شعار قسم ميدان

سقوط البيروقراطية.. أساليب جديدة مبدعة لإدارة المؤسسات والشركات

ميدان | بيروقراطية

ربما لا يوجد مصطلح تشترك فيه كل من "الدولة والشركة" أكثر من مصطلح "البيروقراطيـة"، هذا المصطلح الذي يعتبـره الإداريّون حجر الأساس الذي أنشأ التنظيـم العصـري لمفهوم "المنظمات" بدءا من القرن الثامن عشر، والذي كان سببا في دخول البشرية إلى عصر جديد في الإنتاج والتصنيع مع التوسّع في استخدام الميكنة الصناعية.

 

وهو أيضا نفس المصطلح الذي يترادف دائما مع مفاهيم الإدارة الحديثة بأنه العائق الأول لحركة الإبداع والتطور، خصوصا في العصر الحالي، حيث السرعة والتجربة وتداول الأفكار وتنفيذها هي العناصر التي يقوم عليها النجاح لكل من الدول والمنظمات. البيروقراطيـة دائما تظهـر بمظهـر اللجـام الذي يعرقل الحصـان عن الركض السريع الجمـوح، وفي الوقت نفسه لا يمكن لأحد أن يتّهمها بأنها سبب فشله، لأن أي حصان -مهما كانت سرعته- يحتاج أحيانا بالفعل إلى من يبطئ حركـته لمصلحته أولا.

 

لطالما ارتبط مصطلح "البيروقراطية" في الأذهان بالبطء وتعقيد الإجراءات التي كان من الممكن أن تنتهي بشكل أسرع وأسهل، وتعتبـر اليوم هي إصبع الاتهام الأول في تعثّــر أي شركة كبيـرة متهالكـة، والسبب وراء كل دولة فاشلة، والمفتـاح لكل منظّمـة لا تمارس دورها بشكل سليم، والعائق الأوّل في تسويق أي خدمة أو منتج للسوق المتعطّـش للسرعة والإبداع والتجديد.

بل وأصبحت -إلى حد بعيد- مقتـرنة دائما بمعايير الفسـاد في الدول والشركات، حيث تفتح البيروقراطية -بتعقيد إجراءاتها وتشابكها- الباب واسعـا أمام وسائل الفساد للانتفاع منها واستغلال تعقيداتها في تحقيق مكاسب جزئية للقائمين عليها.

في رحـاب البيروقراطية

المصطلح نفسه جاء نصفه الأول من جذر لغوي فرنسي معروف (Bureau) وتعني المكتب، ونصفه الآخر مشتق من كلمة (Kratos) وتعني السلطة، فالبيروقراطيـة هي "سلطة المكتب" المترادفـة بالإجراءات والقوانين الفوقية الواجبـة التنفيذ، حيث يغيب مفهوم الانتخاب أمام مفهوم التعيين، وتغيب مشاركة الشعب -أو الموظفين في حالة الشركات- في اتخاذ القرارات أو وضـع الإجراءات.

  

المدخل البيروقراطي في التنظيم ساهم في جعل عملية الإدارة شبه آلية، تماما مثلما جعلت الآلات الإنتاج روتينيا في الصناعة
المدخل البيروقراطي في التنظيم ساهم في جعل عملية الإدارة شبه آلية، تماما مثلما جعلت الآلات الإنتاج روتينيا في الصناعة
 

رغم أن إرهاصات البيروقراطية بدأت بعالم الاقتصاد الفرنسي فنسينت دو غورني في القـرن الثامن عشر تزامنا مع الصعود الصناعي الأوروبي فإن المصطلح عُرّف بوضوح أكبر في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على يد عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر الذي توسّع في شرح مظـاهره استنادا على إدراك واسع للتاريخ ودور البيروقراطية في التأثير على الحقب الاجتماعية المختلفة والتحامها بأنظمة الحكم السياسي.

 

في هذه الفتـرة رأى فيبر أن البيروقراطيـة كانت أمرا شديد الحيوية لبقاء الدولة وتنظيمها لمسؤوليّاتها القائمة على هيمنة القوانين والإجراءات والأساليب الروتينية المحددة مسبقا، حيث "القواعد" التي توضع من قمة الهرم البيروقراطي هي الأساس الساري على الجميع، بينما مبادرات الأفراد ومشاريعهم وإبداعاتهم دائما تأتي في المرتبة الثانيـة -إذا تم الأخذ بها أصلا- بعد السياسات والإجراءات التي حددها القائمون على الدولة أو المنظمة.

