شعار قسم ميدان

لم يصل لها العلم.. كيف جئنا بتصوراتنا عن الفضائيين؟

فضائيين - ميدان
إن هذا اليقين الشديد الذي نتكلم به عن معرفتنا الواسعة بالحياة الفضائية خارج كوكب الأرض مدهش للغاية، فنحن نعرف أنهم  ينشئون حضارات تعتمد على التكنولوجيا كما يصممون سفنا فضائية  تطير عبر المجرة، ويخلقون منشآت عملاقة تحصد الطاقة حول نجومهم، وهم كذلك يرسلون لنا تحية بين النجوم باستخدام الأشعة والترددات. ولا نعرف تحديدا متى ستصلهم رسائلنا في المستقبل، ولكننا نراهن على وصولها على أي حال.

      

فكيف لنا أن نعرف كل هذا؟ هو بالتأكيد ليس من خلال الطريقة المعتادة للعلوم، أي الملاحظة، بل إننا نعرف ذلك لأنه يبدو أمرا معقولا بالنسبة لنا، ولأن هذا ما شاهدناه في الأفلام، ولأن هذا ما كنا لنفعله نحن. أي أننا عندما نبدأ في التكهن وتخيل ما يبدو عليه الكائن الفضائي، فإننا نتحدث عن أنفسنا في الواقع.

   

يعود الدافع بالإضافة إلى مخيلتنا البشرية على الحياة المحتملة في عوالم أخرى إلى روايات الخيال العلمي في القرن السابع عشر، مثل رواية التاريخ الهزلي لولايات وإمبراطوريات عوالم القمر والشمس  The Comical History of the States and Empires of the Worlds of the Moon and Sun 1657) للكاتب الفرنسي سيرانو دي بيرجيراك.  وفيها تصور سيرانو قمرًا مأهولًا بحيوانات بشرية عملاقة تمكنت بطريقة ما من إنشاء مجتمع أوروبي شديد الجدل حيث ناقشوا فيه علم أرسطو واللاهوت المسيحي.

    

رواية التاريخ الهزلي لولايات وإمبراطوريات عوالم القمر والشمس
رواية التاريخ الهزلي لولايات وإمبراطوريات عوالم القمر والشمس

    

وعلى هذه الشاكلة – في الغالب- كانت المخيلة تسير منذ ذلك الحين؛ مثل روايات إسحاق آسيموف وسلاسل ستار وورز وستار تريك التي تحكي عن مخلوقات تشبه البشر في أواخر القرن العشرين،  بغض النظر عن كم الفراء الذي يكسوهم أو عدد  النتوءات في جبينهم.

    

قفزت هذه الافتراضات -التي تعكس الذات البشرية وشكلها وتصرفاتها- عن الحضارات الفضائية من شاشة السينما إلى المجلات العلمية في سبتمبر الماضي عندما أظهرت عالمة الفضاء تابيثا بوياجيان من جامعة ييل وزملاؤها، مستخدمين تلسكوب كيبلر الفضائي، أن الضوء القادم من نجم يدعى KIC 8462852، به ترددات ضوئية سريعة وكثيفة لا يمكن تفسيرها باعتبارها أي ظاهرة طبيعية معروفة.

    
 واقترحت بوياجيان أن حشدًا من المذنبات قد يحجب ضوء النجم، غير أن جايسون رايت، عالم الفلك في جامعة ولاية بنسلفانيا، وزملاؤه أضافوا بديلاً استفزازيًا ومستبعَدًا، حيث  قالو إن هذا التردد قد يكون  ظلًا عابرًا لهيكل عملاق بناه المهندسون الفضائيون. واقترح  الفيزيائي البريطاني المولد فريمان دايسون مفهوم مثل هذه الهياكل التي تحلق حول النجوم في الستينيات، وقال إن أي حضارة تملك القدرة التقنية الكافية من شأنها بناء مجموعة واسعة لحصد الطاقة الشمسية في الفضاء لتغذية الطلب الهائل على الطاقة. وجاء تعليق رايت عن هذا الهيكل في الحياة الواقعية حول النجم KIC 8462852 بحرص شديد، غير أن الحديث عن الفضائيين لا يمر مرور الكرام في عالمنا؛ فسرعان ما انتشر قوله في كل عناوين الأخبار الرئيسية في جميع أنحاء العالم.
   

