شعار قسم ميدان

ثلاث مهارات تحتاجها لتكون مبتكرا مثل المحترفين

midan - man

حلم كل رائد أعمال أن يحظى بلحظة الإلهام، تلك التي يبدو فيها كل شيء يعمل بشكل جيد. يبحث العديد منهم طوال مسيرته المهنية عن تلك الفكرة العظيمة التي تنقلهم من النجاح المتوسط المحبط إلى النجاح المذهل. قليلون فقط من يحصلون عليها، وينتهي الأمر بالعديد منهم محطمين ومحترقين على جانبي الطريق.

  

الحقيقة هي أن الابتكار ليس حدثًا متفردًا ولحظة الكشف هذه مجرد خرافة. يضم الابتكار دائمًا مجموعة عناصر، لا يتعلق الأمر بفكرة عظيمة بقدر ما يتعلق بجمع مجموعة من الأفكار معًا لحل مشكلة مهمة. فالابتكار عملية مستمرة وليس مجرد لحظة. لهذا بدلًا من محاولة إيجاد فكرة مبدعة، من الأفضل أن تحاول إيجاد مشكلة جيدة. الابتكار عملية أعقد بكثير مما يظن معظم الناس، يتطلب الأمر أكثر من فكرة لتغيير العالم، في الحقيقة يتطلب الأمر عقودًا بعد أول إنجاز مذهل ليظهر أثره بشكل واضح. الابتكار هو عملية متكاملة من الاكتشاف والتكرار والتنفيذ.

  


الاستكشاف
undefined   
أثناء إعدادي للبحث الخاص بكتابي تخطيط الابتكار، كان أحد الأشياء التي فاجأتني هي أن أغلب الذين أبدعوا ابتكارات ناجحة لم يكن في نيتهم فعل ذلك على الإطلاق. بل كل ما في الأمر أنهم في أثناء عملية الاستكشاف وجدوا بعض الروابط التي ساعدتهم في حل مشكلة مهمة.

  

لم يحلم جيم أليسون بعلاج السرطان يومًا. حتى أنه في الحقيقة لم يكن طبيبًا بل كان باحثًا في علم المناعة. مع ذلك قادته عقود من البحث إلى فكرة مبتكرة في أن تغيير تنظيم جهازنا المناعي بإمكانه أن يكون سلاحًا قويًا ضد المرض، واليوم يعتبر العلاج المناعي للسرطان معجزة طبية. كما يشرح "وليام براين أرثر" في كتابه طبيعة التكنولوجيا، كون أن كل تقنية تبدأ باكتشاف ظاهرة ما، مع أن طريقة الاستفادة من هذه الظاهرة لا تكون واضحة في البداية. أينشتاين على سبيل المثال لم يحلم يومًا بأن يكون هناك فائدة عملية لأعماله خلال سنوات حياته. الحقيقة أن الابتكار الكبير القادم دائمًا ما يبدو وكأنه لا شيء.

  

ألق نظرة على أي منظمة قادرة على الابتكار باستمرار تجد لديها طريقة إجرائية منظمة ومنضبطة لاستكشاف المشاكل الجديدة. قسم البحث في "آي بي إم" ساعد الشركة في إعادة تشكيل ذاتها لعقود بعد مدة طويل من اختفاء معظم منافسيها. 20% من وقت العمل الذي تسمح فيه غوغل لموظفيها بالعمل على ما يشاؤون كان بمثابة محرك بحث بشري عن مشاكل جديدة. لكنك لست في حاجة لأن تكون شركة برأس مال يبلغ مليارات الدولارات لتقوم بالاستكشاف. في الحقيقة هناك طرق عدة من البرامج الحكومية إلى الغرف الصناعية والجامعات المحلية التي تسمح للشركات الصغيرة بالوصول إلى الأبحاث العالمية.

   


التكرار
كل فكرة تبدأ بشكل خاطئ في البداية بشكل ما، لهذا تحتاج إلى التجربة والتكرار باستمرار لتصويب الأمور
كل فكرة تبدأ بشكل خاطئ في البداية بشكل ما، لهذا تحتاج إلى التجربة والتكرار باستمرار لتصويب الأمور
  
أطلقت منصة إيلانس في العام 1999 استجابة لما رآه المؤسسون ظاهرة جديدة قرأوا عنها في مقالة في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" تحكي عن فجر اقتصاد "الإي لانس". حينها وجدوا فرصة مناسبة لأن يصبحوا أكبر موقع لأعمال المقاولات أو الأعمال التعاقدية، قاموا بتطوير الموقع لتسهيل التواصل بين المتعاقدين والشركات التي تريد توظيفهم.

  

للأسف لم يفلح الأمر وفي عام 2001 قام المدير التنفيذي الجديد "فابيو روزاتي" بتحويل الشرحة باتجاه فرصة أخرى بشكل كامل. برنامج إدارة البيع. بدلًا من توصيل الشركات والمتعاقدين تركز "اي لانس" اليوم على جعل هذا التواصل فعالًا. كانت الاستراتيجية الجديدة ناجحة بدرجة ما وفي النهاية بيعت الشركة في العام 2006. مع ذلك وجد "روزاتي" فرصة أكبر يمكن استغلالها بتطبيق ما تعلموه من تصميم برنامج إدارة البيع على مشروعهم الأول. موقع "اي لانس" الجديد لا يقوم بتوصيل الشركات بالمتعاقدين فقط بل يتابع ويتطور من أداء وكفاءة هذا التواصل. 

