هل تساهم الاتحادات الطلابية في تغيير الواقع التعليمي؟
أوسع من مبنى، وأشمل من معرفة، وأعمق من تجربة، هكذا هي المرحلة الجامعية بمنظورها وشموليتها وآثارها ونتائجها، فالأمر لا يقتصر على عملية تعلم، ولا ينحصر في حدود القاعة الجامعية، ولا ينحسر بانتهاء الفترة الدراسية..
إنها مرحلة تنطوي على تجارب منفردة، وخبرات عملية، ومهارات فردية، وتنمية شخصية، ورابطة مجتمعية، تبدأ خطواتها بدخول باب الجامعة، وتمتد آثارها إلى ما بعد التخرج والحصول على الوظيفة، وبين ما يجب أن يتحقق، وما تم إنجازه يبرز دور الاتحادات الطلابية في حياة طلاب الجامعات وأثرها على رؤية التعليم العالي، ومدى تحققها في مؤسساته، وعمق العلاقة التي تربط هذه المؤسسات بطلبتها، إلى أي مدى وصل دور الاتحادات الطلابية؟ كيف تنوعت أنشطتها؟ وهل نالت الاتحادات الطلابية المتميزة تقدير الطلبة والمؤسسات؟
تمارس الاتحادات الطلابية مجموعة واسعة من الأنشطة والفعاليات التي تختلف باختلاف أهداف الاتحاد واهتمامات طلابه، ويمكن جمع بعض الأنشطة التي تمارسها الاتحادات في أربعة أطر قد تنطوي على واحد أو أكثر من الفعاليات؛ وهي كالتالي:
كما توجد الأندية الطلابية1 الملائمة لهوايات الطلاب كالنوادي الفنية، والدولية، والإعلامية، والطبية، والموسيقية، والسياسية، والدينية، والرياضية وغيرها، والتي تشمل مشاركات الطلاب في أداء فعاليات وأنشطة متعلقة بها كالتدريب على العمل المسرحي والمناظرات السياسية، وقد تشمل البرامج الطلابية في إحدى جوانبها تحول الاتحاد لمؤسسة خيرية غير ربحية تعمل على جمع التبرعات أو رسوم رمزية من أعضائها لاستخدامها في حل مشاكل مجتمعية ضمن مبادرات خيرية، أو إنشاء مبادرات غذائية مثل: صندوق الغذاء الخاص بالاتحاد الطلابي لجامعة كالجاري والذي تشتمل مهتمه على شراء الفواكه والخضروات العضوية الطازجة من المزارعين المحليين وموزعي الجملة ثم بيعها للطلاب والمجتمع بأسعار مناسبة.
ومنها ما يمكّن الطالب من توسيع تجربته التطوعية، وأداء هذا الدور خارج الجامعة، كالمشاركة مع المؤسسات الثقافية أو المجتمعية أو الملاجئ، أو العمل مع الأطفال في المنتزهات بممارسة القراءة والحرف اليدوية، وقد ينتقل هذا الدور لبعد دولي؛ فيشارك الطالب في أنشطة تطوعية في دولة أخرى، وهناك خدمات ترتبط بتقديم الرعاية الصحية للطلبة، أو عقد المعارض التوظيفية لمساعدتهم على الحصول على فرص عمل، وإقامة ورش العمل التي توضح لهم حقوقهم في بيئة العمل وكيفية التعامل معها.
بدءاً من قديم الاتحادات الطلابية وحتى حديثها تتشابه الرؤى وتتظافر الجهود، وتتواصل المساعي نحو رسم أفضل صورة للمؤسسة التعليمية في أذهان طلبتها، وربطهم بهذه المؤسسات، وإشراكهم في عملية التعلم المتبعة فيها؛ من أجل تطويرها وتحقيق الفهم اللازم لمدى التغير الذي شهدته احتياجات هؤلاء الطلبة، وشكل احتياجات الأجيال الحديثة والمستقبلية؛ ليتضح دور الاتحادات الطلابية في صنع بيئة اجتماعية خارج قاعات الجامعة وداخل أسوارها، لتنقل معرفة الطلبة بالقيادة والمهارات الأخرى من مجرد العلم بالشيء إلى تطبيقه وممارسته والإبداع فيه.
