شعار قسم ميدان

إيلون ماسك.. عندما يتجاوز الطموح عنان السماء

midan - Elon Musk

هو لا يمتلك ثقة ستيف جوبز أثناء تقديم المُنتجات الجديدة، ولا هدوء ساتيا ناديلا عندما شارك نظرته لإنقاذ شركة مايكروسوفت، ستجده يتلعثم بكلامه وتعكس حركة جسده ضعف أو غياب الثقة في النفس نوعًا ما، لكن إيلون ماسك نجح خلال عقدين من الزمن في الوصول إلى مكانة لم يصل إليها أحد في العصر الحديث، فقد رأى ماسك في حل المشاكل التي نُعاني منها في حياتنا اليومية خير وسيلة لإنشاء شركات ناجحة، فما قيمة المُنتج إن لم يأت لسد حاجة المُستخدم في المقام الأول.

 

ما يُميّز ماسك ليس ثروته التي تصل إلى 14 مليار دولار أميركي تقريبًا، ولا حتى كثرة المناصب التي يشغلها في الوقت الراهن، أو راتبه الشهري البالغ دولار واحد في شركة تيسلا (Tesla) لكن حُبّه لتطويع العلم وتحدّي المشاكل هو السمة الأساسية في شخصيته [1].

 

إيلون ماسك
تردد اسمه كثيرًا في الأعوام الأخيرة خصوصًا مع تصدّر أسماء شركاته المُختلفة للعناوين الرئيسية، كما أن نجاحه في تحويل المشاريع الحالمة إلى واقع ملموس عامل آخر يدفعه لمزاحمة أسماء كبيرة في المجال التقني. 

بدايات ماسك في العالم التقني قديمة جدًا فعندما كان في عامه الثاني عشر تعلّم ذاتيًا البرمجة، وقام بتطوير لعبة Blastar وبيعها لإحدى المجلّات الشهيرة، قبل أن يجد شغفه في الفيزياء ويتخرّج من الجامعة بهذا التخصّص.

تردد اسم ماسك كثيرًا في الأعوام الأخيرة خصوصًا مع تصدّر أسماء شركاته المُختلفة للعناوين الرئيسية (رويترز)
تردد اسم ماسك كثيرًا في الأعوام الأخيرة خصوصًا مع تصدّر أسماء شركاته المُختلفة للعناوين الرئيسية (رويترز)

بعدها وفي عام 1995 أسّس شركة تقنية مع أخاه بتمويل ذاتي من والده حملت اسم (Zip2)، وهو مشروع مُتخصّص في مجال تنظيم الوصول إلى الصُحف ودور النشر على الإنترنت، لكنه لم يكتفي بنجاح المشروع ورغب في تقلّد منصب الرئيس التنفيذي، وهو ما عارضه أعضاء مجلس الإدارة، ليبيع الشركة فيما بعد إلى كومباك لقاء 307 مليون دولار أميركي، زائد 34 مليون كأسهم في سوق الأوراق المالية، بعدما أسّس الشركة بمبلغ 28 ألف دولار أميركي فقط [2].
 

حصل ماسك على ما مجموعه 22 مليون دولار أميركي من بيع مشروعه الأول، ليؤسس في عام 1999 شركة (X.com)، وهي شركة مُتخصّصة في مجال الدفع الإلكتروني وتبادل الحوالات على الإنترنت، وضع ماسك 10 ملايين دولار من ماله الخاص لتمويل الشركة الجديدة، ليحصد ثمار ذلك الاستثمار بعدها بعام واحد فقط عندما قامت شركة (Confinity -PayPal) فيما بعد- بالاندماج مع X.com ويتقلّد ماسك بذلك الإدارة التنفيذية للشركة الجديدة.
 

لكن غطرسة ماسك ظهرت من جديد ليقوم مجلس الإدارة بخلعه بالإجماع لأنه رغب بنقل الخوادم والبُنى التحتية في الشركة للعمل بنظام مايكروسوفت ويندو، لكن ماسك بقي في مجلس الإدارة بعد طرده من منصبه، ليحصل على 165 مليون دولار أميركي في 2001 بعدما قام موقع eBay بشراء PayPal [3].

 

من الإنترنت للفضاء
نجح ماسك في الحصول على دعم مالي كبير جدًا بعد بيعه للشركات التي قام بتأسيسها، ولأن طموحه كبير جدًا فلم يعد يجد في العالم الافتراضي ضالته، ومن هنا قرّر الانتقال إلى الفضاء وتحويل الأفلام الحالمة إلى واقع ومشاريع يُمكن الاعتماد عليها.
 

