شعار قسم ميدان

من "أمازون" إلى "لينكد إن".. قصص لإمبراطوريات بدأت صغيرة

midan - ebay

الكثير من المشروعات الريادية تبدأ مشوّشة، ورائد الأعمال عندما يقوم بإطلاق شركته الناشئة قد يكون متحمّسا للفكرة ولديه تصوّر عام عن أساليب تنفيذها، إلا أنه ورغم الاستعدادات فإن الظلام والضبابية يبقيان مرافقان لخطوات الانطلاق، خصوصا إذا قطع الرائد طريقا لم يقطعه أحد من قبل.

 

أعظم الشركات الريادية الكبرى في عصرنا الحالي بدأها مجموعة من الشباب في ظروف شديدة الصعوبة، وأفكار مشوّشة غير واضحة، مغامـرون سلكوا طرقا لم يسلكها أحد قبلهم بدون إرشادات أو رؤى مُسبقة تطمئنهم أو ترشدهم بخصوص مطبّات الطريق، وكان من حقهم الطبيعي أن ينالوا المجد من الشهرة والنجاح والثروة باعتبارهم الأوائل.

 

في الجزء الأول من هذا التقرير استعرضنا مجموعة مشروعات ريادية بدأت صغيرة ووصلت إلى مرتبة من العالمية والانتشار جعلها تعتبر من المفاصل الأساسية في حركة الانقلابات التقنية التي تحققها البشرية منذ قرون. هنا نستكمل مجموعة من المشروعات المُختارة التي بدأت بسيطة وتحوّلت إلى انقلابات كبرى استفادت منها البشرية كلها، وعادت على أصحابها بالمجد والثراء -الذي يستحقونه-.

 

لينكد إن.. الطريق إلى التشبيك
undefined
 
عندما تخرّج ريد هوفمان من جامعة ستانفورد العريقة كان هدفه محددا: العمل كأستاذ جامعي، فالرجل كان شغوفا بالتدريس بشكل كبير، ويهتم بالعمل الأكاديمي أكثر من أي عمل آخر. عندما تخرّج في الجامعة وجد نفسه منساقا للعمل في العديد من الوظائف التقنية، فعمـل في شركة "آبل" لفترة، ثم بدأ طموحه يتنامى تدريجيا برغبته في الدخول إلى مجال ريادة الأعمال وتأسيس الشركات، مع تداعي الأفكار إلى رأسه أثناء عمله في الشركة التي تركز على الأفكار أكثر من أي شيء آخر.

 

ومع ذلك، استمر هوفمان في طريقه الوظيفي المعتاد، حيث حصل على وظيفة ممتازة في موقع "باي بال" خرج منها بخبـرة جيدة جدا على المستوى الفني، إلى جانب تعرّفه على العديد من الشخصيات المميزة في مجال التقنية، منهم مستثمـري ومموّلي مشروعات. وعندما قامت "إي باي" (eBay) بالاستحواذ على شركة "باي بال" خرج هوفمان من الشركة عازما على أن تكون خطـوته القادمة هي تأسيس مشـروع ريادي كانت فكـرته قد تخمّرت في ذهنه تماما وتأكّـد من نجاحه، وهو: إنشـاء شبكة اجتماعية للتواصل بين الناس من كافة الجنسيات، ولكن ليس بغرض التعارف أو الدردشة أو الربط مع الأصدقاء والمعارف، وإنما لسبب أهم وأفضـل بكثير، وهو التشبيك بين الموظفين وأصحاب الشركات. بمعنى آخر، أن توفّر هذه الشبكة مكانا سهلا للتواصل بين أصحاب الكفاءات وأصحاب الأعمال، وتساعدهم في إيجاد أعمال وبدء مشروعات بشكل أسرع.

