خمس محطات تفصل شركتك الناشئة عن العالمية
دأب المنظرون للإدارة والراصدون لحركات تطوّر المؤسسات والمنظّمات المختلفة في دراسة كل هذه المراحل عن كثب، وتوصيفها بدقة، بنفس اهتمام ودقـة العلماء والأطباء والنفسيين بدراسة تطوّر نمو الإنسان، ونفس دقة علماء الفلك بدراسة تطور نمو النجوم. والحقيقة أن هناك دراسات عديدة معقدة أوضحت مراحل نمو الشركات الناشئة، أبرزها دراسة شهيرة قدّمها "لاري غراينر" تعتبر واحدة من أهم دراسات المنظّمات على الإطلاق، وردت في العديد من الكتب والدراسات، أبرزها كتاب (نظرية المؤسسة المُبدعة Creative Organization Theory ).
هذه الدراسة من أهم الدراسات التي يجب أن يضعها رائد الأعمال في اعتباره منذ لحظة تأسيس مشروعه الناشئ؛ لأنها ركّزت بشكل منهجي على تطوّر المؤسسات من حيث الأحجام والتحديات والأزمات على مدار فترات طويلة. وأيضاً تقدم نظرة استشرافية مستقبلية لمسار نمو شركته في دورتها الإجمالية، وتوقع الأزمات القادمة.
مرحلة تأسيس الشركة من الصفر يكون التركيز خلالها بشكل كامل تقريباً على تقديم المنتج أو الخدمة والبحث المحموم عن موضع قدم في السوق. هذه الفترة تعتبر من أكثر فترات الشركات إبداعاً وابتكاراً، ويكون لدى مؤسّسي الشركة توجّه تقني أو توجّه تلقائي نحو المخاطرة. من سماتها:
– لا توجد إدارة روتينية تقريباً.
– استنفاذ المجهود بالكامل في تصنيع المنتج أو تقديم الخدمة والتركيز على البيع بكامل الطاقات البدنية والعقلية.
– اتصالات واسعة غير رسميّة بين الموظفين.
– ساعات عمل طويلة عادة ما تُكافأ بأجور متواضعة من ناحية، ووعود بمزايا مادية في المستقبل من ناحية أخرى.
– التعديل الفوري السريع على طبيعة نشاطات العمل بناءً على التغذية الراجعة من السوق، ورصد رد فعل العملاء بشكل مستمر.
هذه الأمور (الإداريّة ذات الطابع الروتيني قليلاً) عادة لا يجيدها المؤسسون التنفيذيون، الأمر الذي يحتّم عليهم بشكل كامل أن يتم اتخاذ خطوة إلى مرحلة جديدة من (التطوير) في الاتجاه المؤسسي، والتخلّي عن نزعة القيادة المُطلقة. وغالباً، إذا لم يتم التحرّك إلى المرحلة الثانية، فستزداد النزاعات داخل الشركة الوليدة الضعيفة بطبيعتها، والنهاية ستكون الزوال حتماً.
الشركات الناشئة التي تستطيع النجاة من أزمة المرحلة الأولى، تدخل تلقائياً في المرحلة الثانية بتعيينات إدارية مختلفة، تسحب مسار الشركة إلى اتجاه مؤسسي مختلف تماماً عن المركزيّة القيادية السائدة في المرحلة الأولى. من سماتها:
– يتم بناء هيكل تنظيمي وظيفي، والفصل بين الأنشطة المختلفة.
– الوظائف تصبح أكثر تخصصاً.
– إدخال أنظمة للمحاسبة والجرد والمشتريات وإقامة العقود مع الموظفين ودفع الرواتب إلخ.
– تبنّي الحوافز ووضع لوائح للعمل.
– الاتصالات تصبح اتصالات رسمية، ويتضاءل التواصل الشخصي مع توسّع الهيكل التنظيمي وتنوّع المناصب.
– يتم إعطاء مسؤولية أكبر لمدراء الأقسام والمبيعات والموظفين.
– التوسّع في توزيع الأرباح والمكافآت والحوافز.
– تبدأ الإدارة لتصبح أكثر تركيزاً في يد المدراء الميدانيين؛ بينما يبدأ المدير التنفيذي صاحب القرار الأكبر بالاقتصار على (الإدارة بالاعتراض).. أي التدخل بالاعتراض على اتجاه مؤسسي معيّن وفقاً لخبرته، كان الموظفون الميدانيون يسعون لتطبيقه.
– الاتصالات من المستويات العليا إلى الأدنى تصبح أقل، وتصبح أكثر رسمية فيما يخص القرارات النهائية.
هذه المرحلة يستفيد منها للغاية الموظفون والعمّال والمدراء في المستويات الدنيا من الشركة التي تتوسّع باستمرار، فيشعر كافة الموظفين بأنهم تحرروا من المركزية ويتمتعون بقدر أكبر من الصلاحيات والحوافز، وقادرون على إضفاء آرائهم والتغلغل أسرع في السوق والتواصل مع العمـلاء بشكل أكبر وأكثر مرونة.