وبدأ باحثون آخرون في الاستماع للرسائل القادمة من KIC 8462852. وركزت عمليات البحث هذه على موجات الراديو ونبضات الليزر-تمامًا مثل الإشارات التي نستخدمها  نحن- ووهو ما يسلط الضوء على النرجسية الراسخة في هذه الجهود العلمية.
    

ومنذ عكف العلماء يبحثون عن حياة فضائية في الكون، انعكس تصورهم  لهذه الكائنات على صورتنا الخاصة. وقد بدأ البحث مع كتاب الطبيعة (1959) للفيزيائيين جوزيبي كوكوني وفيليب موريسون، الذي ذُكر فيه:"بالقرب من بعض النجوم مثل الشمس، هناك حضارات ذات اهتمامات علمية وإمكانيات فنية أكبر بكثير من تلك المتاحة لدينا الآن". كذلك افترض العالمان أن مثل هؤلاء الفضائيين قد "أقاموا قناة اتصال بيننا وبينهم وستصبح معروفة يومًا ما في المستقبل إلينا". ومن المرجح أن هذه الإشارات  تتخذ شكل راديو قصير الموجة، منتشرة عبر الكون، وسيتضمن رسالة ذكية مصطنعة مثل "سلسلة من الأعداد الأولية الصغيرة من النبضات، أو أرقام حسابية".

      

فيليب موريسون
فيليب موريسون

    

 ولم يكن أي شيء في هذا الاقتراح غير معقول بالنسبة للقارئين، ومن الواضح ان العالمين يسألان :"ماذا سنفعل؟" اقترح كل من كوكوني وموريسون البحث عن أنواع مألوفة من الإشارات، القادمة من أنواع التكنولوجيا المختلفة، وشغل هذا الاقتراح في البحث عن عن ذكاء خارج الأرض (SETI)  الكثير من الناس حول العالم منذ ذلك الحين.

   

اليوم، يعتقد آفي لوب عالم الفلك في جامعة هارفارد، أنه قد يكون من الجيد البحث عن مركبات الكربون الكلورية(CFCs) في أجواء الكواكب التي تحوي حياة فضائية، وذلك على ما يبدو من خلال قناعة بأنهم يملكون ثلاجات مثلنا! واقترح علماء آخرون العثور على فضائيين من خلال البحث عن مدنهم ذات التلوث الضوئي أو ومضات الإشعاع الناتجة من الحروب النووية خارج الأرض. وكل هذه الأشياء تبدو بشرية لدرجة مخيفة!

   

ومن الواضح أنه إذا كنت ستهتم بـالبحث عن الحياة خارج الأرض، فعليك أن تبدأ عند نقطة ما. وحقيقة أن لدينا الرغبة في البحث عن الحياة في أي مكان آخر ربما تعود إلى غرائزنا الطبيعية لاستكشاف بيئتنا ونشر نوعنا. وإذا كانت كل الحياة المركبة والذكية في الكون قد نشأت من خلال عملية تطورية داروينية تنافسية- وهذا يبدو أمرا محتملا -أليس من المعقول أن نتصور أنها قد تطورت لتصبح فضولية وتوسعية؟ ولكن ليس هذا بدليل لأنه لا يبدو أن جميع المجتمعات البشرية عازمة على الانتشار إلى ما بعد القرية، وما إذا كان الانتقاء الدارويني سيبقى القوة المهيمنة على الإنسانية على مدى الألفية القادمة.
    

إن المشكلة مع إسناد هذا البحث على  أمور وطبائع وصفات بشرية للغاية هي أنها تقيد تفكيرنا  وتحصرنا في مسار ضيق للغاية. وانتشرت هذه القيود حتى قبل أن يقدم لنا العالمان الذكيان مصطلح البحث عن الحياة خراج الأرض.
   

undefined

     

