شعار قسم ميدان

ثري إم.. كيف يمكن تحويل شركة متعثرة إلى إمبراطورية؟

midan - 3m
"ما الشركة التي تُعجَب بها أكثر من غيرها، وتراها مثالا يجب أن يُحتذى به؟

شركة "ثري إم" (3M) وبلا أدنى تردد في ذلك. لا يمكنك أبدا أن تعرف منتجهم القادم، والشيء الجميل أنهم ربما أيضا قد لا يعرفون ما هو منتجهم القادم. ورغم أنك لا يمكنك توقّع ما ستفعله الشركة فإنك تعرف أن نجاحها سوف يستمر بشكل أو بآخر"

(من حوار أداره محررو كتاب "البناء من أجل الاستمرار" (Built To Last) (1) مع بل هيـوليت من شركة "هيوليت باكارد" (Hp) (2) في مطلع التسعينيات)

 

يوجد في العالم الآن الآلاف من الشركات العريقة الضاربة بجذورها في التاريخ، والكثير جدا من العلامات التجارية التي تساوي قيمتها مئات الملايين أو المليـارات، والكثيـر من الشركات التي تجد شعـارها في كل مدينة حول العالم كبُرت أم صغرت. ويوجد في العالم عدد من الشركات قيمتها السـوقية تسـاوي اقتصـادات دول من العالم الأول. كل شركة من هذه الشـركات تقدم نموذجها الخاص من النجاح والتطور الذي ساعدها للوصول إلى هذه المرحلة من التفوق.

 

ومن بين هذا العدد الكبير من تجارب الشركات الناجحة عالميا دائما ما يحتل نموذج شركة "ثري إم" (3M) مكانة خاصة. شركة أميـركية عمـلاقة أخرى تحقق مبيعـات توازي 30 مليار دولار سنويا، ويعمل لديها أكثر من 90 ألف موظف حول العالم، وتقوم بإنتـاج أكثر من 55 ألف منتج في مجالات صنـاعية متعددة تتراوح ما بين ملصقات وطلاءات ومنتجات عناية بالسيارات ومنتجات جلدية وطبية وكهربائية وغيرها. عدد هائل من المنتجات تصنعها الشركة عبر 132 مصنعا عملاقا جميعها يعود إلى مقـرها الرئيس في ولاية مينيسوتا الأميـركية الذي تبلغ مساحته أكثر من 450 فدانا ويضم أكثر من 50 مبنى شاهقا. (3، 4)

 

ومع ذلك، ليست "الضخـامة" هي سبب تميّز "ثري إم" (3M) في نظـر الكثيرين بقدر ما كانت هذه الضخامة مجرد نتيجة طبيعية لرحلة الشـركة الملحميـة في عالم الإبداع والابتكار على مدار أكثر من قـرن كامل منذ لحظة تأسيسها، مرت خلاله الشـركة بالعديد من المراحل التي يمكن اعتبارها نموذجا استرشاديا شديد الأهمية للشركات الناشئة، بدءا من صعـوبة البدايات، مـرورا بأزمـات الإدارة والقرارات الصعبة، وليس انتهاءا بالتمدد العالمي.

 

بدايات بائســة
undefined
          
ثلاثة كتب شهيرة في عالم الأعمال تعرّضت بالتفصيل لقصـة شركة "ثري إم"، هي: "البناء من أجل الاستمرار" (Built To Last) (1)، وكتاب "ماركة الترتان – قصة ثري إم" (The Brand of the Tartan: The 3M Story) (5)، ثم الكتاب الثالث "طريق "ثري إم" للابتكار: التوازن بين الموظفين والمنفعـة" (The 3m Way to Innovation: Balancing People and Profit) (6). سلطت الكتب الضـوء على مراحل تطور الشركة من بدايتها إلى المرحلة النهائية الحالية التي تعتبر في أوج قوتها وتميزها كشركة عالمية راسخة.

    

هذا العمـلاق عندما جاء إلى الوجود كان بائسا بشكل مبالغ فيه كطفــل مسكيـن يعاني أنيميا حادة. أبصـرت الشركة النور في عام 1902 باعتبارها شركة تعدين بواسطة خمسة مستثمـرين من مينيسوتا: عاملان في السكك الحديدية، وطبيب، وعامل في سوق اللحوم، ومحامٍ. اجتمع المستثمرون الخمسـة على تأسيسها تحت اسم "شركة مينيسوتا للتعدين والتصنيع" (Minnesota Mining and Manufacturing Company) والتي أطلق عليها اختصـارا "MMM" أو "3M".