– إعادة التخطيط الرسمي لتوزيع الأدوار، ومراجعتها بشكل مكثف.
– غالباً يتم توظيف عدد من الموظفين من أجل التنسيق بين الموظفين والإدارات التنفيذية والتحول إلى حلقة وصل بين المستويين، بشكل يشمل الشركة كلها.
– إعادة دراسة مصروفات رأس المال بدقة، وإعادة هيكلتها وتوزيعها على الأقسام والمستويات المختلفة بشكل صحيح.
– تتمركز بعض الوظائف المهمة جداً في يد الإدارة المركزية مثل (معالجات البيانات) و(الإحصائيات).
– تظل قرارات التشغيل اليومية لأقسام الشركة لا مركزية في يد الأقسام المختلفة.
– غالباً في هذه المرحلة تبدأ الشركات في طرح خيارات مشاركة الموظفين للأسهم والسندات، والحصول على أرباح الشركة لتشجيع الشعور بالانتماء.
الاتجاه التنسيقي للمؤسسة يعيد التحكم مرة أخرى بحيث يكون بين يدي الإدارة المركزية وأيضاً الإدارات والأقسام المختلفة، كما يساعد الموظفين في كافة الأقسام بالنظر أبعد من احتياجات وحداتهم الخاصة. بمعنى آخر يساعد كل أفراد المؤسسة في فهم طبيعة عمل المنظومة ككل، وليس فقط إدارتهم الخاصة.
غالباً تظهر في هذه المرحلة حالة شكوى وانتقادات متزايدة لنظام المعاملات والمراقبة البيروقراطي الذي ينمو في الشركة بعد اتخاذ هذا الطابع التنسيقي؛ حيث يبدو للجميع أن الشركة تهتم أكثر بالإجراءات والالتزام باللوائح والحدود، في الوقت الذي يتراجع فيه الاهتمام بحل المشكلات والابتكار. باختصار، تصبح المؤسسة أكثر تعقيداً وتشعباً من أن تتم إدارتها من خلال لوائح وبرامج تنسيقيـة صارمة؛ ما يؤدي إلى المرحلة الخامسة.
في المرحلة الخامسة تبدأ الإدارة في اتخاذ جانب أكبر من التلقائية لتقسيم العمـل إلى فرق مصغّــرة، واستنساخ بيئات أعمال موزّعة بشكل أكبر، والربط بين كافة الأقسام والفرق بإجراءات (غير رسمية)، وانتهاج مبدأ (الإدارة بالمرح)، والاعتماد بشكل أكبر على اللوائح الاجتماعية والانضباط الذاتي، بدلاً من التحكم الرسمي.
هذه المرحلة تكون شديدة الصعوبة بالنسبة للشركات التقليدية التي يتعامل فيها المدراء تحديداً بشكل رسمي منغلق؛ لأن الكثيرين منهم لا يتفهمون أصلاً هذا التوجّه المنفتح نحو تحويل بيئة الأعمال إلى خلايا عمل مرحة اجتماعية، بعيدة عن الانضباط الرسمي. إذن، يمكن القول إن هذه المرحلة تعتمد أكثر على تغيير سلوك المنظمة، وليس إدارتها الرسمية. من سماتها:
– التركيز يكون على سرعة حل المشكلات بواسطة الفرق المختلفة بالتنسيق مع الإدارة من ناحية، وبتخفيف الإجراءات الرسمية من ناحية أخرى.
– استخدام برامج تدريبية لكل الفرق تهدف لتعزيز المهارات السلوكية بعيداً عن المهارات الرسمية.
– عمل منظم لمفاهيم اتخاذ القرارات بشكل سريع.
– توجيه المكافآت المالية والمعنوية إلى (أداء الفريق) أكثر من التوجيه للإنجازات الفردية.
– تشجيع التجديد والتجارب الإبداعية، وجعلها أساس عمل المنظمة.
– تطوير بيئات الأعمال لتصبح (بيئات أعمال مرحة) قبل أن تكون بيئة عمل رسمية.
هذه المرحلة وضعها "لاري غراينر" مؤخراً في هذه الدراسة (عام 1998)، موضّحاً أنَّ المرحلة السادسة والأخيرة من نمو الشركات هي دخولها في منطقة التحالفات والعقود الخارجية، وأيضاً إمكانية الاندماج مع شركات أخرى لتكوين شبكات أكبر من الشركة. وتصل الشركات إلى هذه المرحلة عندما تصل لمرحلة داخلية تحتّم عليها إما التوسّع أو الاندماج مع آخرين. حالة أقرب إلى التوسّع الإجباري، مع ازدياد حجم فرق عمل الشركة وتوسّعها بمرور الوقت. من سماتها: