شعار قسم ميدان

لماذا يعد العمل من المنزل أسوأ مما نعتقد؟

midan - work
في عام 2005؛ بلغ عدد الذين يقومون بأداء ما لا يقل عن نصف أعمالهم من المنزل 890 ألف موظف أميركي، وبحلول عام 2012 ارتفع هذا العدد؛ ليصل إلى أكثر من 3 ملايين موظف. ولا يزال هذا العدد في تزايد مستمر بمرور الوقت؛ فوفقًا لإحصائيات مكتب العمل الأميركي للعام قبل الماضي 2015؛ فإن 24% من الموظفين الأميركيين يقومون بأداء كل أعمالهم أو بعضها من المنزل. (1)

 

قد يعتقد الكثيرون أن أداء العمل من المنزل أفضل -على كافة الأصعدة- من العمل بشكل نظامي، ويستشهدون على ذلك بمدى الحرية المُطلقة التي يتيحها العمل من المنزل؛ لكن على النقيض من ذلك، فالكثير من المؤشرات تدل على أن أداء العمل من المنزل يعدّ سيئا.

قد تتعدد تلك المساوئ التي تأتي على شكل ضجر وضيق بصورة دائمة مع الأرق والتوتر المستمر، أو ما يتبع ذلك من صعوبات ومشكلات تتمثل في التقصير بأداء العمل، إضافة إلى النقص المتتالي في الإنتاجية؛ لذا فنحن هنا بصدد عرض أبرز المساوئ المصاحبة لأداء العمل من المنزل؛ والتي يعاني منها عدد كبير من العاملين بمنازلهم.

 

أنت عاطل دون أن تدري


إن كنت تقوم بتأدية عملك من المنزل؛ فقد تكون أبرز المعضلات التي تواجهها -دون انقطاع- هي اعتقاد معظم من حولك أنك عاطل عن العمل؛ لتلاحقك حينها نظرات الشفقة من الجيران أو بعض الأصدقاء، وبالرغم من أن بعض هؤلاء يعلمون يقينًا أنك قائم على رأس عملك؛ إلا أنهم لا يعدّون العمل من المنزل كوظيفة بمعناها التقليدي، لذا فأي عمل -مهما كان مهمًا أو ذا قيمة- فإنه لا يعد وظيفة في نظرهم.

 

من هنا فإن عدم انتشار ثقافة العمل الحر وكونه ما زال في طور النضج على المستوى العربي يعد سببًا رئيسا لتلك النظرة السلبية التي ينظر بها الكثيرون إلى العمل المستقل من المنزل. قد يرى الكثيرون أن هذه النظرة السطحية مجرد شيء عابر لا يستحق الاهتمام؛ إلا أنه على العكس تمامًا؛ فتلك النظرات تحمل في طياتها طاقة سلبية، قد تؤدي إلى إحباط الشخص وتثبيط همته عن أداء العمل.

 

العمل من المنزل يعني الانسحاب من الحياة الاجتماعية
يُعتبر الانسحاب من الحياة الاجتماعية نتاجا طبيعيا جدًا لنمطية العمل من المنزل. فتتمثل أولى أعراض الانسحاب الاجتماعي في فقدان زملاء وأصدقاء العمل، ويرجع ذلك -بطبيعة الحال- لكونك تؤدي عملك بمفردك؛ لكن على النقيض؛ فإنه عندما يؤدي الشخص عمله من داخل الشركة أو المؤسسة فإنه سيتمتع بإمكانية عقد الكثير من الصداقات، أو التمتع بصحبة زملاء العمل، أو حتى -على أقل تقدير- مشاركتهم في المحادثات وتبادل الزيارات في العطلات الأسبوعية أو المناسبات، على عكس العمل من المنزل الذي يقتصر فيه لقاء زملاء العمل على مكالمة فيديو في الأسبوع، أو في بداية كل شهر.