 

شركة صغيـرة برأس مال متواضع في مطلع قـرن جديد تعمل في مجال التعدين في ولاية مينيسوتا شمال البلاد. لم يبدو على الشركة الوليدة أنها ستحقق أي شيء سوى الفشل، وهو ما حدث فعلا بعد أن تلقت ضـربة مميتة بفشل مشروعها الأول -الذي أُنشئت من أجله أصلا- في تعدين أوكسيد الألومنيوم. كانت المفاجأة أن المنجم الذي تعمل عليه الشركة منجم ميت، وبالتالي لا مجال لاستخراج مواد تصلح لبيعها للشركات.

 

في الشهور التالية مرت الشركة بأوقات عصيبة جعلت مجلس إدارتها يجتمع بشكل مكثف في عام 1904 بحثا عن حلول لإنقاذ الشركة الوليدة من الموت، ومحاولة إثناء المؤسسين من فض الشركة. لكن الملاحظ في تلك الفترة -وفقا لما نقل في كتاب "ماركة الترتان، قصة ثري إم"- أن موظفي الشركة كان لديهم العزم على تقديم تضحيات شخصية والعمل بلا مقابل لفترة من الفتـرات حتى تظل الشركة قائمة. كان هناك نوع مبدئي من الولاء للشركة الوليدة التي تجد صعوبة في فتح عينيها.

 

وأخيرا، جاء اقتراح منقذ قدمه أحد مستثمري الشركة النبهاء: سوف نغير نشاط "ثري إم" (3M) التي تأسست أصلا من أجل التعدين إلى صناعة مختلفة تماما وهي تصنيع الصنفـرة وعجلات الطحن. لم يكن أمام أصحاب الشركة سوى الموافقة على هذا المقتـرح الذي بدا جيدا، والخروج من مجال التعدين لا لشيء سوى اليأس من قرب موت الشركة، ولم تكن الموافقة بسبب التخطيط الإستراتيجي الدقيق. تركت "ثري إم" (3M) مجال عمل المناجم وانتقلت انتقالا إستراتيجيا -ودراميا أيضا- إلى تصنيع مواد الصنفـرة بدءا من عام 1905، بعد 3 سنوات من التعثر في مجال التعدين.

 

دعونا نلتقط أنفاسنا
كان دخول شركة "ثري إم" (3M) الصغيرة الوليدة إلى سوق صناعة الصنفـرة وعجلات الطحن يعتبر بمنزلة قُبلة الحياة لها، حيث استطاعت أن تحقق موارد مالية جيدة، أو بمعنى آخر خرجت من مستنقع الخسائر الذي تعرضت له طوال الوقت خلال سنواتها الثلاث الأولى. وخلال الفتـرات ما بين 1907 حتى 1914 اتخذت الشركة نظاما تقليديا اعتياديا للغاية كشـركة صغيرة تنمو بهدوء دون ضجيج أو مفاجآت.

         

إعلان قديم لمنتج
إعلان قديم لمنتج "قرص مرن" (Floppy disk) قديم من تصنيع الشركة (مواقع التواصل)

   

خلال هذه السنوات السبع بدأت إدارة الشركة تزداد نضجا، فكافحت لحل مشكلات الجودة، وتعويض مشكلة انخفاض الأرباح وكيفية التسويق الجيد لمنتجاتها، والتعامل مع أزمات نقص السيولة وزيادة المخزون. لكنها ظلت جميعا في إطار المشكلات العادية مع وجود حركة بيع وشراء ضمنت لها وجودها على قيد الحيـاة. وأيضا بسبب وجود ذلك الشاب الهادئ الرصين الذي كان يعمل محاسبا في الشركة، وتمت ترقيته إلى منصب مدير المبيعات لاحقا.

 

اسمه "وليـام ماك نايت" (7)، انضم إلى الشركة بشكل عادي وساهم في تلك المرحلة في العمل بجدية، وبدأت الشركة من خلال توصيـاته في المبيعات إلى تجريب وتعديل بعض التحسينات التي أدخلتها على منتجاتها، ومن ثم تحقيق نجاحات جيدة ساعدتها أن تُبقي على نفسها وتتقدم.

 

في عام 1914 قررت الشركة ترقية ماك نايت إلى منصب المدير العام على الرغم أنه لم يكن قد تجاوز عقده الثالث من العمر، لكنّ دقته وقراراته وهدوءه كان سببا في اتخاذ مؤسسي الشركة لهذا القرار. كان يبدو عليه "شيء مختلف"، ربما لم يكن واضحا تماما بالنسبة لهم لكنه كان محسوسا من الجميع.

 

جاء البطــل.. فليبدأ الاختراق
undefined

        

عندما استوى "وليام ماك نايت" على منصب مدير الشركة كان يعلم تفاصيلها بشكل كامل. يُوصف دائما أنه شديد الهدوء وأقرب إلى الخجل ويُفضّل البعد تماما عن الأنظار، ومع ذلك كان من المعروف عنه أنه يحمل داخله فضولا لا يشبع ورغبـة كاملة في تحقيق "التقدم" طول الوقت. كما عُرف عنه أنه كان يعمل 7 أيام في الأسبوع. باختصار، تتعامل "ثري إم" (3M) في ميراثها مع شخصية ماك نايت باعتبـاره البطـل الذي جاء من داخلها لينقلها إلى مرحلة جديدة كليا.

 

كان ماك نايت مهووسا بمفهوم الاختراق، أول ما فعله بعد تولي الإدارة هو أنه بدأ في اتخاذ مسار مختلف عن مسار "الشركة الهادئة التي تسير بجانب الحائط وتحقق نموا متواضعا ولكنه ثابت" إلى مسار الاختراقات الكبيـرة. بدأ عمله في تجهيز حجرة جانبية كانت تستخدم في التخزين بمساحة متوسطة، وأنفق عليها إنفاقا جيدا ليحوّلها في النهاية إلى "معمل للتجارب والاختبارات" لتشهد "ثري إم" (3M) إنشاء أولى معاملها.

 

وبعد عدة شهور من إنشاء هذا المعمل استطـاعت "ثري إم" (3M) تصنيع صنفرة قمـاشية جديدة بعد اختبارها في المختبر، وتم طرحها في الأسواق. النتيجة: واحد من أهم وأكبر النجاحات التي حققتها الشركة منذ تأسيسها، مما قادها إلى توزيع أول أرباح في تاريخها. وبقي هذا المنتج في قائمة منتجات "ثري إم" (3M) لمدة 75 عاما تالية بعد تطويره!

 

الفضــول الدائم لاصطيـاد الفرص
undefined
        
كانت خطط ماك نايت أكبر بكثير من مجرد تحقيق اختراق لتطوير منتج واحد، وكان طموحه المزيد من التطوير الذي يبعد الشركة عن شبح المخاطر ويجعلها في عداد الشركات المستقرة. كانت "الفرصة" الذهبية أتت على شكـل خطاب أنيق استلمه ماك نايت في مكتبه سنة 1920 جاء فيه: "نرجو منكم إرسال عينات من كل أحجام المكونات المعدنية التي تستخدمونها في تصنيع الصنفـرة الخاصة بكم إلى فرانسيس جي أوكي المتخصص في تصنيع أحبار الطباعة ومساحيق البروز وأحبار الذهب السائلة في فيلادلفيا.. نحن في الانتظار"

 

لفتت الرسالة عين ماك نايت بشدة على الرغم من كونها رسالة بلا أي قيمة بالنسبة لـ "ثري إم" (3M) باعتبار أنها لا تبيع المكوّنات الخام لمنتجـاتها لأي شركة أو متجر، وبالتالي لا مجال لعقد الصفقة. ولكن الرسالة أثارت فضـول نايت الذي كان يبحث عن أفكار جديدة طوال الوقت، فطرح سؤالا بسيطا: لماذا أصلا يريد السيد فرانسيس أوكي هذه العينات، ولأي غرض؟

 

بالتقصّي، اتضح أن مُرسل الرسالة قد اخترع في متجـره صنفـرة ممتازة مقاومة للماء أثبتت فعالية كبيرة في مجال طلاء السيارات تحديدا، وكان قد أرسل نفس هذه الرسالة إلى الكثير من شركات المعادن والصنفرة طلبا لعينات تساعده على تطوير منتجه، لكن شركة "ثري إم" (3M) الوحيدة التي أرسلت له رسالة تستفسر عن "سبب احتياجه لهذه العينات".

 

النتيجة أن "ثري إم" (3M) سارعت فورا بالتفاوض مع الرجل لشراء حقوق هذا المنتج وتولي بيعه والعمل عليه وتطويره، بل وعرضت عليه أيضا إلحاقه بالعمل في الشركة، وهو ما وافق عليه الرجل وقام بإغلاق متجره في فيلادلفيا واتجه إلى "ثري إم" (3M) وأصبح واحدا من الشخصيات الأساسية البارزة التي ساعدت في تطوير اختراعات جديدة في الشركة طوال حياته المهنيـة حتى لحظة تقاعده بعد عشرين عاما من هذا الموقف.

 

باقيــة.. وتتمدد
تدرّج شعــار شركة
تدرّج شعــار شركة "ثري إم" على مدار القــرن العشــرين، من عام 1906 حتى الشعار الحالي (مواقع التواصل)
      
في بداية العشرينيات بدأ اسم "ثري إم" (3M) يسطع في السوق الأميـركي، وتجاوز مرحلة الخطر، لكن الأيام الكابوسية الأولى التي مرّت بها الشركة في بداياتها كانت تمثّل دائما هاجسا حقيقيا في عقل قائدها ماك نايت. لذلك وبسبب الحفاظ على ما وصلت إليه الشركة من إنجازات واختراقات جيدة، ولحمـايتها من أي انهيارات محتملة، كانت إستراتيجية "ثري إم" (3M) هي التركيز على التنوع الداخلي والتوسع في تنويع المنتجات بدون التركيز على منتج واحد فقط.

      

كيف يمكن أن يتم إطـلاق حملة ضخمة لإثراء التنوع الداخلي لمنتجات الشركة بشكل يحميها تماما من الانهيار؟ كان الحل الوحيد بالنسبة لماك نايت هو أن يدفع بشكل كامل في اتجـاه خلق مؤسسة تتطور ذاتيا من خلال الموظفين أو العاملين عبر المبادرات الفردية، ما اعتُبر صياغة لواحدة من أكثر سياسات الإبداع في الشركات خلال القرن العشرين على الإطلاق:

● استمع إلى كل شخص لديه فكـرة جديدة بغض النظر إن كانت هذه الفكرة تبدو سخيفة في البداية.

● حمّس الناس ولا تثبّطهم، اسمح أن يخرجوا بأفكـار طوال الوقت.

● استقدم الأشخاص المتفوقين ليعملوا معك، ثم دعهم وشأنهم. سيبدعون بمفردهم بعد أن يتأقلموا على المكان.

● إذا وضعت أسوارا حول الموظفين فلن يكونوا إلا كالخراف، أعطِ كل موظف الفراغ الذي يحتاجه.

● شجع المحاولة التجريبية.

● حاول وجرّب، وبسرعة!

 

كانت هذه عبارات صاغها ماك نايت ما زال الكثيرون يعتبرونها الملامح العامة لسياسة عمل الشركة على مدار عمرها الذي تجاوز القرن، تشجيع المبادرات الفردية بشكل مطلق هو المادة الخام الذي سيبرز من خلاله التقدم التطوّري للشركة، التنوع في المنتجات، توزيع البيض في سلال متعددة، وبالتالي إنهاء حالة الخطر التي كانت تمثل هاجسا لمدير الشركة.

 

التطـوّر رغم الأخطاء
undefined
          
"أعلم أن هناك أخطاء سوف تحدث إذا أعطيت الناس بعض الحرية وشجعتهم على العمل بأفكارهم الخاصة، ولكن الأخطاء التي ستحدث لن تكون خطيرة كخطورة الأخطاء التي ستقع فيها الإدارة إذا كانت ديكتاتورية، وتفرض على من يعملون تحت إمرتها متطلبات الوظيفة بالتحديد. إن الإدارة التي تُسرف في النقد عند وقوع الأخطاء تقتل روح المبادرة، ومن المهم أن يكون عندنا أشخاص يتمتعون بروح المبادرة إذا كان لنا أن نستمر في النمو"

(ماك نايت)

 

كان نايت محقا، فعندما دشّنت "ثري إم" (3M) منهجية عملية لدفع التطور عبر المبادرات الفردية لموظفيها وعمالها بتبني أفكـارهم بدءا من عقد العشـرينيات من القرن العشرين باءت أولى محاولاتها للتطور الداخلي والتمدد خارج نطاق صناعة الصنفـرة بالفشل، حيث قررت في عام 1924 الدخول في مجال صناعة الشمع، لكن دخولها هذا المجال أدى إلى توالي الخسائر، مما جعلها تخرج في النهاية من هذا المجال بالكامل.

 

لكن المحاولة الثانية لها أدت إلى النجاح، حيث كانت عجلة "المبادرات الفردية والمحاولة والتجريب ومشاركة الأفكار" التي بدأها نايت قد آتت أكلها، عندما وقعت حادثة من أشهر الحوادث الابتكـارية في "ثري إم" (3M). كان أحد الموظفين التابعين للشركة "في زيارة لأحد متاجر العمـلاء (أحد محال طلاء السيارات) عندما سمع أحد عمال الطلاء يشكو ويتذمر من سوء المادة اللاصقة التي تفصل بين الألوان في طلاء السيارات، والتي كانت تتسبب في ترك بقع وخطوط غير مستوية.

 

بحسب القصة المروية أن عامل الطلاء كان يتحدث بصوت عالٍ وهو يتحرك عبر المحل قائلا: ألا يستطيع أي شخص أن يقدم لنا شيئا نافعا في هذا الأمر؟ وقتئذ، أجابه موظف "ثري إم" (3M): أعتقد أننا نستطيع تطوير شيء في معملنا يمنع أعطال الشريط اللاصق.

       

        

عندما عاد الموظف إلى الشركة اكتشف أن معاملها ليس فيها إمكانيات يمكن أن تطور هذا المنتج، لذلك -وبناء على سياسة "ثري إم" (3M) في الابتكار وضخ الأفكـار- تصرّف هذا العامل تلقائيا وقام بالعمل على مشروع شخصي له انتهى في النهاية بتصنيـع لاصق يعالج المشكلة. هكذا ببساطة، استطـاع موظف في الشركة أن يخترع منتجا بنفسه في "ثري إم" (3M)، أصبح لاحقا واحدا من أهم منتجات الشركة على الإطلاق: شريط السلوفان من نوعية سكوتش، أحد أشهر منتجات الشركة لفترة طويلة.

 

لم يكن هذا الشريط من المخطط إنتاجه عبر "ثري إم" (3M) حيث لم يكن أصلا أحد يتوقع أن تدخل الشركة في مجال صناعة الشرائط في تلك الفترة، لكن ابتكار هذا الشريط بشكل جيد جعل الشركة تتبنّاه وتطوّره وتقتحم من خلاله سوقا جديدا من أسواقها.

 

ماكينـة ابتكار وليست شركة
كان عقد العشـرينيات الذي شهد وضع سياسة "ثري إم" (3M) الأساسية في إطـلاق يد موظفيها وعمّالها في طرح أفكـارهم والمبادرة إلى تنفيذ الجيد منها سببا في نمو الشركة بشكل ثابت تقريبا على مدار العقود التالية دون مشكلات كبيرة.

 

فخلال سنوات طويلة وضعـت "ثري إم" (3M) مجموعة من آليـات التحفيز للتطوير تُتيح لموظفيها وعمّـالها من كافة المستويات تقديم أكبر جانب ممكن من الإبداع والابتكار، ومن ثم دراسة هذه الأفكـار وإمكـانية تبنّيها وتعديلها وطرحها في الأسواق، حتى أصبحت على مدار النصف الثاني من القـرن العشـرين -خصوصا بدءا من عقد السبعينـيات حتى نهاية الألفية- أشهـر نموذج للابتكار والإبداع في العالم، مع تضخم أقسـامها وموظفيها ومقـراتها وأعمالها حول العالم.

 

undefined

 

دفعت هذه الآليات -وغيرها- شركة "ثري إم" (3M) على مدى عقود طويلة إلى المزيد من التقدم بدون فترات تراجع كبيرة تقريبا، شهدت فيها الشركة تفرّعـات هائلة بإنتاج عدد كبير يُقدّر بعشــرات الآلاف قبل الوصول إلى عام 1990، بمبيعات سنوية قُدّرت بحوالي 13 مليار دولار، تضاعفت بحلول عام 2016. شملت هذه المنتجات أصنافا متعددة في مجالات مختلفة تمسّ كل شيء له علاقة بالصنـاعة مهما كان تصنيفها.

 

في النهاية، يمكن القول إن لكل شركة مفتاحها الخاص للنجاح الذي يقودها إلى الصعود من القاع إلى القمة، ويحوّلها من شركة متعثرة إلى شركة رائدة. بلا شك، مفتـاح "ثري إم" (3M) هو التركيز الكاسح على الإبداع والتطوير الفردي لكل موظف من موظفيها بتوفير الآليات المناسبة التي تطلـق الإبداعات وتحفز على الابتكار، مما جعلها ماكينة طفـرات أكثر من كونها شركة صنـاعية عادية.

المصدر : الجزيرة