لم يستكن ماسك في منطقة الراحة الخاصّة به بعد جمع تلك الثروة، بل قرّر الذهاب نحو المرّيخ وإرسال مُستعمرة غذائية صغيرة لاختبار نموّها وفقًا للظروف المُحيطة هناك.
 

ومن أجل تحقيق هذا الحلم ذهب إلى روسيا لشراء صاروخ لإرساله إلى الفضاء، لكن الشركات الروسية رفضت بيعه بحجّة أنه لا يمتلك الخبرة اللازمة إضافة لاعتباره حديث العهد، ليعود إلى الولايات المُتحدة الأميركية خالي الوفاض.
 

لكنه لم يستسلم وعاد من جديد إلى روسيا بعدها بعام، لكنه هو من رفض الصفقة هذه المرّة لأن المبلغ المطلوب في الصاروخ مُرتفع كما ذكر، ومن هنا خرج بفكرة إنشاء شركة لإنتاج الصواريخ ومعدّات السفر للفضاء بأقل التكاليف المُمكنة.

بعد فشله في شراء صاروخ روسي قرر ماسك إنشاء شركة لصناعة الصواريخ الفضائية بأقل التكاليف (رويترز)
بعد فشله في شراء صاروخ روسي قرر ماسك إنشاء شركة لصناعة الصواريخ الفضائية بأقل التكاليف (رويترز)

أسّس ماسك شركة سبيس إكس (SpaceX) وضخّ فيها 100 مليون دولار أميركي من ماله الخاص، ليبدأ بتطوير صواريخ للصعود إلى الفضاء، ويوقّع فيما بعد عقودًا مع وكالة ناسا لتزويدها ببعض المعدّات اللازمة للسفر إلى الفضاء وإطلاق الأقمار الصناعية.

وأصبحت سبيس إكس فيما بعد الشركة الخاصّة الأولى على مُستوى العالم القادرة على إنتاج مركبات ومُحرّكات وصواريخ فضائية، كما نجح أيضًا في إعادة ابتكار فكرة إطلاق الصواريخ الفضائية عندما قدّم فكرة إعادة الصاروخ إلى الأرض وهبوطه بسلام تام، حيث أُجريت هذه التجارب على الكثير من النماذج وتكلّلت جميعها تقريبًا بالنجاح، وهو ما جعل شركة ماسك مقصدًا للكثير من وكالات الفضاء العالمية؛ لأن مثل هذا المفهوم يُساهم في التقليل من تكاليف بناء منصّات الإطلاق، وفي توفير الوقت كذلك.

 

أهداف ماسك في الفضاء كبيرة فهو ينوي تحويل المرّيخ إلى كوكب مأهول بحلول عام 2040، كما يتمنى أن يُدفن في الفضاء الخارجي كذلك، لكن صعوبات العمل في الفضاء ونقل التقنيات الحالية كالسيّارات التي تعتمد على المحروقات إلى الفضاء، دفعته للتفكير بشركاته الجديدة التي عزّزت من قيمته على مُستوى العالم [4].

 

تيسلا
يعود تأسيس شركة تيسلا للسيّارات الكهربائية إلى عام 2003 تقريبًا، ولم يكن لماسك يدًا في التأسيس أبدًا، لكنه نجح في الاستفادة من ثروته والحصول على مقعد في مجلس إدارة الشركة بعد ضخ استثمارات فيها، ليتحوّل في 2008 إلى الرئيس التنفيذي والمسؤول الأول في الشركة حتى يومنا الحالي.
يمتلك ماسك حاليًا مقعدًا في مجلس إدارة شركة تيسلا، كما تَقَدّم للاستحواذ على سولار سيتي، خصوصًا أنها تُساهم في توفير محطّات التزوّد بالطاقة لجميع سيارات تيسلا في الولايات المُتحدة الأميركية
يمتلك ماسك حاليًا مقعدًا في مجلس إدارة شركة تيسلا، كما تَقَدّم للاستحواذ على سولار سيتي، خصوصًا أنها تُساهم في توفير محطّات التزوّد بالطاقة لجميع سيارات تيسلا في الولايات المُتحدة الأميركية

شركة تيسلا بشكل عام مُهتمة بإنتاج سيّارات تعمل بالطاقة الكهربائية فقط، كما أنها تبني كذلك أنظمة للقيادة الذاتية، وترغب في توفير مُنتجاتها لبقية الشركات من أجل الاستفادة منها؛ فعوضًا عن إنشاء كل شركة نظامها الخاص للقيادة الذاتية، أو إنشاء نظامها الخاص للاستفادة من الطاقة الكهربائية وتحويلها إلى حركية، يوافق ماسك على تقديم هذه التقنيات إلى الشركات الراغبة بالحصول عليها دون مشاكل.

