شعار قسم ميدان

التفسير العلمي وراء سير الإنسان أثناء النوم

midan - السير أثناء النوم

مقدمة الترجمة

قد يكون هنالك شخصٌ في حياتك يسير أثناء نومه أو أنك قد سمعت موقفاً طريفاً يرويه أحد أصدقائك عن سير أحدهم أثناء نومه. في عصرٍ مليء بالضغوطات والسرعة والأرق، أمست ظاهرة السير أثناء النوم "السرنمة" منتشرةً بين مختلف الأجيال والمجتمعات، فما السر وراء هذه الظاهرة؟ وما الذي قد ينجم عنها؟ وهل كل قصص السير أثناء النوم طريفةٌ كقصة صديقك؟

 

نص التقرير

في الليلة الماضية، ذهب معظمنا لسريره حيث الراحة والأمان، قبل أن ننغمس بنومٍ عميقٍ. بالنسبة للبعض، كان هذا هو المشهد الأخير من الوعي قبل البدء بحلقة جديدة من السير أثناء النوم.

 

تظهر الأبحاث الحديثة من جامعة ستانفورد أن ما يصل إلى أربعةٍ في المائة من البالغين قد عاشوا مثل هذه التجربة. في الواقع، إن معدل السير أثناء النوم آخذٌ في الارتفاع؛ ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة استخدام الأدوية المساعدة على النوم. بعض حالات السرنمة غير مؤذية كحالة "الرسام النائم" اللندني لي هادوين الذي يتميز بموهبة فنية عالية في الرسم والتي تنشط فقط أثناء نومه.

 

من ناحية أخرى، قد يكون السير أثناء النوم في بعض الأحيان خطيراً؛ حيث يكون الأشخاص الذين يسيرون أثناء نومهم في حالةٍ غير عقلانيةٍ حيث يمكن أن يؤذوا أنفسهم أو الآخرين. أحد بعض الأمثلة المتطرفة للسير أثناء النوم هو مثالٌ على المراهقة الإنجليزية التي قفزت من نافذة غرفة نومها؛ أو مثل قضية كينيث باركس في عام 1987 -في تورنتو- إذ قاد سيارته مسافة ثلاثة وعشرين كيلومتراً ثم قتل حماته، حدث كل ذلك على ما يبدو أثناء نومه. ارتكبت باركس الجريمة -إذا كان هذا الوصف صحيحاً- رغم أنهما كانا على وفاق وعدم وجود دافع لارتكاب الجريمة.

إن معدل السير أثناء النوم آخذٌ في الارتفاع؛ ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة استخدام الأدوية المساعدة على النوم

لماذا يدخل البعض في حالةٍ من قد تحدث ضرراً أثناء نومهم؟ إحدى الدراسات تجيب عن ذلك بالإشارة إلى أن "السير أثناء النوم" قد لا يكون مصطلحاً مناسباً لما يجري؛ إذ أن مناطق الدماغ البدائية المشاركة في الاستجابة العاطفية (في الجهاز الطرفي) والنشاط الحركي المعقد (داخل القشرة المخيّة) تظلّ نشطةً ويصعب تمييزها عن حالة الاستيقاظ. ويتميز هذا النشاط بأنماطٍ من "موجة ألفا" المكتشفة أثناء تسجيلات تخطيط أمواج الدماغ (EEG) -المستخدمة لتسجيل النشاط الكهربائي للدماغ. في الوقت نفسه، تظل المناطق في القشرة الأمامية والحصين -التي تتحكم في العقلانية والذاكرة- نائمةً بشكلٍ أساسي وغير قادرة على القيام بوظائفها المعتادة، مما يدل على نمط "موجة دلتا" الذي يُرى أثناء النوم الطبيعي -الكلاسيكي. يبدو الأمر كما لو أن السير أثناء النوم يحدث عندما لا ينتقل الدماغ تماماً من حالة النوم إلى الاستيقاظ، فهو في الغالب يظل عالقاً في متاهة النوم والاستيقاظ.

 

يشرح عالم الأعصاب الإيطالي لينو نوبيلي -باحثٌ في مجال النوم في مستشفى نيغواردا في ميلانو- أن: "الجزء العقلاني من الدماغ يكون في حالة تشبه النوم ولا يمارس سيطرته المعتادة على الجهاز الطرفي والنظام الحركي؛ لذا فإن السلوك ينظمه نوع من نظام البقاء القديم كالذي يتم تنشيطه أثناء [نظرية] الكرّ والفرّ [حيث تستجيب الحيوانات والإنسان للخطر بطريقة استنفاذ عام للجهاز العصبي الودي]".

 

ولكن لماذا تدخل أدمغتنا في حالةٍ مختلطةٍ كهذه، التي لا تمثّل أيّاً من اليقظة أو النوم؟ نحتاج إلى نوم مريح… إذاً ألن يكون من أكثر فائدةً إذا ما دخل الدماغ تماماً في "غيبوبةٍ أو نومٍ عميقٍ" إلى أن تتحقق هذه الراحة؟ عندما ينظر المرء إلى أسلافنا القدامى في ما قبل البشرية، تبدأ الأجوبة في التبلور. على مدى الدهر، كان الأمان الذي يوفره المكان الذي اختار فيه أسلافنا وضع رؤوسهم ليلاً -من نواحٍ عديدةٍ- معرضاً للخطر مقارنةً بأمان المساحات التي ننام بها حالياً -غرف نومنا.