 

كانت النتيجة أن هذا المدخل البيروقراطي في التنظيم ساهم في جعل عملية الإدارة شبه آلية، تماما مثلما جعلت الآلات الإنتاج روتينيا في الصناعة، القواعد والإجراءات واللوائح هي الأساس التي يسير عليها الجميـع في كافة الظـروف، في حين لا تتمتع المستويات الدنيا من الهرم البيروقراطي بأي صلاحيات إلا عن طريق التفويض، وليس لها أن تناقش التعليمات والأوامر الصادرة من قمة الهـرم، الأمر الذي ساهم في تنظيـم حركة إدارة الأعمال بمختلف جوانبها تزامنا مع تطوّر الحركة الصنـاعية في القرون الأخيرة. (1)

 

ولكن ما كان يسري في القرن التاسع عشر وبدايات القـرن العشرين قطعـا لم يكن ليستمـر فتـرة طويلة مع التقدم الهائل في أساليب الإدارة النابعة من توسّع حركة السوق وتغيّر آلياته خلال العقـود الأخيرة.

فلتسقط البيروقراطيـة.. فلتحيا الشبكات

في الوقت الذي كانت فيه البيروقراطية هي حجر الأساس للتنظيم الهرمي المؤسسي فإن الواقع يجبـرها أن تتطوّر أو على الأقل أن يُعاد تشكيلها مع المطالب والتحديات المستمرة في الأسواق العالمية من حولها، لكنها -مع ذلك- من الصعب أن تتغير تغييـرات شاملة يمكن أن يُطلق عليها "تغييرات ثورية" لأسباب عديدة، أهمها أن الأفراد أنفسهم يميلـون في أحيان كثيرة إلى النموذج الهرمي، خصوصا فيما يخص اتخاذ القرارات أو التعـامل مع الصالح العام.

لذلك يمكن القول إن البيروقراطيّة في الإدارة مرّت بطور "الإصـلاح" التدريجي أكثر بكثير من طور "الثورة الانقلابية"، وما زالت البيروقراطية ضاربة بجذورها في أكثر المنظمـات نجاحا وعراقة ولكن بأشكال مختلفة تماما عما كانت سائدة في الماضي، حيث تم استبدالها بأشكال جديدة مواكبـة للعصـر ومتطلبـاته من خلال سلسلة متصلة تبدأ من البيروقراطية المتصلّبة في أحد طـرفيها، وتنتهي إلى نمـوذج أقرب إلى الشبكة المـرنة في طرفها الآخر.

في كتاب "نظـرية المنظّمة المبدعة" (2) أُلقيَ الضـوء على 6 نماذج أساسية تؤصّـل لمراحل تطوّر البيروقراطيـة من مفهـومها الكلاسيكي القديم إلى أحدث مراحلها التي تعتبـر أساس تشغيـل المؤسسات الإبداعية الأكثر نجاحا وجذبا للأضواء في عصرنا الحالي.

undefined

 

النموذج الأول: البيروقراطيـة الكلاسيكية

النموذج الأساسي للبيروقراطية -كما ورد في تعريفها أعلاه- يمثل في مجملها الهـرم التنظيمي التقليدي الخاضع بشكل كامل لسيطرة المدير التنفيذي الرئيس للمنظّمة، حيث يكون بيديه السلطة الكاملة في اتخاذ القرارات والإشراف على وضع الإجراءات وتعميمها.

من أبرز ملامح هذا النموذج:

– توزيع المهام على الموظفيـن لإنجازها وفقا للوائح والإجراءات المحددة بالضبط دون مراجعات.

– جميع العمليـات والإجراءات خاضعة لنظام متماسك من القواعد المجرّدة يتم تطبيقها في كافة الحالات دون تعديل من أي نوع.

– تنظيم الشركات يتبع مبدأ الهيكل الهرمي الكامل، حيث إن كل موظف أدنى يخضع للتحكم والإشراف من مسؤول أعلى حتى الوصول إلى رأس الهـرم وهو المدير التنفيذي.

– يتم اختيار المرشحين للمراكز على أساس المؤهلات الفنية والأقدمية فقط، ويتم تعيينهم وليس انتخابهم، ونادرا ما يتم تعيينهم وفقا لإجراء اختبارات لمؤهلاتهم.

– الفصل الكامل بين المنصب أو الصفة عن الشخص المسند إليه، بمعنى أن الشخص عابر والصفة والمنصب والصلاحيات المتعلقة بهما مستمـرة باستمرار المؤسسة نفسها ولا تعتمد على الشخص.