 

وعادت الصعوبات التي تواجه سيّارات تيسلا من جديد لتكون مُحفّز لمشروع جديد، وهذه المرّة رأى ماسك في شركة سولار سيتي (SolarCity) المُتخصّصة في مجال الطاقة البديلة فرصة، خصوصًا أنها من تأسيس أبناء أخواله، وأنه من أوائل الداعمين لها بعد تقديم الدعم المادّي المطلوب لتأسيسها.

 

ويمتلك ماسك حاليًا مقعدًا في مجلس إدارة الشركة، كما تَقَدّم عبر شركته -تيسلا- للاستحواذ على سولار سيتي، خصوصًا أنها تُساهم في توفير محطّات التزوّد بالطاقة لجميع سيارات تيسلا في الولايات المُتحدة الأميركية، كما بدأت سولار سيتي في مشاريع جديدة لتحويل الطاقة الشمسية إلى مصدر طاقة رئيسي، وهو ما كشف عنه ماسك خلال تقديم بطارية (PowerWall) لسيّارات تيسلا، حيث اعتمد المؤتمر وقتها على الطاقة الشمسيّة المُخزّنة عوضًا عن التيار الكهربائي الرئيسي.


بعد سبيس إكس وتيسلا قرّر ماسك الاستمرار في مجال النقل، لكن هذه المرّة في وسائل النقل الجماعية والسفر، فوضع فكرة تقنية هايبرلوب (Hyperloop)، وهي عبارة عن أنابيب معزولة من الهواء لمنع مقاومته، وبالتالي التقليل قدر الإمكان من عامل الاحتكاك الذي يلعب دورًا رئيسيًا في الحد من سرعات وسائل النقل على غرار القطارات.

 

هايبرلوب هو قطار يطفو داخل أنبوب مُغلق، ويستفيد من الطاقة الكهربائية لتحويلها إلى حركية عبر الحقول المغناطيسية، وبالتالي دفع القطار من جهة للثانية والتحكم بالحركة، قرر ماسك أن تكون هايبرلوب مفتوحة المصدر، أي أن المُشاركة في التطوير مُتاح للجميع أملًا في الوصول إلى نماذج يُمكن الاعتماد عليها في المُستقبل القريب [5].

 

خوفه من المستقبل
بعيدًا عن طباعه الغريبة وحدّته في التعامل في الكثير من المواقف، إلا أن ماسك شخص حالم ويبدو وكأنه يُداعب المُستقبل باستمرار دون خوف، فشخص يمتلك تلك الثروة وذلك العقل القادر على اقتناص أنصاف الفرص أو إنشائها إن لم يجدها، لا يجب أن يخاف لكن ماسك يخاف!

 

رغم شخصية ماسك الصعبة وغياب طلاقته في الحديث، إلا أنه ينجح في كل مرة يخرج فيها للقاء الصحافة والجماهير بل ويحصل على العلامة الكاملة أيضًا.

دائمًا ما يُعبّر ماسك عن خوفه من الذكاء الاصطناعي (AI)، وأسّس شركة (OpenAI) بشكل أساسي لتطوير ذكاء اصنطاعي آمن ويخدم الإنسانية فقط، فهو قلق من تطور الآلة ومُستوى ذكائها ومن إمكانية تهديدها لحياة الإنسان فيما بعد [6].

 

حلمه في الوصول إلى الفضاء وتأسيس حياة للإنسان العادي لم يأت إلا من خوفه أيضًا، فهو قلق من ظهور جرثومة مُتطوّرة قادرة على الفتك بالإنسان لتتركه دون حول أو قوّة، كما عبّر أكثر من مرة عن قلقه من ابتلاع ثقب أسود للكرة الأرضية، أو أن يقضي الاحتباس الحراري على الكُرة الأرضية التي تطور الإنسان عليها منذ ملايين السنين [7].

 

عوامل النجاح
أن تكون رئيسًا تنفيذيًا لشركة يعني أن تقفز إلى خشبة المسرح باستمرار لتقديم المُنتجات الجديدة، ولمُناقشة الرؤية المُستقبلية للشركة التي تستلم زمام الأمور فيها، لكن شخصية ماسك الصعبة مع غياب لملكة الطلاقة في الحديث، من الأمور التي قد لا تجعل ماسك الأفضل لهذه المهمّة، لكنه مع ذلك ينجح في كل مرة يخرج فيها للقاء الصحافة والجماهير ويحصل على العلامة الكاملة كذلك.