مناطق الدماغ البدائية المشاركة في الاستجابة العاطفية (في الجهاز الطرفي) والنشاط الحركي المعقد (داخل القشرة المخيّة) تظلّ نشطةً ويصعب تمييزها عن حالة الاستيقاظ

تستخدم الأنواع الأخرى من المخلوقات مثل هذه الاستراتيجيات أيضاً. أتذكر تجربةً مروّعةً حدثت لي أثناء إحدى جولات السير الجبلي "الحَركلة". عندما كنت أتجوّل في الشفق، قفز غزالٌ من بين أغصان شجرةٍ مخلوعةٍ وفرّ هارباً في الأفق. لقد دهشت من مدى اقترابي منه قبل أن ينطلق حانقاً، فقد كنت على بعد أمتارٍ قليلةٍ فقط. كان من المحتمل أن يكون نائماً ، وفور استيقاظه أدرك الخطر المحتمل الذي كان يحيط به. ما أدهشني هو كيف بدا أن الغزال قد أًثير ليقوم بعملٍ ما حتى أثناء نومه. في الواقع، يمكن للعديد من الحيوانات الحفاظ على نشاط الدماغ اللازم للبقاء على قيد الحياة أثناء النوم. على سبيل المثال، تطير طيور الفرقاطة لأيامٍ وحتى لأشهرٍ، وتستمر بالطيران أثناء النوم بينما تسافر مسافاتٍ شاسعةً فوق المحيط.

 

لوحظت هذه الظاهرة في البشر أيضاً؛ أوضحت الأبحاث أنه في الليلة الأولى من النوم في بيئة جديدةٍ فإن نصفاً من نصفي دماغنا يبقى أكثر نشاطاً من الآخر أثناء النوم حيث يحافظ على "وضع اليقظة" القادر على الاستجابة إلى الأصوات غير المألوفة والتي يُحتمَل أن تكون إشارات خطرٍ.

 

يوافق العلماء الآن على أن نوبات من النشاط الموضعي الشبيه بالنشاط في المناطق ذات الصلة بالحركة والجهاز الحركي يمكن أن تحدث دون السير أثناء النوم بشكلٍ متزامنٍ. في الواقع، فقد ثبت أن هذه المناطق لديها عتبات استثارة منخفضة لتنشيطها. الأمر المثير للدهشة أنه على الرغم من ارتباط هذه المناطق بالسير أثناء النوم، إلا أن هذه العتبات منخفضة قد تم اعتبارها سمةً للتكيّف -نعمةً للبقاء على قيد الحياة. في معظم سلالتنا الواسعة، ربما تم اختيار هذه السمة لتتطور في جيناتنا لقيمتها.

أوضحت الأبحاث أنه في الليلة الأولى من النوم في بيئة جديدةٍ فإن نصفاً من نصفي دماغنا يبقى أكثر نشاطاً من الآخر أثناء النوم  (مواقع التواصل)

أوضح نوبيلي الذي قاد الفريق الذي أجرى الدراسة: "أثناء النوم، يمكننا تفعيل النظام الحركي، وعلى الرغم من أنك تنام ولا تتحرك، فإن القشرة الحركية يمكن أن تكون في حالة استيقاظ جاهزة". وأضاف: "إذا حدث خطأ ما وتعرضت للخطر، فإنك لا تحتاج إلى ترشيد الفص الجبهي في الفرار؛ أنت بحاجة إلى نظامٍ حركيٍ على أهبة الاستعداد". بالرغم من ذلك، في حالة السير أثناء النوم، فإن هذا النظام التكيّفي قد انحرف عن مساره، كما فسّر نوبيلي ذلك: "يؤدي مثيرٌ خارجيٌ -الذي من شأنه أن يؤدي إلى إثارةٍ صغيرةٍ عادةً- إلى إطلاق نوبة كاملة من المستثارات".

 

يشرح أنطونيو زادرا -أستاذ علم النفس في جامعة مونتريال في كندا- الأمر على النحو التالي: "يتم تصفية المعلومات من قِبَل دماغك الذي لا يزال يراقب المعلومات الاساسية -ما يحدث حول النائم- ويقرر ما هو مهم. فيفكر دماغك: ‘حسناً، لذلك نحن لن نيقظ النائم‘ أو ‘هذا من المحتمل أن يشكل تهديداً ذلك يجب علينا أن نوقظه‘. ولكن عملية الانتقال من النوم إلى اليقظة في السير أثناء النوم غير فعالةٍ بوضوح".

 

على الرغم من وجود دليلٍ على نشاطٍ موضعيٍ أثناء النوم في أدمغة الحيوانات البشرية وغير البشرية، فإن السير أثناء النوم بين الرئيسيات -رتبة من طائفة الثدييات تعيش على الأشجار- هو ظاهرة بشرية على نحو فريد. ولذلك ، من المنطقي أن الضغط الذي أحاط بأسلافنا الاختيار هذه السمة -ليتمّ تشفيرها لاحقاً في جيناتنا- يفوق التكلفة التي قد يدفع ثمنها الشخص الذي يسير في نومه أو الآخرين في حال تسبب في ضررٍ ما بشكلٍ فريد.

———————————————————————————————

مترجم عن (ايون)

المصدر : مواقع إلكترونية