسن المعاملة ومدى مساعدة الشخص لغيره، بينما يرمز الحرف الخامس "N" إلى بُعد الاضطراب والقلق حيث يتعلق بمدى اضطراب الشخص عصبيا ومدى قابليته للتعرض إلى المشاعر السلبية وعدم تقبل الآخرين.