مخاوف ماسك تقف دائما وراء ابتكارته ومشروعاته الجديدة (رويترز)
مخاوف ماسك تقف دائما وراء ابتكارته ومشروعاته الجديدة (رويترز)

يتّبع ماسك خطّة ثابتة تقريبًا في مؤتمرات الشركات التي يُشرف عليها؛ فهو يعي تمامًا من أين تؤكل الكتف، حيث يبدأ ماسك مؤتمراته بتحديد العدو الأول الذي يحول بين السعادة وبين المُستخدمين بشكل عام، مع اللعب على الوتر العاطفي قليلًا من خلال شرح أسباب وجود هذا العدو، لينتقل بعدها للإجابة على التساؤلات والشكوك التي تجول في بال المُستثمرين في شركاته، فتلك التساؤلات دائمًا ما تأتي بصيغة "لماذا الآن؟"، وهُنا يتحدّث ماسك عن وصول مخاطر العدو إلى نقطة حرجة وحسّاسة تستدعي التدخّل الفوري قبل أن تبدأ بالتأثير سلبًا على حياة الإنسان.

 

وبعد رسم الصورة الكاملة للعالم البائس ينقل ماسك الجميع إلى أرض الميعاد، تلك التي سنصل إليها بعد القضاء على العدو بطريقة أو بأُخرى دون أن يتناول السلاح المُستخدم، ثم يبدأ بالحديث عن الصعوبات والمُعوّقات التي تقف في وجه الوصول إلى أرض الميعاد، وهُنا تبدأ عملية الترويج غير المُباشر لمُنتج ماسك، فالمُستخدم رأى بأم عينه المُستقبل المُظلم والمُشرق أيضًا، ويأمل في الوصول إليه بأسرع وسيلة مُمكنة.

 

الضربة القاضية من ماسك تكمن في طمأنته للجماهير عندما يُخبرهم أنه قادر على تخطّي تلك العوائق للوصول إلى أرض الميعاد التي شاهدوها قبل قليل، وبتلك الخطوات البسيطة -من الناحية التقديمية- ينجح ماسك في كسب ود المُستثمرين أولًا والجماهير ثانيًا، لكن هذا لا يعني أنه لا يبذل جهودًا حثيثة لتحويل الأفكار المجنونة إلى واقع ملموس [8].

 

من تغريدة لمشروع
رُبما تُساهم ثروة ماسك الكبيرة في مُساعدته على تحويل أفكاره إلى مشاريع جديدة، لكن أن تُحوّل تذمّرك من تغريدة على تويتر إلى مشروع جديد، فهو أمر لم نسمع به في العصر الحديث.

 

غرّد في 17 ديسمبر/كانون الأول 2016 ماسك على حسابه الرسمي في تويتر قائلًا "إن الازدحام المروري يدفعني للجنون، سأقوم ببناء آلة لحفر الأنفاق وأبدأ بالحفر"، وهُنا بدأ الجميع بالضحك حول هذه التغريدة مُعتبرين أنها مُزاح على مُستوى كونه رئيس تنفيذي للكثير من الشركات، لكن ماسك عاد بعدها بدقائق وأكّد بتغريدة أُخرى أنه سيقوم بذلك بالفعل.

 (مواقع التواصل)
 (مواقع التواصل)

وفي نهاية يناير/كانون الثاني 2017 عاد ماسك بتغريدة جديدة تتناول نفس الأمر عندما قال "تطوّر مُهم في واجهة النفق، سنبدأ بالحفر خلال شهر تقريبًا"، وبحسب بعض التقارير فإن النفق الأول سيكون بين مقر شركة سبيس إكس الرئيسي ومرآب قريب للسيارات، كما أن ماسك سيجتمع مع بعض الجهات التنظيمية لتجنّب مُخالفة القوانين السائدة في الولايات المُتحدة الأميركية، أملًا في تنظيم هذه العملية كذلك للتخلّص من الازدحام المروري الخانق.

 

يلمس ماسك بمُخيّلته جانب تقني آخر بعيد عن الهواتف الذكية والحواسب اللوحية وأنظمة التشغيل والشبكات الاجتماعية، لكن أفكاره ومشاريعه لا تقل أهمّية أبدًا عن تلك المشاريع، خصوصًا أنها تطمح إلى حماية الحضارة الإنسانية من الأخطار والتهديدات المُستمرّة.

 

في 2016 حصل ماسك على المرتبة 21 في قائمة فوربس (Forbes) كأكثر الأشخاص تأثيرًا وقوّة على مستوى العالم، كما اختاره موقع بزنس إنسايدر (Business Insider) ليكون ضمن العشر الأوائل في قائمة أكثر الأشخاص المؤثّرين بمشاريعهم في هذا العالم، وما هذا سوى غيضٌ من فيض أمام الجوائز التي حصل عليها سابقًا، أو التي سيحصل عليها مُستقبلًا لأن طموح مثل هؤلاء الأشخاص لن يقف حتى لو وصل إلى الفضاء [9][10].

المصدر : الجزيرة