في عام 1950، كان الفيزيائي الإيطالي إنريكو فيرمي يتفكه مع بعض الزملاء حول وجود كائنات فضائية ذكية تستكشف الكون. وقال إذا كانت الكائنات الأخرى قادرة على التنقل بين النجوم، فمن المؤكد أنها قد رصدتنا، وأتت لكي نلقي نظرة علينا بلا شك، فأين هم إذن؟ لا يزال ذكر "مفارقة" فيرمي كحجة تقول إن الحياة الذكية نادرة في الكون وتتخلص فينا نحن فقط.  ومن بين أحد الإجابات التي يقدمها معهد البحث عن الحياة الذكية في الفضاء، الذي يعلن اسمه عن أهدافه، هو الذي يقول التالي: "قام الفضائيون بحساب التكاليف وقياس الفوائد فاكتشفوا أن السفر بين النجوم يكون مكلفًا للغاية أو خطيرًا للغاية." وربما "المجرة حضرية وواسعة، ونحن في ضاحية مملة منها". أو ربما يتم إبقاء الأرض بمعزل باعتبارها "معرضا للسائحين الفضائيين أو علماء الاجتماع". عجيب، يبدو هؤلاء الفضائيين مألوفين للغاية!
   

هل تعني هذه الإخفاقات في الخيال أننا يجب أن نصمت  تمام ولا نتكلم بشأن إمكانية تواجد حياة أخرى في الفضاء وما تبدو عليه وما تفعل؟ بالتأكيد لا.  إن التخمين والمضاربة هي واحدة من الامتيازات التي اكتسبها جنسنا نتيجة قدر من الفهم الكون المحير. ولكن كيف يمكننا أن نتجاوز الـأنا بداخلنا واستعاراتنا من أعمال هوليوود؟
    
والنصيحة الحقة هنا هي  أنه لا ينبغي أن تشتت انتباهنا أفلام الخيال العلمي. لا شك أن البعض منها رائع، ولكن دعونا لا ننسى أنها مجرد قصص، مما يعني أنها تحتاج إلى الشخصيات والحبكات التي يمكننا التعرف عليها لنندمج في المشاهدة.

  
وهكذا، فإن تلك الكلاسيكيات، مثل فيلم  فرانك هربرت "ديون" (1965) ونهاية الطفولة لآرثر سي كلارك (1953)  وكذلك التطويرات المستقبلية المتقنة لأفلام كيم ستانلي روبنسون وإيان أم بانكس، بها أسياد ورعية، وأبطال وبطلات، وأساطيل سفن فضاء وإمبراطوريات، وأحداث متخيلة لا تمس الحقيقة على الإطلاق.  

 

فيلم
فيلم "ديون"

   

عندما نطبق الروايات المرتكزة على الإنسان على الحياة خارج الأرض، نحتاج إلى تذكير أنفسنا بأننا ننظر في مرآة مشوهة. ومثل هذا التحذير قد يدفعنا إلى أن نكون أكثر جرأة وإبداعا في التفكير في الحياة الفضائية، وكذلك للتفكير فيما إذا كانت هناك طريقة أكثر دقة لاستكشاف مجموعة من الاحتمالات.

    

ربما علينا أن نشحذ مخيلتنا قليلا، لنتمكن من العثور على أفكار أكثر إبداعًا حول كيفية وجود الفضائيين الأذكياء، وكيفية اكتشافهم. ربما تتخلى الكائنات المتقدمة جدًا عن العالم المادي، حيث تعيش في الزوايا والأركان ذات الأبعاد الإضافية. ربما يتحولون إلى سرب غير مجسد، مثل "الغيمة السوداء" في رواية الخيال العلمي لعام 1957 التي تحمل نفس الاسم لمؤلفها عالم الفلك الإنجليزي فريد هويل؛ وهو مثال نادر على مخيلة مبدعة حقا تستند لبعض العلم.

    

في الحقيقة يجب أن نعترف أننا لا نعرف أي شيء! فربما ستبدو لنا حياة الشخص الفضائي الفائق الذكاء مملة أو معقّدة بشكل غير مفهوم لنا. بل ربما يكونون ذوي نمط حياة أبسط، مثل أحفاد البشر صغيري الدماغ والأشبه بحيوانات الفقمة الجالسة على الصخور في رواية "كالباغوس" (1985) لمؤلفها كيرت فونيغوت. ومع ذلك كانت هذه الكائنات تجد الفكاهة في الأمور البسيطة، ولا يختلفون عنا كثيرا.

——————————————————-

ترجمة (الزهراء محمود)

(الرابط الأصلي)