  

نجحت الفكرة ونما موقع "إي لانس" بخطوات متسارعة واستمر وفريقه في التجربة والتكرار صانعين ابتكارات مثل سحابة المواهب الخاصة وبرامج التدريب والاعتماد. في وقت لاحق ستندمج الشركة مع منافستها (oDesk) لإنشاء موقع (Upwork) الذي يعد اليوم مشروعًا ضخمًا يضم 12 مليون عاملًا حُرًّا و 5 ملايين عميل ومليار دولار مدفوعات سنوية للأعمال الحرة. الحقيقة أن كل فكرة تبدأ بشكل خاطئ في البداية. بعضها يكون خاطئًا بنسبة ضئيلة والبعض يكون خاطئًا تمامًا، لكنها دائمًا خاطئة بشكل ما. لهذا تحتاج إلى التجربة والتكرار باستمرار لتصويب الأمور.

  


التنفيذ
لم تكن أمازون أول متجر كتب على الإنترنت تمامًا، كما لم يكن أيبود أول مشغل موسيقى رقمي، لكن كلاهما تصدر فئته حتى أصبح بمثابة تعريف لها. أحيانًا امتلاك فكرة عظيمة لا يكفي، يجب أن تكون قادرًا على جعلها أمرًا واقعًا.

   

الأمر لا يتعلق فقط بالفكرة العظيمة، بل يجب عليك المثابرة حتى إنجاحها على أرض الواقع
الأمر لا يتعلق فقط بالفكرة العظيمة، بل يجب عليك المثابرة حتى إنجاحها على أرض الواقع
   

لنفكر في حالة "إيغناز سيملويس" وهو طبيب في جناح التوليد بمستشفى فيينا العام في 1850. بسبب عدد الوفيات في الجناح أمر بتطبيق نظام صارم من غسل اليد، مما قضى عمليًا على مرض حمى الطفل الذي كان شائعًا في ذلك الوقت. للأسف الأمور لم تسر بشكل جيد بعد ذلك. بدلًا من أن يكافأ على إنجازه هوجم بشدة واعتبر دجالًا. جزء من المشكلة أن فكرة "سيملويس" عن غسيل اليد تعارضت مع نظرية التلوث الهوائي التي كانت سائدة في حينها. كان الاعتقاد الشائع حينها أن الهواء السيء وليس البكتيريا هو ما يتسبب بالمرض. لذا لم يكن لغسيل اليد أي جدوى بالنسبة لمهنة الطب في ذلك الوقت. من حسن الحظ أن من جاءوا بعده من أمثال "لويس باستور وجوزيف ليستر وروبرت كوخ" حققوا ما هو أفضل. على خلاف "سيملويس"، لم يكونوا علماء عظام فقط، بل عرفوا أيضًا كيف يتواصلون مع المجتمع الطبي بشكل عام وساعدوا في إنشاء نظرية الأمراض الجرثومية. بفضلهم أنقذت الملايين من الأرواح.

  

يظن معظم الناس أن الابتكار يتمحور حول الأفكار. لكنه ليس كذلك. بل حول إيجاد حل للمشاكل المستعصية. لهذا فإن الإتيان بفكرة جديدة لن يقودك إلى أي مكان. يصف معلم المشاريع الناشئة "ستيف بلانك" الأمر قائلًا: "يجب عليك أن تخرج من المبنى وتجد مشكلة يريد الناس لها حلًا وتبدأ في التجربة والتكرار لإيجاد حل لها".

  

لنعد إلى قصة "جيم أليسون" التي ذكرتها آنفا. عندما واتته فكرة علاج السرطان عبر العلاج المناعي ذهب إلى كل شركات إنتاج الدواء الكبرى، ولم ترد أي منها الاستثمار في هذه الفكرة. المشكلة لم تكن في أنهم لم يفهموا فكرته، بل لأنهم رأوها عدة مرات من قبل وأنفقوا مليارات الدولارات على مئات التجارب. كان أليسون شهيرًا في مجاله بالفعل، مع ذلك استغرقه الأمر ثلاث سنوات حتى وجد شركة تكنولوجيا طبية صغيرة وافقت على خوض التجربة وبدأت في إجراء اختبارات سريرية. بيع العلاج أخيرًا لشركة "بريستول مايرز سكويب" لقاء 2.4 مليار دولار ويعود معظم الفضل في هذا الإنجاز لاكتشاف أليسون.

  

مع ذلك يبقى العمل غير مكتمل. حين أطلق علاج أليسون الإعجازي لأول مرة نجح فقط مع 30% من المرضى ومع أنواع قليلة من السرطان. لكن هؤلاء المرضى كانوا في المراحل النهائية من المرض، لذا فقد كان عملًا مذهلًا. لكنه يعي أنه مازال أمامه الكثير من العمل. واليوم وهو على مشارف السبعين من العمر يذهب كل يوم إلى عمله لزيادة كفاءة العلاج وتوسيع استخدامه. الأمر لا يتعلق فقط بالفكرة العظيمة. بل يجب عليك المثابرة حتى إنجاحها على أرض الواقع.

   

_________________________________

 

التقرير الأصلي نُشر بموقع "آي إن سي" عبر: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة