شعار قسم ميدان

وثائقيات تكشف لك المغرب كما لم تعرفه من قبل

ميدان - المغرب

"قضيت وقتاً رائعاً لمدة 4 أشهر في المغرب من أجل تصوير أحد أفلامي، ثم عدت إليها لاحقاً. المغاربة رائعون ، واعرف ان مارتن سكـورسيزي يعود الى المغرب من وقت لآخر، هذا البلد مُفعم بالحياة والروعة الجمال. اتمنى أن اعود إليها قريباً"

( النجم العالمي ليوناردو ديكـابريو) (1)

        

تبدو المغرب دائماً كحالة خاصة في العالم العربي بتركيبة فريدة نوعاً؛ فملامستها للقارة الأوروبية من ناحية وعمقها العربي الاسلامي التاريخي من ناحية اخرى، وبيئتها الافريقية من ناحية ثالثة واستشرافها للأطلسي من ناحية رابعة، جعلت هذا البلد يبدو أقرب الى مرجل كبير قادر على صهر كافة الثقافات والاعراق والأديـان داخله ليظهر في النهاية كبقعـة مختلفة في الحجر الشمالي الغربي من القارة الافريقية.

    

انتجت الجزيرة الوثائقية عدداً كبيراً من الأفلام عن المغرب غطّت فيه تنوّع مدنها وثقافاتها واعراقها وانماط الحياة فيها، نستعرض في هذا التقرير مجموعة من هذه الأفلام التي تكشف الغطاء عن ثقافة وهوية المغرب فيما هو أبعد من مجرد جولة سياحية في رحاب هذا البلد.

      

ورزازات .. هوليـود أفريقيـا

     

على الرغم من هدوءها الشديد في قلب الصحراء الممتدة التي سُمّيت بإسمها – ورزازات كلمة أمازيغية تعني " باب الصحراء " – إلا أن هذه المدينة التي تقع في الجنوب الشرقي من المملكة المغربية ولا يزيد تعداد سكـانها عن الـ 100 ألف نسمة، تحتضن بداخلها ما يجعلها قبلـة عالميـة لكل مهتم بالسينما ، بما في ذلك الشركات الضخمة المنتجة للأفلام بمئات الملايين من الدولارات في هوليـود.

     

مدينة ورزازات المغربية معروفة بأنها " هوليود افريقيـا "، حيث اشتهرت عبر عقود طويلة بتصوير مجموعة من أشهر الافلام السينمائية العالمية مثل " لورانس العـرب 1962 " ، وفيلم " مملكة الجنة 2005 " ، وفيلم الرعب الشهير " المومياء 1999 " ، وفيلم " صيد السلمون في اليمن 2011 ". حتى المسلسل الشهيـر " لعبـة العروش Game Of Thrones " تم تصوير اجزاء من حلقـاته في ورزازات.

      

سبب الإقبال السينمائي العالمي على المدينة انها مزوّدة بالعديد من الاستوديوهات السينمائية عالية التجهيزات والتي عادة ما تكون ممتازة كمسـرح أحداث حقيقي للمشاهد التي لها طابع صحـراوي عموماً، او اشارة للبيئات العربية خصوصاً وهو ما جعل المدينة تشتهر بأهم الافلام التي تم انتـاجها بخصوص الحضارة المصرية القديمة والمعارك الحربية والقصص ذات الصلة بمنطقـة الشرق الأوسط عموماً.

        

ثلاثة استوديوهات كبـرى تملكها ورزازات يتمحور عليها الانتاج السينمائي العالمي للمدينة، كانت البداية عام 1938 عندما تم تصوير أول فيلم في المدينة للمخرج الإنجليزي الأشهر " ألفريد هيتشكوك "، ثم توالت الافلام العالمية لتصبح المدينة واحدة من أهم محطـات هوليود.