يمتد دور هذه البيئة لتنمية شعور الطلبة بانتمائهم للجامعة واندماجهم في المجتمع الجديد بكل ما يحمله من سمات وصفات؛ بحيث لا يقتصر الأمر على الطلبة المقيمين؛ بل يشمل الزائرين وطلاب التبادل الأكاديمي؛ لتتحول الجامعة إلى حاضنة تمارس دورها في زيادة الوعي وتنمية منظور واسع لديهم، فالاتحاد يشكل بيئة ممتازة للمناقشة والانخراط ومحفزة لهذا الدور التي تمارسه الجامعة؛ وبالتالي لنجاحها في تحقيق رؤية التعليم العالي.
تتنوع السمات التي تحملها بيئة الاتحادات الطلابية؛ فالبعض يعتبرها البقعة الأكثر جذباً داخل أسوار الجامعة بما توفره من خدمات تسوق، ومقاهي، ومطاعم، وأماكن مخصصة لممارسة الألعاب أولمشاهدة الأفلام كالمتاحف، والمحاضرات الاجتماعية، والمعارض الفنية، والملاعب الرياضية التي تشهد مشاركة الطلاب والأساتذة والزائرين، ويتلاءم تصميمها المعماري مع أدوارها وأنشطتها، ورغم بعض الاختلافات في تصميم مباني الاتحادات الطلابية؛ إلا أنها تشترك في تخصيص مساحات أو غرف تتلاءم مع الأنشطة التي تمارسها والفعاليات التي تقيمها، فقد تحتوي على واحدة أو أكثر من هذه الغرف: غرف للفعاليات الرسمية كالبرامج والعروض، غرف متعددة الاستخدامات، غرف للاجتماعات، غرف للقاءات الفيديو، غرف للتحضير للفعاليات الجامعية، والتي يمكن للمجتمع أن يستفيد منها في بعض المناسبات كحفلات الزفاف والولائم والمناسبات الثقافية أو الاجتماعية.
إن الاتحادات الطلابية تنجح في إشراك الطلاب في صنع بيئة تحفزهم لمشاركة نجاحاتهم وخبراتهم ومعارفهم، والاستفادة من تجاربهم، وصنع الصورة الخاصة بكيفية تمثيلهم لدى مؤسساتهم التعليمية، وهي النموذج الأكثر فعالية لمشاركة الطلاب كما تعرفها جامعة مينيسوتا2 (ماذا يفعل الطلبة لتعزيز تطورهم الشخصي وعملية تعلمهم) إنها المشاركة التي تساعدهم في استثمار أوقاتهم وطاقاتهم في فهم الخبرات التي يشاركون فيها واكتشاف الوسائل التي تسهم في نجاحهم الشخصي والأكاديمي؛ لتتبناها مؤسسات تعليم عالٍ عديدة، وتعتبرها هدفاً لتخريج طلبة أكثر مهارة وتميزاً.
لم يقتصر دور الاتحادات الطلابية على ذلك؛ بل اتسع ليؤثر على نمو وتطوير مهارات الطلبة في مناح هامة تساعدهم على تحقيق التفوق الأكاديمي خلال دراستهم، والتفرد الوظيفي بعد تخرجهم، فالتواجد في بيئة الاتحادات الطلابية ينمي لدى الطلاب الحس بالمسئولية؛ وهو ما يساعدهم على اتخاذ القرارات المناسبة فيما يخص سلوكياتهم، والاعتراف بنتيجتها وتقبلها، وتحمل مسئولية أخطائهم ومسئولية تعلمهم، كما أنه يقود للاستقلالية وزيادة فهم الطلبة لقدراتهم وإمكانية احتياجهم للعمل مع الآخرين أو استشارتهم، أو مشاركتهم للوصول إلى النتائج المخطط لها بما يتلاءم مع متطلبات الفريق أو المنظمة التي يعمل معها.
