شعار قسم ميدان

خمس محطات تفصل شركتك الناشئة عن العالمية

midan - office
الشركات مثل الأفراد تماماً -أو بمعنى أكثر واقعية: مثل أي شيء في الحياة- لها دورة حياة كاملة، تولد ضئيلة صغيرة وتمرّ بمرحلة الطفولة فالمراهقة، ثم الشباب فالنضج وأخيراً الشيخوخة. ومثل الأفراد أيضاً، كل مرحلة من هذه المراحل في مسيرة نمو الشركات والمشروعات لها (أزمة) مرافقة. فالطفل لديه أزمة وعي، والمراهق لديه أزمة اندفاع، والشاب لديه أزمة نقص نضج، والكهل لديه أزمة تشبّع، والشيخ لديه أزمة ضعف، وهكذا.
 

دأب المنظرون للإدارة والراصدون لحركات تطوّر المؤسسات والمنظّمات المختلفة في دراسة كل هذه المراحل عن كثب، وتوصيفها بدقة، بنفس اهتمام ودقـة العلماء والأطباء والنفسيين بدراسة تطوّر نمو الإنسان، ونفس دقة علماء الفلك بدراسة تطور نمو النجوم. والحقيقة أن هناك دراسات عديدة معقدة أوضحت مراحل نمو الشركات الناشئة، أبرزها دراسة شهيرة قدّمها "لاري غراينر" تعتبر واحدة من أهم دراسات المنظّمات على الإطلاق، وردت في العديد من الكتب والدراسات، أبرزها كتاب (نظرية المؤسسة المُبدعة Creative Organization Theory ).

 

وضع
وضع "لاري غراينر" في السبعينيات دراسته لمراحل نمو الشركات؛ مقررا أنها تمر بخمس مراحل محددة. ثم أضاف مرحلة سادسة أخرى لدراسته في العام 1998
 

هذه الدراسة من أهم الدراسات التي يجب أن يضعها رائد الأعمال في اعتباره منذ لحظة تأسيس مشروعه الناشئ؛ لأنها ركّزت بشكل منهجي على تطوّر المؤسسات من حيث الأحجام والتحديات والأزمات على مدار فترات طويلة. وأيضاً تقدم نظرة استشرافية مستقبلية لمسار نمو شركته في دورتها الإجمالية، وتوقع الأزمات القادمة.

 

على طريق النمو
في السبعينيات، وضع "لاري غراينر" دراسته لمراحل نمو الشركات مقررا أنها تمر بخمس مراحل محددة. ثم أضاف مرحلة سادسة أخرى لدراسته في العام 1998. كل مرحلة من هذه المراحل مقترنة بأسلوب محدد بالإدارة يجعلها تحقق هذا النمو، وغالباً تنتهي بأزمة رئيسة تنقلها إلى المرحلة التالية بنوعيّة إدارة مختلفة. أيضاً من الضروري الإشارة بأنه لا يمكن لأي شركة من أي نوع -حتى أسرع الشركات نمواً- القفز إلى مرحلة متقدمة وتجاوز بعض المراحل. الأمر يشبه تماماً كما ذكرنا في المقدمة النمو العادي للأفراد. لا يمكن لشخص أن ينمو من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشيخوخة فجأة، والطبيعي أن يمر بمراحل النمو المعتادة.

 

المرحلة الأولى: النمو من خلال الإبداع
undefined

مرحلة تأسيس الشركة من الصفر يكون التركيز خلالها بشكل كامل تقريباً على تقديم المنتج أو الخدمة والبحث المحموم عن موضع قدم في السوق. هذه الفترة تعتبر من أكثر فترات الشركات إبداعاً وابتكاراً، ويكون لدى مؤسّسي الشركة توجّه تقني أو توجّه تلقائي نحو المخاطرة. من سماتها:

– لا توجد إدارة روتينية تقريباً.

– استنفاذ المجهود بالكامل في تصنيع المنتج أو تقديم الخدمة والتركيز على البيع بكامل الطاقات البدنية والعقلية.

– اتصالات واسعة غير رسميّة بين الموظفين.

– ساعات عمل طويلة عادة ما تُكافأ بأجور متواضعة من ناحية، ووعود بمزايا مادية في المستقبل من ناحية أخرى.

– التعديل الفوري السريع على طبيعة نشاطات العمل بناءً على التغذية الراجعة من السوق، ورصد رد فعل العملاء بشكل مستمر.

 

أزمة المرحلة الأولى: مركزية القيادة
في نهاية المرحلة الأولى من تأسيس الشركة، تظهــر في نموذجها الإداري أزمة حقيقية تُسمّى بأزمة القيادة. خلال هذه المرحلة، يبدو أن جميع الأنشطة في الشركة لها طابع شديد المركزية مرتبط بالمؤسس من ناحية أو المدير الفنّي من ناحية أخرى. ومع نمو الشركة وتوسّعها في النشاط وإقبال العملاء، سيبدأ بشكل تلقائي قدوم المزيد من الموظفين، الأمر الذي يحتّم استحداث نظام إداري رسمي متماسك، يشمل الأمور المالية والمحاسبيّة والتدريبية.

 

هذه الأمور (الإداريّة ذات الطابع الروتيني قليلاً) عادة لا يجيدها المؤسسون التنفيذيون، الأمر الذي يحتّم عليهم بشكل كامل أن يتم اتخاذ خطوة إلى مرحلة جديدة من (التطوير) في الاتجاه المؤسسي، والتخلّي عن نزعة القيادة المُطلقة. وغالباً، إذا لم يتم التحرّك إلى المرحلة الثانية، فستزداد النزاعات داخل الشركة الوليدة الضعيفة بطبيعتها، والنهاية ستكون الزوال حتماً.

 

المرحلة الثانية: النمو من خلال التوجيه المؤسّسي
undefined

الشركات الناشئة التي تستطيع النجاة من أزمة المرحلة الأولى، تدخل تلقائياً في المرحلة الثانية بتعيينات إدارية مختلفة، تسحب مسار الشركة إلى اتجاه مؤسسي مختلف تماماً عن المركزيّة القيادية السائدة في المرحلة الأولى. من سماتها:

– يتم بناء هيكل تنظيمي وظيفي، والفصل بين الأنشطة المختلفة.

– الوظائف تصبح أكثر تخصصاً.

– إدخال أنظمة للمحاسبة والجرد والمشتريات وإقامة العقود مع الموظفين ودفع الرواتب إلخ.

– تبنّي الحوافز ووضع لوائح للعمل.

– الاتصالات تصبح اتصالات رسمية، ويتضاءل التواصل الشخصي مع توسّع الهيكل التنظيمي وتنوّع المناصب.

 

أزمة المرحلة الثانية: غياب الاستقلال
على الرغم من أن الاتجاه إلى "مأْسَسَة" الشركة يولّد طاقة كبيرة في عملها، وتوجيه الموظفين بكفاءة أكبر، وإظهار عامل الأمن الوظيفي. إلا أنه وبمرور الوقت والمزيد من الأنشطة واتساع عمل الشركة، تظهـر أزمة (استقلالية) مع زيادة التفرعات والتعقيد. سيبدأ موظفو المستويات الدنيا بالشعور أنهم مقيّدون بهيكل تنظيمي واسع يصب في النهاية في مركزيّة هرمية مُزعجة. إلى جانب الشعور بالضيق والملل وربما التمزُّق بين اللوائح والإجراءات الموضوعة، مع غياب كامل لمفهوم (المبادرة) والإبداع الشخصي من طرفهم. وهنا، تبدأ بوادر أزمة حقيقية إذا تمّ تجاهل هذا الشعور العام، ولم يتم الانتقال إلى المرحلة الثالثة.

 

المرحلة الثالثة: النمو من خلال التفويض
هذه المرحلة تأتي كتطوّر طبيعي للمؤسسات بتطبيـق توجّه (لا مركزي) داخل الهيكل التنظيمي، ومنح الاستقلالية للموظفين والمدراء والعاملين بشكل أكبر. من سماتها:

– يتم إعطاء مسؤولية أكبر لمدراء الأقسام والمبيعات والموظفين.

– التوسّع في توزيع الأرباح والمكافآت والحوافز.

– تبدأ الإدارة لتصبح أكثر تركيزاً في يد المدراء الميدانيين؛ بينما يبدأ المدير التنفيذي صاحب القرار الأكبر بالاقتصار على (الإدارة بالاعتراض).. أي التدخل بالاعتراض على اتجاه مؤسسي معيّن وفقاً لخبرته، كان الموظفون الميدانيون يسعون لتطبيقه.

– الاتصالات من المستويات العليا إلى الأدنى تصبح أقل، وتصبح أكثر رسمية فيما يخص القرارات النهائية.
 

بمرور الوقت يتولد شعور لدى المدراء التنفيذيين بأنهم بدأوا في فقد التحكم في توجيه المؤسسة في مقابل تنامي حرية الموظفين ومدراء الأقسام في اتخاذ القرارات 
بمرور الوقت يتولد شعور لدى المدراء التنفيذيين بأنهم بدأوا في فقد التحكم في توجيه المؤسسة في مقابل تنامي حرية الموظفين ومدراء الأقسام في اتخاذ القرارات 

هذه المرحلة يستفيد منها للغاية الموظفون والعمّال والمدراء في المستويات الدنيا من الشركة التي تتوسّع باستمرار، فيشعر كافة الموظفين بأنهم تحرروا من المركزية ويتمتعون بقدر أكبر من الصلاحيات والحوافز، وقادرون على إضفاء آرائهم والتغلغل أسرع في السوق والتواصل مع العمـلاء بشكل أكبر وأكثر مرونة.