        

الصويرة .. مدينة التعايش

            

بشكل ما ، يبدو أن إطـلالتها على المحيط الأطلسي الممتد أمامها الى ما لا نهاية أكسبها طبيعة خاصة، حيث تحوّلت الى ما يشبه المغناطيس لكل أديان واعراق وثقافات العالم تقريباً. مدينة " الصويرة " مدينة مغربية عريقة تعتبـر من أهم أيقونات التنوّع الثقافي والحضـاري في المغرب بشكل جعل شهرتها تتجـاوز حدود المغرب ويُضـرب بها كمثال عالمي للتعايش.

       

بطابعها المعمـاري المميز وأسواقها التقليدية العريقة يُرفع الأذان من مكـان ما ، ثم تجد نفسك أمام معبد يهـودي زوّاره يهود مغاربة لا يميّزهم أي شيء عن بقيـة سكان المدينة ربما سوى رداءهم الديني أثناء آداءهم للصلاة. في نفس المكـان تعلو أجراس الكنيسة داعية لقداس الأحد ، ثم يظهر ذلك الصوت الذي يتحدث بالفرنسية لرجل أجنبي أبيض أصبح من أهل المدينة وليس مجرد سائح بها ، بعد ان قرر الاستقرار بها. وكل هذا التنوّع يحفّـه نوع ما من الحياة البسيطة التقليدية التي تركّز على الفنون اليدوية والسياحية البسيطة البعيدة عن صخب المدن وناطحات السحاب.

    

التنوّع الذي تشهده المدينة لا يقتصر فقط على التنوع الديني، بل يصل الى التنوع العرقي والاثني بين سكانها ، فهناك العرب والامازيغ والصحراويون والطوارق ومهاجرون من غرب افريقيا وأوروبيّون. بإختصار تعد الصويرة مثالاً حقيقياً  للمدينة العالميـة التي يعيش فيها كل الثقافات والاعراق والأديان بشكل يختلف عن تجمّعاتهم في أي مكـان آخر في العالم.

       

شفشاون .. بقعـة زرقاء في منتصف الطبيعة

        

في شمال المغرب ، تقبع المدينة السـاحرة " شفشــاون " كواحدة من أهم وأشهر الوجهات السياحية للمغرب، إن لم تكن أشهرها على الإطلاق بالفعل. الإسم الأصلي للمدينة هو " إشـاون " التي تعني بالأمازيغيـة " القـرون " بسبب الجبـال الضخمة التي تحيط بها والتي تعطيها منظـر القرون لمن يراها من بعيد. أما من يقتـرب فبالتأكيد سيسحـره جمال المدينة المغطـاه بالكامل باللون الأزرق، فتبدو مثل بقعـة زرقاء محاطة بطبيعة ساحرة.

      

أكثر ما يلفت النظر في مدينة شفشـاون هو قطعاً نمطها المعمـاري. البيوت جميعها تقريباً مطليّة باللون الازرق في تناسق بصري مريح للعين، كما تتخذ البيوت في معظمها نمطاً هندسياً واحداً اقرب الى الطراز الأندلسي، يجعلها أقرب الى سلسلة بيوت متّصلة بنفس النمط لا ينقطع تقريباً. هذا النمط الاستثنائي للمدينة حوّلها الى واحدة من اهم الوجهات السياحية العالمية، وساهم في تنوّعها وثراءها الثقافي بشكل كبير انعكس على تراثها الفني والغنائي والانسـاني.

     

ومع ذلك، ومع كونها محطة سياحية اساسية الا ان المدينة لم تفقد خصوصيتها المغربية أيضاً واحتفظت بتراثها الخاص على الرغم من تعدد الجنسيات والثقافات والوافدين اليها. لا يزال عبق المغرب فائحاً من كل ركن من اركان المدينة، وإن كان روّادها يتحدثون بكل لغات العالم.