كما تساعد التجارب التي يخوضها الطلبة ضمن أنشطة الاتحادات الطلابية أو المناصب التي يتقلدها بعضهم داخل هذه الاتحادات في زيادة قدرتهم على التركيز على أهدافهم وتوجيه قدراتهم نحوها. إن هذه التجارب والمناصب تصنع الحافز المحرك لهؤلاء الطلبة من أجل تحسين مهاراتهم ومجتمعاتهم، وتفادي المشتتات التي تعيقهم عن ذلك، إنها تنمي لديهم الوعي الذاتي بأهمية المحافظة على النظرة المتفائلة وتوقع الأفضل من أنفسهم ومن شركائهم وزملائهم، وبضرورة الاستمرار في التعلم والتعرف على إنجازات الآخرين ومساعدة من يحتاج المساعدة منهم؛ لتتوالى النتائج الإيجابية التي تجلب بعضها وتخلق المزيد منها، فالعمل مع الآخرين ومساعدتهم يلغي أثر الصور النمطية، ويزيد من تقبل الطلاب للاختلاف من حوله، خصوصاً عند تواجده في بيئة دولية تتسم بتنوعها الثقافي واللغوي يخرجه من منطقة الراحة، ويخلق لديه نوعاً من المرونة المستندة على دعمهم، وزيادة ثقة الطالب في نفسه، ويمكنه من التعافي من التجارب السيئة وخيبات الأمل التي قد تواجهه مستقبلاً.
استند موقع which university على مسح شمل آراء قرابة 11.000 طالب3 لتحديد أفضل الاتحادات الطلابية في المملكة المتحدة، ونفذ المسح في شهر أكتوبر لعام 2014، ونشرت نتيجته خلال الفترة مارس /أبريل لعام 2016، وكانت أفضل الاتحادات بحسب تقييمات الطلبة:
– Leeds University
– University of Sheffield
– Loughborough University
– Cardiff University
أما موقع whatuniأ فلم يكتف بتصنيف الاتحادات الطلابية في المملكة المتحدة؛ بل خصص لذلك جائزة تعرف باسم جائزة أفضل اتحاد طلابي في احتفاء منه بمدى رضى الطلاب عن تجربة التعليم العالي، وقد كانت الجائزة هذه السنة من نصيب اتحاد الطلاب بجامعة شيفلد4 الذي تفوق على 126 جامعة أخرى شملها التصنيف، واستند تقييم الاتحادات على آراء حوالي 26.000 طالب من مختلف الجامعات.
كما نشر موقع collegerank قائمة بأفضل الاتحادات الطلابية في الولايات المتحدة، واستند الموقع على خمسة معايير في تقييم الاتحادات الطلابية، وهي: التصميم المعماري لمبنى الاتحاد، والعروضات التي يحصل عليها الطلبة، والفعاليات والأنشطة المنفذة، ومدى تقارب الاتحاد مع سمات الجامعة، واشتملت القائمة على 25 اتحادا طلابيا على مستوى الولايات المتحدة، وقد برزت اتحادات هذه الجامعات في مقدمة القائمة:
Illinois Institute of Technology
University of California San Diego
Central Connecticut State University
California State Polytechnic University
California University of Pennsylvania
يتجلى دور الاتحادات الطلابية المبدعة في بناء كوادر طلابية متميزة، وصنع رابطة قوية بين مؤسسات التعليم العالي وطلابها، ونقل التجربة التعليمية نحو مزيد من المتعة والفعالية والابتكار، وهذا ما يفرض على الاتحادات الطلابية الأخرى تسخير المزيد من الجهد والوقت للوصول إلى مستوى متقدم وصنع المزيد من النماذج الفريدة التي تسهم في تطور التعليم العالي ودعم طلبته في نواح عديدة.
____________________________________
أ: Whatuni: تأسس الموقع سنة 2007 كجزء من مجموعة Hotcourses group، وتنتشر مكاتبه في الهند، وأستراليا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ويشكل أكبر موقع للبحث عن المساقات التدريبية ومقارنتها وجمع المعلومات الخاصة بالجامعات والكليات.