 

في عام 2003 أطلق ريد هوفمان موقعـه الشهير "لينكد إن" (Linkedin)، وبدأ بدعوة 13 شخصا فقط هم العاملون على تأسيس الموقع أصلا، والذين قاموا بدعوة أصدقائهم وأقاربهم وزملائهم حتى وصل إلى بضعة مئات لا أكثر. خلال الأعوام الأولى من إطلاق "لينكد إن" كان تركيز إدارة الموقع منصبا على التواصل مع عدد من الشركات والمؤسسات وقطاعات الأعمال والمديرين التنفيذيين، وإقناعهم بالمنصّة الجديدة التي تلعب دور التشبيك بينهم وبين الموظفين وذوي الكفاءات من ناحية، ومن ناحية أخرى تضمن علاقات عامّة واسعة بين أصحاب المهن والمجالات المختلفة التي قد تساعد في خلق مشروعات محتملة فيما بينهم لاحقا.

  

في عام 2016 تم الإعلان عن استحواذ شركة
في عام 2016 تم الإعلان عن استحواذ شركة "مايكروسوفت" على "لينكد إن" مقابل 26.2 مليار دولار، في واحدة من أكبر الصفقات التقنية التي شهدها العالم على الإطلاق
  

حقق الموقع نموا سريعا وبدأ في تحقيق أرباح كبيرة من وراء الإعلانات أو اقتطاع من قيمة إعلانات الوظائف في الشبكة، وبقدوم عام 2007 كان "لينكد إن" لديه مكتبا إقليميا في أوروبا، وأكثر من 35 مليون مشترك حول العالم، وأرباح تتزايد بنسبة 900%، ما يعني نجاحا كاسحا بكل المقاييس. ثم جاء عام 2008 ومعه الأزمة المالية العالمية التي نتج عنها تسريح الآلاف من الموظفين حول العالم، خصوصا في الولايات المتحدة، وما نتج عنها من إغلاق شركات كاملة ومصانع عملاقة، وارتفاع البطالة في أوساط الشعب الأميركي والعديد من الدول حول العالم. هذه الأزمة تحديدا كانت فرصة ذهبيـة لموقع "لينكد إن" للمزيد من التوسع والانتشار. فمع هذا التراجع العالمي في سوق التوظيف أصبح الإقبال أكبر على شبكة "لينكد إن" كملاذ للموظفين وأصحاب الشركات للمزيد من البحث والتواصل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد المشتركين بشكل هائل وصل إلى مئات الملايين حول العالم من كافة الجنسيات.

 

وفي عام 2016 تم الإعلان عن صفقة استحواذ ضخمة قامت من خلالها شركة "مايكروسوفت" العملاقة بشراء "لينكد إن" مقابل 26.2 مليار دولار، في واحدة من أكبر الصفقات التقنية التي شهدها العالم على الإطلاق. موقع "لينكد إن" يعتبر انقلابا حقيقيا في سوق التواصل المهني والوظيفي العالمي، وكان مُستلهما من ظروف وظيفية مختلفة مرّ بها مؤسسه ريد هوفمان الذي وصلت ثروته الآن إلى 3 مليارات دولار بحسب فوربس 2017. (1،2،3)

 

أمازون.. بيغ بانغ التجارة الإلكترونية
undefined
 
عندما يأتي الحديث عن "أمازون" فنحن لا نتناوله كانقلاب تقني عادي، وإنما نستعرضه كحدث أدى لتغير كامل في هوية شبكة الإنترنت كما يراه كثيرون، والبدء الأوّل في ظهور مفهوم التجارة الإلكترونية بمعناها الحقيقي الذي تمارسه البشرية كلها اليوم. جيف بيزوس مؤسس "أمازون دوت كوم"، ثروته تقدر الآن بحوالي 79 مليار دولار، ويعتبر ثالث أغنى أغنياء العالم، وتعتبـر شركته واحدة من كبرى الشركات العملاقة في الولايات المتحدة والعالم في مجال التجارة الرقمية.