– التراتبية في الصلاحيات والمسؤوليات، حيث دور الموظف البسيط هو تقديم الخدمة كما وُصف له بالضبط، وبالتالي لا يتحمّل أي مسؤوليات عن تردّي مستواها أو تميزها طالما يتبّع الإجراءات حرفيا.

باختصار: في هذا النموذج تقوم المنظمة بترميز كافة مبادئها التشغيلية، وتدار بكافة عملياتها وفقا لهذه المبادئ، ويُنظر للاجتماعات على أنها مضيعة للوقت لأن كل أمر طارئ هو في الواقع ليس طارئا. المنظمة تعمل في بيئة مفـرطة من الثبـات، كأنها ماكينة آليـة قديمة لا تهتم بأية ظروف داخلية أو خارجيـة خارج سياق العمليات الأساسية.

النموذج الثاني: البيروقراطيـة ذات القبضة المخففـة

undefined
 
هذا النموذج من المنظمـات يكتشف أن بيئة السوق والمجتمع تختلف وتتطور بمرور الوقت، وبالتالي تولّد أنماطا مستمرة من المشكلات والقضايا والهموم الجديدة يجعل من المستحيل مواجهتها بإجراءات موحّدة ثابتة لا تتغير، لذلك تقوم هذه النماذج من الشركات باتخاذ إجراءات جزئية تخفف من القبضة المركزية الهـرمية للمدير التنفيذي، وتتيح فرصة أكبر للمشاركة.

من أبرز ملامح هذا النموذج
– الانتقال من خانة "المدير التنفيذي الأعلى" المسؤول عن كافة القرارات إلى توليد "فريق إدارة".

– فريق الإدارة يتألف من رؤساء الإدارات المختلفة، ويكون للفريق السلطة في اتخاذ مجموعة من القرارات وتسوية المشكلات التي لا يمكن معالجتها من خلال الأساليب الروتينية المعتادة في المؤسسة.

– يمارس كل رئيس إدارة سلطـاته المحددة سلفا بوضوح فيما يتعلق بمجال إدارته.

– الأساليب الإدارية في كل قسم تختلف من إدارة لأخرى، وتتشكل شخصيتها من خلال رئيس الإدارة وطبيعة المهـام التي تؤديها تلك الإدارة. بمعنى آخر، من الممكن أن تتصف بعض الإدارات بسلطوية شديدة في إجراءاتها في الوقت الذي تتصف فيه إدارات أخرى بمرونة وانفتاحية ومشاركة أكبر، وكل منهما -أي الإدارتان- يتبعان نفس الشركة.

باختصار في هذا النموذج يتم الانتقال من القرار الفردي لقمة الهرم "المدير التنفيذي" إلى قرارات فرديـة أخرى لرؤساء الأقسام الذين يتاح لهم حرية حركة ومرونة أكبر في التعامل مع المشكلات والإجراءات الاستثنائية. بمعنى آخر، التطوير هنا يشمـل المديرين فقط ولا يمتد ليشمل الموظفين في القطاعات الوسطى أو الدنيا في المؤسسات.

النموذج الثـالث: بيـروقراطية الفرق

هذا النموذج يظهـر عندما تكتشف المؤسسة أن فريق الإدارة العليـا المسؤول عن اتخاذ القرارات ومعالجة المشكلات ليس قادرا بشكل كامل على معالجة كافة القضايا التي تتطلب منظورا تشاركيا بين الإدارات المختلفة من ناحية، والقضايا التي تتطلب مشاركة هيكل الموظفيـن في المستويات الأدنى في المنظمة من ناحية أخرى. ومع ذلك، يظـل هيكل الإدارات والإحساس بالتنظيم الهـرمي قويا جدا ولا يتزعزع رغم فتح المزيد من الصلاحيات للموظفين في المستويات الوسطى والدنيا.

يُفتح المجال للموظفين من كافة المستويات في المشاركة في اتخاذ القرارات أو حل المشكـلات في أقسـامهم الخاصة برعاية مدير الإدارة وتوجيهـاته ورقـابته.

التنسيق هنا هو اسم اللعبة، تلعب الإدارة العليـا دورا تنسيقـيا أكبر من دورها الهـرمي في اتخاذ القرارات، وينصب اهتمامها الأكبر على التوفيق بين الإدارات المختلفة
التنسيق هنا هو اسم اللعبة، تلعب الإدارة العليـا دورا تنسيقـيا أكبر من دورها الهـرمي في اتخاذ القرارات، وينصب اهتمامها الأكبر على التوفيق بين الإدارات المختلفة
  

في هذا النموذج يميل أعضاء الفرق المختلفة إلى اعتبار ولائهم الأساسي للمدير وليس للفريق الذي ينتمون إليه. العمـل والاقتراحات والإنجازات هدفها كله إرضاء المدير وكسب ثقــته وليس التركيز على العمـل الجماعي، والسبب هو الإدراك الكامل أن أي ترقيـة محتملة لهم هي مسألة تابعة للإدارة التي يجب إرضاؤها.

باختصار: في هذا النموذج يشعر مديرو الأقسام بأن لديهم سلطة أكبر، سواء في اتخاذ القرارات أو حل المشكـلات أو توجيـه الموظفين، وفي الوقت نفسه لديهم التزام هرمي كبير للإدارة العليا، ما يجعلها في النهاية مؤسسة بيروقراطيـة بنيتها أكثر مرونة، حيث تنتقــل المعلومـات فيها صعـودا في البنية الهـرمية، وتنتقل القرارات نزولا.

النمـوذج الرابع: المنظّمة المصفوفة

في هذا النموذج يظهـر أول انفصال عن التسلسل الهـرمي المعروف في النظام البيروقراطي، حيث تقرر المؤسسة أن تنظم نفسها في شكل مصفـوفة، بحيث تطـلق الإدارة العليـا يدها للإدارات الوظيفية المختلفة مثل المالية والإدارية والتسويق والمبيعات والإنتاج والبحوث والتطوير وغيرها لاتخاذ القرارات المناسبة والتصدّي للمشكـلات التي تواجههـا بحـرية أوسع.

هنا يكون دور الإدارة العليا وضع معايير عامة للفرق المختلفة بحيث يكون نطـاق عملهم في حدود مناطقهم الوظيفية وفقا لمنظـورين: المنظـور الوظيفي (عمليات وإجراءات كل إدارة على حدة)، ومنظور المنتج النهائي (تنسيق الإدارات المختلفة فيما بينهـا).

بمعنى آخر، التنسيق هنا هو اسم اللعبة، تلعب الإدارة العليـا دورا تنسيقـيا أكبر من دورها الهـرمي في اتخاذ القرارات، وينصب اهتمامها الأكبر على التوفيق بين الإدارات المختلفة بغرض زيادة مستوى التعاون من ناحية، ورفع أي عقبـات تعرقل سير العمـل بين الإدارات المختلفة.

ومع ذلك، تستمر هيمنة الإدارة العليـا في الموافقات الدقيقة للمنتجات والخدمات، وتحديد احتياجات العمـل الأساسية والموارد واتخاذ القرارات النهائية في تحديد قطاعات السوق المختلفة، وتفصيل الإستراتيجيات العامة للشركة.

النموذج الخامس: منظمة فرق المشروعات
يكون الدور الأساسي للإدارة في هذا النوع من المنظمـات
يكون الدور الأساسي للإدارة في هذا النوع من المنظمـات "فرق المشروعات" هو العثور دائما على المبادرات والأفكار الإبداعية والنظم والعلميات الجديدة  (مواقع التواصل )

تتوسع المؤسسات في هذا النموذج في التصدّي لمعظم أنشطتها الأساسية من خلال "فرق المشاريع". بمعنى آخر، نقـل العمليـات الأساسية في الشركة من الإدارات الوظيفيـة المعتادة إلى فرق مكوّنة من المتخصصين تقوم بتقديم مسـاهمـاتهم من خلالها، بينمـا تلعب الإدارات الوظيفية التقليدية دور "المسـاعد" بدلا من دور الموجّــه والمهيمن على القرارات.

من أبرز ملامح هذا النموذج:
– في هذه المرحلة تتم إعادة تشكيـل مفهوم العمل المؤسسي بالكامل، حيث تدرك المؤسسة أن مستقبلها يتركز في "الابتكـار والديناميكية" التي يمكن تحقيقها من خلال تلك المجمـوعات، وتسمح لها بحرية التصرّف الكامل وفق حدود واسعة من الصلاحيـات يتم الاتفاق عليها بواسطة كبار المديرين.

– المؤسسة في هذه الحالة تتحول إلى شبكـة كبرى من الموظفين القائمين على مشـاريع مختلفة تجمعهم الإدارات كنقطة التقاء وليس هيكـلا بيروقراطيا هرميا.

– غالبا يكون التنسيق بين الفرق المختلفة يتراوح ما بين الرسمي وغير الرسمي، ويتم تبادل الأفكار بشكل منتظم سواء بين أعضاء الفرق أو بين قادتها.

– يكون الدور الأساسي للإدارة في هذا النوع من المنظمـات هو العثور دائما على المبادرات والأفكار الإبداعية والنظم والعلميات الجديدة، والتنسيق المستمر بين فرق العمل المختلفــة.