 

أزمة المرحلة الثالثة: غياب التحكّم
بمرور الوقت تبدأ مشكلة خطيرة في الظهور، هي شعور المدراء التنفيذيين (الذين يتخذون القرارات) بأنهم بدأوا في فقد التحكم في توجيه المؤسسة وفقاً لمعايير مدروسة، في مقابل تنامي حرية الموظفين ومدراء الأقسام في اتخاذ القرارات والإجراءات دون العودة بشكل كبير للإدارة التنفيذية. وهنا، إما أن تتدخل الإدارة التنفيذية وتبدأ في نقل الشركة إلى مرحلة أخرى، وإما سيؤدي الاستمرار بهذا الشكل إلى المزيد من فقدان التحكم بشكل ربما تنتج عنه ملامح فوضى محققة وخسائر كبيرة بناءً على قرارات ميدانية غير مدروسة.

 

المرحلة الرابعة: النمو من خلال التنسيق
هذه المرحلة تشهد توجّه المؤسسة إلى استعادة التوازن بين المستويات المختلفة من الإدارة، بحيث لا تختفي الحرية والإبداع والابتكار الذاتي داخل المؤسسة، وفي نفس الوقت تظل المؤسسة في قبضة الإدارة المركزيّة بشكل عام يحميها من الوقوع في الفوضى. من سماتها:

 

– إعادة التخطيط الرسمي لتوزيع الأدوار، ومراجعتها بشكل مكثف.

– غالباً يتم توظيف عدد من الموظفين من أجل التنسيق بين الموظفين والإدارات التنفيذية والتحول إلى حلقة وصل بين المستويين، بشكل يشمل الشركة كلها.

– إعادة دراسة مصروفات رأس المال بدقة، وإعادة هيكلتها وتوزيعها على الأقسام والمستويات المختلفة بشكل صحيح.

– تتمركز بعض الوظائف المهمة جداً في يد الإدارة المركزية مثل (معالجات البيانات) و(الإحصائيات).

– تظل قرارات التشغيل اليومية لأقسام الشركة لا مركزية في يد الأقسام المختلفة.

– غالباً في هذه المرحلة تبدأ الشركات في طرح خيارات مشاركة الموظفين للأسهم والسندات، والحصول على أرباح الشركة لتشجيع الشعور بالانتماء.
 

undefined

الاتجاه التنسيقي للمؤسسة يعيد التحكم مرة أخرى بحيث يكون بين يدي الإدارة المركزية وأيضاً الإدارات والأقسام المختلفة، كما يساعد الموظفين في كافة الأقسام بالنظر أبعد من احتياجات وحداتهم الخاصة. بمعنى آخر يساعد كل أفراد المؤسسة في فهم طبيعة عمل المنظومة ككل، وليس فقط إدارتهم الخاصة.

 

أزمة المرحلة الرابعة: شبح الروتين
بمرور الوقت يبدأ ظهور الروتين تدريجياً، وملامح من البيروقراطية التي تؤدي إلى اشتعال بعض الأزمات. على سبيل المثال، قد يستاء بعض مدراء فرق العمـل من التدخل الفوقي في مجالات عملهم وتوجيه الموظفين من قبل قيادات أعلى لا تملك اطّـلاعا جيدا على ظروف وحداتهم المحلية.

 

غالباً تظهر في هذه المرحلة حالة شكوى وانتقادات متزايدة لنظام المعاملات والمراقبة البيروقراطي الذي ينمو في الشركة بعد اتخاذ هذا الطابع التنسيقي؛ حيث يبدو للجميع أن الشركة تهتم أكثر بالإجراءات والالتزام باللوائح والحدود، في الوقت الذي يتراجع فيه الاهتمام بحل المشكلات والابتكار. باختصار، تصبح المؤسسة أكثر تعقيداً وتشعباً من أن تتم إدارتها من خلال لوائح وبرامج تنسيقيـة صارمة؛ ما يؤدي إلى المرحلة الخامسة.