 

الواقع أن بيزوس لم تكن بداية حياته رائعة على الإطلاق، بل كانت بائسة إلى حد ما، حيث ولد في عائلة شديدة التفكك، حيث قامت أمه بطرد أبيه من المنزل، واستمر برفقة والدته لفتـرة طويلة أظهـر فيها ميولا كبيرة للاختراعات والميكانيكا، إلى أن جاء الوقت الذي وقع أمامه جهاز كمبيوتر لأول مرة، فعرف أن شغفه سيكون بداخل هذا الجهاز. حصل بيزوس على شهادة في علوم الحاسب من جامعة برنستون (الجامعة التي كان يحاضر فيها ألبرت أينشتاين ذات يوم)، ما جعله من الطبيعي أن يحصل على وظيفة ممتازة في "وول ستريت"، ويعمل على دراسة الأسواق المختلفة، واستمر في وظيفته سنوات طويلة حصل من خلالها على مكانة اجتماعية ووظيفية مرموقة جعلته يتزوّج ويبني أسرة بشكل عادي تماما.

 

وعندما جاء عام 1994 وجيف بيزوس في الثلاثينيات من عمـره، كان القدر يخبّئ له الفرصة الكبرى التي استغلها بأفضل شكل ممكن. كانت الفرصة على شكل خبر عادي قرأه بيزوس عن أن استخدام الإنترنت في العالم يزداد بنسبة 2300%، الأمر الذي جعله يقف كثيرا أمام مدلول هذا الرقم، ويدرك تماما أن الإنترنت هو الموجة القادمة الضخمة، وأن من يركب هذه الموجة سيحقق نجاحا هائلا بلا شك. وكانت الموجة التي رصدها هي البيع والشراء عبر الإنترنت، فقام فورا بكتابة عدد من المنتجات التي يمكن بيعها بسهولة عبر الإنترنت، ثم استقر على بيع وشراء الكتب، ثم أخذ الخطوة المجنونة واستقال من وظيفته المرموقة، وحصل على قرض جيد من علاقاته القوية في "وول ستريت"، وبدأ في تنفيذ مشروعه.

  

أصبح موقع
أصبح موقع "أمازون" واحدا من أهم المواقع التي تبيع الكتب في أميركا، الأمر الذي جعله يحصل على استثمارات أخرى في مشروعه ساعدته في التوسع السريع
  

خلال سنوات بسيطة أصبح موقع "أمازون" واحدا من أهم المواقع التي تبيع الكتب في أميركا، الأمر الذي جعله يحصل على استثمارات أخرى في مشروعه ساعدته في التوسع السريع في تطوير المشروع، وتحويله من بيع الكتب إلى موقع للتجارة الرقمية الشاملة، وأخذ ينمو بشكل سريع ويتوسّع في مجالات عديدة حتى تحوّل إلى إمبراطورية "أمازون دوت كوم".

 

"أمازون دوت كوم" تحوّلت خلال سنوات بسيطة من إطلاقها إلى نموذج للشركة الريادية الجامحة، عندما أطلقت مشروع الكيندل الشهير للقراءة، وحصلت على حقوق نشر لعدد من دور النشر الكبرى، وأطلقت مجموعة استوديوهات لتطوير الأفلام، فضـلا عن قيامها بالاستحواذ على عدد من الشركات الكبرى الأقليمية، آخرها شركة "سوق دوت كوم" العربية للتجارة الرقمية.