          

مليـليــة .. وجه مغربي وإن ارتدى قناع اوروبي

       

للوهلة الاولى، يخيّـل إليك انك تسير في مدينة أوروبية بالكامل. العلم الأسباني في كل مكـان، البنـايات والشوارع لاتينية الطابع، الشوارع انيقة ونظيفـة، غالبية من تراهم في المدينة من شقـر الشعر زرق العيـون بيض الوجوه، نمط الحياة الاوروبية المليء بالرفـاه في كل مكـان، أبراج الكنائس في كـل مكـان حيث يعيش في المدينة أغلبية مسيحية تزيد عن نصف السكـان. نحن الآن في مدينية " مليليـة " التي تعتبر رسمياً جزء من الدولة الأسبانية.

         

ولكن، وببعض التأمل من عين الرائي، سيكتشف ان كل هذه المظـاهر البهيّة التي تبرز التمدن الأوروبي في المدينة هي محاولة مستميتة في إخفاء وجهها الحقيقي. قنـاع أبيض ضاحك يخفي وراءه ملامح مغربية خالصة، فالمدينة تقع على التراب المغربي واسمها أمازيغي الأصل معناه " الأبيض " في اشارة للأحجار الجيرية التي تميزت بها المدينة منذ ماضيها السحيق. ووسط كل هذا يرتفع السيـاج الذي بني في العام 1998 ليفصل بينها وبين بقية المغرب، فاصلاً معه مجتمع اعتاد ان يكون متجانساً عبر القرون، حيث قبائل كبدانة وفرخانة وبني نصـار المغربية التي توزّعت بين الجانبين، لتبدأ محنة الهوية.

       

فيلم " مليلية .. محنة الهـوية " حقق أكثر من مليون مشـاهدة عبر القناة الرسمية للجزيرة الوثائقية، ويعتبر من أكثر الافلام التي تسلّط الضوء الكاشف على مدينة " مليلية " بشقّيها : جمـالها الطاغي ونزعتها الأوروبية من ناحية، وأصولها المغربية الراسخة من ناحية أخرى.

        

على ضفاف أيت أحنصـال ..نظرة على أنهـار المغرب

         

في بيئة مغربية أمازيغيـة ساحرة يتدفق نهـر أيت أحنصـال انطـلاقاً من عيون زاوية أيت احنصال في منطقة أزيلال بالأطلس المتوسط، ويمتد النهر مخترقاً لعدد من القرى المغربية خالقاً الخضـرة والمناظر الطبيعية الخلابة على جانبيه لينهي رحلتـه القصيـرة في مصب بحيرة بين الودان.

       

على الرغم من محدودية سكان تلك المناطق حيث لا تزيد عن بضع آلاف من السكـان في تلك المنطقة، إلا أن النهـر كان سبباً في نشوء ثقافة متكاملة لتلك المنطقة، بدءً من الاعتماد على ثروات هذا النهـر في مجالات الزراعة والفلاحة وطرق الصيد التقليدية وغير التقليدية، مروراً بأدوات الطبخ وصنـاعة المنتجات التقليدية اليدوية واستفادة السكـان منها، وليس انتهاءً بتراث عميـق من الأعراس المغربية الامازيغية التي تتم على ضفتي النهـر والتي تتمتع بخصوصية كبيـرة وسط الأعراس المغربية التقليدية.

       

الوثائقي جزء من ملف وثائقيـات " على ضفـة نهر " الذي انتجته الجزيرة وتسلط الضوء فيه على مجموعة من أهم الانهار حول العالم بقاراته المختلفة، كان نهر " آيت أحنصـال " المغربي في مقدمتها بإعتبار أنه يقدّم الحيـاة لهذه المنطقة على شكل " ماء " و " فنون " أيضاً.