 

المرحلة الخامسة: النمو من خلال التعاون الجماعي
وهي المرحلة الأكبر والأبرز من مراحل نموّ الشركات، والتي نشأت أصلاً لمعالجة أزمة الروتين الناشئة من مرحلة التنسيق (المرحلة الرابعة) التي تغلب عليها ميل الإدارة إلى النظم والإجراءات الرسمية. من سماتها:

 

في المرحلة الخامسة تبدأ الإدارة في اتخاذ جانب أكبر من التلقائية لتقسيم العمـل إلى فرق مصغّــرة، واستنساخ بيئات أعمال موزّعة بشكل أكبر، والربط بين كافة الأقسام والفرق بإجراءات (غير رسمية)، وانتهاج مبدأ (الإدارة بالمرح)، والاعتماد بشكل أكبر على اللوائح الاجتماعية والانضباط الذاتي، بدلاً من التحكم الرسمي.

 

هذه المرحلة تعتمد أكثر على تغيير سلوك المنظمة، وليس إدارتها الرسمية. (مواقع التواصل)
هذه المرحلة تعتمد أكثر على تغيير سلوك المنظمة، وليس إدارتها الرسمية. (مواقع التواصل)

هذه المرحلة تكون شديدة الصعوبة بالنسبة للشركات التقليدية التي يتعامل فيها المدراء تحديداً بشكل رسمي منغلق؛ لأن الكثيرين منهم لا يتفهمون أصلاً هذا التوجّه المنفتح نحو تحويل بيئة الأعمال إلى خلايا عمل مرحة اجتماعية، بعيدة عن الانضباط الرسمي. إذن، يمكن القول إن هذه المرحلة تعتمد أكثر على تغيير سلوك المنظمة، وليس إدارتها الرسمية. من سماتها:

 

– التركيز يكون على سرعة حل المشكلات بواسطة الفرق المختلفة بالتنسيق مع الإدارة من ناحية، وبتخفيف الإجراءات الرسمية من ناحية أخرى.

– استخدام برامج تدريبية لكل الفرق تهدف لتعزيز المهارات السلوكية بعيداً عن المهارات الرسمية.

– عمل منظم لمفاهيم اتخاذ القرارات بشكل سريع.

– توجيه المكافآت المالية والمعنوية إلى (أداء الفريق) أكثر من التوجيه للإنجازات الفردية.

– تشجيع التجديد والتجارب الإبداعية، وجعلها أساس عمل المنظمة.

– تطوير بيئات الأعمال لتصبح (بيئات أعمال مرحة) قبل أن تكون بيئة عمل رسمية.

 

أزمة المرحلة الخامسة: التضخم الداخلي
الحقيقة أنه مع التوسّع في منهجية العمل الجماعي، واستبدال الصيغة الرسمية الفوقية في إدارة الأعمال، بصيغة قائمة على العمل الجماعي واللامركزية في كافة المفاهيم الإدارية، سواء حل مشكلات أو اتخاذ قرارات أو حتى بيئات أعمال تشاركية، تظهر أزمة تسمى (النمو الداخلي). هذا النمو يؤدي إلى تفكيك المبادئ العامة للإدارة، وتحول الشركة إلى منظومة استشارية بالكامل، ما يعني انهيارا تدريجيا لمفهوم المراقبة (Supervision) ومفهوم التحكم (Controlling)، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة كبيرة في المنظمة خصوصاً عندما تصل إلى مرحلة كبيرة من التنوّع والضخامة. لذلك، تأتي المرحلة السادسة..

 

المرحلة السادسة: النمو عبر التحالفات

undefined

هذه المرحلة وضعها "لاري غراينر" مؤخراً في هذه الدراسة (عام 1998)، موضّحاً أنَّ المرحلة السادسة والأخيرة من نمو الشركات هي دخولها في منطقة التحالفات والعقود الخارجية، وأيضاً إمكانية الاندماج مع شركات أخرى لتكوين شبكات أكبر من الشركة. وتصل الشركات إلى هذه المرحلة عندما تصل لمرحلة داخلية تحتّم عليها إما التوسّع أو الاندماج مع آخرين. حالة أقرب إلى التوسّع الإجباري، مع ازدياد حجم فرق عمل الشركة وتوسّعها بمرور الوقت. من سماتها:

 

أزمة المرحلة السادسة: ضياع الهويّة
لأن الشركات في هذه المرحلة تركز بشكل كبير على التحالف، أكثر من تنمية مجالها الرئيس، غالباً تنشأ هنا أزمة هويّة بشكل واضح، مع اندماجها بشركات أخرى، أو دخولها في تحالف أو تكوين كيان أكبر، أو حتى بالاستحواذ على شركات أخرى. وضياع الهوية يكون نسبياً بحسب نوعية التحالفات والاندماجات، إلا أنه في بعض الأحيان يؤدي إلى إنهاء العلامة التجارية نهائياً أو إضعافها بشكـل كبير، أو -وهذا أضعف الإيمان- توسّعها لتشمل مجالات مختلفة، يجعل بريق العلامة التجارية الأساسية يختفي تدريجياً.
المصدر : الجزيرة