 

رحلة بيزوس الانقلابية بدأت في منتصف التسعينيات، ولم يمضِ عليها -لحظة كتابة هذه السطور- سوى 23 عاما فقط، استطاع من خلالها تحقيق ما تعجز كبرى شركات العالم عراقة في تحقيقه، وأن تتحوّل مسيرته الريادية إلى واحدة من أكثر قصص الروّاد إلهاما على الإطلاق.(4)

 

ياهو!.. باقية وتنكمش
undefined
 
صحيح أن موقع "ياهو!" (Yahoo!) لا يمر بأفضل حالاته على مدار السنوات الماضية، وأن شركة "ياهو!" أصبحت مثالا واضحا للشركة الجامحة الطامحة التي أصابها الركود وتسبب في تراجع أضوائها، رغم كافة محاولات الإنقاذ التي يتم اتخاذها لإعادتها لأمجادها. ولكن هذا لا يعني أن ننسى أن "ياهو!" كانت واحدة من أهم القاطرات التي ساهمت في دخول العالم كله إلى شبكة الإنترنت، وحققت انقلابات عديدة فيما يخص المحتوى والبرمجيات والتوسّع الكبير الذي كان سمـة العقد الأول من الألفية تحديدا.

 

في عام 1994 كان الإنترنت ينتشر بشكل متسارع للغاية في الولايات المتحدة تحديدا، وبدأ يأخذ طابعا عالميا، وهو الأمر الذي لفت كلا من جيري يانغ الأميركي من أصل تايواني خريّج جامعة ستانفورد في علوم الحاسب والكهرباء، وديفيد فيلو رجل الأعمال، إذ أحدهما يملك الخبرة الفنّية والثاني يملك التمويل والإدارة. أقبل كل من جيري وديفيد على تأسيس موقع فكـرته بسيطة للغاية في ذلك الوقت، وهو دليل مبسّط يجمع كافة المواقع وأكثرها تداولا في تلك الفترة، وأطلقوا عليه اسما طريفا أوّليا هو "دليل ديفيد ويانغ للشبكة العالمية" (Jerry and David’s Guide to the World Wide Web).

 

بعد مرور عام وجد الشريكان أن الموقع رغم بساطته يحقق إقبالا جيدا، وبدا لهما واضحا أنه بذرة مشروع جيد على الإنترنت الوليد، فقاما بتحويل اسم الموقع إلى "ياهو!" (Yahoo!) اللذين استمداه من رواية "رحلات جاليفر" الشهيرة، وقررا إضافة خصائص فنية مميزة له. خلال العام التالي من إطلاق الموقع بحلّته الجديدة انهالت الزيارات على الموقع بشكل كبير حتى حقق مليون زيارة، وكان هذا العدد ضخما للغاية في منتصف التسعينيات، الأمر الذي جعل الموقع لافتا لأنظار الكثير من المستثمرين الذين ساهموا بضخ تمويل كبير في الشركة الوليدة، والدفع بها لتطوير عدد كبير من الخدمات بدلا من الاكتفاء بدليل للمواقع.

 

كان هذا هو الميلاد الحقيقي لـ "ياهو!"، حيث بدأ الموقع يدعم خدمة محرك البحث، وبدأ في إطلاق البريد الإلكتروني الخاص، ودشّن مجموعة من خدمات المحتوى الرقمي، الأمر الذي جعله يتوسّع بشكل سريع جدا خلال سنواته الأولى، وجعله يطرح أسهمه للاكتتاب العام ويجمع أكثر من 30 مليون دولار. في نهاية التسعينيات كان "ياهو!" يحتل المركز الأول في ترتيب المواقع العالمية بزيارات شهرية تزيد عن 100 مليون، وهو رقم هائل يكاد يساوي عدد مستخدمي الإنترنت جميعا في تلك الفترة، وهو الأمر الذي جعل الشركة الجامحة تدخل الألفية الجديدة بثقـة كبيرة في الاستمرار في النجاح والتوسّع.