– يتم التعـامل مع كل نشاط لأي إدارة من الإدارات في المنظمة باعتبارها مجموعة من المشاريع التي يقوم عليها فرق عمـل لهم مجال واسع في تطويرها وتحسينها، وليس مجرّد إجراءات عمـل روتينية تابعة لهيكـل مؤسسي هرمي كبير.


النموذج السادس: المنظمة الشبكيّـة

undefined
 
هذا النموذج ربما هو الأكثر انتشارا في الوقت الحالي مع تزايد الاعتماد على مفهــوم "المصادر الخارجية" (Outsourcing) أو إيكـال المهام إلى جهـات خارج المؤسسة لتنفيذها لصالح المؤسسة، وأيضا بما يشتمل عليه من مفاهيم العمـل الحر وتنفيـذ المهام بشكـل خارجي بعيدا عن هيكـل المؤسسات التقليدي القائم على الموظفيـن والإدارات العادية.

في نموذج الإدارة الشبكيـة بدلا من أن تقوم الشركة بتوظيف عدد كبير من الموظفين تقــرر العمـل بصيغة التعاقدات الفـرعية، بينما يكون عدد الموظفيـن الأساسيين العاملين في الشركة محدودا، ويكون دورهم الرئيس هو تحديد الاتجاهات الإستراتيجية وتوفير الدعم التشغيلي اللازم للإبقاء على شبكـة المتعاقدين الفرعيين.

مثلا، تكون المؤسسة تعمل في مجال صناعة الأزياء، ولها علامة تجارية شهيرة في السوق، ولكن كافة أنشطتها في الواقع تتم بالاعتماد على عقود خارجيـة مع مؤسسات أخرى، إحداها تقوم بعمل دراسات السوق، ومؤسسة أخرى تتولى تصميم المنتج، ومؤسسة ثالثة تتولى تصنيـعه وإنتاجه، ومؤسسة رابعة تتولى توزيعه. بشكل عام تبدو المؤسسة في عين الجمهور ذات هوية واضحة، بينما هي في الواقع شبكة من الشركات المختلفة تقوم بأنشطة مختلفة تؤدي إلى المنتج النهائي.

في هذا النموذج الشركة عبارة عن "شبكة من الشركـات أو المستقلين" غير ثابتة، حيث تتغيّـر هذه الشبكة بمرور الوقت مع ظهـور أفكار ومنتجات جديدة تجعل الشركة المركزية تتعاقد فرعيا مع شركات مختلفة طوال الوقت، ليتحوّل نظام تشغيلها إلى نظام مفتوح لا يتوقف من الأفكار والأنشطة، وليست كيانا ذا هيكل وحدود يمكن تعريفها.

undefined


قابليـة النماذج الستة للتطبيق في المؤسسات الحالية

رغم أن هذه الأنماط الستّة تعتبر مراحل من أشكال التحوّل من البيروقراطية إلى الشبكـة فإنها تعتبـر في النهاية "أنواعا" مختلفة كاملة من هذه المنظّمات ما زالت جميعها موجودة حتى الآن بأشكال وأدوات مختلفة.

بشكل عام يمكن القول إن النماذج الأربعة الأولى تعتبـر إصلاحية ومتماشية مع مفهـوم التطوّر الذي تمرّ به المؤسسات، النموذج الأول التقليدي من البيروقراطية يمكن أن يتطوّر تلقائيا بمرور الزمن إلى النموذج الثاني والثالث، وأحيانا -إذا كانت المنظمة طموحة بما يكفـي- تصل إلى النموذج الرابع. أما في حالة كانت المنظّـمة مستعدة لإجراء ثورة داخلية حقيقيـة فسوف تتطوّر إلى النموذجين الخامس والسادس.

ومع ذلك، يجب الإشارة في النهاية إلى أن هذا التحوّل -حتى لو تم بشكل تدريجي- فهو ليس سهلا، ويحتاج إلى ما هو أكثر من مجرّد تغيير بنيوي في هيكل الشركة، إلى تغيير ثقافي وإداري حقيقي في طريقة الإدارة وتوزيع المهام، وهو ما يعتبر أكبر التحديات التي تقف كحجر عثـرة أمام المنظّمات -خصوصا التقليدية والعريقة- التي تكون ثقافتها البيروقراطية متجذّرة بشكل يعوق التطوّر الذي من الممكن أن تحققه، وربما فشله، حتى لو كان هذا التغيير أساسيا ومصيريا لمواجهـة تحديات العصـر ومتطلباته.

المصدر : الجزيرة