 

نحن هنا لا نتحدث عن افتقاد زملاء العمل وحسب؛ فالعمل من المنزل يؤدي إلى نقص التفاعل الإنساني. من هنا فإن قولنا إن العمل من المنزل يعني الانسحاب من الحياة الاجتماعية ليس تهويلا للأمر؛ وإنما هي حقيقة ثابتة؛ فهم لا يُقابلون أشخاصا جددا يوميًا في طريقهم للعمل، ولا يختلطون أو يتفاعلون مع غيرهم.

 

ما أكثر المشتتات!


بالرغم من أن هناك العديد من المشتتات التي يواجهها الشخص أثناء عمله داخل مقر الشركة بسبب زملاء العمل؛ إلا أنه عند تسليط الضوء على المشتتات التي يواجهها الشخص أثناء تأديته لعمله من المنزل فإننا نجدها بكثرة.

 

مَن منا يؤدي عمله من المنزل، ولم يدخل إليه أحد أفراد أسرته ليطلب منه مساعدته في القيام بشيء ما، أو الذهاب معه من أجل التسوق أو شراء بعض المستلزمات الهامة للمنزل. أو لم يطلب منه أحد أطفاله مساعدته في أداء الواجبات المدرسية، أو حتى لم يأته أحد أصدقائه ليطلب منه شيئا.

 

كل تلك الأمثلة ما هي إلا صور واقعية من المشتتات المتعددة التي يواجهها من يؤدي عمله من المنزل في حياته اليومية؛ بل وأكثر من ذلك؛ فالدراسات تشير إلى أن المشتتات اللحظية مثل: صوت إغلاق الباب، أو رنين الهاتف، وتنبيه الرسائل النصية، أو أي ضجيج آخر غير متوقع، تستطيع تحويل تركيز الشخص تمامًا عن عمله، ويستغرق الشخص ما يقرب من 15 دقيقة حتى يستطيع استعادة تركيزه والعودة لاستكمال ما كان يقوم به من عمل. (2)

 

البحث عن الدافع


عندما تقوم بتأدية عملك من المنزل فأنت -غالبًا- لا تحتاج إلى الالتزام بمواعيد محددة لأداء العمل، ولست مضطرًا إلى الحضور مبكرًا لمقر المؤسسة لتؤدي عملك. وبالتالي؛ وعندما لا يوجد سبب حقيقي لاستيقاظك مبكرًا، فإنك ستكون أكثر عرضة للاسترخاء لساعات طوال. لذلك يعتبر تقلص دافع العمل من المشكلات الرئيسة التي تعكر صفو ما تبقى من مميزات أداء العمل من المنزل. المتتالية التي تؤدي في النهاية إلى تقلص دوافع العمل.

 

عندما يؤدي الشخص عمله من المنزل فلن يرى أمامه مديرا مباشرا يتابعه باستمرار لتأدية المهام المنوطة به. وبالتالي -ولأسباب عدة- يحتاج من يقوم بأداء عمله من المنزل إلى دفعات لا نهائية من التشجيع والتحفيز الدائم حتى يستطيع الحفاظ على دافعه لأداء المهام والواجبات الوظيفية المنوطة به؛ ثم الحفاظ على الاستقرار في حياته المهنية والوظيفية.

 

الدوران في حلقات مفرغة
حياة أغلب من يؤدون أعمالهم من المنزل ما هي إلا محطات متتالية من العمل؛ فلا يوجد خط حقيقي فاصل بين العمل وبقية الحياة الشخصية. فيقضي الشخص المزيد والمزيد من الوقت داخل مكتبه من أجل تأدية عمله الذي قد يستغرق ساعات أطول بكثير عما إذا ما تمت تأديته من مقر الشركة أو المؤسسة. فلا يشعر الشخص باختلاف طوال اليوم؛ لقضائه ما يقرب من 12 ساعة يوميًا بمكتبه دون الخروج من المنزل.

فالشخص الذي يعمل من المنزل لا يتذوق شعور الموظف الذي يغادر مكان عمله حين إنهاء مهامه الوظيفية حتى إنه دائم الانشغال بالعمل ومهامه؛ وإن كان لا يقوم بها. فأثناء أوقات الفراغ أو في العطلات يكون دائم الانغماس والتفكير في المهام الواجب عليه تأديتها وترتيب مواعيد تسليمها.