  

تراجع أداء
تراجع أداء "ياهو!" بشكل ملحوظ بعد أن قامت بعدد من الاستحواذات الفاشلة، وتعرّضها لأزمات مالية عنيفة، أدّى في النهاية إلى الاستحواذ عليها بالكامل بواسطة شركة "فيرايزون" (Verizon) الأميركية في 2016
  

على مدار سنوات نافست "ياهو!" أكبر الشركات العالمية، وكانت حجر الأساس في قيادة العالم الرقمي، وحاولت "غوغل" و"مايكروسوفت" الاستحواذ عليها بأرقام فلكية وصلت إلى الحد الذي جعل "مايكروسوفت" تعرض شراء "ياهو!" عام 2008 بقيمة 44 مليار دولار، الأمر الذي قوبل بالرفض من "ياهو!" بحجة أن هذا المبلغ الهائل لا يساوي قيمة الشركة الحقيقية!(5)

 

ومنذ ذلك التوقيت تراجع أداء "ياهو!" كثيرا بشكل ملحوظ بعد أن قامت بعدد من الاستحواذات الفاشلة، وتعرّضها لأزمات مالية عنيفة جعلها تقلّص من مكاتبها حول العالم، وتقوم بغلق عدد من الخدمات، والاستعانة بعدد كبير من المديرين التنفيذيين في وقت وجيز، أدّى في النهاية إلى الاستحواذ عليها بالكامل بواسطة شركة "فيرايزون" (Verizon) الأميركية في عام 2016 بمبلغ 4.84 مليار دولار فقط، في واحدة من أكبر قصص الانهيار التي تعرّضت لها شركة تقنية على الإطلاق.(6)

 

الأمر المؤكد أن الشابين الطموحين اللذين بدآ مشروع إطلاق دليل لتصفّح المواقع لم يكونا يتخيّلان أنه سيتطوّر ليتحوّل إلى العملاق "ياهو!" الذي كان سببا في أكبر الانقلابات التقنية والرقمية العالمية خلال التسعينيات والعقد الأول من الألفية، وأيضا السبب في ارتفاع ثرواتهما إلى عدة مليارات لكل منهما!(7)

 

إي باي.. عملاق من رحم البساطة
undefined
 
لا يمكن لأي شخص له دخول على شبكة الإنترنت أن يجهل موقع "إي باي" (eBay)، موقع المزادات الأميركي الضخم الذي يلعب دور الوسيط بين البائع والمشتري، ويعتبـر الأول من نوعه وأكبر المواقع من هذا النوع على الإطلاق، حيث وصل حجم أعماله حتى الآن إلى ما يزيد عن 40 مليار دولار. هذه الشركة العالمية الضخمة التي تعمل في العديد من البلاد في نطاقات محلية، إلى جانب النطاق العالمي الخاص بها، وتستحوذ على العديد من الشركات الضخمة، وتعتبر من أقطاب الشركات التقنية العالمية الكبرى، لم تكن بدايتها بهذه الضخامة على الإطلاق.

 

بييـر أوميديار هو المؤسس، أميركي الجنسية من أصول إيرانية، تخرج عام 1988 في مجال علوم الحاسب الآلي، ولم يُعرف عنه أنه كان شخصا متميزا أثناء الدراسة، فكان طالبا عاديا تماما، وبعد التخرّج التحق بوظيفة جيدة في شركة "آبل" ساعدته لكي يكون مساهما في إنشاء تطبيق شهير للرسم "Macdraw" على أجهزة الماكنتوش.

 

في بداية التسعينيات قرر بيير تأسيس شركة بصحبة ثلاثة من رفاقه تعمل في تقديم حلول برمجية لمشروعات مختلفة، من بينها التجارة الرقمية عبر الإنترنت الذي كان شبكة وليدة وصغيرة حينئذ، ولاحقا تحوّلت الشركة بالكامل إلى العمل في هذا القطاع، وتم تسميتها "إي شوب" (eshop). ومع ذلك، لم تحقق الشركة نجاحا كافيا، الأمر الذي جعل بيير يغادرها ويعود مرة أخرى إلى عالم الوظائف النظامية رغم أن الفكـرة كانت لا تزال في رأسه وينتظر الموعد المناسب لتحقيقها بشكل فردي.

 

في عام 1995 قرر بيير تنفيذ فكـرته، فقام بالحصول على عطلة طويلة من الوظيفة، وتفرّغ تماما لإنشاء موقع مزادات للبيع والشراء عبر الإنترنت أسماه "Auction Web"، وفكـرته هي توفير كافة المنتجات وتسهيل عملية البيع والشراء مقابل أن يحصل الموقع على عمولة بسيطة من أي عملية. بمرور الوقت بدأت الشركة في تحقيق أرقام جيدة جدا، وبدأ عدد المسجلين في الموقع في التزايد، فقام بيير بتغيير الاسم إلى "Echopay.com"، لكنه لم يستطع لأن هذا النطاق كان محجوزا لشركة تنقيب عن الذهب، فاضطـر إلى تحويل الاسم إلى "eBay.com".

 

اليوم تقدر ثـروة بيير أميديار بحوالي 8 مليارات دولار، ويعد واحدا من أثرى أثرياء العالم الذي ارتبط اسمه بتأسيس أشهـر موقع مزادات للبيع والشراء حول العالم
اليوم تقدر ثـروة بيير أميديار بحوالي 8 مليارات دولار، ويعد واحدا من أثرى أثرياء العالم الذي ارتبط اسمه بتأسيس أشهـر موقع مزادات للبيع والشراء حول العالم
 

على مدار سنوات وبشكل سريع قام بيير بالدعاية الواسعة لموقعه، وحقق إنجازات كبيـرة لافتة للنظر، حتى وصل عدد مشتركيه إلى مليون مشترك، واستطاع تحقيق أكثر من 800 ألف عملية بيع وشراء، الأمر الذي جعل الشركة تُطـرح في البورصة في نهاية التسعينيات، وتنال تمويلا كبيرا ساعدها فى التوسّع بشكل أكبر، والبدء في عمليات استحواذ كبـرى داخل أميركا وخارجها، لتتحول "إي باي" (eBay) إلى واحدة من أشهر العلامات التجارية التقنية في العالم.

 

مع بداية الألفية الجديدة، وبقدوم عام 2003 كان الموقع قد حقق إيرادات ضخمة تعدت 2 مليار دولار، واقترب عدد عملائه من 100 مليون مشترك، وهو نمو كبيـر ساعد الشركة على العمل على استحواذات لشركات كبرى كـان أبرزها شركة "باي بال" (PayPal) لحلول الدفع الإلكتروني وشركة "سكايب" للمكالمات، إلى جانب التوسّع في الاستحواذ على شركات إقليمية وفتح أسواق جديدة حول العالم.

 

اليوم تقدر ثـروة بيير أميديار بحوالي 8 مليارات دولار، ويعد واحدا من أثرى أثرياء العالم الذي ارتبط اسمه بتأسيس أشهـر موقع مزادات للبيع والشراء حول العالم الذي يعتبر -بلا جدال- من أهم الانقلابات التي شهدتها شبكة الإنترنت منذ تأسيسها حتى اليوم.(8)

 

أخيرا، بعد استعراض تجارب صعود ثماني شركات في عالم التقنية -التي تعتبر حاليا من عمالقة الشركات حول العالم- من المهم أن يترسّخ بداخل أي ريادي أعمال مبدأ أن البدايات المتواضعة قد تقودهم إلى كيانات عملاقة حول العالم، فقط إذا توافرت عناصر الإبداع، والمغامرة، والإصرار على الوصول إلى نهاية الطريق. الأمور قد تبدو سهلة بخصوص هذه التجارب، ولكنها حتما كانت أيام صعبة على أصحابها اختلط فيها الأمل بالإحباط فترات طويلة، حتى استطاعوا أن ينالوا المجد من أطرافه: نجاح وثروة وشهرة ونموذج يُحتذى به لأجيال روّاد الأعمال. 

المصدر : الجزيرة