       

سلطـان السم .. الحيـاة مع الافاعي

    

" كان عندي أفعـوان كوبرا ورثته من تركة أبي، هذا الثعبـان عمّـر 18 عاماً .. عندما قمت ببيعه لعيسـاوي آخر، رقّ قلبي له وذهبت إليه وقمت بإستعادته .. كان من الصعب عليّ أن أتخلى عنه بعد عشرة 18 عاماً.. لو عاشرت شخصاً 10 أيام أو اسبوع، فانت تألفه .. نفس الامر بالنسبة للأفاعي، اذا عاشرتها لفترة طويلة فأنك تألفها وتحن لها اذا فارقتك "

    

لأتباع الطريقة العيساوية في المغرب طقوساً غريبة وغامضة محصورة عليهم فقط تجعلهم متأقلمين تماماً بالحياة مع الثعابين. الواقع أن الأمر يتجاوز كثيراً مجرد الحيـاة مع الثعابين الى الحيـاة بواسطة هذه الثعابين، حيث يستغل أتباع هذه الطريقة الثعابين كمصـدر رزق لهم ولشهـرتهم إما عن طريق الإتجار بها أو استعمالها في تقديم عروض فنية في الفنادق او المهرجانات السياحيـة.

      

الوثائقي يتنـاول جانباً شعبياً شديد الأصالة في بعض المناطق الصحراوية في المغرب، متخذاً من أتباع الطريقة العيسـاوية مثالاً، ويحاول أن يكشف بعض أسرار طرقهم مراحل صيد الثعابين، وكيفية استخراج سمومها، وكيفية ترويضها وتحويلها من ثعابين مفترسة في الصحراء الى ثعابين أليفة تطيع أوامرهم، وكيفية تغذيتها. كيف يستطيعون تحويل ثعبان مفترس سام الى صديق لهم يعتبر مورد رزق وشهرة ونجاح في حيـاتهم.

      

قرى بلا رجال .. آلام مغــربية

           

واحد من أهم وأشهر الافلام التي انتجتها الجزيرة الوثائقيـة في فبراير / شباط 2017، حيث حقق بعد مرور عام من إطـلاقه أكثر من 4 ملايين مشاهدة على القناة الرسمية على موقع يوتيـوب، ليصبح واحداً من اكثر افلام الجزيرة مشاهدة خلال السنوات الاخيرة.

            

في جبال أطلس الشاهقة التي تبدو كجنة ساحرة لمن يرصدها من بعيد، إلا أنها تحمل في داخلها الكثير من الآلام أيضاً. تعيش النساء في العديد من القرى الواقعة في هذه المنطقـة وضعاً اتسثنائياً حيث لا يوجد رجال معظم شهور العام بسبب نزوحهم الى المدن المغربية المختلفة لتحصيل الرزق، تاركين وراءهم أهاليهم ونساءهم وأطفالهم في تلك المناطق التي لا يوجد بها اية مشاريع او مصانع او اراض زراعية.

          

الوثائقي يسجّـل جانباً من حياة عدد من ربّـات الأسر المغربية في تلك المنطقة ويتقصى أحوالهنّ. نساء مناضلات، كادحات، يقاسين الأمرّين في بيئة شديدة القســوة ومنطقــة معزولة لا تلقى أي اهتمام، ويأملن أن يكون الغد أفضل لهنّ ولأبنائهن ولأسرهّن، وأن تشرق شمس الغد ليجدن أزواجهن بقـربهن، يتحملون معهنّ عبء العمل وتربية الأطفال وعبء الحياة. أما الأمل الأكبــر الذي يداعب أحلامهنّ فهو أن تتحول منطقة الأطلس إلى منطقة تنموية سياحية تجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، تنقذ نساءها من الفقــر وتقي رجالها عذابات الهجرة الاضطرارية.

           

في النهاية، المغرب معروف عالمياً بإعتباره وجهـة مهمة للسياحة. إلا أن اختزال النظـرة لهذا البلد من منظور سياحي فقط، هو ظلم كبير لأوجـه عديدة من ثقافته وبيئته الجغرافية وأرضيته الحضـارية والانسـانية التي ربما يكون لها من الأثر والعمق ما هو أكثر بكثير من التغطية السياحية الاعتيادية.

المصدر : الجزيرة