 

ألا ينتهي هذا الأرق؟!
قامت منظمة العمل الدولية -التابعة للأمم المتحدة– بدراسة بحثية تم نشرها في منتصف (فبراير/شباط) من العام الجاري2017 تحت عنوان: العمل في أي وقت، وفى أي مكان: آثار ذلك على عالم الأعمال (Working anytime, anywhere: The effects on the world of work) لتحليل عادات عمل الناس في الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا وبلجيكا، وفرنسا وفنلندا، وألمانيا والمجر وإيطاليا، وهولندا وإسبانيا والسويد، والأرجنتين والبرازيل، والهند واليابان.

 

حيث ميَّزت الدراسة الأشخاص إلى ثلاث مجموعات؛ وفقًا لنمطية وطبيعة العمل: المجموعة الأولي؛ تضم الأشخاص الذين يؤدون أعمالهم من المنزل بانتظام، وتضم المجموعة الثانية الأشخاص الذي يعملون من أماكن مختلفة بعيدًا عن مكتب مقر العمل، بينما تضم المجموعة الثالثة الأشخاص الذين يقسمون وقتهم بين المكتب والمنزل. فوجدت النتائج أن المجموعات الثلاث أكثر عرضة للعواقب والتأثيرات السلبية على الصحة من الموظفين الذين يؤدون أعمالهم من مكتب مقر العمل بانتظام.

 

فقد أكدت النتائج أن 42% من الأشخاص الذين يؤدون أعمالهم بانتظام من المنزل يعانون من الأرق، بالمقارنة مع 29% فقط من أولئك الذين يؤدون أعمالهم من مكتب مقر العمل. كما أكدت -أيضًا- أن 41% من الأشخاص الذين يؤدون أعمالهم من أماكن مختلفة يعانون من الإجهاد مقابل 25% من أولئك العاملين بمكتب مقر العمل. (3)

 

ماذا عن الرضا الوظيفي؟


يؤدي العمل من المنزل إلى تفاقم
ضغوط العمل على الموظفين، فتقول أستاذة علم النفس بجامعة جنوب فلوريدا "تامي ألين" إن العمل من المنزل يطمس الخطوط الفاصلة بين العمل والحياة الشخصية في المنزل؛ مما يقود الموظفين إلى أن يصبحوا أقل تركيزًا وإنتاجية مما ينعكس على مدى رضاهم عن وظائفهم.

 

كما يؤكد "بين وابر" الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات "سوسيومتريك سوليوشنز" (Sociometric Solutions) التي تعمل في دراسة العمل عن بعد، أن العمل من المنزل يؤثر سلبيًا على رضا الموظفين بوظائفهم، وذلك عن طريق إحدى التجارب التي قامت بها شركته على موظفي إحدى شركات الطيران الكبرى؛ حيث كشفت نتائج التجربة أن الموظفين الذين يتفاعلون مع بعضهم وجهًا لوجه أكثر سعادة ورضا بوظائفهم من غيرهم بأكثر من 30%. (4)

 

وبالتالي؛ وبالرغم من المميزات التي توفرها طبيعة العمل من المنزل من المرونة والحرية؛ إلا أن المشكلات التي تصاحب هذا النمط من الأعمال كثيرة ولا يمكن التغاضي عنها؛ لذا فإن كنت تقوم بأداء عملك من المنزل فإنه لا بد من الانتباه لكافة المشكلات التي تم طرحها في متن هذا التقرير، والعمل على توفير حلول فعالة لما يمكن السيطرة عليه منها. بالإضافة إلى ذلك يُفضل عدم الالتزام التام بمكان واحد لأداء العمل. فقد انتشرت مساحات العمل المشتركة، وأصبحت توفر حلًا بديلًا وفعالا للعمل من المنزل.

المصدر : الجزيرة